۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - الأكف الممزقة قصة من أدب السجون...
عرض مشاركة واحدة
قديم 26-04-2014, 11:26 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زكرياء بوغرارة
عضو أكاديميّة الفينيق
افتراضي الأكف الممزقة قصة من أدب السجون...


الأكف الممزقة


قصة من أدب السجون...
عن معارك الأمعاء الخاوية... ورحلة الجوع



كانت لي صداقة مع الموت صداقة ومودة لم أكن أتجنبه ولا أتجنب ما يذكرني به من مواقف , إنه مداد من الأمل والحب والألم والحزن والإنعتاق..
هل في الموت أمل.. ولم لا؟؟ للسواد جماليته وللدموع ألقها وللموت جاذبيته.. إنه نداء الرحيل
نخرج من الموت الى الحياة ومن الحياة نعود أدراجنا إلى الموت..
رحلة ممتدة هي مزيج من كل تلك المشاعر المتباينة والمتناقضة
حب وكراهية فرح وأحزان.. صخب وسكون..
أذكر صفحة وجه الموت كصفحة وجه القمر.. إنه في حسي وخاطري.. يرافقني كظلي .. دائما معي في إهابي وبين جلدي وعظامي, الموت في كل مكان.. إنه يسكن كل الوجوه , هو في الطرقات وفي كل اتجاه.. اينما سرنا نراه
الموت في حسي يتحول إلى حياة.. دائمة.. حياة وأمل وامتداد ورحيل للخلود
لدا أحب الحياة والموت معا .. دفعة واحدة

تبدو الأماكن امامي وفي حسي كالأكف الممدودة .. كإشارة قف.. ولكنها أكف ممزقة تسيل دما وتئن ألما وتنزف صديدا وقيحا مترهلا...

ثرثرة صامتة في أعماقي تثرثر دوما عن الموت والحياة وما بينهما تسائلت بصمت وحزن ومرارة
لماذا نكره الموت ؟؟؟..
أليس الموت جديرا بأن ترفع له القبعات وان نننحني أمامه إجلالا واحتراما ونعانقه في حرارة إنه مصيرنا... نعم مصيرنا مهما طال الفرار

لقد ثرثرت بيني وبيني وطالت ثرثرتي اكثر مما يجب الآن ألوذ لصمت من نوع آخر. يا له من صمت قارس كبرد الشتاء
لاحظت أن جميع من حولي يحدقون في وجهي بدهشة رابهم شرودي أو لعلهم يستغربون سياحة التفكر الشاردة التي طاردتني بأطيافها
أمعنت النظر في وجوههم الشاحبة , هالني شحوب وجه عبد الرحمان .. محياه يبدو مليئا بالحزن والكمد خلته للحظات مغبر الجبين
الحزن سيد المكان

فجأة انتفض الحاج الدكالي من مكانه وأرسل تنهيدات حرى وهو يغمغم في ألم وحسرة
-يا لناب الموت الأزرق الأكول

رفقة السجن والقمر إنها ليالي سهاد تطول حبلى بالألم وكأنها أعاصير من نوع جارف.. تسونامي لايوقفه أحد يقتلع كل شيء ويدمر كل شيء..

الموت والحزن ولحظات الاحتضار إنها كلها حصيلة سنوات من الألم والعتمة

باغتت تنهيداته الحرى المكلومة تثاؤبنا أحسسنا بغير قليل من الحرج والتقصير

إعتراني خجل غرقت فيه للحظات وقع في حسي أنني عندما شردت في الجنازة وانسقت وراء أطياف الموت والذاكرة قد خنت ذكرى الطيب وهي لاتزال شاخصة في وجداني وماثلة في أعماق ذاكرتي, نفضت تراب الألم ووجع الرمال من جوانحي وأنا استرجع تفاصيل وجه الطيب.. لقد كدت أن افقد في ذاكرتي ملامحه أعياني الاسترجاع من أعماق الذاكرة.. غمغمت بيني وبين نفسي
- رحمه الله لقد كان رجلا
وسرعان ما رفرفت بي الذاكرة بعيدا إلىمرافئ المعتقل من جديد.
. من السجن وإلى السجن أين المفر ؟؟؟

كنا في عنبر السجن المركزي ذلك اليوم قررنا خوض إضراب جماعي عن الطعام . طالت أيام التخطيط وكتمان السر والاستعداد الدؤوب.. وحان الميقات .. أعلنا اخيرا عن معركة الأمعاء الفارغة .. بعد ايام من موتنا البطيئ ونحن نستنزف في حلبة الموت ..
جاء الجلاوزة .. اقتحموا زنزانة سعيد اقتادوه سرا إلى ساحة السجن ومن هناك حملوه إلى رحم المعاناة ’’ الكاشو’’ فيه خاض رحلته المجهولة..
بين أنياب القهر الزرقاء الاكولة

كنا نمشي الهوينا نذرع العنبر أنا والطيب وقفنا للحظات صامتة امام بوابة الزنزانة الموصدة ,, هنا كان يثوي سعيد الغريب الأطوار المتناقض حد التباعد الموغل في الغرابة حد التنائي والاغتراب.. الآن غاب سعيد وغابت معه ضحكاته العالية اختفى ربما لن نراه بعد اليوم...

جاء عادل بخفته المعهودة وعيناه الخضراوتان تنطقان بالحزن والكمد . اشار باصبعه الى البوابة الخرساء ثم قال لي بصوت خفيض
-إقرا تلك الكلمات
قراتها بصوت مسموع والطيب يهز رأسه
- لقد كان أسدا
ابتسمت ثم أقفلت راجعا إلى القبو كان الطيب مملوءا بالألم والاوجاع . خاض معركته الاخيرة قبل الرحيل وكثيرا ما كان يقرف من سعيد وهو يترنم في مطبخ السجن
-سنخوض معاركنا معها...

وهو يربت بخفة فوق بطنه البارزة

كانت أنشودته المفضلة ملآى بالسخرية الماجنة
ذلك اليوم أنهكني الجوع والالم والامتعاض والذاكرة يا لبؤس الموت الصامت


مرة أخرى اشرد في جنازة الطيب رحمه الله أنتبهت من شرودي وقد تناهى لمسامعي نشيج وبكاء الحاج الدكالي . كان مؤلما يخترق الجمجمة كحد الصوارم
حاولت أن اتفرس الوجوه من حولي مرة أخرى احسست بالغربة..
إنها الغربة تطاردني منذ أن التهمتني البوابة السوداء.. لازالت تطاردني بقوة وعنف بعد أن غاذرتها..

مع احساسي بالغربة تسلل لي احساس آخر بالبرد القارس وحصار وجوه خرساء صماء بلاملامح.. او هكذا كانت تبدو امامي ..
وحده الحاج الدكالي آلمني وجهه وحاصرني حزنه العميق..



يتبع.........






  رد مع اقتباس
/