۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - الأرض و البهائم
عرض مشاركة واحدة
قديم 22-04-2018, 04:02 AM رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
محمد خالد بديوي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / عمون
الاردن

الصورة الرمزية محمد خالد بديوي

افتراضي رد: الأرض و البهائم

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المختار محمد الدرعي مشاهدة المشاركة
جلس على الصخرة الكبيرة , وسط حقل أبيه الشاسع , يرعى و يحرس بقراته … يتأمّل المساحات حوله المزركشة بشتى أنواع الخضار , من الفلفل و الطماطم , إلى الجزر و البقدونس , تحاذيه زيتونة رمانية كبيرة تحاكي الزمن , إنها الزيتونة التي عرفت جيل حنبعل و شبيون الأصغر , ثم شبيون الأكبر , و عاشت رحى الحروب البونيقية الثلاثة التي دارت بين قرطاج و روما , و تداولت على جني ثمارها الأجيال , جيل بعد جيل حتى آلت إلى عائلته في العصر الحديث .. كان الشاب اليافع يتأمل في واقعه .. يردد نفس التساؤلات التي تعود على ترديدها كلما انفرد بنفسه في الحقل , لقد أتعبني روتين الحرث و الزراعة , و رعي البهائم , فجل أصدقائي هاجروا إلى المدن و استقروا بها بعد أن حصلوا على وظائف , أحدهم عاد الأسبوع الماضي إلى القرية مرتديا الملابس الفاخرة ,ذات العلامات التجارية العالمية , إلى متى سأبقى أنا هنا في حقل أبي صديقا للبهائم ؟إلى متى سيستمر وضعي على هذه الحال ؟ زملائي ارتقوا بأنفسهم , صاروا يتفسحون في شوارع العاصمة , يجلسون في أرقى المقاهي , يترشفون (الكابتشينو و الإكسبريس )و أنا مازلت أجالس كانون جدتي العتيق ,و أترشف الشاي المرّ.. عليّ أن أرتقي بنفسي كفاني من البردعة و الحمار , صديقي فرج غادر القرية السنة الماضية فقط أصبح الآن يملك سيارة , كنا كثيرا ما نلتقي صدفة في الطريق و أنا على ظهر حماري , فيوقف سيارته ليبادلني التحية , أعرف أنه لم يفعل ذلك من باب التواضع , و إنما يفعل ذلك من باب التفاخر , و التباهي بسيارته أمام حماري البائس و بردعته .. بعد أخذ و رد قرر الشاب السفر ليلتحق بصديقه فرج ,حتما سيساعده على ايجاد الشغل المناسب ...تسلل ذات فجر دون علم عائلته ,و سار بضعة أميال مشيا على أقدامه , حتى وصل إلى الطريق الرئيسية , حيث امتطى الحافلة المتجهة نحو العاصمة , حاملا معه بطانية و وسادة للنوم مع دجاجة , سيقدمها هدية لصديقه فرج بالعاصمة على طريقة كرم أهل البادية . طوال الرحلة كان الشاب يحدّق عبر نوافذ الحافلة في الحقول الخضراء الممتدة على طول الطريق , و كأنه يقول لها وداعا أيتها البراري ,بعد قليل ستطأ أقدامي مواطن التقدم و التحضّر , حتما سأتحصل على رخصة القيادة ,وستكون لي سيارة ,و سأطلق لمزمّارها العنان في أول عودة لي للقرية . ما هي إلاّ سويعات حتى أرست بهم الحافلة بمحطتها الأخيرة , معلنة وصولها للعاصمة , نزل الشاب حاملا على ظهره سرة كبيرة من القماش و بيده دجاجة تخفق جناحيها بين و الفينة و الأخرى , ثم تقاقي وكأنها باضت للتو , و ورقة صغيرة مكتوبا عليها عنوان صديقه فرج , تقدم من إحدى سيارات التاكسي و أمده بالورقة راجيا منه أن يوصله للعنوان المطلوب , تأمّلها السائق ثم أومأ برأسه أن أركب .. ركب الشاب و بدأت السيارة تجوب شوارع العاصمة , كان يتأمل بنايات شاهقة , لافتات , إشهارية , حسنوات كاسيات عاريات , و أشياء أخرى جعلته يفتح فاه من شدة الإعجاب . بعد جولة من المشاهد التي لم يرها قط في حياته من قبل , توقف السائق و أشار عليه بأن هذا الباب هو باب المنزل المقصود , ترجل الشاب , تقدم بخطى خجلة , طرق الباب بلطف مرة , ثم ثانية , ثم ثالثة , فلم يفتح له أحد , عندها استل من بين جنبيه ( الدبوس) الهراوة القصيرة التي لا تفارقه , و هوى على الباب بضربة مدوية توفظ الموتى في القبور , سمع على إثرها صديقه بالداخل يصيح : من هذا الذي يريد أن يكسر الباب .. فتح فرج الباب فتفاجأ بوجود صديقه فعانقه بحرارة و بكل لطف و ابتسامة عريضة قال له : كان عليك أن تضغط على هذا : زر الناقوس هنا بالحائط بدل أن تضرب الباب بعصاك . دخل الشاب وهو يتفحص الأرجاء , لا حظ أن المنزل بدا على عكس ما كان يتوقع إنه بيت صغير متكون من غرفتين لا غير , و ردد في داخله أهذا القصر الذي طالما مدحه فرج في جلساته مع الأصدقاء أثناء زياراته للقرية ؟...جلسا الصديقان و تجاذبا أطراف الحديث , طمأن خلاله فرج صديقه الشاب بأنه سيتكفل بإيجاد الشغل مع الراتب الشهري المناسب له خلال الأيام القادمة .. في الأثناء قام الشاب بزيارة لصديقه مسعود , الذي كان يزور القرية بين الفينة و الأخرى ,متباهيا بلابسه الفاخرة فوجده في خناق مع أحد باعة المواد الغذائية ,جراء عدم سداد الديون المتراكمة عليه , كما اكتشف بمرور الوقت أن السيارة التي يقودها صديقه فرج , هي على ملك أحد الأثرياء الذي يعمل عنده فرج كحارس . و ظلت المفاجآت الصادمة تتوالى , حتى اليوم الموعود يوم دعاه صديقه فرج ليتسلم عمله الجديد , ففرح فرحا شديدا , و بادر منذ الصباح الباكر بالقيام برتيب هندامه , و اصطحبه فرج حتى وصلا لبناية بيضاء ممتدة , أخذت من الشارع مساحة شاسعة , إنها مدرسة إبتدائية !! سأل الشاب نفسه :ترى ما نوعية هذا العمل ؟ هل سأكون سكريتير المدير الخاص ؟ أم مراقبا عاما للمدرسة و التلاميذ ؟ , فجأة انعرج فرج و دخل في إحدى الممرات الذي أوصلاهما إلى مكتب المدير , حيث رحبا بهما ترحيبا حارا , خاصة أنه صديق قديم لفرج , بعد محادثات دامت أكثر من نصف الساعة تعرف خلالها المدير على الشاب و مؤهلاته العلمية غادر على إثرها فرج المكان ليترك زميله صحبة المدير ..عرف المدير أن الشاب لا يصلح أن يكون سوى عامل نظافة بالمدرسة ,لكن إكراما و احتراما له و لزميله فرج قال له : سوف تكون مديرا للنظافة بمدرستنا , و اتفقا على أن يبدأ العمل في اليوم التالي .. عاد الشاب إلى بيت صديقه متمنيا أن يُطوى له الزمن , ففي الغد سيكون مديرا , قال مخاطبا فرج حين دخل للبيت : الحمد لله صرت مديرا للنظافة , لكن لم نتفق بعد على الراتب , لا أعرف كم ؟؟ لم يرد عليه فرج لأنه على علم كونه سيكون راتبه زهيدا ,و بات مدير النظافة ليلته متقلبا , حتى انبلج الصبح فرتب هندامه و قصد المدرسة , استقبله مديرها و بدأ يشرح له طبيعة عمله , قال له : أنت السؤول الأول و الأخير على نظافة المدرسة ,ثم أدخله إلى غرفة يوجد بداخلها كل المستلزمات الخاصة بالعمل ,ثم أشار عليه بالبدء في كنس الساحة , فتفاجأ الشاب بادئ الأمر , لقد كان يعتقد أنه سيكون مديرا على مجموعة من عمال النظافة, لكنه أقنع نفسه بالقبول و التريث , فقد يكون المستقبل أفضل .. بعد أن أنهى الشاب كنس ساحة المدرسة , ناداه المدير و أمره بتنظيف دورات المياه , فصدم ! لكنه كالعادة أقنع نفسه بالصبر و التريث , و قصد دورات المياه , و ما إن وطأت أقدامه أبوابها حتى لاحظ قدمها و كثرة كتابات التلاميذ عليها بالطباشير الملون ,عبارة : (أي لوف يو - i love you) ) , جدار محاذي كتب عليه : رجاء ممنوع البول هنا , جدار آخر كتب عليه :ممنوع وضع الفضلات , بعد ذلك اعترضته رائحة , فتوقف !! لترجع به الذاكرة إلى قريته ,حين كان يشتمّ رائحة الإكليل و الزعتر , و الأزهار البرية بمجرد فتحه للنافذة أو الباب ..ظل برهة من الزمن يفكر و يسأل نفسه : هل يعقل أن أترك أرض أبي ,و جدي و أتنصّل من جذوري ,و كل تلك الخيرات و آت هنا لنظافة ( التواليت ) و استنشاق روائح الغائط ؟ و بسرعة المجنون , رمى المكنسة , الممسحة , دلو الماء , و كل سوائل تنظيف الأرضيات , و البلاط ,ثم صاح مناديا مدير المدرسة : يا مدير !! يا مدير !!! يا (.....) الأرض و البهائم أشرف لي ألف مرة من وظيفتكم ,خذ هذه أدوات نظافتكم !!السلام عليكم , سأعود إلى الحقل الآن قبل الغد ... حيث الأرض و البهائم , الأرض و البهائم , الأرض و البهائم ...و غاب في الزحام .


نص أجمل ما فيه "فكرته" التي أصبحت مشكلة عامة أصابت
أغلب المجتمعات العربية لأسباب كثيرة أهمها فساد الأنظمة والحكومات
التي تدير بلادنا بسياسة ممنهجة خدمة لمن يديرونهم من دول الاستعمار
الذي تخلصنا منه (على الورق) فقط. فعليا ما زلنا نرزح تحت هذا الاستعمار
وما هذه المصيبة التي طرحها هذا النص إلا هدفا من أهدافهم الكثيرة يراد
منها إذلال المزارع ومحاصرته ومراوغته بكل السبل ليتخلى عن أرضه ويالتالي
تخليه عن مهنة تعد من أفضل وأقدم ما عرفه التاريخ الإنساني على هذه البسيطة
الزراعة والتي لا تشتمل على زراعة الأرض بالحبوب فقط.. كلنا نعرف ان امتلاك
الدواب ورعي الأغنام ينضوي تحت هذا الأسم (الزراعة) وقد استغل هؤلاء التسارع
التكنولوجي والإتصلات التي اخترقت كل دول العالم بكل اشكالها. والمزارع حين يسلم
مفاتيح الأرض إنما يسلم مفاتيح الوطن والمواطن.. ويصبح التطبيع أسهل بكثير
وخصوصا أننا بتنا نعتمد على ما تنتجه هذه الدول وخصوصا الدولة الصهيونية.


وحسبنا ان نستذكر المؤتمر اليهودي التلمودي الذي أقيم في ــ بازل/ سويسرا
عام ــ 1897ــ بزعامة ثيودور هيرتزل ــ الذي يعتبر الأب الروحي والمؤسس
للصهيونية العالمية. ومن أقواله: { بعد 50 عاما سنقيم دولة اسرائيل الصغرى
وبعد 100 عام سنقيم دولة اسرائيل الكبرى ــ إن لم يكن ذلك بالدبابة فسيكون
بالجرار الزراعي. ويقال أن البعض ضحك حين سمعوا هذا، فإذا عجزت الدبابة
عن تحقيق هذا فكيف سيكون بإمكان الجرار الزراعي أن يقوم بهذا.! لكن الرد كان جاهزا
حيث قال(( يا سادة حين ذكرت ــ الجرار الزراعي فإنني أقصد بذلك الاحتلال
الاقتصادي ــ)) وهذه السياسة قائمة اليوم في بلادنا. من خلال الجرار الزراعي.!!


لن أزيد على ما قلت لأنني أعتقد أن الجميع يعرف هذه المعلومات التي صارت
بمتناول من يريد ذلك.


وأديبنا المختار يبدو أنه أدرك قيمة البردعة ويفضلها على وسائط النقل المتقدمة
فقد ذكرها غير مرة، هنا في هذا النص.. وأذكر أنه كتب نصا في الومضة الحكائية كان عنوانها
البردعة.


النص كما قال الجميع يحمل فكرة سامية لها رسالة إنسانية نبيلة، وأوافق كل من قال
بضرورة تكثيف النص لأن الاسهاب في السرد دون خلق أحداث تتوالد تباعا لا شك أنه
سيتسبب بحالة توتر وعدم انضباط القراءة الناتج عن تكرار الحدث وإعادة وصفه. عن
نفسي أحب السرد كثيرا، وأعشق تلك التفاصيل الظاهرة والغائرة، على أن لا يكون التكرار
هو السائد في النص، أو الأغلب. قد يقال ان التكرار غير ملاحظ.. وهنا أقول ليس شرطا
أن يكون التكرار بذكر أشياء تكرر ذات اللقظ والفعل، لأن ذلك قد يحدث حتى مع تغير اللفظ
بلفظ آخر يعطينا في النهاية ذات المعنى ويوصلني بالمراد ذاته.
علينا أن ندرك أننا نكتب
في الغالب لمن يتقن القراءة.!!
وأنصح أستاذي الدرعي بالمحاولة.. وهو قادر..وقد نقرأ هذا النص بصياغة تليق بفكرته وأهدافه
السامقة التي تخبرنا بأن الناص يحمل في دواخله الإنسان المسؤول والواعي المثقف
المهتم بشؤون الإنسانية جمعاء.


أديبنا المكرم المختار محمد الدرعي

شكرا جزيلا لكم على هذا الامتاع المقدم
بوعي المثقف والإنسان.


بزركتم وبورلاكت حروفكم المضيئة

احترامي وتقديري






قبل هذا ما كنت أميز..

لأنك كنت تملأ هذا الفراغ


صار للفراغ حــيــــز ..!!
  رد مع اقتباس
/