۩ أكاديمية الفينيق ۩

۩ أكاديمية الفينيق ۩ (http://www.fonxe.net/vb/index.php)
-   ⊱ المدينة الحالمة ⊰ (http://www.fonxe.net/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   هستيريا (http://www.fonxe.net/vb/showthread.php?t=60069)

هدير الجميلي 25-05-2015 08:14 PM

هستيريا
 
هستيريا


• جنباً إلى جنب تقف أشجار النخيل شامخة بهاماتها العالية، تتراقص سعفاتها كجدائل عذراء بابلية، برعونة تعبث الريح بالمكان، حرارة الشمس تحاكي نار جهنم وعظمتها في العاشر من تموز، متثاقلا ضجرا يمشي الرجل الأربعيني، يبحث عن لاشيء، ينظر في وجوه العابرين، كل يوم يرى ذلك الطفل الذي يضع قطعة قماش مبللة بالماء فوق رأسه، لفت نظره هذه المرة، كالعادة يحمل بيده خطافاً وتحت قدميه تصطف قوالب الثلج الصلبة، يحميها من الذوبان بقطعة خيش ممزقة.. يتأمل ذوبانها منكراً ذلك في نفسه، ربما يتمنى أن يغدو ما يدور في بلده كقوالب الثلج هذه، وألا تذيب الأحداث مستقبله فيسيل في جرف الحياة ولا يستطيع له وصولا.
ارتجف حين سمع صوت طائرات عسكرية تحوم في الأفق الكئيب، لعله تذكر تلك الغارة التي خلفت في حياته دمارا لا يمكن ترميمه، نظر إلى الأفق الذي فارقته الحمائم القليلة التي كانت تزين كبد السماء، وتلاشت منه زقزقة العصافير تاركة المجال لأصوات نشاز، نقاط التفتيش الأمني والحواجز الخرسانية التي كتب عليها (انتبه سيطرة!) منتشرة ككابوس متمرد في كل مكان، كل السجلات تكاد تكون فارغة إلا سجل المطلوبين فهو طافح بالأسماء، يحاول الابتعاد عن أماكن تدقيق الهويات الشخصية وهيئته الرثة تشفع لسيره ملتصقا بالحيطان، ما زال يتذكر اليوم الذي كان فيه أمثال هؤلاء يؤدون له التحية ويتسابقون لخدمته، لكنه الزمن حين يبيعه الناس للغرباء لا يعود ملكهم...
اضطرب الناس وهاج البعض بجنون حين بدأت الطائرات ترمي حممها بعشوائية، رأى أما تلقي بأبنائها من سيارة قتل سائقها، عندها تذكر عائلته التي لم يستطع إنقاذها حين قصفوا بيته وهو خارجه، تركض بهم حافية القدمين، تجرهم بهلع وعيناها تبحثان عن مخبأ، هم بمساعدتها لكن وابلا من الرصاص جعله يتسمر في مكانه، يفور كبركان في داخله يود لو يساعدها، ولكن موته قبل أن يصلها لن يساعدها ولا أطفالها، التفت لعجوز تلتحف عباءة سوداء تقي رأسها الحر وتواري جسدها المرهق وتخفي تجاعيد وجهها الموشوم بنقشٍ أخضر دل على حسنها المأكول، تحمل على ظهرها قصعة من بقايا خضار جادت بها الحاوية تحاول التخلص من عبئها كي تنجو لكن قدميها التصقتا بالأرض وانحلت مرابطها، كجندي من قوات الصاعقة هرع إليها وسحبها من أمام الرتل العسكري المتقدم باتجاهها، تركها في مكان آمن، ثم عاد وانسل إلى الأم وأطفالها الثلاثة، كانت تغطيهم بجسدها ونهر من الدماء يروي كومة التراب الأحمر المتمترسة خلفها، حتى تراب الوطن لم يحمينا قال وغرق في بكاء مرير، إن خسر الثالثة فلن يستحق العيش على هذا التراب
ما زال الرتل العسكري يتقدم ويفتش كل شيء في الشارع الطويل الذي امتلأ بضجيجه، يطحن تحت عجلاته ملامح الأرض، والمارة يبحثون برعب عن مخابيء، ما عدا شاب ضرير تاه في الهرج والمرج، وكلما صدمه أحدهم وقع على الأرض ثم قام تهذي أقدامه بخطوات ركيكة لا تستقيم على خط، حتى صار في منتصف الطريق في مواجهة الرتل، أسرع إليه وأمسك بيده ليجلبه إلى الرصيف، ارتبك الاثنان، كل واحد منهما يريد السير في اتجاه، بدأت بعض ذكرياته تفتح أبوابها، بصدمته الأولى وصور زوجته وأطفاله ووالديه الذين ذبُحوا في منزله، كثيراً ما فارق النوم عينه خوفاً على أسرته، ولشهور يبقى قلبه مستيقظاً شوقاً لرؤيتهم، مرت كل الذكريات كشريط سينمائي ناصع وهو يجر الضرير بقوة إلى الرصيف، وكان صوت همس في أذنه (عليك الذهاب فهم بانتظارك)... وسقط جاثياً على ركبتيه بعد أن شق الرصاص صدره، ثم مال إلى الأرض العطشى ليسقيها من دمه احتمى الضرير لا شعوريا بجثة من حاول إنقاذه، وقف يتحسسها، دار حوله وحاول جره ولكن أين اتجاه الرصيف! وقف يبحث في السواد عله يهتدي.. عل صوتاً يساعده، ,لكن ضجيج الرصاص وزعيق الجنود كانا أعلى من أي صوت، نادى الحياة فأجابه الموت بصوت مجلجل...وداستهما العجلات
رجل يراقب من أعلى غرفة في بناية محمية بشبك حديدي راق له المشهد فقد وشحت ابتسامته النافذة بالسواد.

