عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2013, 08:37 AM رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
زحل بن شمسين
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل أوسمة الاكاديمية للابداع والعطاء
العراق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


زحل بن شمسين غير متواجد حالياً


افتراضي رد: لعنة الفراعنة ام قانون التطور هو من جعل هذه الامة بالحضيض؟؟؟

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اوهام قبل الامس في عصر ما بعد الغد : نحن وامريكا وبيننا هولي وود 14
شبكة البصرة

صلاح المختار

تذكر دوما ان الاسماك الميته وحدها تسبح مع التيار
مالكولم مكريدج



ثمار الوعي الانتقائي : لعبة تنغيل المفاهيم


11- ما ان انتهت الحرب الباردة ببدء سقوط انظمة كانت مزيجا هجينا من راسمالية الدولة وبعض سمات الاشتراكية في اوربا الشرقية في عام 1989 حتى بدأت امريكا بشن حرب من نوع اخر اكثر خطورة من الحرب الباردة من اجل (اغتنام الفرصة) التاريخية - وتعبير (اغتنام الفرصة) هو عنوان كتاب للرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نيكسون - التي اتيحت لها للسيطرة على العالم واقامة الامبراطورية الامريكية. لكن بروز هذه الفرصة التاريخية النادرة حدث في الوقت الخطأ من حيث امكانيات امريكا السيطرة على العالم، لانها تعاني من ازمات بنيوية متداخلة ومعقدة وخطيرة من ابرز مظاهرها ما نراه الان من ازمات مالية خطيرة، بالاضافة لهشاشة مواطنيها، حينما يتعلق الامر بخوض حرب صعبة في الخارج، وهي هشاشة اظهرتها حرب فيتنام بقوة ثم اكدتها عملية غزو العراق وانطلاق المقاومة العراقية المسلحة التي اوصلت امريكا الى حافة الانهيار الشامل نتيجة الروح المعنوية الهابطة لقواتها المسلحة.
وكانت ازمة امريكا في مطلع التسعينيات مثيرة لاسوأ مشاعر الاحباط لدى صناع القرار الامريكي، لانها واجهت مفارقة (سوء حظ) فقد كانت عاجزة عن السيطرة على العالم رغم سقوط الرادع الاول لها وهو الاتحاد السوفيتي ومنظومته الشرقية، وبروز امكانية تحقيق الحلم الامريكي الاعتق والاهم وهو السيطرة على العالم، فماذا تفعل امريكا كي توفق بين عجزها البنيوي (الاقتصادي والعسكري والعام) وبين تحقيق الحلم الاكبر لها؟
لقد قررت امريكا اعادة تشكيل العالم وجعله على شاكلتها من زاوية محددة : فبما انها تفتقر للهوية الوطنية ومفككة ثقافيا وسايكولوجيا فعليها تفتيت دول العالم، ليكون هشا عاجزا عن مواجهة امريكا وخططها المتعددة للسيطرة عليه، وهذه العملية تشمل كل العالم بما في ذلك الاتحاد الاوربي، مع ملاحظة تعاقب عمليات التفتيت وعدم وقوعها في وقت واحد. وكان اهم اساليب التفتيت تفجير صراعات وحروب عرقية او دينية او طائفية داخل الشعب الواحد وبين الامم المختلفة، من جهة، وتحميل العالم كله مسؤولية تغطية عجز امريكا الاقتصادي والبشري وزجه – اي العالم - في صراعات تنتهي بقطف امريكا الثمرات التي تنتج عن تضحيات دول عديدة تستخدمها امريكا لتحقيق اهدافها! بتعبير اخر تحويل العالم كله الى غرفة انعاش تضع امريكا فيها نفسها كي تواصل العيش بفضل ضخ دم الحياة اليها من اجساد الشعوب الاخرى.
كان عليها ان تعمل بصمت مخابراتي ولكن بعزم بعيد المدى – ستراتيجي - لا يلين لضم العالم الثاني اليها، وهو بقايا الاتحاد السوفيتي واوربا الشرقية، باستثناء روسيا، وتوسيع النيتو شرقا، ومحاصرة الخصم المستقبلي الاكثر خطورة وهو الصين في مناطق نفوذه في افريقيا وغيرها وتحديد قدرة الصين على الحصول على نفط يكفي لتحقيق خطط التنمية والتقدم كما رسمت، وتلك الاهداف تتطلب حروبا من نوع اخر، ترسم سيناريوهاتها بدقة وتفجر بتسلسلات زمنية مختارة وتوجه لتحقيق هدف ستراتيجي كبير وهو خلخلة كل الامم ودون اي استثناء.
وحروب امريكا الجديدة متنوعة تبدا بغزو اقطار وبلدان محددة لتكون عبرة لغيرها او لانها تملك مصادر ثروة مهمة لتحقيق انفراج اقتصادي امريكي، وتمر تلك الحروب بتغيير قواعد اللعبة الايديولوجية في العالم عبر تسقيط المفاهيم التي سادت لقرون في العرف الدولي والقانون الدولي والمسارح السياسية والمنابر الفكرية وطرح مفاهيم بديلة تدعم التوسعية الامبريالية الامريكية وتمهد الطريق لها. ولئن تطرقنا الى الحروب العسكرية كاداة سيطرة، فجة ومباشرة وسريعة، بالتفصيل فان الحرب الاكثر خطورة والتي تحدد مستقبل الحروب العسكرية وتمهد لها طريق النجاح هي حروب المفاهيم العامة خصوصا المفاهيم السياسية والثقافية والاقتصادية والاخلاقية...الخ، فما لم تتغيير منطلقات البداهة لديهم، والتي تتحكم بمسارهم وسلوكهم، وهي معتقدات الناس وافكارهم ونظرياتهم السياسية، فان سيطرة امريكا على العالم ستبدو غزوا مسلحا يواجه بالمقاومة المسلحة، وهو ما حدث في العراق الذي كان مختبر تجارب لحروب القرن الجديد. ولهذا فان غزو امريكا للعالم يجب ان يبدو كأنه انقاذ وتحرير وفقا لمفاهيم يجب ان تزرع وتنمى لدى فئات من الشباب، وتلك هي القضية الواجبة النقاش الان.
ان الحلقة الجديدة من حروب المفاهيم بدأت بسقوط الكتلة الشيوعية في اوربا الشرقية لان تغيير مسارح العمليات يفرض تغيير مفاهيم الصراع، وكانت طلائع المفاهيم تتدحرج بسرعة اكبر من سرعة حركة الجيوش الامريكية والاوربية، هذه المفاهيم طرحت وبدأ الترويج الفعال لها عالميا بتسخير طاقات اعلامية وثقافية ومالية ضخمة، لان حرب المفاهيم هي حرب افكار وتحتاج لزمن طويل في حين ان امريكا بحاجة الى السيطرة الان وليس غدا، ولاجل اختصار الزمن كان يجب سلق المفاهيم بنار شديدة السخونة وتقديم طبقها جاهزا للناس لالتهامه، مهما كان طعمه منفرا او غير مستحب!

خلاصة عن المفاهيم الوظيفية
فيما يلي اختصارات شديدة لبعض المفاهيم التي صاغتها اجهزة المخابرات الامريكية واطلقتها بواسطة مفكرين وكتاب يعملون لديها او في خدمتها :


1- (ثورات ربيع الحرية) او (الثورة السلمية) في العالم الثاني -دول اوربا الشرقية- والثالث كبديل
لحروب التوسع الامبريالي، كان اول ما طرح هو افكار عن احداث تغييرات سلمية في مكان وعنفية في مكان اخر، ففي اوربا الشرقية نفذت خطة (الثورات البنفسجية) كما حدث جورجيا، اما في الوطن العربي فقد تقرر تغيير الاوضاع بالقوة العسكرية. ولذلك طرح مفهوم للثورة يقوم على مزيج من العفوية والسلمية والتركيز على هدف سياسي وهو الديمقراطية والاهمال التام لمصادر الديكتاتورية والفساد، وهذا المفهوم للثورة يتناقض مع المفهوم التقدمي والتحرري الذي ساد منذ بدأت حركات التحرر من الاستعمار الاوربي تظهر في بعد ثورتي روسيا (1917) والصين (1949) وبعد الثورات التحررية في كوبا والجزائر في الخمسينيات والثورة الفلسطينية في الستينيات من القرن الماضي، بالاضافة لحركات التحرر الافريقية والاسيوية الاخرى.
والمفهوم الجديد يركز فقط على تغيير الانظمة والوعد ببناء الديمقراطية واهمال قضايا التحرر والمسائل الاجتماعية المتعلقة بالفقر والامية والتخلف، فالمهم، طبقا لهذا المفهوم، هو بناء الديمقراطية والتي يمكن ان تكون مدخلا لتغييرات لاحقة تقررها قوى اخرى غير التي اسقطت النظام غالبا.

2- العولمة كان اول مفهوم طرح بعد انهيا الكتلة الشيوعية في اوربا الشرقية هو العولمة حيث تفتح الحدود
وتزال عوائق تفاعل الامم وتتداعى الدولة القومية وتزول الثقافة القومية وتحل الثقافة الاممية في عامل وصف بانه (قرية الكترونية) وينتهي عصر القوميات.

3- السيادة الناقصة والتي تعني التخلي عما ضمنه القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة وهو تساوي الامم صغيرها وكبيرها واعتبار السيادة الدرع الذي يحمي مصالح الدول، والقول بان العصر هو عصر السيادة الناقصة لان الدول لم تعد في عصر العولمة سيدة نفسها بحكم تداخل التفاعلات العالمية وتزايد الاعتماد المتبادل غالبا بين الامم وتقارب البيئة العالمية من حيث انماط الحياة العصرية...الخ، بفضل ثورة المعلومات وثورة الاتصالات اللتان حدثتا في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وغيرتا صورة العالم بصورة جذرية.

4- نظرية الحسم التكنولوجي بدل التأثير الايديولوجي : ان تحول ثورتي المعلومات والاتصالات الى اداة تحكم بالبشر بطريقة اشد من تحكم الايديولوجيات، وبالاخص لانهما حلا ويحلان الكثير من مشاكل الانسان العملية كالاتصالات الفورية والمفتوحة بين البشر بالهاتف النقال او الانترنيت وتوفير اجهزة كانت خارقة للتصور قبل التسعينيات، مما ادى الى احداث تحولات خطيرة في اهتمامات ملايين الناس بعيدا عن الايديولوجيات. ومازاد في اهمية التكنولوجيا هو قدرتها الفذة على خلق مصدر انتاج جديد هو المعلوماتية وولوج العالم الافتراضي، الامر الذي جعل التكنولوجيا تحتل موقعا خاصا ومتفوقا على غيره.

5- نظرية صدام الحضارات لهنتنغتون والتي قالت بان انهيار الشيوعية قد فرض نمطا جديدا من التحديات والصراعات تقوم على تصادم الثقافات والديانات والهويات في العالم واصطراعها من اجل تغلب احداها. وحدد ان العدو الجديد للغرب هو الاسلام والحضارات الشرقية. وفي اطار هذه النظرية كشف هنتنغتون عن حقيقة خطيرة وهي ان امريكا لا تستطيع الاستمرار في الوجود موحدة بدون وجود خطر خارجي يهددها فتضطر للتوحد، وخطورة هذه الفكرة الصحيحة تكمن في انها تؤكد ان المجتمع الامريكي ليس مجتمع امة بل هو مجتمع جاليات وثقافات مختلفة لم تندمج بعد.

6- نظرية نهاية التاريح لفوكوياما والتي نصت على ان الصراع الكبير في العالم قد انتهى بانتصار الليبرالية الامريكية، وترتب على ذلك ان الخيار السياسي الذي يجب ترويجه في العالم ونشره هو الليبرالية وبغض النظر عن تباينات الدول والامم واختلافات تكويناتها العقائدية والاقتصادية وغير ذلك.

7- تصدير مفهوم المجتمع المدني للعالم الثالث مع انه غير مهيأ له لانه نتاج مجتمعات متطورة تجاوزت مرحلة القبيلة وعلاقات ما قبل الوطنية والامة واصبح المواطن فيه تحكمه صلات العمل وبيئته وليس صلات الدين او القبيلة او العنصر.

8- نظرية صلة المواطنة : لقد ادى التطور العلمي والتكنولوجي والتقدم الثقافي في الغرب والشمال وتحديدا في امريكا الشمالية واوربا الغربية، الى انحطاط قيمة وتاثير الهوية الوطنية وبروز صلة المواطنة بصفتها الهوية الاساسية في المجتمع، وهكذا اصبح الانسان في تلك المناطق يشعر بالمزيد من الضياع والفراغ الفكري والنفسي. والهدف من ترويج هذه النظرية ودعمها كان تفكيك المجتمع وتحويله الى نثار يشعر كل مواطن فيه بالغربة عن غيره ولذلك يصبح عاجزا عن التوحد لاجل مقاومة اتجاهات الحكومة وسياساتها والتمهيد لفرض دولة بوليسية تدريجيا، وهذه الظاهرة توجد في امريكا اكثر من غيرها.

9- مفهوم انتهاء الايديولوجيات وحلول عصر الخيارات العملية والتطبيقية، الفردية المنفصلة والمنعزلة، والتي يمكن ان تنشأ في رحمها مفاهيم عملية صرفة.

10- نظريتا (الاحتواء المزدوج) و(محور الشر) وكانت مخصصتان في الواقع لغزو العراق، لانهما افترضتا ان ازمة المنطقة والعالم غير قابلة للحل الا باسقاط النظام الوطني في العراق واحتواء ايران بطرق سلمية وليس غزوها، وكذلك احتواء كوريا الشمالية.

لقد تمت صياغة تلك المفاهيم لاجل احتلال عقول الناس قبل وصل الدبابات وبدء اطلاق الصواريخ البعيدة المدى وللتمهيد لها، ولذلك كان هدفها الاكبر والاهم هو تفتيت الاخر، كل الامم والشعوب، بتتابع تنتظمه سلسلة فولاذية. ما المقصود بقولنا ان امريكا تريد اعادة تشكيل العالم ليكون على شاكلتها؟ لقد ارادت امريكا اعادة تشكيل العالم برمته ليكون على شاكلتها من زاوية محددة وهي انه عالم بلا هوية متبلورة ومتعدد، والتعددية ليست بين الامم فقط بل ايضا انها تعددية مكونات المجتمع السابقة لعصر الوطنية والقومية والامة، كالعرق والدين والقبيلة والمناطقية، ووفقا لذلك ان الشعب الواحد يجب ان يعاد لمرحلة ما قبل الاندماج التفاعلي الطبيعي بين مكونات الامة قبل مئات السنين، ليكون كامريكا الان.

ماذا يتطلب ذلك؟ ان ذلك يفرض تهشيم مفاهيم الامة والوطنية والقومية واسقاطهما وتصوريهما على انهما من مخلفات عصر انتهى وزال والعمل على تقويض الدولة الوطنية بالقوة او بالازمات المتتابعة والمستمرة، ولذلك كان لابد من نسف الاسس التي تقوم عليها الدولة الوطنية واهمها الوطنية والهوية القومية من جهة ودفع العالم كله لحالة من عدم اليقين والتارجح بين الافكار غير المترسخة من جهة ثانية، وهذا يمكن تحقيقه بعدة اساليب من بينها طرح مفاهيم متعددة ومتناقضة وذكية في ان واحد. وهنا نجد انفسنا مرة اخرى امام نظرية حافة الموت ولكن من زاوية اخرى وهي وضع الانسان المعذب ببيئة مادية معادية له امام اضطراب مفاهيمي – نفسي يكمل دور التعذيب الجسدي المتعمد للانسان بان يحرمه من القدرة على الوقوف على قدميه بقوة وثبات فكريا ونفسيا.

كان الهدف من حزمة المفاهيم الجديدة التي بدات بالظهور بصورة متواترة وسريعة ومتعاقبة منذ مطلع التسعينيات هو تسهيل افقاد الكثيرين بوصلتهم التي تساعدهم على الابحار والرؤية في بحر متلاطم وفي جو غائم لا يرون فيه ابعد من بضعة امتار بدونها، وهذه البوصلة تشمل كل ماهو اساسي في الحياة مثل التربية الاجتماعية والعائلية والرابطة الوطنية والهوية القومية والاتجاهات الفكرية والنفسية والتقاليد الاجتماعية والاخلاقية... الخ. وحينما يفقد الانسان البوصلة، وطبقا للتجارب التاريخية والاجتماعية والسياسية والعسكرية...الخ، تتشوش رؤيته وينعدم افق النظر البعيد فلا يرى ابعد من انفه، وهذا احد اهم شروط اختراق ضمائر الناس وتشويه وعيهم وجرهم جرا ورغما عنهم الى (حلبة الرقص) غير المحتشم مع هيلاري كلنتون.
ان اول المفاهيم التي نغلت، مفاهيم الثورة والانقلاب والتمرد والانتفاضة دعونا نتناول ذلك بشيء من التفصيل.
تميزت حركات التحرر في منذ عشرينات القرن الماضي بالعفوية غالبا، لانها قامت على تحقيق هدف واحد واضح وهو التحرر من الاستعمار وكان كل ماعداه هدفا ثانويا او مؤجلا ولم يدرس او توضع خطة من اجل تحقيقه، لذلك كانت حركات التحرر عبارة عن جبهات وطنية اكثر مما هي احزاب عقائدية، لهذا بقيت حركات التحرر في الاطار العام عفوية وتركت الاهداف الاجتماعية كازالة الفقر والامية والتخلف والفساد لمرحلة ما بعد طرد الاستعمار، وهذه النظرة كانت السبب في فشل حركات التحرر في تحقيق الاهداف الاجتماعية رغم انها نجحت في طرد الاستعمار، في حين ان الثورات التي كانت لديها ايديولوجية وستراتيجية نجحت في مواصلة الخطوات المتعاقبة في سياق زمني مرسوم ومعروف وحققت اهدافها الكبرى كما رسمتها عموما.
فالثورة الجزائرية طردت الاستعمار الفرنسي لكنها فشلت في حل المعضلات الداخلية وشهدت الجزائر مسلسل احداث جرها الى ازمات خطيرة جدا نتيجة غياب الستراتيجية الشاملة، وبعكس ذلك فان الثورات الصينية والكوبية وقبلهما الروسية نجحت في تحقيق تغيير جذري في حياة الناس ونقلت المجتمع من حالة التخلف والفقر والامية الى حالة التقدم ومحو الامية والفقر نتيجة وجود ستراتيجية واضحة ودقيقة لها.
وفي الوطن العربي لم تكن الثورة الجزائرية وحدها التي اجهضتها عفوية انطلاقتها، بل ان الاحداث العربية شهدت مؤشرات تفرض دراسة اسباب الاخفاق والنجاح،، فالتغييرات العسكرية التي حصلت في الكثير من الاقطار العربية، مثل مصر (1952) والعراق (في اعوام 1958 و1963 و1968) وسوريا (في اعوام 1963 وما بعده) وليبيا (1969) والسودان (عدة مرات في نفس الفترة) وموريتانيا (عدة مرات) وتونس (1987)...الخ، اعطت الانطباع بان الانقلاب العسكري هو ثورة وبغض النظر عما يتحقق او لا يتحقق في ارض الواقع من تغييرات واهداف، كما ان اي انتفاضة مسلحة تفشل يطلق عليها تعبير ثورة وبغض النظر عن طبيعتها ومن يقف وراءها، رغم ان مفهوم الثورة الذي ساد منذ نهضت الامة العربية كان مضمونه تحرريا اي انه ضد الاستعمار والصهيونية، ومن ثم فانه لا يوجد مفهوم تحرري تتبناه قوى الاستعمار واذنابه فكل مفاهيم الاستعمار عبارة عن وسائل نشر وجوده على حساب الشعوب المستعمرة.
وحينما كان المرء يقول ثورة فانه تلقائيا يفهم منها انها ضد الاستعمار او ضد النظم التابعة له، او ضد انظمة فاسدة تخدم عمليا وموضوعيا الاستعمار حتى لو كانت غير عميلة، ولم يكن هناك من يتقبل وصف عمل ما بانه ثورة ويكون الاستعمار او احلافه العسكرية داعما له لانه ردة او (ثورة مضادة)، كما كان حال حلف بغداد في الخمسينيات الذي وقفت ضده كل القوى الوطنية وكان عنوانا للاستعمار واداته الضاربة التي حاولت اجهاض انتفاضة العرب التي بدأت اثناء العدوان الثلاثيني على مصر في عام 1956.

منذ مرحلة الخمسينيات وحتى الثمانينيات انشعل المثقفون العرب بتوعية الرأي العام من اجل احلال المفهوم الثوري للثورة وتمييزه عن المفهوم الشعبي البسيط والتبسيطي والعفوي للثورة، وهو مفهوم ساذج وميكانيكي صرف يقوم على وصف كل تفجر عام بالثورة، فكل ما هو عنيف ويغير السلطة ثورة حتى لو لم يتغير شيء سوى وجه راس السلطة. لذلك طرح سؤال محدد : هل الثورة هي تغيير راس السلطة فقط؟ ام انها عملية تغيير جذري للوضع تبدأ بتغيير راس النظام ولكن من اجل اقامة نظام بديل مختلف عنه كليا؟ عند الاجابة على هذا السؤال فاننا نواجه ردين اساسيين : رد القوى الثورية ذات الافق النظري والستراتيجي، وهو الرد الذي يوصف بصواب انه رد تقليدي، تقليدي لانه يمثل اصالة وتطلعات الامة واهدافها العظمى، ورد ساسة عاديون وبلا افق ستراتيجي او نظري وانما هم انصار قضية محددة ويقتاتون على عواطف تحقيق الهدف المباشر والمنظور دون رؤية ما بعده، لذلك يتحدثون عن متطلبات ظروف جديدة، لننظر في الردين التقليدي، وهو الوحيد الصحيح لانه متمسك بالثورة بصفتها التغيير الجذري والشامل والمستمر، وغير التقليدي، وهو الذي يكتفي بالاطاحة براس النظام، والذي يستخدم لجذب قليلي الخبرة او قصيري النفس لفخ قاتل. يتبع.
28/8/2011
[email protected]

شبكة البصرة

الاحد 28 رمضان 1432 / 28 آب 2011






  رد مع اقتباس
/