هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
صـنـدوق العــرس {{إلى كل الذين تقزموا بفعل تغير المناخ ؛ وتغير تضاريس الوطن. لأن الألحان ليست ألحانهم. إنما لطبول الخواء. التي تشكلت من البكتيريا وما جاد به العفن ..!}} ......... {{مو حزن.. لكن حزين مثل ما تنقطع جوّا المطر شدّة ياسمين مو حزن لكن حزين مثل بلبل قعد متأخر.. لقى البستان كلها بلاي تين مو حزن لكن حزين.. مثل صندوق العرس ينباع خردة عشق من تمضي السنين ..! }}( الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب ) ........ لم نكن من السابقين. ولا من الأوائل في هذه الحياة الدنيا، ولن نكون آخر من يعمرها، ولا آخر من يمكث فيها. أتينا الى هذه الدنيا فوجدنا الكثير مما يستحق مطالعته وفهمه ومعرفته. وجدنا الكثير من الحكايات وتاريخ طويل وممتد. صحيح أن بعض أجزاء هذا التاريخ تعرض للتشويه، إلا أن هذا لا يعني أننا جئنا الى مساحات فارغة وزمن بلا ذاكرة. على العكس تماما.. وجدنا الكثير. وما يستحق المطالعة والاهتمام. ولا أدري إن كنا سنترك خلفنا بعد رحيلنا ما يستحق أن يذكر ويُدّون، فيتناقله من سيأتون بعدنا. قالوا عن الأيام : أنها ( دول ) والله تعالى قال في محكم التنزيل: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) صدق الله العظيم. في أيام من سبقونا في الوجود والعيش، كان { لصندوق العرس} مقامات. تتفاوت في رقيها، في شكلها وجمالها.. حتى في حجمها الذي تحكمه أمور عدة. منها الوضع الاقتصادي والذي كان سيئا على الأغلب. هكذا كان وضع الناس، باستثناء بسيط لبعض العائلات التي شاء القدر أن تنعم بخصوصية الثراء المحدود.! إذن.. كان للصندوق مقامات..ولم يخلو الأمر من طرفة هنا، وقصة هناك.. حتى صار للصندوق قصص وحكايات.! الصندوق : قطعة أساسية، وضرورية، في البيت. وعلى الراغب في الزواج أن يتجهز لإحضاره وتقديمه لشريكة حياته القادمة من بيت أهلها. حتى وان كانت في بيت أهلها تعيش من غير صندوق خاص..أو.. تتشارك وأخواتها بصندوق واحد. هذا الصندوق كان يحمل كل أسرار البيت وأسباب سروره ؛ ألم البيت وآماله. كان خزانة غرفة النوم. الجزء المهم في غرفة النوم التي تأخذ الكثير من الأيام، لتبدعها يد النجار. يبدأ صناعتها بحسابات دقيقة ليتوافق إنجازها مع موعد الزفاف المنتظر، أو.. يسبقه قليلا. وخلال ذلك يروح العريس والعروس يرافقهما (أخت العروس الصغيرة.دقيقة الملاحظة.. السمراء، ذات الشعر المجعد.) مرات.. ومرات إلى النجار قبل اتخاذ القرار الأخير والاتفاق على الشكل النهائي الذي ستكون عليه غرفة النوم. (هذا ما يحدث اليوم ) أو.. ما كان يحدث في زمن قريب. بينما الصندوق القديم، صندوق العرس. كان على اختلاف أشكاله يبدو بشكل واحد. كل الصناديق لها نفس الشكل. ربما أختلف اللون .. وربما اختلفت أحجامها.(زركشتها) برسومات وألوان مختلفة. ترصيعها بالخرز والصدف وأشياء أخرى. يحدد هذا قدرة العريس المادية. هذا ما يحدد ما سيكون عليه صندوقه .. هذا إن لم يكن ورث صندوق أمه.! بقي الصندوق يصول ويجول في أرجاء البيوت حتى بعد اكتشاف (الساطرة. ) (والساطرة) بشكلها الهندسي ليس فيها ذلك ( التجويف ) العميق،كالذي يملكه الصندوق، لذلك حافظ الصندوق على مكانته، وإن نقصت قليلا.! ولان التطور الحضاري والإنساني كان سريعا، متلاحقا. كانت قيمة الصندوق تتناقص بتدرج مريب. ومقاماته صارت مهددة بالإطاحة .. فقد ظهرت (النملية ) بشكل مفاجئ..!! ثم ظهر ( المطوى ) وهذا التهديد كان يًنذر بالتلاشي.. وكان واضحا أن الصندوق بدأ يشيخ ..! وخصوصا أن (المطوى) حمل على ظهره أغلب أعباء البيت وفراشه. كان تهديدا صريحا وواضح (للصندوق ) فمسؤولية الحمل الخارجي، أو ما يُحمل على الظهر لم تعد من مهماته وإن بقي من الداخل يحمل أعظم الأسرار...والأوزار.!! تسارعت الأيام، تسارعت الحضارات. ومع مرور الأيام تطور الناس وتطورت الصناعات. صارالصندوق مثل معمر يجلس على صخرة بجانب باب الدار. يراقب الأطفال إذا لعبوا، ويسأل النساء عن صوت الآذان ..ثم يقضي وقته ما بين صلاة ؛ وصلاة.. في انتظار الأجل.! صار للصندوق استخدامات أخرى في البيوت التي احتفظت به، وبقي مقيما فيها. يحمل الوثائق القديمة وأشياء لا يريد مالكها أن يطلع عليها الناس. ما عاد يحمل سر العروس وما تخبئه لشريكها حين يعود في المساء. لم تعد تفوح منه رائحة المسك والكالونيا وعطر (البروفسي) وجاء زمن بدا فيه الصندوق مثل مسن تهرب منه الذاكرة. لا يحمل بداخله إلا القليل من الذكريات المتهرئة، تفوح منه رائحة ( الفشك ) وقنابل يدوية ( مبردة ) مر عليها الكثير من الوقت دون مناسبة، وربما مر (أمل قصير القامة)..وفكرة ترددت كثيرا قبل هذا السبات.. لم تنفجر وأبدا .. لن تنفجر.! وهكذا .. لم يعد للصندوق أي مقام في هذه الحضارة وسطوتها حتى اختفى. ما عاد أحد يحتاجه ما عاد أحد يذكره، أو.. يتذكره.! ويقال : أنه في زمن ما... إن عثر عليه ــ مصادفة ــ في مكان ما.. تحت ملكية أحد ما، يهرع كل مهتم لمعرفة أسرار هذا الصندوق. فسيرته مهمة جدا في تحديد قيمته، ومقامه. يهتم الجميع بنسبه الأول.. من الذي اقتناه أول مرة .. أول عروس خبأت فيه عطرها، ومنديلها الأبيض.. أو.. (الزهري ) أول ثائر جمع فيه الرصاص.. وهكذا .. وعلى أساس المعلومات المتوفرة يحدد له الثمن الذي يستحق في سوق ( الخردة) يعود الصندوق إلى ارتحال جديد، من بيت.. إلى آخر.. إلى فيلا، وربما إلى قصر. يلبس حلة جديدة على اعتبار انه ( تحفة ) يتبارز بها من يقدرون على دفع ثمن ما لا يلزم لحياتهم ..! والصندوق يقبع في أمكنة مختلفة بهدوء.. وصمت يشبه إلى حد ما (صمت) العبد في أزمنة كانت تٌسيد الأسياد.. وتمتهن العبيد..! ويقال : أن بعض الصناديق بقيت على قيد الحياة، خارج متطلبات العمر. تعيش في أقبية عميقة تحمل في داخلها ما هو أعتق منها في الوجود.. وهي تنتظر زمنا آخر تطل منه.. وبعض الصناديق كان مصيرها (المزابل ) البعيدة عن المدينة وضجيجها..خارج الحضارة والزمن. وبعضها، امتلكها بمحض صدفة فقراء أبت الحضارة أن تطاوعهم.. أو.. أنهم لم يتمكنوا من تطويعها. وربما أنهم لم يرغبوا بتطويعها. فخبئوا فيها اليسير من مقومات أحلام بعيدة. وبعضها لم يظهر مرة أخرى، لم يُعثر عليها.. ربما أنها انكسرت مع الأيام.. وتفسخت.. أو أنها كانت حشوة مناسبة في مدفأة ما .! ((سبتمبر .. 2009)) |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
الاديب الشاعر محمد بديوي
لغة تشكيلية جديدة ذات بصيرة مرتبطة في الذاكرة التي هي مكون اساسي في الابداع لكن هناك صداع بين نظامين الادبي والعلمي بمعنى التكنولوجي ودرجة التطور الاجتماعي برغم ان المنثورة عبرت بشكل رائع عن هذا الموروث الحضاري العربي وفي اطار العادات والتقاليد الدافئة وما ترمز اليه من مفاهيم عميقه لذاكرة اعمق في الترابط الاجتماعي والوطني احترامي وتقديري لهذة المنثورة الرائعه والجميله والمعبرة ودي الكبير لكم |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
هذا الصندوق الرمز لم يأت على ذكره الكاتب إلا لسبب معين
يدور في رأسه وكفكرة لم تأت من فراغ فالصندوق "وما كان له من مكانة في حقبة من الزمن ثم بدأت قيمته تتناقص مع الزمن ومع التقدم التكنولوجي إلى أن أصبح مصيره النسيان أو الإهمال أو إلقائه كحطب لموقد أو رميه في الزبالة" جعلني أتخيل كم نحن مجرمون في حق أشياء كثيرة في الحياة قياساً مع ما حصل لهذا الصندوق . نص فلسفي عميق متألق بفكرته ولغته وغرضه استمتعت جداً بقراءته كل التقدير أ. محمد وتحياتي |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
لكل ما سبق ذكره استحق الـ
تثبيت |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
سردتَ بدقة وصف جميل قصة الصندوق /الرمز..شكرا للرائعة الأستاذة نوال على تثبيتها للنصّ..وشكرا لك أخي الأديب الأريب الأستاذ بديوي على مسافة إبداعية رائقة..تحيتي وتقديري..
|
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
الصندوق رمز للكثير من الأشياء والعادات الموروثة
التي كانت ذو قيمة في حياة الانسان وللأسف باتت اليوم لاقيمة لها جرفتها رياح النسيان . اشياء كثيرة في حياتنا كانت عزيزة ولها قيمتها وجمالها واليوم تلاشت واختفت وتبدّلت الاحوال. مااجمله واعمقه من هذيان رسم قلمك ملامحه برقي واناقة . وجعلنا نسافر معه في رحلة غاية في التشويق. بوركت والمداد اديبنا القدير الأنيق محمد خالد بديوي ودام عبق حرفك النابض صدقا وجمالا تحية تليق وكل الود والورد |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
اقتباس:
قراءة عميقة وواعية من مبدع وخبير أسعدتني جدا أيها الوارف. شكرا جزيلا لكم على هذا العبور المتألق وعلى اهتمامكم وحسن رعايتكم. أديبنا القدير عبد الكريم محمد سلمتم وسلمت روحكم النقية محلقة احترامي وتقديري |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
فكرة قوية لامست الكثير من الجوانب و خاصة الجانب التراثي من خلال هذا الصندوق
جميل أن نكتب عن عاداتنا و تقاليدنا فهي تعبر عنا و هي جزء من حياتنا عبر الأجيال نص ممتع تحيتي و تقديري |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
يا للروعة أخي محمد ..برمزية الصندوق التي كنت فيها بارعا في وصفه
وبفلسفية بسيطة الفهم بليغة اللغة رائعة التصوير ..اوصلت لنا الفرق الشاسع بين الروحانية والمادية ..وعرجت على التاريخ ..باقتدار صفعت من يتنكر لتاريخ امته العظيمة ويشوه رجالها وعظمائها نص ملحمي رائع تحياتي للقدير الرائع الصديق محمد خالد بديوي |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
اقتباس:
ليس غريبا على أديبة كبيرة أن تنعم علينا وعلى نصي المتواضع بقراءة عميقة وكثيرة رائعة وراقية وتمســــك بروح الفكرة ــــ {{هذا الصندوق الرمز لم يأت على ذكره الكاتب إلا لسبب معين يدور في رأسه وكفكرة لم تأت من فراغ}} كما تعلمين أستاذتي الكريمة ويعلم الجميع: الفراغ ؛ لا يأتي إلا بالفراغ.. رؤيتكم ثاقبة وذائقتكم رفيعة شاهقة. أديبتنا القديرة نوال البردويل: سلمتم وسلم نبض قلبكم الناصع احترامي وتقديري |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
اقتباس:
ثبتكم المولى تعالى على الحق وأحسن إليكم في الأولى والآخرة شكرا جزيلا لكم على اهتمامكم وعنايتكم الكريمة. شاعرتنا الوارفة نوال البردويل بوركتم وبوركت الروح محلقة احترامي وتقديري |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
اقتباس:
قراءة رائعة من أديب رائع وشاعر كبير شكرا لكم على حضوركم الراقي واهتمامكم الكريم والكثير. أديبنا المكرم محمد الصالح الجزائري بوركتم وبورك نبض قلبكم النقي احترامي وتقديري |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
اقتباس:
قراءة عميقة جميلة .. كبيرة وراقية من أديبة قديرة مبدعة في رسم الحروف مبدعة في قراءتها والوصول الى مراميها. أديبتنا المكرمة وشاعرتنا الغزيرة عبير محمد قراءة أسعدت القلب وابتهجت لها الروح شكرا لكم على حضوركم الشاهق واهتمامكم الكريم ورعايتكم الكثيرة. سلمت وسلمت روحكم المحلقة احترامي وتقديري |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
اقتباس:
لقد أحطت بالنص وغصت الى بعيده بعد ان عانقت القريب..قراءة واعية مثقفة وقوية أديبنا المكرم المختار محمد الدرعي شكرا جزيلا على قراءتكم الأنيقة وحضوركم الراقي شكرا على اهتمامكم الكبير وعنايتكم الكريمة. بوركتم وبورك نبض قلبكم النقي احترامي وتقديري |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
اقتباس:
أديبنا المكرم قصي المحمود قراءة عميقة وتفكيك بارع ورائع من خبير كبير.. شكرا لكم على حضوركم الراقي واهتمامكم الكبير والكريم بوركتم وبورك نبض قلبكم لناصع احترامي وتقديري |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
اقتباس:
الأديب الجميل صديقي زعيم الغلابة جمال باشا عمران قراءة رائعة وجميلة من ريس الغلابة كانت جامعة وبديعة ومثقفة. شكرا جزيلا لكم على حضوركم الألق وعلى اهتمامكم الكثير والكريم. سلمتم وسلمت الروح المحلقة احترامي وتقديري |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
نص نقل لنا تفانين الخاطر وطبيعة سياقاته
مضامين مالوفة نقلها ذهن متقد بورك البديوي وكل الود |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
الشاعر الفذ البديوي
لقد حملتنا على بساط الماضي وعلى صفحات الحنين انها الذكريات الجميلة وتحفة من تحف الماضي العتيق تذكرنا سويا ذاك الصندوق والذي اصبح من التحف الأثرية نادرة الوجود تذكرت صندوق الوالدة وما احتواه فكان يمثل شيئا في غاية الأهمية بالنسبة للعروس في التجهيز ويوازي غرفة النوم في زمننا الحالي وكانت النهاية كما ذكرت نخره الزمن وتبددت جدرانه فتكسر وألقته السنين إلى آخرة مجهولة في ظل التسارع في التطور واحلال قطع من الموبيليا لتكون ذات اهمية واستخدام جديد بوركت وبوركت الانفاس |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
اقتباس:
وعليكم السلام والرحمة والإكرام قراءة رائعة من رائع أعتز بها وبحضوركم الراقي. والله يا صديق الحرف لا أدري عن أي (مغمقان) تتحدثون كتبت عن (الميثولوجيا) مسقطا بعض ما جاء فيها على الواقع لكنني لا أتذكر (المغمقان) ولا أدري إن كان ممكنا اشتباكه مع الأسطورة.!! عموما الرسالة أوضح من شمس الظهيرة وقرأتها جيدا..الذاكرة بفضل الله تعالى ومنته حديدية وبإمكانها استخراج ما هو أعمق من (المغمقان) كالدالية..والخابية .. التي ترشح بالحنين نقطة ..نقطة.. وأشياء كثيرة سيكون لها مقامها..فكن قريبا صديق الحرف لأنني أحب أن تكونوا بالقرب. الأديب المكرم عوض بديوي بوركتم وبوركت القلوب الطافحة بالسكينة احترامي وتقديري |
رد: هذيان من ذاكرة عتيقة... صندوق العرس
اقتباس:
عميد الدار وشاعرنا القدير زياد السعودي قراءة جميلة أسعدت القلب وابتهجت لها الروح شكرا لكم على حضوركم الراقي الذي أتشرف به شكرا على اهتمامكم الكبير وعنايتكم الكريمة. سلمتم وسلمت روحكم المحلقة احترامي وتقديري |
الساعة الآن 12:09 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط