۩ أكاديمية الفينيق ۩

۩ أكاديمية الفينيق ۩ (http://www.fonxe.net/vb/index.php)
-   ☼ بيادر فينيقية ☼ (http://www.fonxe.net/vb/forumdisplay.php?f=31)
-   -   أصول وآداب النقد (http://www.fonxe.net/vb/showthread.php?t=55649)

الدكتورة عزة رجب 10-09-2014 01:31 PM

أصول وآداب النقد
 



دراسة رأيت وضعها بقسم تحت الضوء لما لها من علاقة وطيدة بالقسم / كونه يتناول أدوات النقد
وكونه يعرض أدبيات قد تغيب عن بال الكثير من النقاد الذين يرتادون القسم بدراساتهم
و أطروحاتهم



أصول وآداب النقد
د. بليل عبدالكريم

أصول وآداب النقد

كلام أهل العلم ونقْدهم في مختلف الفنون هو وسيلة لإدراك غاية، فليس من مقاصدهم الخوض في أعراض الناس؛ لذا التزموا الاعتدال في بيان الأحوال، والوزن بالقسط في إصدار الأحكام، وكانت لهم قواعد عامة في نقد القائل، وقواعد في نقد القول، يراعى فيها التفريق بين الرأي وصاحبه.

وامتاز علماء الحديث بتقعيد قواعد الجرح والتعديل، وهاته القواعد كان يلتزمها مَن ينتقد غيره في علوم أُخر، ويصل في مقام نقده للفكرة أو المقالة إلى نقد القائل.

فبعض المسائل النقدية في العقائد، لا تُلزم الراد أو المجادل التطرُّق لحال خَصمه أو محاوره، وبعضها يُقر على المنتقد الكلام عن صاحب المقالة وبيان حاله، أهو من أهل العلم؟ أم من الدُّخلاء من أصحاب البدع، أم لا؟

وبيان عدالته وثقته في ما يروي من الأخبار وأقوال العلماء وغيرها، مما يقتضيه مقام النقد، وأهم قواعد نقد الرجال وتقييم المُعيَّن هي:
1- الأمانة في الحكم: بذكر ما له وما عليه، وفضائله ومساوئه.

2- الدقة في الحكم: ببيان كل ما له صلة بالنقد، ثم صدور الحكم المناسب.

3- التزام الأدب: يقول المزني: سَمِعني الشافعي يومًا وأنا أقول: فلان كذاب، فقال لي: يا إبراهيم، اكسُ ألفاظك أحسنَها، ولا تقل: كذاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيءٍ[1].

وقد اهتمَّ المسلمون بصيانة العلوم، وإتقان الفنون، فمن أصول الجودة منع التقليد، ومكافحة الرديء، ومراقبة المنتج، وهذه مبادئ تسري على العلوم والفنون، فكان دأب أهل العلوم أن يقوم على كل فن أهله، يَزِنون أقواله، وينتقدون مصنَّفاته، ويختبرون أهله، فيصنفون أهل الفن ونتاجهم.

وبذا الصنيع يدرَؤون عن العلوم الدَّخَن، ويذبُّون عن الفنون الدخل، فتطلع مصنَّفاتهم وعلومهم فنًّا حِيك بأيدي صاغة مَهَرة، عليه ختْم النقد، ودلائل الجودة والحُسن.

فأسَّسوا لذلك علوم النقد، من فنون الجدل، وآداب البحث والمناظرة، والردود، وعلم الجرح والتعديل، ونقد الرجال، ووضَعوا لكل فن أصولاً؛ فللعقائد أصول الدين، وللفقه أصول الفقه، وللحديث علم المصطلح، وللتفسير أصول التفسير، وهَلُمَّ جرًّا باقي الفنون؛ من تاريخ، ولغة، وسياسة.

أ- أصول النقد:
نعرض جملة من أصول النقد لدى أهل العلم، مع اختصارها في ما يخص العقائد، ومنها:
1- أهلية الناقد: من حسن إسلام المرء ترْكه ما لا يَعنيه، ومما لا يَعنيه ما لا يَعِيه، ومن فِطنة العاقل معرفة قدره، ووزن قدْر مَن ينتقد؛ إذ النقد وسيلة لغاية مقدرة بمقصد، وترجيح وقته ومشروعيته في المُعيَّن والزمان، مرتبط بمقتضى المصلحة الشرعية، وهي راجحة بين توارد الخير، وتدافع المفسدة، فكان ذا الباب عويصًا على المبتدي الشادي، مشكلاً على الطالب الحادي، يتريَّث فيه أولو العزم من أصحاب العوالي.

غير أن حماسة الأعصاب، وجرأة الإقدام، تدفع مَن لا باع له لتصدُّر المقام، وأوْلَى له ثم أولى ترْك الفرس لفارسها، والسهم لباريها، والتولي عن الزحف على مَن لا قِبَل له بهم.

فإذا كان من الحق ألا يُمنَع صاحب الحق عن حقِّه، فمن الحق ألا يُعطى هذا الحق لمن لا يستحقه، ومن الحكمة والعقل والأدب في الرجل: ألا يعترض على ما ليس له أهلاً، ولا يدخل فيما ليس هو فيه كُفؤًا.

ومن قوادح الأهلية: تلبُّس الناقد بباطل ما ينتقد، أو جهله بالحق أصلاً، أو ألا يُجيد الدفاع عن الحق، ولا يدري مسالك الباطل؛ لذلك فليس كل أحد مؤهلاً للدخول في حوار صحي صحيح، يؤتي ثمرة يانعًا ونتاجًا طيبًا.

فالجاهل بالشيء ليس كفؤًا للعالِم به، ومَن لا يعلم لا يجوز له جدال من يعلم.

وتقرير ذلك في قول إبراهيم: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 43].

ومن البلاء نقد الجهلة للعلماء، ومناطحة الأصاغر للأكابر، فالواجب على مَن لا يعلم: أن يسأل ويتفهَّم، لا أن يعترض وينتقد، وهي سيرة أُولي العزم من الرسل: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾ [الكهف: 66].

وليس كل من يعلم الحق مؤهلاً للدفاع عن الحق والجدل عنه؛ فحصول المعرفة لا يقتضي توفُّر مَلكة الدفاع عنها، وإدراك شيء من الحق لا يلزمه القدرة على كشف أشياء من الباطل، فقد يدري الناقد المتصدر للنقد قولاً، ولا يعلم بأوجه أُخَر، ويستوعب قاعدة ولا يَفطن لشروط، ويدرك مسالك ولا يعي عللاً، ويحفظ دليلاً ولا يستنبط وجه الاستدلال منه، ويظن أن ما معه حق يقابله لزامًا غيره من الباطل.

فما كان على قواعد الأصول، أو مردود إليها، فليس ببدعة ولا ضلالة، وذا قول مَن درى السنن وقواعدها، وفقه النصوص وأصولها، ولا يتأتَّى ذلك إلا لمن له الباع الطويل من العلم الصحيح والدراية بالشريعة ومقاصدها.

فالعلم يسوقه: النظر الفاحص، وتتبُّع النصوص وجمْعها، وحمل بعضها على بعض، وإعمال كلام الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- ما أمكن، واستيعاب الآثار، والدراية بأقوال أهل العلم، والمطالعة لمسالكهم في الاستدلال، وطُرقهم في الاستنباط.

فهم أُلزموا الفتوى، ولم يُلزَموا إيراد دليلها، فيكون لبعضهم كلام مما يرى غيره أن لا مستدل له عليه، غير أن هدي العلماء حمْل كلام مَن يُوثق في علمه ودينه على حُسن الظن، والأصل في مَن تكلَّم في دين الله، ألا يَقْفُوَ ما ليس له به علم، فدُرِي لزامًا أن قول العالم لدليلٍ عرَفه، وجهْله غيرَه، وإن كان قوله مرجوحًا.

فهدي الأئمة: تتبُّع السنن، وجمع النصوص، وإعمال القواعد والأصول؛ لذا لن تجد فيما قرروه أو استحبوا ما يخالف نصًّا إلا لمعارض عندهم، ولا ظاهرًا إلا بتأويل مقبول.

ولا تجد بينهم من يبدع مخالفه، أو يُضلله، لعلمه بأن له متمسكًا بما يصلح له ترجيحه، وإن عارض ترجيح غيره.

بناءً على ذاك: لا يجوز أن يطلق أحد لسانه بالنقد، ولم يبلغ رشد العلم، ولا تأهل لملكة الرد، فكان لزامًا في الناقد توافر أهلية القيام بالنقد؛ لبيان الحق، وإبرام أدلته، ونصبها دليلاً عليه، وإلا فقد ذمَّ الله- تعالى- من يحاج بلا علم، فقال- سبحانه -: ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 66].

فينزل كل عالم منزلته، ويحسب بتأهله، وما يفتح الله به عليه: فمن العلماء من يكون تأهله للرد على الملاحدة ومَن في حكمهم، ومنهم من يكون للرد على أهل الملل والأديان الباطلة، ومنهم المتأهل للرد على أصحاب الصغار من المبتدعة المنتسبين إلى الإسلام، ومنهم المتمكن لتولي الرد على أرباب الشذوذات الفقهية، ومنهم مَن يجمع الله له كسر هذه الصنوف، ومحاجتهم بالحق، كما هيأ الله- سبحانه- ذلك في أفذاذ من العلماء.

ومنهم من يدري الحق غير أنه لا ملكة عنده في المناظرة، ولا الجدل، أو النقد، وهم بين ذلك درجات.

فمن كان محصلاً على شيء من العلم، فالأولى له التفرغ لتحصيل ما تبقَّى، وإدراك ما هو فرض عين في حقه، لا تتبُّع أزقة الطريق، والاشتغال بالترصد لأخطاء الآخرين عن تكملة علمه، مدعيًا أنه يقوم بواجب الدعوة بما تعلم طلبًا للحق.

يقول أبو حامد الغزالي: "ويطلعك على هذا التلبيس ما أذكره، وهو أن التعاون على طلب الحق من الدين، ولكن له شروط وعلامات ثمان.

الأول: ألا يشتغل به، وهو من فروض الكفايات.

فمن لم يتفرغ من فروض الأعيان، ومَن عليه فرض عين، فاشتغل بفرض كفاية، وزعم أن مقصده الحق- فهو كذاب.

ومثاله من يترك الصلاة في نفسه، ويتجرد في تحصيل الثياب ونسْجها، ويقول غرضي ستر عورة من يصلي عريانًا ولا يجد ثوبًا، فإن ذلك ربما يتفق- ووقوعه ممكن- كما يزعم الفقيه أن وقوع النوادر التي عناها البحث في الخلاف ممكن.

والمشتغلون بالمناظرة مهملون لأمور هي فرض عين بالاتفاق، ومن توجه عليه ردُّ وديعة في الحال، فقام وأحرم بالصلاة، التي هي أقرب القربات إلى الله- تعالى- عصى به.

فلا يكفي في كون الشخص مطيعًا، كون فعْله من جنس الطاعات، ما لم يُراع فيه الوقت، والشروط، والترتيب"[2].

2- تحديد محل النزاع:
تحرير محل النزاع مع المخالف: يضمن عدم تشعُّب الخلاف فيما لا خلاف فيه، ويتم التحرير بالاعتناء بالمضمون المتنازع فيه، وتقريب شقة الخلاف، بحيث يسقط منها الخلاف اللفظي.

وتوضيح مآخذ المخالفة، وإحكام إدراكها، أساس في ترتيب النقض، وضبط محل النزاع يقرب المفاهيم، ويختصر زمن الجدل والنقاش، فيقضي على الخلاف اللفظي، ويوجه دَفة النقد نحو صلب الموضوع، ويساعد على بحث دقائق الإشكالات، بدل الخوض في الحواشي والأطراف، فقد يكون الطرفان متفقين في النتائج، متغايرين في منهج العرض، مجتمعين في مبدأ الاستدلال، غير أن تعبير كل واحد بمصطلحاته، يوهم بنوع من الخلاف، يسبِّبه تحكُّم كل طرف في مقالة الآخر بمفاهيمه هو.

وكثير من النزاع بين الجماعات الإسلامية، نزاع لفظي، فتحول الملاسنة والتطاول دون فهمه والتدقيق في مضمونه، فيضخم ويتولَّد، وينمو ويتشقَّق، ويتفرع ويترعرع في خُطب، ومطبوعات، وأشرطة تسجيلات، وتندلع معارك خطابية، ومساجلات كلامية، تتناسل منها الفُرقة والشر.

3- توثيق النقد:
والتوثيق يكون من الأصل لا من الكتب التي ترد على من ينتقد، أو تحكي عنهم، أو فيما يقال عنهم، فهي مراجع بين التابعة والثانوية وما لا قيمة له، إلا أن يشقَّ بلوغ الأصل، وعلم من الناقل أنه ثقة عدل فيما يروي.

وذا مسلك بالغ الأهمية، وبالأخص في المسائل التي يترتَّب عليها حُكم، أو تخالف منهج المنتقد وأقواله.

فكثير من التُّهم أو أوصاف التناقض والتخبط، قد تلحق بعض المردود عليهم، غير أن الناقد لم يراعِ أنه لم ينتقد نصوصهم، بل نقد الفهم الموثق عن كلامه؛ إما من أتباعهم، أو من معارضيهم.

ومسالك نقل الكلام متعددة، فقد يكون مشافهة أو مكاتبة، وقد يكون ملخصًا لما فهِم من الكلام، أو لازمًا للقول، وقد حصل من هذا الكثير، فكم من عائب لقولٍ لعالم، ولم يدر نسبة القول له من مصنفاته، بل من مؤلفات خصومه.

والأصل هناك إعمال قواعد قبول الرواية، فقد ينقل من مصادر تابعة، فينظر لمنهج صاحبها في نقل كلام غيره، والرد عليهم، ونقْدهم.

فمن الغلط الفاحش قَبول تقوُّل الناس بعضهم على بعض، ثم يبني عليه السامع حبًّا وبغضًا، ومدحًا وذمًّا، فالواجب على العاقل: التثبت، والتحرُّز، وعدم التسرع، وبهذا يعرف دين العبد، ورزانته، وعقله.

و"المراد من التبين: التعرُّف والتفحص، ومن التثبت: الأناة، وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع، والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر"[3].

ولنا في الردود على أهل الكتاب في القرآن- ونقد عقائدهم- مثلُ، ففيها تورد عليهم أقوالهم من كتبهم، ويتحاكم في نقد تحريفهم لمصادرهم، فيرد باطلهم بمراجعهم: ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عمران: 93- 95].

فالأصل في النقد أو الفتيا: الأخذ من المصدر، أو من الثقة الذي ضبط ما معه من المصدر، إن تعذَّر التماس الأصل.

وهذه القاعدة عامة في العلم كافة؛ قال القرافي: "كان الأصل يقتضي ألا تجوز الفتيا إلا بما يرويه العدل عن العدل، عن المجتهد الذي يقلده المفتي، حتى يصح ذلك عند المفتي، كما تصح الأحاديث عند المجتهد؛ لأنه نقل لدين الله- تعالى- في الوصفين، وغير هذا كان ينبغي أن يحرم.

غير أن الناس توسعوا في هذا العصر، فصاروا يُفْتُون من كتب يطالعونها من غير رواية، وهو خطر عظيم في الدين، وخروج عن القواعد.

وعلى هذا تُحرَّم الفتوى من الكتب الغريبة التي لم تَشتهر؛ حتى تتضافر عليها الخواطر، ويعلم صحة ما فيها، وكذلك الكتب الحديثة التصنيف، إذا لم يشتهر عزو ما فيها من النقول إلى الكتب المشهورة، أو يعلم أن مصنفها كان يعتمد هذا النوع من الصحة، وهو موثوق بعدالته، وكذلك حواشي الكتب تحرم الفتوى بها؛ لعدم صحتها والوثوق بها"[4].

4- ضبط الثوابت والمسلمات:
إذ محل النزاع لا يستدل به، ولا يحاجج مخالف بما لا يرى مصداقية له في الاستدلال، ولا يلزم بما لا يعده مصدرًا للحِجَاج.

ومن لم يضبط معه المسلَّمات، يَخُضْ في مِرَاء لا آخر له، كلما جاءه دليل كفَر به، كأن يحاور مسلم شيوعيًّا بنص الكتاب في الربوبية والألوهية؛ إذ النقاش معه لا يَبتدئ من هنا، والنقد حيث انتهى إلى مقدِّمات يسلم بها العام والخاص، فقد تَمَّ، وبعدها جدل سفسطائي.

غير أن هنالك بعض المقدمات التي تكون خاصة: إما بطائفة فن معيَّن، أو مذهب في مجال ما، فما من بد في بيان تلك المقدمات في مبدأ النقد، ووضع خريطة مفاهيم، وتصنيف وتوضيح المصطلحات التي ستتداول حال المناقشة والنقد، وبهذا الترتيب تكون حدود حَلْبة النقد واضحة، وقوانين الأخذ والرد والجدل والنقد، بيِّنة لكلا الطرفين، فلا يحدث التناقض، ولا يكون أحدهما مشرِّقًا والآخر مغرِّبًا.

فالنقد المقصود منه الفائدة، لا يتم إلا بتحديد أصول يحترمها ويُقر بها كل طرف من الناقد والمنتقد، فيكون معينًا على أقوالهما عند التنازع، فيرجعان إليه؛ كما قال الكناني ت (240هـ)[5]، بين يدي مناظرته لبشر المريسي ت (218هـ‍)[6]، بحضرة الخليفة المأمون العباسي: "كل متناظرين على غير أصل يكون بينهما، يرجعان إليه إذا اختلفا في شيء من الفروع؛ فهما كالسائر على غير طريق، وهو لا يعرف المحجة فيَتبعها، ولا يعرف الموضع الذي يريد فيقصده، وهولا يدري من أين جاء فيرجع، فيطلب الطريق وهو على ضلال.

ولكنا نؤصِّل بيننا أصلاً، فإذا اختلفنا في شيء من الفروع، ردَدناه إلى الأصل، فإن وجدناه فيه، وإلا رمينا به، ولم نلتفت إليه"[7].

وذي طريقة قرآنية؛ كما في قوله- تعالى -: ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [المؤمنون: 84- 92].

5- ضبط المصطلحات والمفاهيم:
لأن الإجمال في الكلام، والنقد بمعجم خاص، هو تحكُّم في مراد المردود عليه، وإلزام للغير بفهْم لا يبغي إليه سبيلاً.

فعلى الناقد أن يَعِيَ لغة من ينتقد ومنهجه في الكلام، والدلالة الاستعمالية لمفردات المنتقد، فيدري مذهبه ونِحلته، وبالوقوف عند الثوابت والمسلَّمات، والانطلاق منها؛ ليتحدد مريد الحق؛ ممن لا يريد إلا المراء والجدل والسفسطة.

فالتواصل الصحيح لا يتم إلا في ظل وضوح المفاهيم، واستعمال دقيق للمصطلحات، فالنزاع يقع غالبًا نتيجة لاستعمال المتناظرين أسماء مشتركة مع اختلاف الحقائق، فإذا اتَّضحت المعاني بالاستفسار عن الحقائق المقصودة، زال الخلاف، أو أسماء متواطئة مع تفاوت الحقائق، فإذا تبيَّن أن أنواع جنس الحقيقة فيه تفاوت، ارتفَع النزاع.

وينبغي تجنب استعمال الألفاظ المجملة المشتبهة، فإن كان ولا بدَّ منها، وجب الاستفسار عن معانيها، وتفصيل حقائقها؛ حتى يتضح المقصود، ولا يجوز تبني لفظ مجمل إلا بعد حصول البيان.

6- النقد بالدليل:
فرد أقوال الآخرين ونقدها، لا يكون مزاجًا متبعًا، ولا هوًى مفتعلاً، دليله أن الناقد لا يتذوَّققول صاحبه.

ولا يكفي في نقده بيان أنه خلاف ما يعلم الناقد، فجهل الناقد لا يفيد العدم، وكم من عالِم فاته ما عند من هو أقل منه حظًّا في العلم والفهم، فالخَضِر كان معه من العلم ما لم يدركه موسى- عليه السلام- ولم يحط به خُبْرًا، وموسى- عليه السلام- رسول نبي من أولي العزم، وكان هو الناقد لأفعال الخَضِر، إلا أن برهان الخضر أقوى وأجلى من نقد موسى، والهدهد أحاط بما لم يُحِطْ به نبي الله سليمان- عليه السلام- وجاءه من سبأ بنبأ يقين، ونبي الله مُسخَّرة له الجنُّ والريح، وأُوتي من المُلك ما لا ينبغي لأحد بعده، لم يدر ما يجاور مملكته.

وفي الكتاب المبين طلب الله- تعالى- من نبيه أن يجادل الكفار، ويطالبهم بدليل مزاعمهم: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111].

﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ﴾ [الأنبياء: 24].

﴿ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران: 93].

وبُني على ذي قاعدة: "إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مدعيًا فالدليل"؛ فالإقناع بالدليل شرط لإفحام الخَصم، وإظهار عجزه، ويكون بالحجة والبرهان لا بمجرد الكلام، والنقد بلا دليل هدمٌ ليقين علم بشك.

والدليل: كل ما يصلح وجه الاستدلال به، وقاد نحو مدلوله، مع المتابعة لأهل العلم في قواعد الاستنباط؛ فالإشكال ليس في وجود الدليل، بل في قوامة وجه الاستدلال.

يقول الشاطبي: "يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي، مراعاة ما فهم منه الأوَّلون، وما كانوا عليه في العمل به، فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل"[8].

7- ألا يكون الدليل عين الدعوى:
فمحل النزاع لا يستدل به، ومن ينحا إلى ذاك، فهو يعد دليل بطلان قول من ينتقد مجرد المخالفة لما يعتقد؛ أي: إن دليل صدق نقده، جهله بقول من ينتقد.

وسِيَمُ أصحاب هذا الأسلوب "الآبائية"، فجملة أدلة نقدهم: "ما علمنا هذا في آبائنا الأولين"، وخلاصة ردهم أن المردود عليه يبغي منهم أن يتركوا ما اعتادوا أنه حقيق بالاتباع.

فلا تلتمس جدية في النقد، ولا مصداقية في الحوار، ومنتهى الكلام حيث بدأ، بلا تدبُّر لقول المخالف، ولا تمعُّن في فَهْم أدلته، فضلاً أن ينظرَ فيها.

ولدى بعض النقاد مَلَكة في حياكة زخرف القول؛ حتى يتوهَّم السامع أنه أتاه بسلطان مبين، وواقع حاله فَرِيٌّ، وحقيق كلامه تزويق ألفاظ، وتنميق عبارات، وقوة خطابة، وسيَلان قلم، وهو مفوَّه بلا فهْمٍ، زُبدة كلامه زبَدٌ، وجدل حواره كبد، ملخص نقده شغَبٌ، لا يُسمن ولا يغني من جوع، فزاعة نقده من قشٍّ وصوف.

8- انتفاء التناقض:
فالمتناقض ساقط بداهة، وهو حامل للنقد والنقد المضاد بداخله، ودلالته تكون باهتة، ورميه يرتد عليه؛ لذا بيَّن أهل العلم ضوابط وشروطًا تصلح منطق المتكلم؛ مخافة الوقوع في التناقض أثناء المباحثة، وغالب من يزل في هذا يكون: إما لم يتبصر رأي من ينتقده، أو أنه يخوض معركة شخصية لا أكثر، فيحشد لها ما يحرق به أطراف رأيه.

وأمثلة ذلك كثيرة، من أوضحها: نقد الكفار لأنبيائهم، وفي نقد كل قوم لنبيهم كلمة تواصوا بها، وإن فرَّقتهم الأرضون والسنون: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذاريات: 52].

فشأن الساحر العقل والفِطنة، والمجنون لا عقل معه البتة، وهذا منهم تهافت وتناقض بيِّن.

فهم يرمون نبيهم بالجنون والهذيان؛ ليُنفروا منه مَن لم يلقه بعدُ، ولكثرة مريديه وأتباعه قالوا: ساحر، فرفعوه من مستوى دون العقل إلى الدهاء والفطنة العالية، لكن مع شرٍّ فيما يأتي به من صنيع، وفي قوله- تعالى- عن كلام كفار قريش: ﴿ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ﴾ [القمر: 2]، والسحر لا يكون مستمرًّا، والمستمر لا يكون سحرًا، وفي قوله- تعالى-: ﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 80].

فهذه مطالبة لهم بتصحيح دعواهم، وترديد لهذه المطالبة بين أمرين لا بد من واحد منهما، وقد تعيَّن بُطلان أحدهما، فلزِم ثبوت الآخر، فإن قولهم: لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة، خبر عن غيب لا يعلم إلا بوحي.

فإما أن يكون قولاً على الله بلا علم، فيكون كاذبًا، وإما أن يكون مستندًا إلى وحي من الله، وعهدًا عهده إلى المخبر، وهذا منتفٍ قطعًا، فتعيَّن أن يكون خبرًا كاذبًا، قائله كاذب على الله- تعالى[9].

9- مراعاة قطعية النتائج ونسبيَّتها:
من المسائل العقدية ما يعد من الاختلاف القابل للاجتهاد، ومنها أصول قطعية وأركان في الدين، الخلاف فيها سالب لأصل الإسلام، فكان ولا بد على الناقد أن يدري الفوارق، ويعلم كلام سلف الأمة فيما ينتقد من مسائل وفي تقرير، فمن المسائل العقَدية ما هو محل أخذ وردٍّ، تتجاذبها الأقوال والاجتهادات في نسق واحد، حدوده النصوص والآثار، غير أن المفاهيم تتنازعه، والنتائج في هذا نسبية، لا يشنع على المخالف فيها، ولا ينكر على اختيارات أحد من أهل العلم، كما لا يفرض من ترجُّح رأيه على شيء راجحه على الغير، فراجحه عنده مرجوح لدى غيره، وقطعيُّه ظني عند غيره.

والسلف ما تنازعوا فيه أقروا عليه، وساغ لهم العمل به من اجتهاد العلماء والأمراء والملوك، وهم تنازعوا في مسائل علمية اعتقادية؛ كسماع الميت صوت الحي، وتعذيب الميت ببكاء أهله، ورؤية محمد- صلى الله عليه وسلم- لربه قبل الموت، مع بقاء الجماعة والأُلفة.

ومذهب أهل السنة والجماعة: أنه لا إثم على مَن اجتهد، وإن أخطأ، ويعد من اختلاف التضاد المقبول، وهو نوعان:
الأول: ما قام الدليل على تصويب أحد المذهبين، فالحق ما وافق الدليل القوي، وما خالفه خطأ، وحيث كان المختلفون مجتهدين، فكل منهم محمود ومأجور، للمصيب أجران، وللمخطئ واحد، وذنب خطئه مغفور؛ لقوله- سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 5].

وحينئذٍ فكل من المختلفين- وإن كان القولان متضادين- محمود، وكل منهما مأجور، وإن كان الحق مع أحدهما.

الثاني: اختلاف بين أوجه كلها قوية الاستدلال، ولا يتجلى فيها الصواب بين الأقوال، ولا تعارض دليلاً شرعيًّا- جاز العمل بأحدهما دون إنكار على الآخر المخالف.

وهذا هو التضاد الذي يقول فيه أهل العلم: لا إنكار في مسائل الخلاف، وهناك أعذار لذلك للمجتهد، ونتائجه نسبية يرجى الصواب فيما اتُّبِع فيها، ويعتذر للمخطئ فيما خالف.

10- إحكام النقض:
لكشف الشبهة في المرجوح من القول، وهذا من قذف الباطل بالحق حتى يتلجلج، ليبقى الحق بعده أبلج، وقد يوهن الحق لوهن النقد، فيزيد في تعمية الصواب، إن لم يكن بالصنيع هذا إعانة لشد عَضُد الباطل، أو مستمسك لبقاء الخطأ تحت سقف "اختلاف أوجه نظر".

ومن غايات النقد السليم كشْف مراتب الخلاف، فقد يكون الخلاف حقًّا اختلافَ أوجه نظر، وقد يكون من باب التنوع المحقِّق للتكامل، فيؤزر الحق بالحق، مع تنوُّع العبارة.

ويحذر من ذكر الشبهة نقدًا وردها نسيئة: بأن يحلل ويفصل القول المرجوح، ويعرض مقاصد قائله، ويبسط بيان أدلته ووجه الدلالة فيها، ثم يختم بالإحالة على الجواب في موضع آخر، أو مصنف مغاير؛ فهذا مسلك متردد أبدًا بين العجز والحيدة، وفي كل منهما هضْم للحق، وتقوية للباطل، وكسْر لجانب الصواب، وسلامة لجنب الخطأ، فتلصق الشبهة في ذهن القارئ، وهيْهات إن وقع نظره على الرد، أو وعى بعدها النقد، فمقتضى النقد يدًا بيد، وهاءً بهاء.

فمن أهل العلم من كان يُقرر في مسائل كثيرة مذاهب الخصوم وشُبههم بأتم عبارة، فإذا جاء إلى الجواب اقتنع بالإشارة، كالرازي[10]؛ حيث وصفه بعض المغاربة بأنه يورد الشبه نقدًا ويحلها نسيئة؛ حتى نقَم عليه كثير من العلماء، واتَّهمه بعضهم بنصر الباطل عبر هذه المسالك، واعتذر له البعض بأنه حريص على الحق، فكان بذلك يستفرغ جهدًا في تقرير شُبَه خصومه لا يُبقي منها واحدًا إلا أوردها، فإن بلغ الرد ضَعُفت قريحته، وكلَّت من كده في تقرير الشبه، واستفراغه الجهد في تتبُّع الشبه.

ب- آداب النقد:
رأس أدب النقد تلمُّس الحق، والسعي للوصول إليه، والحرص على الالتزام به، فالعاقل الصادق: طالب حق، باحث عن الحقيقة، ينشد الصواب، ويتجنب الخطأ.

وأول آداب النقد- شرط صحة فيه-: الإخلاص بتوفر سلامة النية والقصد في جهاده لله؛ حراسة للشريعة، والذب عنها، ودلالة الناس على الهدى، ورعاية شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الأمر والنهي عن البدعة، وتقديم الأهم فالمهم[11].

"والأمر بالسنة، والنهي عن البدعة هو أمر بمعروف، ونهي عن منكر، وهو من أفضل الأعمال الصالحة، فيجب أن يبتغى به وجه الله، وأن يكون مطابقًا للأمر.

وفي الحديث: من أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر؛ فينبغي أن يكون:
• عليمًا بما يأمر به.
• عليمًا بما ينهى عنه.
• رفيقًا فيما يأمر به.
• رفيقًا فيما ينهى عنه.
• حليمًا فيما يأمر به.
• حليمًا فيما ينهى عنه.

فالعلم قبل الأمر، والرفق مع الأمر، والحلم بعد الأمر.

فإن لم يكن عالمًا؛ لم يكن له أن يقفوَ ما ليس له به علم.

وإن كان عالمًا، ولم يكن رفيقًا، كان كالطبيب الذي لا رفق فيه، فيغلظ على المريض، فلا يقبل منه.

وكالمؤدِّب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد، وقد قال- تعالى- لموسى وهارون: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44].

فإن الإنسان عليه أولاً: أن يكون أمره لله، وقصده طاعة الله فيما أمره به، وهو يحب صلاح المأمور، أو إقامة الحجة عليه.

فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته، وتنقيص غيره- كان ذلك حميَّة، لا يقبله الله، وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء، كان عمله حابطًا.

ثم إذا رُدَّ عليه ذلك وأُوذي، أو نُسِب إلى أنه مخطئ وغرضه فاسد- طلبت نفسه الانتصار لنفسه، وأتاه الشيطان.

فكان مبدأ عمله لله، ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه، وربما اعتدى على ذلك المؤذي.

وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه، وأنه على السنة، فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى، أن ينتصر جاههم، أو رياستهم، وما نسِب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم، وإن كان مجتهدًا معذورًا لا يغضب الله عليه.

ويرضون عمن يوافقهم، وإن كان جاهلاً سيِّئ القصد، ليس له علم ولا حُسن قصدٍ.

فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم، لا على دين الله ورسوله.

وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم، ويقولون هذا صديقنا وهذا عدونا، لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله، ومعاداة الله ورسوله.

ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس؛ قال الله- تعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾ [الأنفال: 39]، فإذا لم يكن الدين كله لله، كانت الفتنة.

وأصل الدين: أن يكون الحب لله، والبغض لله، والموالاة لله، والمعاداة لله، والعبادة لله، والاستعانة بالله، والخوف من الله، والرجاء من الله "[12].

فعلى طالب الحق "أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة، لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده، أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معينًا لا خصمًا، ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهر له الحق، كما لو أخذ طريقًا في طلب ضالته، فنبَّهه صاحبه على ضالته في طريق آخر، فإنه كان يشكره ولا يذمه، ويكرمه ويفرح به، فهكذا كانت مشاورات الصحابة- رضي الله عنهم- حتى إن امرأة ردت على عمر- رضي الله عنه- ونبهته على الحق وهو في خطبته على ملأ من الناس، فقال: أصابت امرأة، وأخطأ عمر"[13].

ومن شروط الإخلاص: نبْذ التعصب، وترك ازدراء المخالف ولو كان للحق، والتعصب: عدم قبول الحق بعد ظهور الدليل، فيُصر على قوله وخطئه؛ استبدادًا برأيه، وحميَّة لشخصه، ومن ثَمَّ يستمر في باطله ومخالفته، ومن كان بهذه المثابة، فإن الجدال لا يُجدي معه، وإنما يرد عليه إذا كان في ذلك مصلحة لغيره[14].

و"العامي إذا صُرِف عن الحق بنوع جدلٍ، يمكن أن يردَّ إليه بمثله، قبل أن يشتدَّ التعصُّب للأهواء، فإذا اشتدَّ تعصُّبهم، وقع اليأس منهم؛ إذ التعصب سبب يرسِّخ العقائد في النفوس، وهو من آفات علماء السوء، فإنهم يبالغون في التعصب للحق، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار.

فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة، والمقابلة، والمعاملة، وتتوفَّر بواعثهم على طلب نصرة الباطل، ويقوى غرضهم في التمسك بما نُسبوا إليه، ولو جاؤوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخَلوة، لا في معرض التعصب والتحقير- لنجحوا فيه.

ولكن لَمَّا كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع، ولا يستميل الأتباع مثل التعصب واللعن والشتم للخصوم- اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم، وسموه ذبًّا عن الدين، ونضالاً عن المسلمين، وفيه على التحقيق هلاك الخلق، ورسوخ البدعة"[15].

وشرط الإخلاص لا يكمل دون شرط المتابعة لسُنة النبي- صلى الله عليه وسلم- وسلف الأمة في دفع الباطل، فلا يُرَدُّ باطل بباطل، ولا يُبتدَع للبدعة بدعةٌ تردُّها، ففي الحق غنًى عن عون الباطل.

ومن أدبيات النقد: لزوم الحسنى في المقال، وانتقاء اللفظ، وتخيُّر الكلمات، فما كان اللين في شيء إلا زانه، وما نزع من محله إلا شانه، والله تعالى أمر رسوله- صلى الله عليه وسلم- ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء: 53]، ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]، فحق الفطن اللبيب- في عَرْضه للحق- التشبه بالطبيب، يرفق وينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح، والهُزء والسخرية، وألوان الاحتقار، والإثارة والاستفزاز.

فمبلغ ذلك نقد لشخص لا لقوله، والحمية تصم عن سماع الكلم- ولوكان حقًّا- ومنتهى هذا الأسلوب في النقد أنه يخاطب قوم "تُبَّع"، يرضيهم بجارح القول لمخالفيهم، ولا مصلحة في ذلك: لا لصحبه، ولا للطرف الآخر ومن معه، ولا لمن ليس معهما.

ومن يستدل بفعل أهل العلم في مثل هذا، فمردود عليه قوله، أن مقام الجرح علم غير مقام النقد، والتقييم يكون للرجال ولمقالاتهم، فيفرق بين الكلام في فن الجرح والتعديل، وبحث حال الرواة، والردود على: المقالات، والأقوال، والنظريات، والمصنفات.

زد على ذلك أن باب الجرح والتعديل علم عزيز، له نخبته، وهم أهل للكلام فيه، فأسواره عالية، وحصونه ممتنعة، وما ولج هذا العلم الدخلاء الأصاغر، إلا كثر الهرج والمرج في الأعراض.

ولن يُبقي المتطفل على ذي عمامة إلا حلق له رأسه، فلا يدرى للدين عالم، ولا للفنون صاحب، وسنة الله فيهم بادية، ما أن يتكاثر الدخلاء فيه، لا يألون في ذي علم إلاًّ ولا ذمة، فهم لا يعون خلاف العلماء بينهم، ولا يستوعبون صراع الأقران، ويخلطون بين الخلاف العلمي والحقد الشخصي، ويقرنون بين البدعة والجهل، والسنة والعلم، وتلك مفردات عندهم متناقضة، لا تجتمع ولا ترتفع، فمن لحقه مسمى البدعة، رفِع عنه العلم، والعكس كذلك.

"وأهل السنة والجماعة كانوا يختلفون فيما بينهم على المسائل العلمية والعملية، ولكنهم يضبطون سلوكهم- مهما كان حجم الاختلاف- بأدب الاختلاف: من الود، والألفة، والاحترام المتبادل، في الإطار أساسي، هو: المحافظة على الجماعة والائتلاف، وجمع الشمل، ونبذ التفرق والاتهام"[16].

ومن الإرشادات الإلهية لنبي الهداية، الانصراف عن رد الباطل بحدة الحق، بل عرض الحق في أسلوب هادئ، أو تأجيل النقد وتعميم الرد؛ قال- عز من قائل- لنبيه: ﴿ وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [الحج: 68- 69]، وقوله: ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ: 24].

مع أن بطلانهم ظاهر، وحجتهم داحضة.

ويلحق بما سلف تجنب نهج التحدي، والتعسف في الحديث، وأسلوب التعجيز، وإحراج الخصم، ولو كانت الحجة بيِّنة والدليل دامغًا، فكسب القلوب مقدَّم على كسب المواقف.

وحلية النقد بجلب أطايب الكلام، مسوقًا بقدر الحاجة في وقت الحاجة، نهج هذا: "أنفقوا في المناظرات بالمعروف"، وهذا شأن المستيقن بما لديه، المستقر عليه، واحترام المصيب لقدره، وقيمته، ومُروءته، وهو من كرم المعاملة، ومنزلة كريمة تعلو رتبة المخاصمة.

أما ما زاد عن ذلك من النبز بالألقاب الشنيعة، والفظاظة والشتائم الفظيعة، فشيمة أهل الأهواء، وسيمة أبي الجهل، وأخي الوهم، صنيعهم رَواج مقالهم بصخب وجعجعة أن "نحن هنا"، "القامعون للباطل، المرابطون على ثغور الحق"، وما حقيق فعلهم إلا حمية جاهلية، وبلادة لا جلادة.

وفيهم من هو حلاَّف مَهِين، همَّاز مشَّاء بنَمِيم، منَّاع للخير معتدٍ أثيم، عُتُلٌّ بعد ذلك، شغله الوقوع على الجراح، والتنقيب على العثرات، وبعثرة في المخلفات، لتصيد الزلات.

وتجد هاته الخصال بين أهل البدع عامة، ومنها ما تسرب لأهل السنة خاصة، وفي الشباب ممن تقودهم حمية المراهقة للتصعيد في المواجهة مع الخصم من بينهم أو من غيرهم، ومن طلبة العلم وبعض المشايخ من ينحو ذلك في ردوده، حتى صار شعارًا له، وعرفًا بين أتباعه.

وحلية أدب الكلام مقدمة على الشدة والحدة؛ فاللين أصل والإغلاظ استثناء، وخذه معيارًا دقيقًا: "إن الرد العاطل من هذه الحلية، لا يكون إلا حين يختل شرط من شروطه الأساسية: النية، المتابعة، الأهلية".

والرد بمجرد الشتم والتهويل، لا يَعجِز عنه أحد، لكنه لا يغيِّر من القول المردود عليه شيئًا، بل يبقى مكانه.

فالراد هنا: لا ينكأ صيدًا، ولا يقتل عدوًّا، بل هو بمنزلة الحوالة على العدم أو مجهول، كمعصوم الرافضة، وغوث الصوفية، وكل هذا لا يغني من الحق شيئًا.

فالأصل في صياغة الرد: أن يكون بالتي هي أحسن، واللجوء إلى أساليب تأنيب الخصم، وتقريعه، والقسوة عليه، ضرورة تقدَّر بقدرها؛ لأن منشأها هو الخصم ذاته، بما يأتي به: من كذب، وإرجاف، وتهويل، وسباب، وتلبيس، وعناد"[17].

وقد تفحم الخصم، وتدمغه فتزهق قوله، غير أنك لا تقنعه، وقد تخرصه بحجة؛ ولكنك لا تكسب تسليمه وإذعانه، فأسلوب التحدي والاستعراض يمنع التسليم، حتى مع توافر القناعة العقلية.

فذي طبائع بشرية، وليست نفوسًا ملائكية، والهجوم مع حمية يوقد حمية مضادة، فتكون حربًا كلامية، تؤجِّج أغبرة فكرية، وتعزز أحقادًا نفسية، يتولد عنها إصرار المبطل على باطله، بل تقوية باطله ودعْمه بإسناد فكري، واستجلاب لأدلة من كل صوب وحدَبٍ، فيكون الخلاف في أوله قطرة، فيفيض ويغرق ما حوله من الوفاق، وتاريخ المسلمين جلي، وسيرة الفرق واضحة في تصاعد الخلاف من مسألة إلى مذهب.

ولنا في مناظرة ابن عباس- رضي الله عنهما- للخوارج أسوة حسنة، ويكفيه: مقامه، ونسبه، وعلمه، وصحبته، أن يخرص من ليس فيهم صحابي واحد من الخوارج، ورغم أنهم قوم جلف واستفزازهم له في الجدل جلي، إلا أنه رفق بهم في المناظرة، وأجابهم عن كل استشكالاتهم واحدة واحدة بأدب ولين، فرجع معه رهط منهم.

فالحرص على القلوب، واستلال السخائم، أهم وأولى من استكثار الأعداء والضغائن، واستكفاء الإناء.

على أن بعض الحال استثنائي، يسوغ فيه اللجوء للإفحام؛ وذلك فيما إذا استطال المردود عليه، وتجاوز الحد، وبطر الحق الجلي، وكابر مكابرة بينة، وفي مثل هذا جاءت الآية الكريمة: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [العنكبوت: 46].

﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ﴾ [النساء: 148].

فالظلم والبغي قد يسمح بالهجوم الحاد، وتسفيه رأيه؛ لأنه يمثل الباطل، وحسن أن يرى الناس الباطل مهزومًا مدحورًا.

ومنهج نقد الآخر في القرآن الكريم نجد فيه تنوعًا في الخطاب والأسلوب، ومسالك متباينة حسب ما تقتضيه الحكمة، فنجد نقد القرآن للمشركين غالبًا ما يكون جدال هداية ودلالة، وقد يشتمل على تخطئة لبعض مزاعمهم وافتراءاتهم، بينما نجد نقده لأهل الكتاب نقد إلزام وتخطئة؛ لأنهم على علم، أما نقده للمنافقين، فيتسم بالشدة والقسوة، مع الوعيد والتهديد.

فيجب مراعاة مقام المتكلم فيه، فمرتبة العالم وسط أهل العلم تسمح له ما لا يسمح لمن هو دونه، فقد يكون من يحمل الباطل أشهر وأكثر نفيرًا، فلا يجدي معه إغلاظ ولا حِدَّة، بل ينقلب ذلك على الناقد ونقده، ويصير ما بين بُطلانه في حق أتباع من نقد حقًّا حميَّة لشيخهم؛ قال أبو المعالي الجويني: "وعليك بالمحافظة على قدرك وقدر خَصمك، وإنزال كل أحد في وجه كلامك معه، درجته ومنزلته، فتميز بين النظير وبين المسترشد، وبين الأستاذ ومن يصلح لك.

ولا تناظر النظير مناظرة المبتدئ والمسترشد، ولا تناظر أستاذك مناظرة الأكفاء والنُّظراء، بل تناظر كلاًّ على حقه، وتحفظ كلاًّ على رُتبته"[18].

ولا شك أن الناس بين ذلك درجات في عقولهم وفهومهم، فهذا عقله متسع بنفس رحبة، وهذا ضيِّق العَطَن، وآخر يميل للأحوط، وآخر يميل للتوسيع، وهذه العقليات والمدارك تؤثر في فهْم ما يقال.

و"من رُزِق فَهمًا في كتاب الله- تعالى- ودراية بالسنة النبوية، وطريقة سلف هذه الأمة- رأى من المعالم الإيمانية في نصوص المجادلة ووقائع المناظرة، ما يستخلصه شروطًا وآدابًا، للرد على المخالفين: في تكييف حال الراد، والمردود عليه، ونوعية الدافع، وتجلية الطريق، وكيف ترتب النتيجة، وهي ضوابط، وآداب، وشروط، وأحكام، متى توفرت، ظفِر الطالب المحق ببُغيته، وصار بمنأًى عن الغلط والاضطراب، وهي قواعد العلم وضوابطه.

وهذه الشروط والآداب، وإن كانت مستقرة في الجملة، لكنَّ الشرط في ذاته مراتبُ، تتنوَّع بتنوُّع كل مخالف ومخالفته؛ فقد تكون المخالفة لا يقوى على نقضها إلا فحول العلماء، وقد تكون دون ذلك، وقد تكون فيما لا نزاع فيه أصلاً، فردها من اليسر والوضوح بمكان؛ ولهذا فإن السلف- رحمهم تعالى- مع أنهم أكمل الناس في معرفة الحق، ونقض ما يعارضه، لكنهم كانوا في هذا درجات"[19].

فلا مقام لمن يستدل للحِدة والشدة في النقد بكلام مَن سبَق؛ لاختلاف المقام، فالخلاف ليس في أصل الجواز، بل في متى، ومن، وفي مَن؟

ومن آداب النقد: إنصاف الخصم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

فالله يحب العدل والإنصاف على الموافق والمخالف، وما يضر المتعصب بغير حق إلا نفسه، فهذه نزاهة الرد بالتزام العدل والإنصاف، ومناشدة الحقيقة وحدها؛ سواء ظهرت منه، أم من المخالف في مسألة ما.

فالمسلم الحق كناشد الضالة يطلبها، أدركها هو أم غيره، فمغنمُها له؛ ولهذا يتعيَّن طرح العبارات المرهقة بالمعاني المحملة بالعموم والإطلاق.

وليُحمل كلام الخَصم على أحسن المحامل ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، وليُفتح باب العودة للخَصم وطريق الاحتواء، فيُحمل كلامه على أحسنه؛ لأن غاية النقد تُبنى على أمرين: العمل على دلالة المخالف- أي: الصراط المستقيم- لكسْب أوْبَته للسنة، وفَتْل الخَصم عن مخالفته إلى الحق بحجته والإذعان له.

والأصل في النقد هو الستر، والعمل على دفع دواعي الفرقة، والوحشة، وعدم الموافقة، فالرد ينصبُّ على المقالة المخالفة المذمومة، لا على قائلها، وتعيين اسم قائلها حسب مقتضى الأحوال، كفحش المقالة وخطرها البالغ، أو كان صاحبها يدعو إليها ويُشهرها بين الناس، وهنا مقام لأهل الاجتهاد والفُتيا، فلا يقربنَّه أحد ولو كان ما معه من حق كعلمٍ في رأسه نار.


[1] الردود؛ بكر أبو زيد، ص (55).
[2] إحياء علوم الدين؛ لأبي حامد الغزالي، ج (1)، ص (43).
[3] فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير؛ محمد بن علي بن محمد الشوكاني، دار الفكر: بيروت، د.ت. ج (5)، ص (60).
[4] الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام؛ لشهاب الدين أبي العباس الصنهاجي البهنسي القرافي؛ تحقيق: أبي بكر عبدالرزاق، المكتب الثقافي: القاهرة، 1989، ص (261).
[5] عبدالعزيز بن يحيى بن عبدالعزيز الكناني المكي: فقيه مناظر، من تلاميذ الإمام الشافعي، يلقب بالغول لدمامته، قدِم بغداد في أيام المأمون، فجرت بينه وبين بشر المريسي مناظرة في القرآن؛ الأعلام؛ الزركلي، ج (8)، ص (67).
[6] بشر بن غياث بن أبي كريمة: عبدالرحمن المريسي، العدوي بالولاء، أبو عبد الرحمن: فقيه معتزلي عارف بالفلسفة، يُرمى بالزندقة، المرجع نفسه، ج (4)، ص (134).
[7] الحيدة والاعتذار في الرد على مَن قال بخلق القرآن؛ عبدالعزيز بن يحيى بن عبدالعزيز بن مسلم بن ميمون الكناني؛ تح: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، مكتبة العلوم والحكم: المدينة المنورة، د.ت، ص (38).
[8] الموافقات في أصول الشريعة؛ إبراهيم بن موسى اللخمي: أبو إسحاق الشاطبي؛ تح: عبدالله الدراز، دار الفكر: بيروت، د. ت. ج (2)، ص (56).
[9] بدائع الفوائد؛ محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي: ابن القيم؛ تح: هشام عبدالعزيز عطا، وعادل عبدالحميد العدوي، وأشرف أحمد، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط (1)، 1996.
[10] لسان الميزان؛ ابن حجر العسقلاني، المؤسسات الإعلامية، بيروت، ط (2)، 1971، ج (4)، ص (427).
[11] دراسة حول كتاب الاستقامة لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ علي بن عبدالعزيز الراجحي، دون معلومات نشر، ص (1).
[12] منهاج السنة النبوية؛ ابن تيمية، ج (5)، ص (131).
[13] إحياء علوم الدين؛ لأبي حامد الغزَّالي، ج (1)، ص (44).
[14] فقه الرد على المخالف؛ خالد بن عثمان السبت، ص (271).
[15] إحياء علوم الدين؛ لأبي حامد الغزالي، ج (1)، ص (40).
[16] إنصاف أهل السنة والجماعة؛ محمد بن صالح بن يوسف العلي، ص (26).
[17] الردود؛ بكر أبو زيد، ص (68 - 69).
[18] الكافية في الجدل؛ لأبي المعالي الجويني، ص (531).
[19] التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير؛ لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية، ط (1)، 1989، ج (1)، ص (46).



جمال الجلاصي 11-09-2014 11:56 PM

رد: أصول وآداب النقد
 
الدكتورة المبدعة:

إثراء أنت, شكرا على رقي ذوقك وأخلاقك

كوني بخير

الدكتورة عزة رجب 12-09-2014 12:33 PM

رد: أصول وآداب النقد
 
الكريم ..والأستاذ الكبير جمال الجلاصي

أسعدني أنك هنا تتابع ...

وماهذا بغريب عنك

أشكرك كثيرا

كن بخير صديقي

ناظم العربي 06-01-2015 12:26 AM

رد: أصول وآداب النقد
 
جهد طيب وراقي ومتميز
د. عزة
وجود راقي في عالم الادب
تحة وود كبيران
نفتقد تواجدك
نسأل الله أن تكوني بخير

الدكتورة عزة رجب 22-01-2015 02:02 AM

رد: أصول وآداب النقد
 
مشكور أستاذ عوض ..

حياك الله أيها الرائع

طالب هاشم الدراجي 05-02-2015 02:31 PM

رد: أصول وآداب النقد
 
مرحباموضوع جميل واحب انبه لحالة مرت بي

ولقد لاحظت تعبير مبتذل من البعض في مخاطبة صاحب المنشور ونقد الموضوع
الذي يدل على هشاشة الأسلوب وسوء الخلق
فعندما نمر على موضوع وهذا الموضوع ﻻ يرتقي حسب وجهة نظر الناقد للمستوى المطلوب
عليه ان يحسن اللياقة الكلامية بطريقة مهذبة راقية
احدهم مر على موضوعي فكتب لي هذا ليس كذا وكذا وهذا ﻻ شيئ وبطريقة استفزازية
مع العلم انها بنت للأسف
فهل هذه اخلاق النقد ؟
موضوع اعجبني قراءته شيق وجميل احسنت
اتمنى ان نكون بمستوى الأداب الأخلاقية قبل الأدب الثقافي
تحياتي لك بوركت .

بياض احمد 05-02-2015 04:59 PM

رد: أصول وآداب النقد
 

أختي الفاضلة على كل مبدع أن يتسم بالأخلاق
فالكتابة حصيلة فكر
وهذه الثقافة يجب أولا أن يحملها السلوك
ثانيا من باب النقد
الولوج إلى المعنى لمصاهرة القول
انصهار مبني
على تأويل الألفاظ ومضغة الفكرة
والولوج إلى المعنى
من هذا الثوب المبني على المعرفة
نعطي الطعم والتغذية اللائقة والملائمة
والترميم
وروح التواصل
لا تنبني على نرجسية ألانا
التي تستقطب نواة منفصلة بطعم الجرح
نُشيّد مرآة من فضاء النص
قد يكون الاختلاف
لكن لا نهيم في رجعية نظلم فيها الكتابة
ظلما تَعسّفي
أو نستبيح المشاعر بالتدني إلى مستوى الحضيض
جهدنا ينبثق لتوضيح الفكرة
ومسايرة اللغة السليم
يبقى المشكل
جهد التأويل
موازاة مع الفكرة
ونبضها في روح النص
لكل منا مرآته وفضاؤه الخاص
والقيم المكتسبة من الجهد والتحصيل
قد يجعل هذا رؤانا مختلفة
لكن لا بد أن تصب في نفس المعنى
تبقى منهجية التحليل
وهذا شيء آخر
لكن البعد النظري وأدواته
كذلك يجب آن يصب في نفس الحوض
لا نعطي رأيا بقدر ما نسعى للترميم أحيانا
المشكل الملاحظ
هو التدخل المباشر
والذي يعكس شيئا من السلطوية
وكأنما يريد امتحان الذات الكاتبة كعنصر
في الكتابة
ومن هذا الشيء الكثير
من ناحية أخرى
فوجود النص كوجود
يمكنه أن يتمفصل من عمق جدل عقيم
يبحث عن نفسه
لهذا ينبغي
ازدواجية مع هذا التمفصل
والذي يشيّد غزارة المعنى
بعيدا عن الأبواب الضيقة
ومصاهرة فضاء وجوده
لينسكب نسغ أغصانه
من ذرات كلماته
المشكل أيضا
نبتعد عن الغموض
وهذا طابع مأساوي
(فغيمة البشر تحمل الكثير)
النقد ليس بأقراص مسلية
النقد
التمعن في الذات الكاتبة
تبني الموضوع
الولوج إلى الضوء الغامض
تناسل اللغة في فضاء الخصب من رحم رعشة
بكل تواضع اختي
شكرا لك أختي















رائد حسين عيد 10-02-2015 08:02 PM

رد: أصول وآداب النقد
 
أسعد الله مساءك الأديبة الوارفة الدكتورة عزت رجب.
جهد جبار يستحق الشكر والتقدير.
ثمة خلط أختي الفاضلة بين مفهومين متباعدين نسبيا:
النقد والتصويب.
فالنقد علم كامل متكامل له أدواته ومفرداته
وله أصوله وسبله.
فتناول النصوص ببعض المفردات لا يعد نقدا البتة.
وحتى لكل نص أدبي طريقة في التناول حسب إتجاهه ومدرسته.ولكل طريقة أقلام.
فتخيلي مثلا أن يكون الناقد حداثيا ويتناول نصا كلاسيكيا .. حتما ستحصل كارثة نقدية .
على سبيل المثال قرأت مرة كتابا يتتناول ديوان امرئ القيس تحليلا ونقدا .. فإذا بالكاتب يخرجه من دائرة الشعر العربي والإرث الأدبي بكل بساطة.
ويتهمه بالسطحية والإسفاف !!
فهل نعد هذا نقدا ؟!!.
وأما عن التصويب فلا بد من ملاحقة النصوص لتصويب الأخطاء التي يقع فيها الكاتب إن كانت فنية أو تقنية أو أخطاء ناجمة عن السهو .
ولكن على أن يراعي المصوب الرقي في التعامل مع الآخرين لتكون رسالته هادفة سامية.
وثمة من يتسلق على أخطاء الآخرين فقط ليبرز نفسه وهذه الظاهرة ناجمة عن عقدة نقص فيه وليس من العلم بشيء.
أشكرك دكتورة على هذه المساحة من الفائدة .
ودي وتقديري.

الدكتورة عزة رجب 14-02-2015 01:42 PM

رد: أصول وآداب النقد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الكاتب مهند طالب (المشاركة 1386886)
مرحباموضوع جميل واحب انبه لحالة مرت بي

ولقد لاحظت تعبير مبتذل من البعض في مخاطبة صاحب المنشور ونقد الموضوع
الذي يدل على هشاشة الأسلوب وسوء الخلق
فعندما نمر على موضوع وهذا الموضوع ﻻ يرتقي حسب وجهة نظر الناقد للمستوى المطلوب
عليه ان يحسن اللياقة الكلامية بطريقة مهذبة راقية
احدهم مر على موضوعي فكتب لي هذا ليس كذا وكذا وهذا ﻻ شيئ وبطريقة استفزازية
مع العلم انها بنت للأسف
فهل هذه اخلاق النقد ؟
موضوع اعجبني قراءته شيق وجميل احسنت
اتمنى ان نكون بمستوى الأداب الأخلاقية قبل الأدب الثقافي
تحياتي لك بوركت .


بارك الله فيك أخي مهند

يبقى أن أقول لك أن النقد في أوله و آخره هو أسلوب حضاري ،
فالنقد لايرتكز على الدلالة اللغوية أوالبلاغية فقط ، النقد قبل كل شئ هو عملية أخلاقية أساسها ( الحياد ) بعيدا عن ( التعاطف الفكري )
وهو إيصال المفهوم النقدي بطريقة صحيحة للقارئ / للناص / عن النص .
وهو ليس استفزازا أو تصميما على التمسك برأي أعمى ، بل محاولة شرح هذا الرأي قدر الإمكان بدون
أي تعصب ..
والناقد الحق لايحشر إلا حالة الناص في سلوكه وانفعالاته وسيكولوجيته النفسية على مستوى النص ...لا أن يحشر شخصه وسلوكه على المستوى الفردي...
وهذا للأسف رأيته يحصل ويصدر من بعض النقاد أنفسهم


أشكرك على ما رفدت به .

الدكتورة عزة رجب 14-02-2015 01:48 PM

رد: أصول وآداب النقد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بياض احمد (المشاركة 1386954)

أختي الفاضلة على كل مبدع أن يتسم بالأخلاق
فالكتابة حصيلة فكر
وهذه الثقافة يجب أولا أن يحملها السلوك
ثانيا من باب النقد
الولوج إلى المعنى لمصاهرة القول
انصهار مبني
على تأويل الألفاظ ومضغة الفكرة
والولوج إلى المعنى
من هذا الثوب المبني على المعرفة
نعطي الطعم والتغذية اللائقة والملائمة
والترميم
وروح التواصل
لا تنبني على نرجسية ألانا
التي تستقطب نواة منفصلة بطعم الجرح
نُشيّد مرآة من فضاء النص
قد يكون الاختلاف
لكن لا نهيم في رجعية نظلم فيها الكتابة
ظلما تَعسّفي
أو نستبيح المشاعر بالتدني إلى مستوى الحضيض
جهدنا ينبثق لتوضيح الفكرة
ومسايرة اللغة السليم
يبقى المشكل
جهد التأويل
موازاة مع الفكرة
ونبضها في روح النص
لكل منا مرآته وفضاؤه الخاص
والقيم المكتسبة من الجهد والتحصيل
قد يجعل هذا رؤانا مختلفة
لكن لا بد أن تصب في نفس المعنى
تبقى منهجية التحليل
وهذا شيء آخر
لكن البعد النظري وأدواته
كذلك يجب آن يصب في نفس الحوض
لا نعطي رأيا بقدر ما نسعى للترميم أحيانا
المشكل الملاحظ
هو التدخل المباشر
والذي يعكس شيئا من السلطوية
وكأنما يريد امتحان الذات الكاتبة كعنصر
في الكتابة
ومن هذا الشيء الكثير
من ناحية أخرى
فوجود النص كوجود
يمكنه أن يتمفصل من عمق جدل عقيم
يبحث عن نفسه
لهذا ينبغي
ازدواجية مع هذا التمفصل
والذي يشيّد غزارة المعنى
بعيدا عن الأبواب الضيقة
ومصاهرة فضاء وجوده
لينسكب نسغ أغصانه
من ذرات كلماته
المشكل أيضا
نبتعد عن الغموض
وهذا طابع مأساوي
(فغيمة البشر تحمل الكثير)
النقد ليس بأقراص مسلية
النقد
التمعن في الذات الكاتبة
تبني الموضوع
الولوج إلى الضوء الغامض
تناسل اللغة في فضاء الخصب من رحم رعشة
بكل تواضع اختي
شكرا لك أختي















أخي الكريم بياض

أتفق معك في كل ماذهبت إليه خاصة أن كلامك علمي نقدي بحث وخالص
ويبقى الارتكاز على أن مسألة النقد مرتبطة بالجاني الخلق أولاً قبل أن تكون مسألة علمية / منهجية قائمة
على البحث والاستدلال ...
النقد ليس بأقراص مسلية أو أن تفتح أدوات نقدية لنقد القصة القصيرة على قصيدة نثرية مثلا
أو تفتح أدوان نقدية لنقد القصيدة النثرية على قصيدة شعر
كل شئ في مكانه في منهج النقد فلا تصلح أدوات طبيب الأسنان لمعاينة مريض القلب
فأرجو أن أكون قد أوصلت لك الفكرة

حياك الله

الدكتورة عزة رجب 14-02-2015 01:55 PM

رد: أصول وآداب النقد
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان حماد (المشاركة 1389706)
ان كان الدارس قد قدم دراسته في اصول النقد الادبي خصوصا فدعيني اقول لك شكرا على جهدك ولكن من قدامة بن جعفر وحتى اخر ناقد افتراضي يتفقون انه وقبل ما ورد في هذه القراءة على ان الناقد للادب العربي
يجب وقبل اي شيء آخر ان يكون محيطا باداب وقواعد اللغة العربية والا ما الفائدة من ناقد معجمه اللغوي العربي
شحيح وثلثي مفرداته غريبة مستعجمة كيف سيصل لما بعد الحرف او كيف لمن لا يميز بين الحال والصفة
ان يبني راي حول نص معين او كيف لمن لا يحيط بعلم العروض مثلا ان يميز الشعر سليمه من ملحونه من منحوله وكما قال زهير
البيت لا يبنى الا له عمد ولا عماد اذا لم ترس اوتاد
لا يصلح اناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة ............الخ
كثر من يتجشمون انتحال اسم ناقد والانخراط في عملية نقد عشواية ظلما وعدوانا


المكرم عدنان "
حياك الله ..
مشكلة كبيرة أن يظل النقد العربي يستلهم حلوله من أشخاص افتراضيين صنعوا وجهات نظرهم
على فرضية قائمة أنهم يصلحون للنقد ..شخصيا لم أكن لأمارس النقد لولا تخصصي في اللغة العربية
ولولا دراستي لأربع سنوات للنقد.

في رأيي لايجب أن يمارس النقد في الأدب العربي إلا مُتخصص في اللغة العربية أو خبير دارس لعلومها
خاصة فيما يتعلق بالبلاغة وبحور الشعر فهذان بحران لايخوضهما إلا متخصص .

شئ آخر لايمكن أن نحكم على ناقد اسنخدم اصطلاحات غربية بأنه مستعجم لسبب نقدي بسيط "

قد لايكون هنالك تعريب لهذه الاصطلاحات .
قد يضطر الناقد بحسب مناهج النقد أن يلجأ لفرض المصطلح بسبب انتشاره ، فهو لكي يوضحه ويتعامل
معه يجب أن يتناوله .
في السنوات الأخيرة يعتبر الكثيرون أن المعجم المستعجم ضرورة لدراسة الدواخل على اللغة العربية وحصرها وبالتالي
التعامل معها .

أحيي فيك غيرتك على اللغة العربية .

نجاح حسن عيسى 14-02-2015 02:19 PM

رد: أصول وآداب النقد
 
صباحك خير ورقيّ وأناقة استاذتي الجميلة د. عزة رجب ...
بداية اسمحي لي أن اشكر لك هذه الإضاءة الشاسعة حول هذه النقطة الإرتكازية الهامة ..
في آدابنا العربية بكل فروعها ..سواء كانت شعرا او نثراً أو أي جنس من اجناس الكتابة .
وللحقيقة فقد جاءت هذه العبارة بالذات ، ملخصاً لأصول النقد بشكل شموليّ جامع لكل ما
يتعلق بعالم الفكر والقلم : وهي التي تقول :
(( وفي الحديث: من أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر؛ فينبغي أن يكون:
• عليمًا بما يأمر به.
• عليمًا بما ينهى عنه.
• رفيقًا فيما يأمر به.
• رفيقًا فيما ينهى عنه.
• حليمًا فيما يأمر به.
• حليمًا فيما ينهى عنه.

فالعلم قبل الأمر، والرفق مع الأمر، والحلم بعد الأمر.))

نعم لكل ما جاء فيها من رأي سديد وفكر مستنير ..
ودعيني أقول في هذه العجالة _ وأخص بالذكر نقد المنتديات ونقادهِ الكرام_
أن هناك الكثير من المجاملات والتدليل غير المستحَب أو المُستَحَق ، من بعض الناقدين
أو القارئين لبعض الأقلام ، والتي قد تسيء لصاحب القلم اكثر ما تنفعه ..ولاحظي أنني لم أقل
( النقاد) أو ( القراء) ..لأن المعنى هنا مختلف ..!
وفي نفس الوقت نجد بعض الإجحاف في حق بعض الأقلام الجيدة ...والذي يؤثر سلباً
ويرتد إحباطاً على اصحابها..
وهذا وذاك يأتي أحياناً عن أهواء شخصية ..وآراء مشوشة متأثرة بالعلاقات والصداقات
او التناقضات ..والتي لا يجب أن يكون النقد نابعاً منها أو متأثراً بها بأي حال من الأحوال ..
وبشكل عام وكما قال الأخ رائد ( أن هناك من يتسلق أحياناً على أخطاء الآخرين ليبرز نفسه
ويسوِّق رأيه ..) وكما قال ايضاً.. فهناك فرق بين النقد وتصويب الأخطاء التي تصدر احياناً عن الكاتب
سهواً أو عن جهل بأصول وقواعد اللغة العربية ..وأياً كانت الأسباب يجب ألا يغضب الكاتب من هكذا تصويب
ويتعمد الإصرار على ما كتب ، من باب العناد ورفض النصيحة ..ليس إلاّ ..
تحياتي د. عزة ولك كل الشكر والتقدير
ونهارك سعيد .

خديجة قاسم 14-02-2015 03:01 PM

رد: أصول وآداب النقد
 
موضوع قيم زاده إثراء الإخوة جمالا ونفعا
لدي تعقيب بسيط على مداخلة القديرة نجاح : أحييك على مداخلتك الرائعة والقيمة بحق والتي جاءت بزبدة النقد الحقيقي
معك في كل ما ذكرت
لكن هناك معضلة تواجهنا أحيانا وهنا أقول تواجهني : كقارئة وليس كناقدة فلست أهلا للنقد
أحيانا يتم لفت بعض الإخوة لأخطاء وردت في نصهم ، ويكون الأسلوب لطيفا طيبا ، ومع ذلك يُشعرونك وكأنك أجرمت في حقهم أو كأنهم فوق النقد لأنهم حازوا الكمال ، رغم أننا جميعا نحتاج من يوجهنا ويصوب لنا ويبدي رأيه الذي قد يكون أفضل من رأينا ، هذا الشيء يجعل المرء يتردد كثيرا قبل أن يقدم ملاحظته أو نقده ، هذا التردد في النهاية يعود بالضرر على الناص ، وأحيانا على متلقٍ آخر حيث يأخذ النص على علاّته دون أن يدرك ما فيه من أخطاء ، فيترسخ في ذهنه هذا الخطأ دون وعي منه .

من الأعماق شكرا لك د. عزة الرائعة
دمت بفرح يحتضن قلبك الدافئ ويسعده .

أحلام المصري 04-11-2021 12:02 AM

رد: أصول وآداب النقد
 
موضوعٌ هام، يستحق الحضور والقراءة والمتابعة،
والكثير جدا من الإنصات..


محبة للرائعة د/ عزة رجب

وكل الاحترام


الساعة الآن 11:30 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط