محفورا بالذهب
على أرصفة الوجع وقفت تنتظر مايخبئه لها القدر ، وتتأمل قطار رحلتها مع الحياة ، منذ بدايتها وحتى وصولها لمحطة الثلاثين من العمر ، حينما ولى الزمان ظهره لها ووقف يرمقها من بعيدِِ وينتشي من أحزانها … هكذا كانت تواجه أيامها ، نهاراتها ولياليها في انتظارِ ِ دائم ِ ، تترجى اللحظة تلو الآخرى في المرور سريعا بأوجاعها وخيباتها ، لعلها يوما تحتضن الفرح الذي ضاع في خضم صدمات متلاحقة مرت بها … منذ أن توفى أبوها حسرة على أمواله التي فقدها في مضارب البورصة وتخلى الأهل عنها هي وامها ، حتى أقرب الناس إليها ـ خطيبها ـ التي ظنت إنه سيكون البلسم لجراح زمنها ، كان هو أول المتخلين عنها ، ولم يعد هناك طارق يطرق بابها بعد أن كان بيت أبيها مأوى لكل محتاج من الأهل والأصدقاء ، فارتضت أن تقبل واقعا مؤلما وهو زواج أمها من رجلِ يستطيع أن يصرف عليهما حتى ولو كان ضريبة ذلك تعرضها لكل صنوف المذلة والهوان .. في خضم كل هذه الصدمات المتلاحقة والتي جعلت حياتها تقف محلك سر قابلته .. ودونما أي مقدمات وجدته بينما هي سابحة في بحور اليأس تحصى أوجاع العمر ….. لم تكن تعلم إنه سيستطيع أن يحيي قلبا تصحر واجدب منذ زمن ، لتنبت وتزهر حدائقه من جديدِ ويسري النبض في أوردته مرة أخرى … أمسى هو نهارها وليلها ، كل يومِ يتقابلان ، يتحدثان ، يضحكان يسرقان لحظات الفرح ، فقد كانت تعتبرها حق قلبها المحروم ، تقتنصه عنوة من يد القدر ، وهاهي تحاول أن تستعيد مع هذا القادم من حنايا الصدفة شباب مشاعرها الذي تيبس من مذاقات القسوة … يالها اليوم من فرحة فسيكون لها لأول مرة رجل ، هو رجل العمر وستعلن للعالم كله إنها لم تعد وحيدة ها هو رجلها الذي جاد به القدر أخيرا بعد غياب ليعوضها عن عمر احتضر ومازال ربيعا ! اليوم سيتقابلا لقاءِِ غير عادي ِِِ، فهذا يوم عيد ميلاد حبيبها والذي اتفقا أن يكون موعد قرانهما ، وسيحتفلان به معا لأول مرة بمفردهما دون أى أنفاس ِ أخري تشاركهما اللحظة أو أي عيون ِمتلصصة تسرق الفرحة منهما …. فقد كانت تتمنى أن تخبئه داخلها خوفا على فرحتها ، التي تخاف عليها حتى من عيون الناس ! ولما لا وهي التي عاشت زمنا بأحاسيس عاقرة وأخيرا حبلت بهذا الحب الذي انبلج من رحم نبضها وأحساسها بعد معاناة طويلة من أجل حقها في حياة نابضة . ذهبت إليه في أبهى صورتها وانوثتها ، ترتدي أردية الحب وتتزين بحلي الشوق واللهفة التي زادتها جمالا على جمالها ، وفي يديها تحمل أجمل هدية ، مدالية فضية مرسوما عليها إسمه بحروف من ذهب ِ ، وفي مكانهما المعتاد على إحدى المراكب الراسية على ضفاف النيل وعلى نفس المنضدة ، جلست تنظره كالعادة فقد كانت دائما تصل قبله بدقائق لتطلب كوبان من عصير البرتقال الطازج الذي كان يعشق احتسائه معها ليتبادلا الكوبان كي يشرب كل منهما من مكان بصمة شفتي الآخر ليتذوق طعمها ولكن هذه المرة حينما طلبت من الجرسون الذي اعتاد وجودهما يوميا إحضار الطلب المعتاد تردد حينا ثم قال بتوجس : ـ سوف احضر كوبا واحدا هذه المرة نظرت إليه نظرة تحمل دهشة التساؤل وقبل أن تنطق سلمها ورقة صغيرة مطوية تحمل نكهة حبيبها وعطره .. انقبض قلبها ولكن سرعان ماطمنت نفسها إنها مفاجأة من مفاجأته المبهجة الطريفة ، فتحت الورقة بلهفة وجدت فيها سطرين.. سطرين فقط (اعذريني حبيبتي اضطررت للهجرة كانت اوراقي معدة للسفر منذ ان تقابلنا ، فلم اجرؤ على اخباركِ ولم استطع مواجهتكِ ،لست ادري متى يمكن أن اعود ! فقط انتظرينى . ) و ……. ومرت السنون ومازالت تنتظر … تقوقعت داخل ذكرياتها الباقية ، ترفض الناس وتعشق العزلة مع طيف حبيبها المنتظر ، وتصطدم كل يوم بأسئلة من حولها والفضول في العيون وبصمت حائر تواجه الآخرين ،الكل يريد أن يعرف سبب عزوفها عن الزواج وهي بعد مازالت شابة وجميلة ، الكل اصبح موقنا بإن لديها سرا عظيما …. أما هي فظلت تنتظر على عتبات العمر الباقي فارسها الغائب يجئ ويخطفها على صهوة طائرته المهاجرة الى بلاده النائية لم تع كم من السنوات مضت ، فقط هي تنتظر الوعد ـ وعد الغائب بلا عوة ـ حتى وضع القدر نقطة النهاية في ملحمة عمرها والأن بعد رحيلها عرف جميع المتطفلين سرها الأعظم حينما نبشوا أشيائها الخاصة ووجدوا فيها هديتها له ، تلك المدالية وعليها اسمه محفورا بالذهب . سامية |
رد: محفورا بالذهب
الوارفة سامية
سردية تحكي واقعا مريرا تمر به الكثير من النساء اللواتي عبس القدر في وجوههن وتبرم ، النهاية جاءت مفجعة ومفاجئة ، فرحيلها كان غير متوقع ، ولكنه أفضل دواء لما تعانيه من ألم الإنتظار ... اللغة جميلة والتصاوير رائعة ، فقط لو تنبهت لبعض الهنات الكيبوردية ، حتى لا يعوق جمال النص أي عائق .. واسلمي ود يليق ... |
رد: محفورا بالذهب
الراقية سامية فريد
روعة ما يصوره قلمك هنا تقديري الكبير وود يليق. دمتِ بخيررر. |
رد: محفورا بالذهب
الكاتبة الرائعة ساميه فريد جميل ما خطّت اناملك بأسلوب سلس شيّق جذاب وعبارات تستفز القارئ ليوغل بعدا في اعماق الصدمات المتلاحقة التي تاتي بها الأيام والإنسان في غفلة من أمره عبارات متلألئة تضيئ النص ليلمع كلذهب هي الدنيا هكذا تبتسم لنا لتحزننا ، تضحكنا لتبكينا قصة جميلة بجمال نيل مصر تضج بالمشاعر كما تضج مراكب النيل بالفنون في أحلى السهرات سلمت أناملك لك المودة والتحية والتقدير |
رد: محفورا بالذهب
المكرم ضياء
أشكرك لجميل تعليقك واهتمامك بالنص وتوجيهك كل الشكر لكتحياتي وتقديري |
رد: محفورا بالذهب
|
رد: محفورا بالذهب
لم تكن تعلم إنه سيستطيع أن يحيي قلبا تصحر واجدب منذ زمن ، لتنبت وتزهر حدائقه من جديدِ ويسري النبض في أوردته مرة أخرى … أمسى هو نهارها وليلها ، كل يومِ يتقابلان ، يتحدثان ، يضحكان يسرقان لحظات الفرح ، فقد كانت تعتبرها حق قلبها المحروم ، تقتنصه عنوة من يد القدر ، وهاهي تحاول أن تستعيد مع هذا القادم من حنايا الصدفة شباب مشاعرها الذي تيبس من مذاقات القسوة …
العزيزة سامية تابعت الحكاية في تشويق ولكنني في الآخر تذكرت صديقة مزقت كل ما يخصها قبل موتها حتى لا تتعرض لنهب كهذا بعد رحيلها .مؤلم أن نصبح بعد موتنا حديثا يتسلى به الناس |
رد: محفورا بالذهب
المكرم ماجد صافي
شكرا أخي لحسن تعليقك وبصمتك بين أروقة حرفي تحياتي |
رد: محفورا بالذهب
اعادة تدوير
ترحابا بعودة العنقاء سامية فريد ولزيادة مساحة المشاركة بين الكاتب والمتلقي لمقام ذائقتكم |
رد: محفورا بالذهب
نص لذيذ و قراءته متعة .
كرم الكاتبة بوصف ما يعتري الذات من عطب .. شاعرية النص التي تجمع الحياء بالعناء.. ذاك الصبر الايوبي الذي يشي به بين كل حرف منه .. النهاية الملحمية فيه التي تحيلنا على ادب الاساطير .. الموت حبا ووفاء ..في حين يقولب الغير بما تعهد مأساة المحبين .. بالنص وصفة سحرية تجعله كما قطعة سكر. |
رد: محفورا بالذهب
ما أروع قلبها وما أجملها من إمراة قصة جميلة جدا بشاعريتيها وإنسانيتها وسردها الساحر وأسلوبها الذي يستوقف أشكرك أديبتنا سامية محبتي |
رد: محفورا بالذهب
الأستاذة سامية فريد
جميلٌ ما قرأتُ هنا فاللغةُ الشاعرية ألقت على القصة وشاحاً من نور والصور الخلّابة حلّقت بها إلى قمم الجمال وانسيابية السرد كان رشيقاً يشي بروح قلمٍ متمكن ................ أما الأحداث فكانت تقطِر حزناً .... حتى النهاية المفجعة والتي جاءت قاسية ... كم يتألم الكاتب حين كتابة هكذا نصوص؟؟؟ حتى يتلقّاها القارىء نضرة بحزنها ................ تقبّلي مروري وتحيتي ............. أخوكِ مَامِد |
رد: محفورا بالذهب
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمين خير الدين http://www.fonxe.net/vb/images/FH_Ab...s/viewpost.gif الكاتبة الرائعة ساميه فريد جميل ما خطّت اناملك بأسلوب سلس شيّق جذاب وعبارات تستفز القارئ ليوغل بعدا في اعماق الصدمات المتلاحقة التي تاتي بها الأيام والإنسان في غفلة من أمره عبارات متلألئة تضيئ النص ليلمع كلذهب هي الدنيا هكذا تبتسم لنا لتحزننا ، تضحكنا لتبكينا قصة جميلة بجمال نيل مصر تضج بالمشاعر كما تضج مراكب النيل بالفنون في أحلى السهرات سلمت أناملك لك المودة والتحية والتقدير الأديب أمين خير الدين اعتذار اولى عن الرد المتأخر ...فلنا في الغياب اعذارا أشكرك على ملامستك لنصى وتحليله تحياتى |
رد: محفورا بالذهب
نص جميل بلغته وسرده
هذه هي الدنيا كر وفر فرح وألم بؤس وشقاء وتوفيق هروب من واقع لغيره أعجبنتي القصة شكرا للأستاذة سامية فريد تحياتي |
رد: محفورا بالذهب
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نفيسة التريكي http://www.fonxe.net/vb/images/FH_Ab...s/viewpost.gif لم تكن تعلم إنه سيستطيع أن يحيي قلبا تصحر واجدب منذ زمن ، لتنبت وتزهر حدائقه من جديدِ ويسري النبض في أوردته مرة أخرى … أمسى هو نهارها وليلها ، كل يومِ يتقابلان ، يتحدثان ، يضحكان يسرقان لحظات الفرح ، فقد كانت تعتبرها حق قلبها المحروم ، تقتنصه عنوة من يد القدر ، وهاهي تحاول أن تستعيد مع هذا القادم من حنايا الصدفة شباب مشاعرها الذي تيبس من مذاقات القسوة … العزيزة سامية تابعت الحكاية في تشويق ولكنني في الآخر تذكرت صديقة مزقت كل ما يخصها قبل موتها حتى لا تتعرض لنهب كهذا بعد رحيلها .مؤلم أن نصبح بعد موتنا حديثا يتسلى به الناس عزيزتى نفيسة شرفت بتعليقك وأسفة لتأخر الرد كل هذا الوقت فللغيابِ احكام تحياتى لكِ |
رد: محفورا بالذهب
اقتباس:
شكرا استاذي لترحابك وتشجيعك الفينيق كالوطن الأم مهما بعدنا عنه حتما نعود له تحياتي |
رد: محفورا بالذهب
اقتباس:
تعليقك أثرى قصتي ووضع إبتسامة على شفتاى شكرا عزيزتى تحية وود |
رد: محفورا بالذهب
اقتباس:
السحر يكمن فى وجودكم وملامستكم لحروفى أشكرك كثيرا عزيزنى تقبلى تحياتى |
رد: محفورا بالذهب
اقتباس:
كلامك مشجع جدا تحياتي ووودي |
رد: محفورا بالذهب
اقتباس:
تقبل تحياتى |
رد: محفورا بالذهب
راقتْ لي القصة بحيثياتها
خصوصا نهايتها الصادمة... شكرا لك أ.سامية على الإمتاع... |
رد: محفورا بالذهب
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعدية بلكارح http://www.fonxe.net/vb/images/FH_Ab...s/viewpost.gif راقتْ لي القصة بحيثياتها خصوصا نهايتها الصادمة... شكرا لك أ.سامية على الإمتاع... بل الشكر لوجودكِ وتصفحك أستاذة سعدية تحياتي وودي |
رد: محفورا بالذهب
الفاضلة سامية
سرد جميل بلغة جميلة ممتعة..قصة فيها وجع الانتماء للذات حين يتلبسها الوجد رائعة بتفاصيلها الانسانية... تحياتي وتقديري |
رد: محفورا بالذهب
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قصي المحمود http://www.fonxe.net/vb/images/FH_Ab...s/viewpost.gif الفاضلة سامية سرد جميل بلغة جميلة ممتعة..قصة فيها وجع الانتماء للذات حين يتلبسها الوجد رائعة بتفاصيلها الانسانية... تحياتي وتقديري شكرا أستاذ قصي وجودك شرفت به تحياتي واحترامي |
رد: محفورا بالذهب
رغم نهايتها الفاجعة
الا ان سرديتها ماتعة .. تشد القارئ من سطر الى سطر دمتِ بألق وابداع وصباحك سكر |
الساعة الآن 07:56 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة
بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط