۩ أكاديمية الفينيق ۩

۩ أكاديمية الفينيق ۩ (http://www.fonxe.net/vb/index.php)
-   ☼ بيادر فينيقية ☼ (http://www.fonxe.net/vb/forumdisplay.php?f=31)
-   -   قراءة في قصة "الفزع" للمبدع جوتيار تمر / عايده بدر (http://www.fonxe.net/vb/showthread.php?t=80530)

د.عايده بدر 30-10-2022 03:50 AM

قراءة في قصة "الفزع" للمبدع جوتيار تمر / عايده بدر
 
قراءة في قصة "الفزع" للمبدع جوتيار تمر / عايده بدر



الفزع
في رحلة مكوكية من بغداد إلى مدينتي التي أعيش فيها عشت هواجس أشبه بهذيان رجل خارت قواه من الهم الممزوج بالتعب والإرهاق..خرجت من بغداد في الخامسة مساء وبعد ست ساعات بالتمام وصلت مدينتي ..وما أن حطت قدماي الأرض حتى دب في أعماقي شعور غريب..وكأني ألتقي بشخص غريب عني لا أعرفه ولا يعرفني...تراءا لي وكأنه ضخم البنية..يملك عينين حادتين..كشفا لي عن أمر مريع..لم أعرف إذا كان قد ابتسم لي أم حاول استدراجي بشكل ما..تجاهلته في البداية..ومضيت لكن ابتسامته حملت انكسارا مرعبا في داخلي..كنت أسير وأحس بمرافقته لي..ورصده لكل صغيرة وكبيرة تصدر مني..بدأ شيئا فشيئا يحكم على محاصرته...وفي كل خطوة كان الفزع يجتاح مني ما لا أطيق.
صادفت بعض المحلات ..حاولت أن احتمي بإحداها..دخلت..سألت صاحب المحل عن شيء ما لا أتذكره بالضبط..التفت وجدته خلفي..يرافقني ..أحيانا كنت أشعر بأنه يحاصرني من أكثر من جهة...واصلت سيري بعدها..الفزع مثله يلازمني اصطدمت برجل عجوز وأنا أحاول عبور الشارع العام..اعتذرت.. ثم انحدرت من الشارع العام إلى أحد الفروع..لأتخلص من الزحام وعلّي أتخلص من رفيقي...لكن..خاب ظني..بدأت أراوغه لعلي في النهاية أستطيع الانفلات من حصاره..لكن دون جدوى..أصبت بالذهول..حتى أني فكرت بأن أستنجد بالمارة..لكن كأن عينيه الحادتين قد أخرستا لساني...اقترب مني شيئا فشيئا...لم يكن يتكلم وكأنه أخرس... حتى أنفاسه لم أكن أشعر بها مع أني كنت أشعر بأن أنفاسي تكاد تنقطع جراء السير الأشبه بالركض...ما كان يحيرني أنه لم يحاول معي شيئا حتى أهابه هكذا...حتى أنه لم ينطق بكلمة..كل جريمته أنه حطم الفرحة التي كنت أحملها في أعماقي.
أوقفت سيارة أجرة..دخلتها..نظرت خلفي...وجدته مغروسا على المقعد الخلفي..تجاهلته...صدمتي كانت أشد عندما وجدته ينزل في نفس محطتي...أقصد في نفس الفرع الذي أسكن أنا فيه..توجهت إلى البيت وهو معي..كان الجميع في البيت حاضرين..استقبلوني بالقبلات..جلست معهم للحظات..كنت التفت لعلي أجده لكنه للحظات اختفى عن ناظري..استأذنت ..صعدت..ومنذ اللحظة التي غادرت فيها الأهل وجدته يظهر من جديد...بدأ الفزع يجعلني مضطربا.. دخلت غرفتي.. أغلقت الباب خلفي..تنفست الصعداء..لحظات قليلة سمعت طرقا للباب..انتفضت أعماقي خوفا..تجاهلت..زاد الطرق إصرارا..كان الظلام يحوم حولي.. فكرت..جذبني نور ضئيل يخرق الستائر..توجهت للنافذة..تحاملت على خوفي وبطريقة عجيبة..قفزت على عتبة النافذة..التي توصل إلى سلم خلفي.. وكأني آنذاك سمعت حركة داخل الغرفة..هرعت وبدأت أنزل السلالم راكضا..خرجت من البيت..وعلى الشارع بدأت أجري بطريقة جنونية.. وكأن وحشا كاسرا يطاردني..تعبت قدماي..خارت قواي..اتكأت على حائط مبنى قديم في زقاق ضيق..فكرت ما الذي أوصلني إلى هذه المنطقة... لكن ظهوره أمامي لم يدعني أجد الوقت الكافي لأعرف الإجابة...كان الظلام حالكا ومسجى على كل شيء..فقط عيناه الحادتان كان بريقهما يقطعني خوفا.
عدت للركض من جديد...لا أعلم إلى أين لكن كنت أركض...لحظات وكنت أمام شجرة كبيرة...خلفها مباشرة توجد شجرة صغيرة...وجدته منتصبا أمامها.. تراجعت أنا وحاولت أن أتحسس الفراغ بيدي..شعرت حينها أن الإنسان بداخلي أصبح مجرد كتلة خوف...وهو لا مبال منتصب على بعد أمتار قليلة.
الخوف...الفزع..بل الموت..هكذا بدا الأمر بالنسبة لي...حاولت أن أصرخ...لكن مابه لساني مازال وكأنه مقيد بسلاسل نارية...أخرسني الفزع.. لكني لم أيأس بقيت أحاول الصراخ...حتى وجدت صراخي فجأة يكسر تلك القيود المفروضة عليه من الفزع...شعرت بأن حبائل صوتي قد تمزقت.
من هذا....؟ ماذا يريد مني....؟ لماذا يطاردني....؟ لماذا لا يتكلم....ما هذا الصمت...؟ ثم شعرت بعد صراخي ذاك بالهدوء وكأن كسر تلك القيود كان فرجا.. لكن لا...أبد...فالهدوء غمرني لأنه بعد كل هذا الصراخ لم ألاحظ منه أي تصرف يفزع...بل بقيت بعدها طوال الوقت أتساءل هل ابتسم لي أم حاول استدراجي...؟
الفزع بدأ شيئا فشيئا يقل...عيناه الحادتان بدأ بريقهما يتوارى خلف الظلمة...وبدأ هو يتراجع شيئا فشيئا....حتى توارى خلف الظلمة...لكني بقيت أتساءل هل ابتسم لي أم حاول استدراجي....وتراه من يكون ..وماذا يكون...؟
دهوك
17-10-1997






واحد من أمتع النصوص السردية التي تقابلنا
فقد ظل التشويق والغموض والتساؤلات المشرعة على أقاصيها
هي العناصر الغالبة على السرد حتى بعد انتهاء الحدث
الذي لم ينتهي فعلياً فقد ترك في نفس قارئه ذات السؤال
أن نخرج من داخلنا فنرى أنفسنا من الخارج
نصبح الأنا والأنا وتظل تطاردنا هذه الأنا الداخلية
بما تحمل من هواجس ومخاوف وأفكار
لعلها تريد أن تُخرج من داخلنا تلك الصرخة
التي هي بالأساس التحرر المنشود بالفعل ولا نستطيعه في الواقع
لأن الحدث انقلب رأساً على عقب بعد أن تحرر السارد
من تلك الصرخة المقيدة طوال الأحداث

الصرخة / التحرر أعادت خلق الواقع بشكل مختلف
وتحول الفزع الذي عنون به سرده ليس إلى نتيجة وغاية
بل كان وسيلة لتخرج تلك الصرخة وينفتح باب الوعي عند القارئ
هذا الوعي الذي كان هدف السارد منذ أول حرف في قصته .

مبدعنا الراقي القدير
أ.جوتيار تمر
تتعدد روافد الإبداع في حرفك القدير
ومن كل رافد تتفتح عوالم أخرى للتفكر ولمتعة القراءة
تقبل تقديري الدائم لروحك الراقية وحرفك القيم
عايده

د.عايده بدر 30-10-2022 03:52 AM

رد: قراءة في قصة "الفزع" للمبدع جوتيار تمر / عايده بدر
 

مبدعنا القدير الراقي
ا.جوتيار تمر
كل التقدير لنصك المبدع
ولحرفك القيم دائما
تقبل تقديري الدائم واحترامي
عايده



الساعة الآن 01:12 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط