۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - متى تصل الطريق ؟ (نص للنقد )
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-2017, 12:00 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سيد يوسف مرسي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديمية للعطاء
مصر
افتراضي متى تصل الطريق ؟ (نص للنقد )

متى تصل الطريق ؟
فصل من فصول روايتي (الجميلة والشباك )
لم تغادر منطقة الخطر لم ترحل بعيداً ،إنها في دائرة الظلام يحركها الفزع من المجهول الذي تخشاه قرأت عواقب فعلها ،توجست في الأفق ومضاً يقتل ظلام الليل الجاثم على صدرها وفوق رأسها ، راحت تعدو بلا وجل متناسية غافلة عن أي مخاطر قد تلاقيها في طريقها ، مرت عليها تلك الليلة جبل من حجر صوان ، وأطبق الليل بكامل قوته وجبروته ، وكلما قسا عليها نهرته ، فهزمت الخوف بالعناد ونحتت لنفسها معبراً في بهيم الرؤية وطأ جوانبها فلم تهاب الليل ولا الوحوش التي تسعى لصيد فرائسها بين أعواد الذرة المتشابكة ،دموعها لم تجف وأنينها لم يكف وارتعاشها مستمر ،كلما سمعت أذناها خربشة الأوراق التي تخدش السكون ويرعشها الهواء أقتُلع قلبها من صدرها وسقط في الأرض ، تكتم صرختها وهي تكمم فمها وتطلق بعدها زفرة عريضة وهي تحدق في الظلام لعلها تجد لها ركناً تأوي إليه ،لكن لا جدوى فيما تريد الآن ،قبعت بين هواجسها وتحاملت حتى بزغ فجر النهار وأطلت عليها الشمس وهى تعرج في كبد السماء ،لقد أطلت الشمس علي الدنيا تبث وتبعث فيها الحياة ، فإذا هي قد اشتد بها الخوف أكثر من أن يراها أحداً ويتعرف عليها أو يدل عليها أهلها ،فهذا الويل كل الويل لقد تشوقت إلى الطعام وهي تسمع عواء بطنها وأحشائها لكن من أين يأتيها ،تشوقت إلى غطاءٍ تبتغيه لجسدها الذي أنداه الندي المتساقط على أوراق الزرع ، لكن من يأتيها ؟ هل تعود إلى أبيها؟ ،وماذا سيكون شأنها؟ ،سيقتلها حتماً ؟ أم أنها حفرت قبرها بيديها وتصرفها ؟ ،لا لن تعود ولماذا تعود ؟ في كلا الأمرين عذاب حتى لو لم تمت ،لقد كان في داخلها صراع محموم ،يصعد بها إلى السماء ويعود بها إلى قبرها في الأرض وقد اختارته لنفسها ،لقد ضاقت عليها الدنيا بما رحبت ،فما من ملجأٍ ، ولا شفيع لها إلا الله ،تقف عيناها على شجرة سدر يفترش ظلها الطريق ويغمر حافة الحقل الذي تختبئ فيه ،أعواد الذرة عالية مرتفعة متشابكة ،ماذا لو جلست قريباً من الطريق ،لقد بدا عليها التعب والإرهاق ،ثقلت رأسها فوق جسدها والدنيا تدور كالرحى في عينيها ، والصور أًصبحت في عينيها متعددة ،كأنها علي وشك من فقدان البصر ،راحت تجر قدميها في إعياءٍ شديد تكاد تسقط علي الأرض ،مدت يدها كأنها تتحسس جسد السدرة ،أو كأنها تتأكد من الوصول
* * * *
،ألقت بنفسها حميدة وهي حذرة وجعلت من الطريق مصدراً لبصيرتها هوت إلى السدرة كأنها تهوى إلى باب الفرج ،لقد أحست ببعض الأمان وأحست بروحها ردت إليها ،واتخذت من جذعها متكأً ،فهي شجرة عتيقة غير عقيمة تمد غصونها وتتدلى فروعها وتتشابك فتشجيك بالظلال والهواء الربيعي عندما تحركها الريح ، وضعت يداً علي الأرض كي تسند الظهر ، تلمس أناملها ثمار السدرة المتساقطة مع الريح ؛لقد جاءها الطعام وأي طعام ، فاكهة تروق للجميع ، حباتٌ من ثمار السدرة ،لكن لا يهتم بها الفلاحون يتركونها للطير فتتلف فتمتلئ بها الأرض 0دبت بجسدها عزيمة وهمة وهي تلتقط حبات السدر من على الأرض تقتل الجوع الذي يكاد يعصرها حتفا ،ظلت تأكل بنهم ولم تتوخ نواة الثمار حتى ابتلعت البعض منها،ذلك لا يؤثر معها ولا تخافه ،فقد تربت على الجفاف والعيش الصلب ،ومعدتها جاهزة مثل النعامة قوية وجدارها متين تستطيع أن تطحن الزلط لو دخل إليها ،وحين أحست بالشبع جمعت من الثمار شيئاً يكفيها لأكثر من يوم وكأنها وجدت قوتها فتستطيع العيش دون الحاجة إلي الخبز أو من يطعمها ، قبعت تحت الظلال وأسندت رأسها وغاصت في يمها الغاضب تضرب أحداقها في المدى قد يأتيها الفرج ، أو تستريح بعضاً من الوقت وقبل أن تذهب إلي المجهول ،






قالوا :
لا تعاشر نفساً شبعت بعد جوع
فإن الخير فيها دخيل
 
/