مصطفى الصالح 25-05-2015 08:57 PM

رد: هستيريا
 
..

قصة مدهشة
لي عودة بإذن الله لسبر غورها
لكن أقول أبدعت
يعطيك العافية

تقديري

بسباس عبدالرزاق 25-05-2015 09:59 PM

رد: هستيريا
 
لست أملك إلا أن أنحني أمام هذا النص
لن أغادر بابتسامة
و لكن بحزن و ألم

فوحده الألم يجمعنا بقوة و يصنع منا فرسانا للغة و فرسانا لعصر جديد لابد و نصنعه بسواعدنا

يجب أن نصنع جسرا نحو مستقبل أفضل


تقديري و احترامي أستاذة هدير

نوال البردويل 26-05-2015 03:31 AM

رد: هستيريا
 
يا لها من قصة مؤلمة اتشحت السواد
سرد رائع ولغة متينة
وقفلة رغم مرارها جاءت بزبدة الكلام
فالناس فريقان
فريق يدافع عن الحق والبراءة
وفريق باع الوطن بخيانته وقسوته
بوركتِ عزيزتي
تحياتي وودي

صابر حجازى 26-05-2015 11:05 AM

رد: هستيريا
 

سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا

اعذب التحايا لك

هدير الجميلي 26-05-2015 01:10 PM

رد: هستيريا
 
استاذ مصطفى الصالح منورني بتواجدك ايها الرائع الراقي
شكراً لمرورك الطيب

هدير الجميلي 26-05-2015 01:11 PM

رد: هستيريا
 
استاذ صابر راقني تواصلك الجميل
اهلاً بك

هدير الجميلي 26-05-2015 01:15 PM

رد: هستيريا
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نوال البردويل (المشاركة 1443984)
يا لها من قصة مؤلمة اتشحت السواد
سرد رائع ولغة متينة
وقفلة رغم مرارها جاءت بزبدة الكلام
فالناس فريقان
فريق يدافع عن الحق والبراءة
وفريق باع الوطن بخيانته وقسوته
بوركتِ عزيزتي
تحياتي وودي

الغالية نوال كل التقدير لكِ
اهلاً منوريتني

هدير الجميلي 26-05-2015 01:19 PM

رد: هستيريا
 
الراقي استاذ عوض
شرفني أنك كنت من ضمن من مر هنا

كل التقدير

هدير الجميلي 26-05-2015 01:23 PM

رد: هستيريا
 
الأستاذ المبدع بسباس شكراً لتواصلك المستمر
ولتعليقاتك الراقية
شكراً لحضورك الدائم

روضة الفارسي 28-05-2015 05:11 PM

رد: هستيريا
 
مرحبا أديبتنا هدير. قصة ممتازة. حقا استمتعدت بها كثيرا وسعدت. فعلا أثريتنا.

أشجعك كثيرا وأشد على يديك

كل الود والتقدير

روضة

مصطفى الصالح 28-05-2015 08:42 PM

رد: هستيريا
 
..

وها أنا أعود
قرأت بروية فتبينت قاصة تشق طريقها بقوة وثبات
القصة محبوكة بصبر وحنكة متفوقة
بداية من وصف المكان الذي ارتبط تاليا بالزمان بطريقة ذكية لنحصل على وصف دقيق للمشهد ووقته بدقة متناهية
واضح أن البطل ممن جار عليهم الزمن من الوطنيين الخالصين، ونستشف أنه كان ذا رتبة عسكرية رفيعة قبل دخول الغرباء للبلد
لم يتخلص من صراعه الداخلي وظل يدور في الأرجاء غير مصدق لما يحدث، كان لا بد من صدمة تعيد له صوابه ليفعل شيئا مفيدا
وهذا ما حصل فهب يساعد بكل ما أوتي من قوة كل من هو بحاجة
ولكن مواجهة الغرباء تتطلب أكثر من صدر أعزل، فهم يملكون السلاح الفتاك
وارتقى شهيدا من أجل أمته كما فعل غيره،
وتبقى النظرة الأخيرة من قبل عميل أو غريب أو متآمر هي الفيصل في مثل هذه الأمور

نص يستحق التكريم
دمت مبدعة

كل التقدير

هدير الجميلي 29-05-2015 01:55 AM

رد: هستيريا
 
الغالية العزيزة روضة نورتيني غاليتي
وشكراً لتواصلكِ الرقي
محبتي وكل التقدير لكِ

هدير الجميلي 29-05-2015 01:58 AM

رد: هستيريا
 
الأستاذ القدير مصطفى الصالح يسعد مساك
تحليلك للنص وتعليقك يعطي نصي مساحة رائعة من التحليل
وأنت من الذين شجعوني وأكن لهم كل الأحترام والتقدير
ممتنة لتواجدك وتواصلك رعاك الله

روضة الفارسي 03-06-2015 06:37 PM

رد: هستيريا
 


عدت للنص لأشرب من ينابيعه ولأثبته ليحظى بقراءة أوفر

كل الأحترام والتقدير للمبدعة هدير

هدير الجميلي 03-06-2015 11:13 PM

رد: هستيريا
 
العزيزة والغالية أستاذة روضة مساء الورد
كل الشكر لكِ ممنونة لأنكِ أعطيتِ قصتي فرصة لتحظى بقراءة أكثر

باقة من جوري العراق لقلبك

زياد السعودي 07-06-2015 12:58 PM

رد: هستيريا
 
سلام الله
وليدات حروفكم تناديكم هنا :
http://fonxe.net/vb/showthread.php?t=44379

كل الود

هدير الجميلي 07-06-2015 03:19 PM

رد: هستيريا
 
مرحباً بك أستاذنا المبدع زياد السعودي
نشكر رعايتك لنا هنا
مع خالص أحترامي وتقديري لشخصك الطيب النبيل

ربى عبد الحي 12-06-2015 01:09 PM

رد: هستيريا
 
نص مؤثر سرد مميز محكم ونقل رائع للمشهد

كل السجلات تكاد تكون فارغة إلا سجل المطلوبين فهو طافح بالأسماء
اعتقد أن الجملة غير مقنعة فكل السجلات في حالة الحروب طافح بالاسماء سجلات الموتى والمفقودين والمصابين والمهاجرين لعل سجلات الأحياء هي التي تعاني من التقلص فقط

بنقشٍ أخضر دل على حسنها المأكول
اعتقد من الأنسب هنا حسنها المتآكل

رأى أما تلقي بأبنائها من سيارة قتل سائقها، عندها تذكر عائلته التي لم يستطع إنقاذها حين قصفوا بيته وهو خارجه، تركض بهم حافية القدمين، تجرهم بهلع وعيناها تبحثان عن مخبأ، هم بمساعدتها لكن وابلا من الرصاص جعله يتسمر في مكانه، يفور كبركان في داخله يود لو يساعدها، ولكن موته قبل أن يصلها لن يساعدها ولا أطفالها،

اعتقد ان هذا المقطع بحاجة لبعض التعديلات
وضع قوسين او معترضتين عند "عندها تذكر عائلته التي لم يستطع إنقاذها حين قصفوا بيته وهو خارجه" ليتضح اعتراض هذه الجملة لوصف مشهد محاولة الأم إنقاذ الأطفال
ولكن موته قبل أن يصل ... اعتقد الأنسب : ولكنه الموت قبل أن يصلها ... أو ....ولكنه سيموت قبل أن يصلها

كما أعتقد بأن النص يحتاج للتشكيل ليزيده تألقاً فوق تألقه

مجرد ملاحظات شخصية واعتذر للتدخل فالنص رائع لكاتبة مبدعة
كل الود والتقدير

هدير الجميلي 12-06-2015 05:42 PM

رد: هستيريا
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربى عبد الحي (المشاركة 1452968)
نص مؤثر سرد مميز محكم ونقل رائع للمشهد

كل السجلات تكاد تكون فارغة إلا سجل المطلوبين فهو طافح بالأسماء
اعتقد أن الجملة غير مقنعة فكل السجلات في حالة الحروب طافح بالاسماء سجلات الموتى والمفقودين والمصابين والمهاجرين لعل سجلات الأحياء هي التي تعاني من التقلص فقط

بنقشٍ أخضر دل على حسنها المأكول
اعتقد من الأنسب هنا حسنها المتآكل

رأى أما تلقي بأبنائها من سيارة قتل سائقها، عندها تذكر عائلته التي لم يستطع إنقاذها حين قصفوا بيته وهو خارجه، تركض بهم حافية القدمين، تجرهم بهلع وعيناها تبحثان عن مخبأ، هم بمساعدتها لكن وابلا من الرصاص جعله يتسمر في مكانه، يفور كبركان في داخله يود لو يساعدها، ولكن موته قبل أن يصلها لن يساعدها ولا أطفالها،

اعتقد ان هذا المقطع بحاجة لبعض التعديلات
وضع قوسين او معترضتين عند "عندها تذكر عائلته التي لم يستطع إنقاذها حين قصفوا بيته وهو خارجه" ليتضح اعتراض هذه الجملة لوصف مشهد محاولة الأم إنقاذ الأطفال
ولكن موته قبل أن يصل ... اعتقد الأنسب : ولكنه الموت قبل أن يصلها ... أو ....ولكنه سيموت قبل أن يصلها

كما أعتقد بأن النص يحتاج للتشكيل ليزيده تألقاً فوق تألقه

مجرد ملاحظات شخصية واعتذر للتدخل فالنص رائع لكاتبة مبدعة
كل الود والتقدير


الأستاذة العزيزة ربى أهلاً بكِ
سعدتُ بمروركِ وتسجيل ملاحظاتكِ
وشكراً من قلبي لما قدمتيه من نصائح

كل التقدير لكِ غاليتي

هدير الجميلي 12-06-2015 05:43 PM

رد: هستيريا
 
الأستاذ العزيز حسن
مساء الورد سعدتُ بتواجدك وتواصلك
كل التقدير لك


الساعة الآن 07:49 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط