۩ أكاديمية الفينيق ۩

۩ أكاديمية الفينيق ۩ (http://www.fonxe.net/vb/index.php)
-   ⊱ المدينة الحالمة ⊰ (http://www.fonxe.net/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   العصفور والشيخ (http://www.fonxe.net/vb/showthread.php?t=76631)

فوزي بيترو 22-11-2020 10:15 PM

العصفور والشيخ
 
العصفور والشيخ

كالعادة كل صباح . مع أول شعاع للشمس , مشى عصفوري على مهل أمام عشه القابع داخل فتحة مهترئة
من منزل آيل للسقوط . نفض ريشه وعيناه تنظران إلى بعيد . تنظران في لهفة .
لاحت لعينيه أغصان شجرة التفاح الهرمة . تسائل في فزع :
ــ هل تقوى هذه الأغصان الهشَّة على حمل الثمر؟ وهل هي تثمر بعدما شاخت وولَّت جاذبية أزهارها ؟
ها هو عصفوري يرنو بأفكاره ِ نحو هجر عشه القديم الذي أتَتْ عليه عوامل الطبيعة التي لا ترحم حيوانا أو
نباتا أوحتى مكان . بدأ يُغرد حزينا بعدما ساقته أفكاره لتغيير نمط حياته حين أصبح وحيداً .
فرحيل عصفورته وشريكة عُمْره , وإنشغال كتاكيته الصغار بعششهم وبأمور حياتهم , ولإنحسار جلسات
السَمَرْ مع نُدَمائه الى أدنى مستوى عَصَفَتْ بالتناغم الذي كان ينعم به وكَدَّرَتْ صَفْوَهُ . حتى أصبح هاجسه
الوحيد مسكوناً بالطريقة التي سَيُمضي بها الباقي من العمر .
بدأ يبحث في مواقع ليست نائية . فبعدما عَبَرَ هذا الكَمْ من السنين , أصبح غير قادر على الطيران لمسافات
بعيدة كأيامه الخوالي عندما كان يافعا يُحلق كالنسور بلا كلل وبلا ملل . يخشى عصفوري العزلة كخشية
السجين للحبس الإنفرادي ويرغب أيضا بموقع قريب من أبنائه العصافير حتى لا يثقل عليهم فيتجشمون
الصعاب كلما سنحت الفرصة وسمحت لهم الظروف لزيارته . ولهاجس يتوَضَّعُ في الجينات الملتصقة
بكروموزوماته , يخشى عصفوري أن يقع أسيرا في مصيدة أحد محترفي الصيد , أو أن تتعَثَّر قدماه الصغيرتان
وتنشبك في فخ هاوٍ غَضّ . لذلك , ترى روحه تهفو للأماكن المأهولة والمُتحضِّرة , والتي إكْتوَتْ بنارالقتل
والتقتيل , فهم الوحيدون اللذين يُقدِّرون قيمة الحياة , وهم وحدهم اللذين يجاهرون بكرامة ونعمة العيش .
أخذ يحومُ في الفضاء الرحب , باحثاً عن موقعٍ مناسبٍ لبناء عشه الجديد . طار فوق ِقلاع مهجورة , وفوق
هضاب تكسوها الخضرة وفوق وديان تغمرها المياه . عَصَفتْ به الحيرة , فلكل موقع , جانباً تهفو إليه القلوب ,
وجانباً آخرتأنفه الأكباد والعقول . إن حَطَّ بمكانٍ , والجيرة كانت عقبانا وبوم ؟ فوداعاً للنوم قرير العيون .
قاده جناحاه وذيله نحو منازل يسكن بها بشر . تريَّثَ قبل أن يهبط فوق سطح أحدها , وكاد أن يبتعد طائرا
من حيث أتى . غرَّدَ في سرّه قائلا :
ــ إن عهد الطرائد والصيد قد ولّى , وها هم أطفالهم يلهون بالتلفاز وبالأنترنت وبهواتفهم المتنقلة , والقادم
أعظم . فلا وقت لديهم , ولا إهتمام لملاحقة عصفور مثلي كان له في الماضي شأن . ولربما من فتات
موائدهم ومن ثمار ما يزرعون في حدائق منازلهم , أُرزَقْ؟
وقع إختياره على مزراب قديم , غير مستعمل . بنى عشه في إحدى فتحاته الصدِئة . وقف بباب العش يُغرِّد
ويستكشف الجوار , قاده نظره نحو رجل طاعن في السن في الغرفة المطلة على عشه مباشرة .
أدرك العصفور , وبحكم الخبرة ما يعانيه هذا الشيخ العجوز . فغرَّدَ هامساً :
ــ ان حاله مثل حالي . فترفَّقي به يا أيام .
بدأت الصداقة غير المُعلنة بين عصفوري والعجوز تنمو وتتشكَّل مع الأيام لِتأخذ منحىً حميمياً من طرف
العصفور ,ومن طرف العجوز ايضاً . ها هما يتبادلان تحية الصباح , وتحية قبل النوم , ويتقاسمان لقمة
العيش والملح , ويَهيمان مع ذِكرى الأيام العبقة بعطر الورود , ويستذكران الّلَيالي المُثقلة بالغيوم .
في يوم من الأيام , جاء لزيارة العجوز أبنائه وزوجاتهم . وقف العصفور بباب عشه يرنو بنظره نحوهم ,
ومن شدة تأثره , طاف الدمع في عينيه وأبى ان ينزلق خارجاً , فمسح عينيه بجناحيه قبل أن يرمقه العجوز
ويسأله عن سبب هذه الدموع .
كان الوقت فجرا حين استيقظ العصفور على صوت العجوز وهو يَهِمُّ بفتح نافذة غرفته مع أول دفوق لشعاع
شمس الصبح . كان كالغريق الذي يروم الهواء . سقطت من يده الى الأرض خارج النافذة حبة الدواء التي
اعتاد ان يضعها تحت لسانه كلما انتابته الأزمة. وكالسهم ......
انطلق عصفوري نحو الحبة , التقطها بمنقاره وعاد لصاحبه . وجده مُمَدَّداً قرب النافذة فاقد الوعي .
حاول إدخال الحبة داخل فمه , لم يفلح , حاول محاولة أخرى , وفشل . فجلس فوق صدره يَئِنُّ , ويُنصتُ
لدقات قلب خليله وهي تخبو وتبتعد إلى مجهولٍ , لم يعد مجهولاً لصاحبه . تواصل أنينه . فبدا كمن يستقبل
سقوط الرذاذ في يوم شديد البرودة . أما صاحبه الراقد . ها هو يحتضر في رعايته . لم يفتح عيناً . تَبَدَّى
مُتَخَلِّيَاً عن كل شيء . ندت عنه ارتعاشة مبهمة . استقبلها عصفوري برعشة مُمَاثلة ، وكأن روح صديقه
العجوز قد عبرت جسده الصغير واستقرت . فصرخ مُغَرِّداً في حزنٍ وألَم . ثُمَّ غادر مُحَلِّقاً يَجُولُ البيوت بيتا
بيتا . والاشجار غصنا غصنا . وارتفع عاليا الى دنيا النجوم , آملا أن باب السماء سَيُفتح ذات يوم .
وتُرَد الأمانات لأصحابها .

فوزي بيترو 24-11-2020 08:53 PM

رد: العصفور والشيخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال عمران (المشاركة 1886274)
مرحبا د/فوزى.
سردية من الصنف الهادف ذو الاسقاطات والتلميحات.. حملت الكثير من الصور المعبرة عن ألم الواقع ومسيرة الحياة..
تأخر كثيراً الربط بين العصفور والشيخ،،فبدت وكأن كل منهما فى قصة منفصلة...
كان يمكن اختصار الكثير من الوصف والشروحات بما يسرع رتم النص ..
مودتي

ربما عالم الفيس ومن فيه ومعه
قد اعتاد على المختصر المفيد
القصص ذات النفس الطويل صارت " مملة " .
سوف أحاول تقليص السرد إن استطعت .
تحياتي لك أخي جمال عمران
فوزي بيترو

أحمد علي 26-11-2020 01:05 AM

رد: العصفور والشيخ
 
قصة جميلة فيها خيط إنساني ووصف دقيق من لدن كاتب رائع .
حزنت مع العصفور على رحيل رفيقه الشيخ ، وإن كانت القصة في اعتقادي قد تذهب بعيدا لما يعتمل في وجدان الكاتب من مشاعر وأحاسيس نقية فلسفية حائرة تبحث عن ملاذ ٱمن ..
وأتفق مع أخي جمال في جواز اختزال القليل من الكلمات ...
محبتي وتقديري د. فوزي

محمد خالد بديوي 26-11-2020 07:36 AM

رد: العصفور والشيخ
 
العصفور والشيخ

كالعادة كل صباح . مع أول شعاع للشمس ,
مشى عصفوري
على مهل أمام عشه القابع داخل فتحة مهترئة
من منزل آيل للسقوط . نفض ريشه وعيناه تنظران إلى بعيد . تنظران في لهفة .
لاحت لعينيه أغصان شجرة التفاح الهرمة . تسائل في فزع :

ــ هل تقوى هذه الأغصان الهشَّة على حمل الثمر؟ وهل هي تثمر بعدما شاخت وولَّت جاذبية أزهارها ؟
ها هو عصفوري يرنو بأفكاره ِ نحو هجر عشه القديم الذي أتَتْ عليه عوامل الطبيعة التي لا ترحم حيوانا أو
نباتا أوحتى مكان . بدأ يُغرد حزينا بعدما ساقته أفكاره لتغيير نمط حياته حين أصبح وحيداً .
فرحيل عصفورته وشريكة عُمْره , وإنشغال كتاكيته الصغار بعششهم وبأمور حياتهم , ولإنحسار جلسات
السَمَرْ مع نُدَمائه الى أدنى مستوى عَصَفَتْ بالتناغم الذي كان ينعم به وكَدَّرَتْ صَفْوَهُ . حتى أصبح هاجسه
الوحيد مسكوناً بالطريقة التي سَيُمضي بها الباقي من العمر .

بدأ يبحث في مواقع ليست نائية . فبعدما عَبَرَ هذا الكَمْ من السنين , أصبح غير قادر على الطيران لمسافات
بعيدة كأيامه الخوالي عندما كان يافعا يُحلق كالنسور بلا كلل وبلا ملل . يخشى عصفوري العزلة كخشية
السجين للحبس الإنفرادي ويرغب أيضا بموقع قريب من أبنائه العصافير حتى لا يثقل عليهم فيتجشمون
الصعاب كلما سنحت الفرصة وسمحت لهم الظروف لزيارته . ولهاجس يتوَضَّعُ في الجينات الملتصقة
بكروموزوماته ,
يخشى عصفوري
أن يقع أسيرا في مصيدة أحد محترفي الصيد , أو أن تتعَثَّر قدماه الصغيرتان

وتنشبك في فخ هاوٍ غَضّ . لذلك , ترى روحه تهفو للأماكن المأهولة والمُتحضِّرة , والتي إكْتوَتْ بنارالقتل
والتقتيل , فهم الوحيدون اللذين يُقدِّرون قيمة الحياة , وهم وحدهم اللذين يجاهرون بكرامة ونعمة العيش .
أخذ يحومُ في الفضاء الرحب , باحثاً عن موقعٍ مناسبٍ لبناء عشه الجديد . طار فوق ِقلاع مهجورة , وفوق
هضاب تكسوها الخضرة وفوق وديان تغمرها المياه . عَصَفتْ به الحيرة , فلكل موقع , جانباً تهفو إليه القلوب ,

وجانباً آخرتأنفه الأكباد والعقول . إن حَطَّ بمكانٍ , والجيرة كانت عقبانا وبوم ؟ فوداعاً للنوم قرير العيون .
قاده جناحاه وذيله نحو منازل يسكن بها بشر . تريَّثَ قبل أن يهبط فوق سطح أحدها ,ـ ان حاله مثل حالي . فترفَّقي به يا أيام
. ولربما من فتات
موائدهم ومن ثمار ما يزرعون في حدائق منازلهم , أُرزَقْ؟

]وقع إختياره على مزراب قديم , غير مستعمل . بنى عشه في إحدى فتحاته الصدِئة . وقف بباب العش يُغرِّد
ويستكشف الجوار , قاده نظره نحو رجل طاعن في السن في الغرفة المطلة على عشه مباشرة .
أدرك العصفور , وبحكم الخبرة ما يعانيه هذا الشيخ العجوز . فغرَّدَ هامساً :
ــ ان حاله مثل حالي . فترفَّقي به يا أيام .[/size][/color][/size]
[[left]
[بدأت الصداقة غير المُعلنة بين عصفوري والعجوز تنمو وتتشكَّل مع الأيام لِتأخذ منحىً حميمياً من طرف العصفور ,ومن طرف العجوز ايضاً . ها هما يتبادلان تحية الصباح , وتحية قبل النوم , ويتقاسمان لقمة العيش والملح , ويَهيمان مع ذِكرى الأيام العبقة بعطر الورود , ويستذكران الّلَيالي المُثقلة بالغيوم .
في يوم من الأيام , جاء لزيارة العجوز أبنائه وزوجاتهم . وقف العصفور بباب عشه يرنو بنظره نحوهم ,
ومن شدة تأثره , طاف الدمع في عينيه وأبى ان ينزلق خارجاً , فمسح عينيه بجناحيه قبل أن يرمقه العجوز
ويسأله عن سبب هذه الدموع .
[/COLOR]
كان الوقت فجرا حين استيقظ العصفور على صوت العجوز وهو يَهِمُّ بفتح نافذة غرفته مع أول دفوق لشعاع
شمس الصبح . كان كالغريق الذي يروم الهواء . سقطت من يده الى الأرض خارج النافذة حبة الدواء التي
اعتاد ان يضعها تحت لسانه كلما انتابته الأزمة. وكالسهم ......
انطلق عصفوري نحو الحبة
, التقطها
بمنقاره وعاد لصاحبه . وجده مُمَدَّداً قرب النافذة فاقد الوعي .
حاول إدخال الحبة داخل فمه , لم يفلح , حاول محاولة أخرى , وفشل . فجلس فوق صدره يَئِنُّ , ويُنصتُ
لدقات قلب خليله وهي تخبو وتبتعد إلى مجهولٍ , لم يعد مجهولاً لصاحبه . تواصل أنينه . فبدا كمن يستقبل
سقوط الرذاذ في يوم شديد البرودة . أما صاحبه الراقد . ها هو يحتضر في رعايته . لم يفتح عيناً . تَبَدَّى
مُتَخَلِّيَاً عن كل شيء . ندت عنه ارتعاشة مبهمة .
استقبلها عصفوري برعشة مُمَاثلة ، وكأن روح صديقه
العجوز قد عبرت جسده الصغير واستقرت . فصرخ مُغَرِّداً في حزنٍ وألَم . ثُمَّ غادر مُحَلِّقاً يَجُولُ البيوت بيتا
بيتا . والاشجار غصنا غصنا . وارتفع عاليا الى دنيا النجوم , آملا أن باب السماء سَيُفتح ذات يوم .
وتُرَد الأمانات لأصحابها .




لم يقطع عليّ متعة القراة سوى دخول (العجوز) في جسد (العصفور)
انقلبت ذاكرتي وتحولت باتجاه أفلام الخيال والرعب وسرقة اجساد
الشباب للدخول فيها ، مقابل ان تجعل روح الشباب في جسد رجل هرم
يقومون بهذا من خلال التعويذات وترانيم السحر .!

لكنني عدلت عن هذه الرؤية المحتملة لأنها لا تلبي ما يسعى إليه
هؤلاء ..فطموحهم هو الخلود وجسد قوي وجميل..وحسب هوليود هناك
من ينجح لكنهم لا يمثلون العدد المأمول.


الشيخ والعصفور


نص قصصي ناجح يطرح عدة أفكار متناقضة خلال سير الأحداث ووقوع
ما هو غير متوقع ..وربما تنجح أشياء إلى حد يفوق التوقع.. العصفور هو
صديق الشيخ ، والشيخ هو بطل النص والراوي ولو عدنا للنص وقمنا بعدد
المرات التي يقول فيها الناص كلمة تأتي بعدها مباشرة لفظة (عصفوري)
والتكرار هنا كان مقصودا في كل مرة ..وفي كل مرة ينتقل إلى معنى جديد
قد تنحرف له سكة الحكاية قليلا قبل ان تعود إلى مسارها الطبيعي..كقصة
قصيرة حافظت على متانة السرد وترتيب المتناقضات في مواجهات تطابق
الواقع وما فيه من حقائق تبدو أساطير كاذبة، أو خرافات يحاول بعض سكان
هذا الكون جعلها حقيقية من خلال الانقلاب على المبادئ والقيم والابتعاد عن
القراءة (الشئ الوحيد الذي ينمي كامل الجسد) لا أقصد العقل فقط ..بل حتى
أنها تقوي العضلات وتجعل الإحساس بجلد السياط حافزا للتحمل ودافعا للتفكر
وطرح أخطر الأسئلة كالذي يقول :( كم بقي كي أنجح بما يسحبونني إليه.!)
قد يمثل

الشيخ في هذا النص (الحكمة والفضيلة والصبر والجلد) وقبل هذا كله ان
أتفكر بما تنتجه القراءة والرجوع إل قوله تعالى (اقرأ) مع ان النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم.. (أمي لا يقرأ ولا يكتب) والله جل في علياءه يعلم ذلك.!


{{قاده نظره نحو رجل طاعن في السن في الغرفة المطلة على عشه مباشرة .
أدرك العصفور , وبحكم الخبرة ما يعانيه هذا الشيخ العجوز . فغرَّدَ هامساً :
ـ ان حاله مثل حالي . فترفَّقي به يا أيام }}


العصفور وتكرر وجوده في أماكن طبيعية يصفها الناص بدقة.. لماذا لا تكون
العصافير أرواح الشهداء..أو مسكن أرواح الشهداء ودخول العجوز في جسد
العصفور يتناقض مع الحقائق ..لكنني وفي موطن ما، لا أعترض على رؤيتي
المثيرة للذهول وربما للخوف أيضا.!


كما ان المنطق يجعل الخبرة ملكا للشيخ وليس لعصفور لا يعيش إلا القليل.!

حكيم مدينتنا الحالمة د. فوزي بيترو

ينبهنا مسيقا عما سيكون عليه الحال ..إن لم نفعل شيئا:

{{وكاد أن يبتعد طائرا ..من حيث أتى . غرَّدَ في سرّه قائلا :

ـ إن عهد الطرائد والصيد قد ولّى ,
وها هم أطفالهم يلهون بالتلفاز وبالأنترنت وبهواتفهم المتنقلة , والقادم
أعظم . فلا وقت لديهم , ولا إهتمام لملاحقة عصفور مثلي كان له في الماضي
شأن . ولربما من فتات موائدهم ومن ثمار ما يزرعون في حدائق منازلهم , (أُرزَقْ)}}


ايحاء ذكي وفكر متقد..وقدرة على تقييم ما سيكون عليه الآخر,,من خلال حاضره.
وقد وصف الطرف الآخر بعدل وحياد ومن خلال رؤيته الثاقبة حين قال:


((ـ إن عهد الطرائد والصيد قد ولّى ,
وها هم أطفالهم يلهون بالتلفاز وبالأنترنت وبهواتفهم المتنقلة , والقادم
أعظم . فلا وقت لديهم , ولا إهتمام لملاحقة عصفور مثلي كان له في الماضي
شأن .ولربما من فتات
موائدهم ومن ثمار ما يزرعون في حدائق منازلهم , أُرزَقْ؟}}


تمكن الحكيم بيترو من خلق قفلة متقنة في صورها وحدثها
وكأنه كان يضع الشيخ جانبا حين يشعر بفكرة فقدت كوابحها
في منحدر خطير ...فوضع ومن أجل الجميع ما يسمى (بالمهارب)
للحد من خطورة ما يمكن ان يحدث. بالنسبة للعنوان رأيته غير
مناسب لنص بهذه البراعة ..حيت يقدم شرحا واضحا بشكل غير
مقصود ..لكنه يفاجئك في موطن آخر بأنه كان يقصد ذلك المعنى
ويقدم معنى آخر لمرحلة جديدة من النص وحقيقة أجده قابلا
للتطور فيكون أكثر مما رأيناه ..ومما فهمناه.. مضى معظم عمري
وما زلت أعود لرواية (ما تبقى لكم ) وكاتبها الشهيد البطل غسان
كنفاني ..الرواية تقريبا 70 صفحة من الحجم الصغير ومع ذلك من


العام 1991 إلى أول أمس وأنا أعود إليها لفهم شئ جديد ..صدقوني
أنني في الغالب أنجح..إذن مسألة الطول والقصر ليست كما ينظر إليها
البعض فلكاتب يوسف ادريس لديه نصوص تحتاج إلى نصف ساعة هو
ما تحتاجه ما تبقى لكم ..لكنك ل ترجع للقصة الأولى بينما حاجتك للرجوع
إلى (ما تبقى لكم ضروري) أيضا الخيميائي 500 صفحة عند باولو كويلو
لكنها عند القاضي التنوخي صفحة ونصف الصفحة....فتخيل يا رعاك الله.

الدكتور فوزي بيترو
بوركتم وبورك حرفكم الثري المنير

احترامي وتقديري

فوزي بيترو 27-11-2020 08:00 PM

رد: العصفور والشيخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد على (المشاركة 1887679)
قصة جميلة فيها خيط إنساني ووصف دقيق من لدن كاتب رائع .
حزنت مع العصفور على رحيل رفيقه الشيخ ، وإن كانت القصة في اعتقادي قد تذهب بعيدا لما يعتمل في وجدان الكاتب من مشاعر وأحاسيس نقية فلسفية حائرة تبحث عن ملاذ ٱمن ..
وأتفق مع أخي جمال في جواز اختزال القليل من الكلمات ...
محبتي وتقديري د. فوزي

العصفور والشيخ كلاهما يتبادلان عصف الأيام
ان حاله مثل حالي . فترفَّقي به يا أيام ... صدق العصفور
بخصوص الإختزال ، لقد حاولت فخرج النص المختزل بثوب قصير على الحدوتة .
عذرا .. فأبقيته كما هو .
تحياتي أخي أحمد علي
فوزي بيترو

فوزي بيترو 27-11-2020 08:02 PM

رد: العصفور والشيخ
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد خالد بديوي (المشاركة 1887736)
العصفور والشيخ

كالعادة كل صباح . مع أول شعاع للشمس ,
مشى عصفوري
على مهل أمام عشه القابع داخل فتحة مهترئة
من منزل آيل للسقوط . نفض ريشه وعيناه تنظران إلى بعيد . تنظران في لهفة .
لاحت لعينيه أغصان شجرة التفاح الهرمة . تسائل في فزع :

ــ هل تقوى هذه الأغصان الهشَّة على حمل الثمر؟ وهل هي تثمر بعدما شاخت وولَّت جاذبية أزهارها ؟
ها هو عصفوري يرنو بأفكاره ِ نحو هجر عشه القديم الذي أتَتْ عليه عوامل الطبيعة التي لا ترحم حيوانا أو
نباتا أوحتى مكان . بدأ يُغرد حزينا بعدما ساقته أفكاره لتغيير نمط حياته حين أصبح وحيداً .
فرحيل عصفورته وشريكة عُمْره , وإنشغال كتاكيته الصغار بعششهم وبأمور حياتهم , ولإنحسار جلسات
السَمَرْ مع نُدَمائه الى أدنى مستوى عَصَفَتْ بالتناغم الذي كان ينعم به وكَدَّرَتْ صَفْوَهُ . حتى أصبح هاجسه
الوحيد مسكوناً بالطريقة التي سَيُمضي بها الباقي من العمر .

بدأ يبحث في مواقع ليست نائية . فبعدما عَبَرَ هذا الكَمْ من السنين , أصبح غير قادر على الطيران لمسافات
بعيدة كأيامه الخوالي عندما كان يافعا يُحلق كالنسور بلا كلل وبلا ملل . يخشى عصفوري العزلة كخشية
السجين للحبس الإنفرادي ويرغب أيضا بموقع قريب من أبنائه العصافير حتى لا يثقل عليهم فيتجشمون
الصعاب كلما سنحت الفرصة وسمحت لهم الظروف لزيارته . ولهاجس يتوَضَّعُ في الجينات الملتصقة
بكروموزوماته ,
يخشى عصفوري
أن يقع أسيرا في مصيدة أحد محترفي الصيد , أو أن تتعَثَّر قدماه الصغيرتان

وتنشبك في فخ هاوٍ غَضّ . لذلك , ترى روحه تهفو للأماكن المأهولة والمُتحضِّرة , والتي إكْتوَتْ بنارالقتل
والتقتيل , فهم الوحيدون اللذين يُقدِّرون قيمة الحياة , وهم وحدهم اللذين يجاهرون بكرامة ونعمة العيش .
أخذ يحومُ في الفضاء الرحب , باحثاً عن موقعٍ مناسبٍ لبناء عشه الجديد . طار فوق ِقلاع مهجورة , وفوق
هضاب تكسوها الخضرة وفوق وديان تغمرها المياه . عَصَفتْ به الحيرة , فلكل موقع , جانباً تهفو إليه القلوب ,

وجانباً آخرتأنفه الأكباد والعقول . إن حَطَّ بمكانٍ , والجيرة كانت عقبانا وبوم ؟ فوداعاً للنوم قرير العيون .
قاده جناحاه وذيله نحو منازل يسكن بها بشر . تريَّثَ قبل أن يهبط فوق سطح أحدها ,ـ ان حاله مثل حالي . فترفَّقي به يا أيام
. ولربما من فتات
موائدهم ومن ثمار ما يزرعون في حدائق منازلهم , أُرزَقْ؟

]وقع إختياره على مزراب قديم , غير مستعمل . بنى عشه في إحدى فتحاته الصدِئة . وقف بباب العش يُغرِّد
ويستكشف الجوار , قاده نظره نحو رجل طاعن في السن في الغرفة المطلة على عشه مباشرة .
أدرك العصفور , وبحكم الخبرة ما يعانيه هذا الشيخ العجوز . فغرَّدَ هامساً :
ــ ان حاله مثل حالي . فترفَّقي به يا أيام .[/size][/color][/size]
[[left]
[بدأت الصداقة غير المُعلنة بين عصفوري والعجوز تنمو وتتشكَّل مع الأيام لِتأخذ منحىً حميمياً من طرف العصفور ,ومن طرف العجوز ايضاً . ها هما يتبادلان تحية الصباح , وتحية قبل النوم , ويتقاسمان لقمة العيش والملح , ويَهيمان مع ذِكرى الأيام العبقة بعطر الورود , ويستذكران الّلَيالي المُثقلة بالغيوم .
في يوم من الأيام , جاء لزيارة العجوز أبنائه وزوجاتهم . وقف العصفور بباب عشه يرنو بنظره نحوهم ,
ومن شدة تأثره , طاف الدمع في عينيه وأبى ان ينزلق خارجاً , فمسح عينيه بجناحيه قبل أن يرمقه العجوز
ويسأله عن سبب هذه الدموع .
[/color]
كان الوقت فجرا حين استيقظ العصفور على صوت العجوز وهو يَهِمُّ بفتح نافذة غرفته مع أول دفوق لشعاع
شمس الصبح . كان كالغريق الذي يروم الهواء . سقطت من يده الى الأرض خارج النافذة حبة الدواء التي
اعتاد ان يضعها تحت لسانه كلما انتابته الأزمة. وكالسهم ......
انطلق عصفوري نحو الحبة
, التقطها
بمنقاره وعاد لصاحبه . وجده مُمَدَّداً قرب النافذة فاقد الوعي .
حاول إدخال الحبة داخل فمه , لم يفلح , حاول محاولة أخرى , وفشل . فجلس فوق صدره يَئِنُّ , ويُنصتُ
لدقات قلب خليله وهي تخبو وتبتعد إلى مجهولٍ , لم يعد مجهولاً لصاحبه . تواصل أنينه . فبدا كمن يستقبل
سقوط الرذاذ في يوم شديد البرودة . أما صاحبه الراقد . ها هو يحتضر في رعايته . لم يفتح عيناً . تَبَدَّى
مُتَخَلِّيَاً عن كل شيء . ندت عنه ارتعاشة مبهمة .
استقبلها عصفوري برعشة مُمَاثلة ، وكأن روح صديقه
العجوز قد عبرت جسده الصغير واستقرت . فصرخ مُغَرِّداً في حزنٍ وألَم . ثُمَّ غادر مُحَلِّقاً يَجُولُ البيوت بيتا
بيتا . والاشجار غصنا غصنا . وارتفع عاليا الى دنيا النجوم , آملا أن باب السماء سَيُفتح ذات يوم .
وتُرَد الأمانات لأصحابها .




لم يقطع عليّ متعة القراة سوى دخول (العجوز) في جسد (العصفور)
انقلبت ذاكرتي وتحولت باتجاه أفلام الخيال والرعب وسرقة اجساد
الشباب للدخول فيها ، مقابل ان تجعل روح الشباب في جسد رجل هرم
يقومون بهذا من خلال التعويذات وترانيم السحر .!

لكنني عدلت عن هذه الرؤية المحتملة لأنها لا تلبي ما يسعى إليه
هؤلاء ..فطموحهم هو الخلود وجسد قوي وجميل..وحسب هوليود هناك
من ينجح لكنهم لا يمثلون العدد المأمول.


الشيخ والعصفور


نص قصصي ناجح يطرح عدة أفكار متناقضة خلال سير الأحداث ووقوع
ما هو غير متوقع ..وربما تنجح أشياء إلى حد يفوق التوقع.. العصفور هو
صديق الشيخ ، والشيخ هو بطل النص والراوي ولو عدنا للنص وقمنا بعدد
المرات التي يقول فيها الناص كلمة تأتي بعدها مباشرة لفظة (عصفوري)
والتكرار هنا كان مقصودا في كل مرة ..وفي كل مرة ينتقل إلى معنى جديد
قد تنحرف له سكة الحكاية قليلا قبل ان تعود إلى مسارها الطبيعي..كقصة
قصيرة حافظت على متانة السرد وترتيب المتناقضات في مواجهات تطابق
الواقع وما فيه من حقائق تبدو أساطير كاذبة، أو خرافات يحاول بعض سكان
هذا الكون جعلها حقيقية من خلال الانقلاب على المبادئ والقيم والابتعاد عن
القراءة (الشئ الوحيد الذي ينمي كامل الجسد) لا أقصد العقل فقط ..بل حتى
أنها تقوي العضلات وتجعل الإحساس بجلد السياط حافزا للتحمل ودافعا للتفكر
وطرح أخطر الأسئلة كالذي يقول :( كم بقي كي أنجح بما يسحبونني إليه.!)
قد يمثل

الشيخ في هذا النص (الحكمة والفضيلة والصبر والجلد) وقبل هذا كله ان
أتفكر بما تنتجه القراءة والرجوع إل قوله تعالى (اقرأ) مع ان النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم.. (أمي لا يقرأ ولا يكتب) والله جل في علياءه يعلم ذلك.!


{{قاده نظره نحو رجل طاعن في السن في الغرفة المطلة على عشه مباشرة .
أدرك العصفور , وبحكم الخبرة ما يعانيه هذا الشيخ العجوز . فغرَّدَ هامساً :
ـ ان حاله مثل حالي . فترفَّقي به يا أيام }}


العصفور وتكرر وجوده في أماكن طبيعية يصفها الناص بدقة.. لماذا لا تكون
العصافير أرواح الشهداء..أو مسكن أرواح الشهداء ودخول العجوز في جسد
العصفور يتناقض مع الحقائق ..لكنني وفي موطن ما، لا أعترض على رؤيتي
المثيرة للذهول وربما للخوف أيضا.!


كما ان المنطق يجعل الخبرة ملكا للشيخ وليس لعصفور لا يعيش إلا القليل.!

حكيم مدينتنا الحالمة د. فوزي بيترو

ينبهنا مسيقا عما سيكون عليه الحال ..إن لم نفعل شيئا:

{{وكاد أن يبتعد طائرا ..من حيث أتى . غرَّدَ في سرّه قائلا :

ـ إن عهد الطرائد والصيد قد ولّى ,
وها هم أطفالهم يلهون بالتلفاز وبالأنترنت وبهواتفهم المتنقلة , والقادم
أعظم . فلا وقت لديهم , ولا إهتمام لملاحقة عصفور مثلي كان له في الماضي
شأن . ولربما من فتات موائدهم ومن ثمار ما يزرعون في حدائق منازلهم , (أُرزَقْ)}}


ايحاء ذكي وفكر متقد..وقدرة على تقييم ما سيكون عليه الآخر,,من خلال حاضره.
وقد وصف الطرف الآخر بعدل وحياد ومن خلال رؤيته الثاقبة حين قال:


((ـ إن عهد الطرائد والصيد قد ولّى ,
وها هم أطفالهم يلهون بالتلفاز وبالأنترنت وبهواتفهم المتنقلة , والقادم
أعظم . فلا وقت لديهم , ولا إهتمام لملاحقة عصفور مثلي كان له في الماضي
شأن .ولربما من فتات
موائدهم ومن ثمار ما يزرعون في حدائق منازلهم , أُرزَقْ؟}}


تمكن الحكيم بيترو من خلق قفلة متقنة في صورها وحدثها
وكأنه كان يضع الشيخ جانبا حين يشعر بفكرة فقدت كوابحها
في منحدر خطير ...فوضع ومن أجل الجميع ما يسمى (بالمهارب)
للحد من خطورة ما يمكن ان يحدث. بالنسبة للعنوان رأيته غير
مناسب لنص بهذه البراعة ..حيت يقدم شرحا واضحا بشكل غير
مقصود ..لكنه يفاجئك في موطن آخر بأنه كان يقصد ذلك المعنى
ويقدم معنى آخر لمرحلة جديدة من النص وحقيقة أجده قابلا
للتطور فيكون أكثر مما رأيناه ..ومما فهمناه.. مضى معظم عمري
وما زلت أعود لرواية (ما تبقى لكم ) وكاتبها الشهيد البطل غسان
كنفاني ..الرواية تقريبا 70 صفحة من الحجم الصغير ومع ذلك من


العام 1991 إلى أول أمس وأنا أعود إليها لفهم شئ جديد ..صدقوني
أنني في الغالب أنجح..إذن مسألة الطول والقصر ليست كما ينظر إليها
البعض فلكاتب يوسف ادريس لديه نصوص تحتاج إلى نصف ساعة هو
ما تحتاجه ما تبقى لكم ..لكنك ل ترجع للقصة الأولى بينما حاجتك للرجوع
إلى (ما تبقى لكم ضروري) أيضا الخيميائي 500 صفحة عند باولو كويلو
لكنها عند القاضي التنوخي صفحة ونصف الصفحة....فتخيل يا رعاك الله.

الدكتور فوزي بيترو
بوركتم وبورك حرفكم الثري المنير

احترامي وتقديري

لم أكن أتخيّل أن تأخذ قصة الشيخ والعصفور هذه المساحة من الشرح
والنقد والتفاعل لولا أن أستاذا قد تلقّف الحكاية وأدار تروس الحدوتة باقتدار .
لقد تكررت كلمة " العصفور " أكثر من مرة خلال السرد وملاحظتكم بشأنها سليمة.
لقد أخجلتني حقا بوقوف هذه القصة أمام عمالقة وأسياد هذا الجنس من التعبير .
تحياتي واحترامي أخي محمد خالد بديوي
فوزي بيترو


الساعة الآن 03:45 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط