الموضوع: عفواً سيدتي
عرض مشاركة واحدة
قديم 17-02-2018, 09:28 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
سكينة المرابط
عضو أكاديمية الفينيق
عنقاء العام 2011
عضوة تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تحمل ميدالية الأكاديمية للتميز 2011
المغرب

الصورة الرمزية سكينة المرابط

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


سكينة المرابط غير متواجد حالياً


افتراضي عفواً سيدتي

من وراء القضبان
استيقظت هذا الصباح على ضوضاء يرتفع وينتشر بكل أرجاء البيت جعلني أسرع أستطلع الخبر حتى دون أن أنتبه لما أرتديه
-ماهذا الضجيج ؟
فتحت النافذة فإذا بحضور عارم أمام باب منزلي أخذتني الدهشة من طرقات عنيفة عليه وأيادي تشير إلي وتسأل وأصوات تتخالط من هنا وهناك:
-افتحي الباب.
نزلت الدرج وكأنني أقطع ألا لاف السنين فأصل الباب وأفتحه على مصراعيه:
-يا الهي إنه زوجي أحمد ملقى على الأرض جثة هامدة الكل هنا يستنكر الأمر الذي لم أفهمه حينها
-أهو فعلا ميت؟
حضر رجال الشرطة وكأنني بكابوس علني أستيقظ منه
يداي ملطختان دما ،ملابسي ،أيضا ماذا حصل؟
اقترب مني رجل أمن مفتول العضلات، ضخم الرأس جاحظ العينين ينفث وينفخ وكأنه شيطان حل هذا الصباح بهذه المدينة الطيب أهلها.
دفع بي هذا الملعون داخل بيتي وتابعه فوج عارم من فريقه المرافق إلى غرفة النوم والمطبخ وبكل أركان البيت يأمرهم قائدهم:
-ارفعوا البصمات واجلبوا كل أوراق الضحية !
انقلب البيت رأسا على عقب ،أتسأل وكأنني لست من هذا العالم ،وليس لي منه غير طفلتي التي حملتها بين يداي فهي لحد الآن لا تعلم مثلي ما يحصل.
أضمها إلي صدري كي لا تستيقظ وتصاب بفزع وذهول وقد تسأل عن والدها ،لم يكن حينها الجدال أو الاستفسار ممكنا إذْ أمر ذاك الفض الضخم :
-ارتدي ملابسك سترافقيننا إلى مخفر الشرطة !
جمعت عزمي وأجبته:
-ولكن لماذا ؟
-اصمتي أيتها المجرمة !أتسألينني؟
كان جادا بنظراته، وتنحرف من جانب شفتيه ابتسامة تهكم وامتعاض مني .
لست أدري كيف انتابتني هذه الرزانة والهدوء ربما كنت بحوار بيني وبين نفسي أسترجع ذاكرتي.
لماذا زوجي ملقى أمام البيت ؟ألم يكن نائما بجانبي؟
-لماذا صعد سطح البيت ؟أأكون من ألقيت به؟
تخطفني أسئلة القائد من ذاكرتي كنت أجيب برد واحد ربما ولكن لماذا يتطاير كل هذا الشر من ملامح القائد وهو يحقق معي وبجانبه رجل آلي يكتب وكأنه بحصة إملاء في فصل دراسي فأرغمت نفسي بتغيير الجواب ،إنها جريمة قتل لم يعد من حقي أن ألطم وأصرخ وأرثي زوجي الراحل عني إلى الأبد فكل هذا سيكون تمثيلا بالنسبة إليهم
أتفاجأ بدخول أب زوجي يرافقه رجل أمن يهدئ من روعه ،كان فعلا حزينا وتبدو عليه ملامح الشر واتهاماته لي صريحة، تيقنت ساعتها أنها ليست صدفة أو قضاء وقدر.
لم نتبادل التحية ولا حتى التعزية غير تلك النظرات المعاتبة والمعادية والحاقدة لكل الأوضاع والظروف التي شاءت إن تجمعني به حتى هاته الطفلة التي بين يدي
فجأة تحول هذا الشيخ البائس إلى بركان هائج ناسف اندلع بالسخط والسب والشتم وهو يشير إلي:
- أيتها المجرمة أيتها الساقطة الملعونة، إلى أن تدخل عميد الشرطة أسكته قليلا بعد أن دخل الغرفة التي مللت الانتظار فيها حيث كل الأدلة ضدي كما عبر هذا العميد.
كان ينظر إلي ويتأسف ويحول نظراته مرة أخرى نحو الشيخ البائس ليهدئ من روعه:
-خذ مكانك يا الحاج الظالم ستحاكمه العدالة ونحن استدعيناكم لأخذ أقوالكم فقط.
ثار في وجهي من جديد ولم يأبه لكلام العميد:
-هي من قتلته.
احترت بأمري من يهدئ من روعي ؟من يرحمني ؟من يقول لي تجلدي ؟
يا نفسي كل الأمور مغلوطة، وليس التهور بصالحي ما يمكن أن يحدث لي أكثر من هذا ؟إنها تهمة ملفقة لي.
دخلت السجن وقدأخذوا مني ابنتي لاأملك مبرراً واحداً يشفع لي بالبراءة أينما رجوت عفواً أو حلاً وجدت أيديهم هناك حتى انقطع خيط الأمل بيني وبين الحق.
دخلت أكبر متاهة يمكن أن يعيش بها الإنسان حكم علي بالسجن سبعة عشر سنة بعد المداولة والاستئناف
وراء هذا الباب العملاق، خطوت إلى قاعة الرقيبة محجوبة امرأة عالية وكأنها لن تنتهي، واتسع بدنها حتى ظهرت من بين فتحات صدرها جسمها الأسود والذي تفوح منه رائحة الدخان والسجائر
ولجت القاعة لاأحمل إلا ماض أليم وظلم يفتك بمصيري المحتوم.
النساء هنا سواسية المجرمة كالمظلومة كالبريئة فكل النظرات مصوبة نحوي لأني السجينة الجديدة.
اختناق يكاد يفتك بي لم أحس ألما ولا أملا فانزويت بركن مقرف يشعرك بالغثيان لكنه المكان الذي خصصته لي صاحبات السجن والمتقادمات طبعا.
ارتميت أرضا لاألوذ شيئا سوى النوم بعد أن غاب عني لمدة طويلة بين التحقيق والتدقيق.
سيدات من كل الفئات العمرية وجرائم مختلفة ،قتل ونصب واحتيال واغتصاب ودعارة ومخدرات إلا هذه السيدة التي يقال عنها الفيلسوفة،تبدو رزينة جداً أنها لاتكثرت لهن وغالبا ما تخاطب نفسها وبين أصابعها قلم تآكلت جوانبه كانت تضعه مرة فوق أذنيها وأخرى تستعمله سيجارة ومرة تضمه إلى صدرها وتغدقه حنانا
لاأنكر أنني خفت السؤال والكلام فما كان علي إلا الطاعة والولاء للقويات حتى كسبت ثقتهن ورضاهن وكأنني لم أكن يوما سيدة محترمة واعية ومثقفة كدت أن أفقد كل كلمات الود والاحترام والمجاملة فتغيرت لهجتي الأنيقة فقد فقدتها تماماً.
-لم سأبقي على ماض لم ينصفني؟فأنا مجرد مجرمة قاتلة.
هذا اليوم غير كل هذه الأيام مشاعر وأحاسيس وفكر يدور لحظة بلحظة يتساءل عن سر هذه الورطة.وإن كانت بتخطيط ذكي وناجح.
أيمكن أن يعيش كل هذا الخبث بداخل الإنسان؟لم يعد نفع من التفكير فصداع برأسي يكبر من فرط الحيرة والاستفهام، فلنقل هو قدر محتوم.
- أين ابنتي الآن ؟صار عمرها خمس سنوات لأتذكر من ملامحها سوى لون عينيها الداكنتين سودا وشعرها الكثيف المنسدل على كتفيها الدقيقتين.
أتذكرها وهي تشبعني قبلاتها الوديعة وتتفرس بملامحي ثم تتمرس كيف ستقبل يدي ورأسي لأقول لها:
-الله يرضي عليك فتضحك كثيرا وتستمتع بكلامي ومداعبتي لها.
دموع تحرقني لم يعد يبكيني هول من الأهوال سوى تذكرها فالأمر وراء القضبان سيان مكان كالقبور يجمع الصالح والطالح.
لم يرجعني إلى هذا المكان سوى صيحة "خدوج" وهي تعذب سجينة جديدة كعادتها واضعة يديها المترهلين السمينين السوداوين بشعر هذه السجينة الأنيقة والمأخوذة من هذا المكان الذي حلت به يبدو عليها الذهول جليا إنه إحساس أي واحدة حلت هنا لأول مرة.
انسللت من أفكاري وأحلامي إلى واقعي كالمعتاد أناشد "خدوج" الطاغية المستبدة حَرّرْتُ المرأة من قبضتها وأخذتها لمكاني لم يكن لدي ما أقدمه لها فالزيارات انقطعت عني من ثلاث شهور خلت بعدما توفيت والدتي إنما رحبت بها واستدعيتها للاستئناس بالمكان وأهله إلى أن تمر مدة حبسها بسلام ،اطمأنت الفتاة قليلا وجلست مذعورة خائفة فتصرف طبيعي لردة فعل طبيعية حين حلول أي سجينة جديدة بالمكان فالمكان مقرف ومقيت لكنه الموجود والمفروض.
فتحت حقيبة يد صغيرة أنيقة مثلها أخرجت علبة سجائر من نوع خاص.. وغال أيضا ودونما اكثرات بدأت تصدر دخانا اهتزت له القاعة.
أسرعت معظم السجينات نحو الهواء الذي ينعش صدورهن تبحثن عن هذا المحبوب الممنوع والمرغوب والذي قد يبعد الذاكرة عن التفكير والتركيز استفزني هذا الشعور الرهيب،إنها أول مرة أتمادى لأخذ ما لايحق لي أخذت منها علبة السجائر غير مبالية وحضرت بروح "خدوج"دفعتهن جميعا وبدأت انسف السجائر نسفا لم أسعل لم أتتأفف لم أضجر وكأنني معتادة شربها.
هدأ روع الجميع حتى خدوج ،ابتعدت عن طريقي ولم تحضي بسيجارة اليوم غصبا عن الجميع.
أخذتني الحيرة من نفسي، أيعقل أن تتغير سلوكياتي وطباعي لمجرد الإحساس بالظلم ؟وهذا اليوم بالذات ؟أأكون منبهرة بشخصية الغاصب المستبد والمستبد؟
تختلجني مشاعر دامعة حزينة راثية نفسي ،وأخرى غاضبة وعنيفة ،هل استحال ذرف الدموع أم أبى الجحود أن يكسرني؟ بهذه اللحظة سرقتني نوبة الرغبة بالنوم ففرحت علني أتناسى قليلا ما يؤلمني اليوم .
الرابعة مساء تدخل الرقيبة "محجوبة "قاعتنا وتنادي بأسماء المفرج عنهن واللواتي ستنتقلن إلى سجن آخر حيث الظلم والتعسف والاستبداد كما تحكي بعض الآتيات منه حمدت الله لست من بينهن وحتى مدة سجني مازلت بعيدة بينما تتابع "محجوبة "كلامها حتى أشارت بأصبعها المكتنز دما أزرق وأضافت دون أن تحول عينيها عني أنت حصلت على عفو ملكي غدا ستغادرين.
قفزت من مكاني راكدة وراءها ونسيت أنني لاأطيق رائحتها ولا حتى النظر إليها وقبلت خدها المقرف والممتلئ نتواءات.
علت الزغاريد القاعة واندفعت حينها ألمس القضبان لأول مرة وكأنني سأفتقدها كعزيز علي لم أتذكر وقتها هل بكيت بقدر ما أصابني الذعر والصمت "محجوبة "لاتمازح أحدا ولايمكنها أن تبشر أحدا بالخير أيضا فرحت ،انهرت،تغير كياني من مخزون شاذ إلى بركان غيض ونفور واستجدت بي الذكريات الأليمة التي أوصلتني للزج بي بالسجن.
عفت نفسي والمكان معاً واحترت بما يمكنني أن أفكر به حتى يصبح الغد الجميل لكنني أتسأل إلى أين سأتوجه ؟لا أحد يتذكرني تخلى عني كل من أحبوني وأنا بينهم إخواني وأخواتي فأما أهل زوجي فهم يكرهونني إذن كيف أسأل عن ابنتي؟
آه لو بقيت أمي على قيد الحياة لفرحت كثيراً وغفرت لي ما سببت له من ألم لا يد لي فيهأبداً.
لم أع ما يحصل معي الآن السجينات هنا يعانقنني فرحات وازدحام التعبيرات والكلام يتطاير ليملأ الأجواء التي كانت راكدة منذ زمن كسرت فينا أمل الفرج.
أخذتني هستيريا الآلام والندم،غضب عارم يفتك بي:
-لماذا دخنت اليوم وافتخرت بهذا الأمر الشنيع؟
حاورت نفسي محاولة تهدئة أعصابي المنفلتة مني حتى تأخذ نفسا جديداً وعميقا لتطرح تأوهات الماضي ولتنتظم أفكاري.
عدت أدراجي تأهباً للرحيل بعيداً عن هذه القذارة التي تحتضن كل أنواع النموذج البشري، لكن فضولي كان أكبرمن مبادئ التي تركتها من عشر سنين وراء القضبان.
تذكرت السيدة نعيمة المرأة الناعمة بكلامها والمريضة بداء القلب والربو والتي تنجو كل مرة من الموت،عمرها قتلته أيام السجن وهي بمرحلة الخمسينات فهي لا تتمنى من هذه الحياة شيئا سوى أن تحضن ابنتيها،وبعدها تأتي الموت كما تقول تذكرت حكايتها وبالأحرى جريمتها السيدة الوقور والحنون والنصوح والملمة بأهوال الدنيا
نسيت كيف أفرح وسط هاته الهتافات والزغاريد الممزوجة بدموعي ودموع الأخريات غير أن صوت "نعيمة أعادني إلى أحضانهن من جديد فقمت أرقص طربا وفرحا كالديك المذبوح حينا ،كانت " نعيمة"تعانقني وتدعو لي مرات عديدة بالإفراج عني،فأتغافل مشاعرها ودعواتها حتى لا نبكي من جديد.
لقد مللت من سردها لقصتها والتي تتنغم بذكر تفاصيلها منذ إن وجلت السجن لاتعلم كما تقول كيف طاوعتها يديها بضرب عشيقة زوجها حين عادت يوما من العمل لتجدهما على فراشها ،كانت متعبة من يومها الشاق فمشغلتها لاترحمها،ولاتقدم لها الأجرة حتى تستنزف منها كل قوتها.
"يد المهراز"تصيح بها وتكررها :هويت بها على رأس الخائنة ،فعلا لقد أردتها قتيلةجثة هامدة ،ولم تكتفي بذلك ولا أحست هلعا وخوفا بل خرجت تجري مسرعة وراء زوجها الهارب كالمجنونة.
بالطريق كانت الشرطة قد وصلت بعدما اتصل بها الزوج الخائن فألقي عليها القبض.
كانت تنجو من الموت بأعجوبة، سعال حاد، وأزمات قلبية فهي لا تأمل إلا أن ترى ابنتيها وتضمهما إلى صدرها وتطلب منهما السماح، كان هذا هو أملها الوحيد فقط.
مازال شرود كاسح يجتاح فرحتي ،حين توقف ليتذكر الفتاة المهذبة نادية التي هي أيضا ضحية ثقة بخطيبها سعيد وبظروف اجتماعية اقتصادية مزرية تعيشها أسرتها المعوزة.
منذ سنة تقريبا حلت هنا بالسجن، حضرت بملامح متناقضة بريئة فغاضبة وناقمة فمسالمة ثم إن الحكم في قضيتها كان ضدها لم تستطع أن تدافع عن نفسها ولا أن تقدم أو تأخر فقضيتها أكبر من سنها الواحد والعشرين ربيعا.
حين تعرفت على سعيد الذي أحبها كما اعتقدت أول الأمر كان يغدقها مالا وحبا عرفت طعم الحياة التي حلمت بها يوما فارتدت أجمل الملابس،وأنفقت على أسرتها إلى أن أوقفتهما ذات يوم سيارة اضطرا بإرغام أن ينزلا من سيارة سعيد،تعرضا أنداك لضرب مبرح جدا كاد أن يغمى عليها أول الأمر حين هربت لجانب الطريق تسأل الإغاثة فوجدت سعيدا طريح الأرض وسط بركة دماء طازجة ونصل سكين بقلبه كان ينظر إليها ويقول:
-اُهْربي هؤلاء عصابة، لكن لسوء حظها، أدركتها مجموعة من الرجال وتحت وابل من الضرب أغمي عليها.
فتحت عينيها لتحس ألا لاما بجسدها كله بغرفة ممدودة على فراش مكبلة اليدين والرجلين دفعت برجليها لتجد رأسا غليظة تحاصرها علا صراخها من الخوف والارتباك فانقص عليها صاحب الرأس الغليظ ضربا من جديد حتى لاذت بالصمت فهي لاتعرف من هؤلاء المتحدثين وتحت تهديد السلاح جروها جراًإلى سيارة وألقوا بها قرب مقبرة،كلما تذكرت حكايتها قالت:"كنت أخاف الظلمة والجن والحشرات،لكن بعد مصيبتي خفت الناس أكثر"
أما أسرتها اليوم فلتتحمل مصيرها والفقر بالنسبة لها شر لابد منه.
حاولت أن أنسى هذه الحكايات وأتركها هنا وأن لاترافقني بحريتي وفجأة استوقفتني ذكرى الطفلة حنان التي كبرت بالسجن حتى بلغت السابعة عشر من عمرها وحلت بيننا شدتني حكايتها كثيراً وذكاؤها الملفت كانت لا تتوقف عند أي تفصيل من تفاصيل جريمتها كالأخريات لكن دموعها تتحجر وتصمد ويتصاعد لها التأفف والتأوه:
- ما الحكاية يا حنان ؟لو كنت كباقي الأطفال أعيش مع أسرتي ولم تتكفل بي جدتي ،آه لقد أرغمت على العيش معها لأرعاها فبصرها ضعيف جدا إلا أنها كانت تسمع ذبيب النمل.
جل تصرفاتي لاتعجبها ،دائما تشتمني وأمام الكل لأتف الأسباب وكلما حضرا والدي ليطمئنا علي أشبعوني ضربا علي أن أطيعها ولا أفكر بالرجوع معهم أبدا.
تعبت من تقبيل رأسها ويديها وإرضائها حتى ذلك اليوم فقدت أعصابي وهي تشتمني ولم ترد أن تصمت وتهينني بفشلي في الدراسة، أخذت سكينا وهويت به على رأسها ،فماتت لاأستطيع أن أنكر كانت تلك الضربة هي الحل الوحيد حتى تصمت وترتاح هي من الكلام وأرتاح أنا من الإهانات.
يا إلهي أريد أن أنام ماذا يحدث لي ؟
إنها لحظات متأخرة من الليل ،غفوت قليلا ،ها قد حل الصباح صباح يوم الحرية خرجت إلى مكتب السيد النقيب أستلم أوراق التصريح بالخروج وأنا بين هذه الإجراءات الطويلة الثقيلة توصلت بزيارة أحد من أقاربي حتى هذه اللحظات الأخيرة لم أبالي بالأمر حتى أكملت كل الإجراءات وودعت السجينات.
كانت أول التفاتة مني للزائر عميقة جدا لم أصدق بأنه أخي الأكبر يداعب ذقنه مرة ويحاول أن يبتسم مرة أخرى حتى اقتربت خطواتنا تعانقنا بحرارة السنين والطفولة.
وصلنا بيته، اندهشت لهذا الحضور كلهم علموا الخبر، ينادي على الأطفال المتعلقين بظهر والدي:"هيا سلم على عمتك سلم على خالتك" حمدا لله لم آخذ من أفراحهم الكثير "
أخذني صمت العتاب لهم وانشغلت بالتحديق بأركان البيت الجميل وعلى أنغام الموشحات الأندلسية تناولنا طعام الغذاء رغم الحزن الدفين الذي يغتال فرحتي .يناديني أخي بصوت مبحوح يا سناء :
-شخص ما على الهاتف يناديك.
أخذت السماعة ،فإذا بصوت رقيق يشدني إليه
-أهلا يا ماما كيف حالك الحمد لله على سلامتك انتظريني.وانقطع الخط.، حلت قشعريرة بجسمي كله وتلعثمت كلماتي جف ريقي هربت مني كل أفكاري والتصقت السماعة بأذني ولا رنين آخر يرجعني لنفسي.
لا أعلم كيف أخذت مني السماعة، استدعتني زوجة، لأستحم وأغير ملابسي فعانقتها وكأنني أعانق صغيرتي، رغم أني لم أطقها يوما ما لكثرة إعجابها بنفسها.
وجدتني وأنا بالحمام أطلق عنان صوتي وأغني كالأطفال وارتسامات الفرح تنضج وتحيا بداخلي من جديد
ماذا ؟ أما زلت أقدر على الفرح وأستطيع أن انتظر وأن أحلم ،رن جرس الباب ،كدت أسقط من أعلى الدرج أصابني ارتباك أسرعت لفتح الباب ،أدركني أخي احمد استوقفني وفتح الباب فإذا بسناء قد كبرت ابنتي تركض نحوي فخفت أن تخذلني يدي وأنا أنحني لأحملها لم أصدق أول الأمر هل ما يحدث حقيقة أم حلما ؟
حتى سمعت أخي أحمد يقول :
-تفضل يا سيد مصطفى.
لم ينس أخي واجب الضيافة فلم أعقب بدوري على الأمر.
تظهر هدايا كثيرة على المائدة والأطفال متحملقين حولها أخذ أخي الأصغر مكانه بينهم وقدم لسناء من هذه الهدايا مداعبا لها :
-كل هذه الهدايا لك:أرأيت كم تحبك أمك ؟
تتقدم سناء ببراءة الأطفال تختار مندهشة، يحاورني أخي بعينيه فتخليت عن بعض الدموع الفاضحة بينما تدخل السيد مصطفى ليتمم المسرحية الراهنة:
-ألم أقل لك أن والدتك طيبة وستحضر لك هدايا كثيرة وجميلة ؟
التقت نظراتنا بعد خمس سنوات من جديد وهو يعلن خبر وفاة والديه و يلوح مرة مرة بملف بين يديه ثم وهب واقفا يطلب المغادرة.وقبل أن يرحل استأذن أن يكلمني فرحب أحمد بالفكرة وغيرنا مكان الجلوس هذا الملف لميراث ابنتك من والدها المرحوم وكذلك حقوقك الشرعية.
كأنني لم أسمع شيئا ،أيعقل أن تسرقوا مني فرحتي من جديد وترغموني بتذكر الآلام ؟
حاول أخي أن يكون هادئا ومتفهماً حضاري الحوار والمجاملات بمثل هذه المواقف.
أضاف السيد مصطفى: حقيبة سناء بالسيارة لو سمحت يا أخ أحمد رافقني لأعطيك إياها ما حيرني فسناء تتمسك به وتشده إليها بحرارة كأنها خائفة أن يضيع منها، أو أن يتركها ويرحل توسل إليه وترجوه البقاء فأحسست بغيرة تشتعل بداخلي، تزكي بي حقداً وحسداً.
- كيف ترتبط بعائلة أبيها وهم من دمروا حياتنا؟كم بدت مداعباته لها ماكرة وسخيفة وهو يقبلها وينحني إجلالا لرغباتها ويهمس لها:
-سأراك كل يوم، ألم أعدك من قبل؟ووفيت لك بوعدي ستعيشين مع والدتك حين تعود من السفر.
أحسست بحزن غريق بعينيها وكأنها تفهمت الأمر وردت متأسفة متحسرة:
لكن أوجاع الماضي والآلام السنين لم تخمد بعد وانفجر بركاني الخامد، ضاربة بعرض الحائط كل وصايا أهلي:
-يا سيد مصطفى القضية لم تنتهي بعد ،صدقني سأثبت براءتي.
خجلت من نفسي فهو لم يرد بمثل ثورتي ترغب عيناه بكلام كثير ويديه بكتفي سناء:
-من حقك فأنت زوجة الغالي الراحل وأم هذه الغالية يا سيدتي أنا رهن الإشارة كلما احتجت إلي.
أدار ظهره وغادر، فلم يعد بإمكاني غير شكره وامتناني له.
لربما كان طيبا مثل أخيه فخمنت أن لا أقطع صلة الرحم بينه وبين ابنتي ،الى يوم أتبثت العدالة براءتي،غير أن الأمر صار لغير صالح السيد مصطفى حين اعترف بمرض أخيه النفسي خلال مراحل حياته الأخيرة،حكم عليه بالسجن المؤبد.
-ما هذا يا مصطفى ؟
يرد علي الجميع:
- لما احترتم؟كنا نلتقي دائما بالمقهى وأبلغه رغبة والداي بالانفصال عن زوجته لكنه كان عنيدا بائساً وبدا عليه الانهيار فكرت أن أجعل منه شخصاً مدمنا حتى يرضخ لرغبة والديه وقد أصبح كذلك ، كنا نلتقي مساء كل يوم ،أجده ينتظرني لأحضر له الدواء "المخدرات" يتناول بعض الأقراص فيغادر المقهى وغالبا ما كنت أوصله إلى بيته.
علا ضجيج بقاعة المحكمة قمت من مكاني وغادرتها وكلامه مازال يطن بأذني فهو إذن من دمر حياتي ومن تكلف بتربية ابنتي وسلمني حقوقي أيضاً وساعدني أن أتبث براءتي أمام الجميع ،ماذا أفعل ؟
وكل محاولات أهله لي بالتخلي عن القضية أو السماح والتنازل لم تغير من إحساسي وعزمي في أن أرفع رأسي من جديد ،فهل أتنازل عن كرامتي ؟عن الآلام التي عشتها طوال هاته السنين؟لا أستطيع وماذا عن ضياع عمري وراء القضبان ؟ عن وجع أهلي ؟وعملي ؟وطفلتي ؟
صحيح من قال من سره زمن ساءته أزمان.
طول الطريق وأنا أتسأل
-أيمكن أن يخزن الشر خيراً؟لا أعلم حقيقة الحكمة من هذا الوضع إلا أن المحاكمة هذه المرة كانت عادلة.
لابد أن أعتذر منه بعد أن أصبحت بريئة حرة وراء القضبان وأضحى هو المجرم الوحيد بالقضية.






  رد مع اقتباس
/