عرض مشاركة واحدة
قديم 25-10-2015, 06:20 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الدكتورة عزة رجب
عضو أدكاديمية الفينيق
تحمل لقب عنقاء عام 2015
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
ليبيا

الصورة الرمزية الدكتورة عزة رجب

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


الدكتورة عزة رجب غير متواجد حالياً


افتراضي رد: من رســائل الحب والحــرب / عبير الورد



4
"أتعهدُ أسراره و أمضي به!"


* وحدي أسكنُ بئر الغرابة، أتكلمُ في صمتٍ تتحدثه عيون الأسئلة على شفتي، ثم أشقُّ جراب الوقت بالفضول، وأخيطهُ بوقائع يئن لها القلب، لكنها تضعني على أسنة رماح الوجد، ليُلقيني يقيني في عترة الطهر، فأنا لم أزيف يوماً شخصي بين أن أكون أو لا أكون، مليكة روحي، مليكة العرش فوق حواف صمتي، مليكة وحدتي، مليكة قلمي، لا أهبُّ للضوء جناحيَّ بسهولة، قبل أن تنتابني رعشات الحنين إليه، ولا أمنحُ حقوق التحليق بحلمي للسراب، وحين أغتربُ فوق لحاء أشجاري، أموتُ وأنا واقفة، بانتظار أن يُزيحني شموخي، ويُلقيني لظلي على أوراق الخريف الصفراء، أموتُ متكئة على منسأة فكري الحر، تتآكلني إرضة مواقفي، ويدفنني حب التسامح في تربة بلادي الرطبة، أقبلُ أن أعيش مضطهدة، أشتري خبزي في الصباح، وأُسلبُ من كل حقوقي، وأُجردُ من أغلى ما أملك، لكني آبى أن أُقبِّل الأيادي التي تشتري قلبي، حبي لوطني، ابتسامات أهلي، آبى أن أسرق الحلم من أعينهم مقابل أن أعيش على أنقاض فرحهم، آبى أن أغني ضد تيار الحياة، مقابل أن يُدفن عصفور في قفصه حياً.


* وحيداً أيُّها الليل مثلي، وحيداً لاظل لك، وحيداً لا يسمعك سوى بياضك الحزين، تشرأبُ لك أعناق الغرباء، منتظرين منك أن تُلقي بهم في جُبِّ اللقاء... وحيدا تكتسحُ ملوحة الأرواح، وتأبى أن تُجرد الدم من طعم الحنين، وحيداً تعيش أنت بين الصحاب والرفاق، وحيداً تسكنك الغصة، وتقيم في أعماقك حشرجة من أنين مُشبع برائحة حلم ميت، ما تحقق لك ذات أمل، وحيداً لا تتكلم عنك، ولا يحق لك سوى الصمت، تملك حسن الإصغاء، وتوميء لأشياء العتمة بالإيجاب، فيك شيء يبعث الحياة بداخلها، في داخلك روح تفيض بها هيبة السكون داخل أرواح الأشياء، بيتي، نافذتي، سريري، كتابي المُلقى على الأرض، أوراقي المبعثرة، كوبي المصدوم من عبوات البن التي أترعته حتى شهق الممات، كلنا نستمع إليك، في عشق يذوب ويتلاشى بين مَلَكَات المكان.



* أُقيم في عنق زجاجة ضيقة، أنتظرُ أن يبصقني الماء الراكد داخلها لخارج الحياة، هنا ليبيا تتكلمُ إلى العالم من ذلك القمقم ـ بعدما كانت مجرة الكون ! وكان الأنام يجددون دورة الحياة بين أحضانها الرحبة، هنا ليبيا أيُّها المُظلم الطويل، يلفها الضباب، ولم أسمع به يوماً يفعلها بها، يسلبها ملوحة البحر، وعفته وطهارته! يغتصب شواطئها في عنوة ودنس! هنا ليبيا والساعة الآن الواحدة بعد منتصف الليل، الكل في داخله مُحاصر بواقع مهتريء، ينتظرُ أن ينفضُ عنه فزع الليالي التي أقشعر لها عقله، وكيانه، لينطلق نحو ضوء النهار، بلا هوادة، الكلَّ هنا في علبة مربعة مسكونة بالضيق! مليئة مُضمخة بالعتاب ـ مُحملة بأشواق تأبى أن تُطلق سراحنا من أنين الرصاص المُخيم على قلوبنا، أُقيم كغيري بين فكرة وحلم، يتمددُ بي الوقت، ويموج متلاطماً بأمواج الشواطيء المُقابلة لنا، ماذا يريدون مني؟ وماذا يفيدهم أن يسلبوا مني حلمي، ودميتي، وساعة يدي؟ سوى أن يمضي بهم التيار إلى بيتي، فيعسكرون أشباحهم فوق سارية علمي.


* يمضي النهر للبحر، في طريقه نحو موجات آيلة للسقوط بين أحضان الشلال، وهنالك بين رحاب الملح العظيم يُلقيني في غياهب الماء، أحاول أن أصدق درجة حرارة رأسي، أحاول أن أتأكد أن الترمومتر ليس آخر أدوات العقل البشري ! لقياس علة التفكير في غمار أفكار كُتب لها أن تُولد ميتة ! يمضي بي الوقت كما نملة تحاول أن ترسم خطاً مستقيماً في طريقها نحو كهف عظيم! لكنها لا تريد التصديق أن للطريق احتمالات أخرى! يمضي بي الوقت كبطة تدرب صغارها على السباحة، ورفرفة الجناح، لكنها لا تتوقع رصاصة صياد يرقب من بعيد كيف يبدو لحمها مُغرياً!، يمضي بي الوقت وأنا أتسلل كفنان يرسم لوحة بلا ملامح! يجعلها موناليزا روحه، يهتف مع كل لون بفرشاة جديدة، تقوله بكل جوارح اللحظة، يحملها مبللة، ويتركها لتجف قرب دمع حبيبته، متساءلة عن قيمة حلم باللوحة بعد ضياع الوطن!


* يمضي بي الليل، كبضاعة كاسدة في ميناء مهجور، زكمت برائحة الحواريات، والمؤامرات التي تُحاك لها لتظل قابعة، عالقة في أعين المارة دون مساس، يمضي بي الليل، والليل ليل، بعد ليلك حبيبي، وحدة، وهجر، وقتلى، وجثتت مجهولة، ورؤوس مقطوعة، وأكتاف فاقدة للكبرياء، ووجوه شانها الشر، وأحذية عسكرية زائفة ترطن بخطابات الوطن، وتبيعه عند أول بيان لها، يمضي بي الليل، والوحدة وحدة، بعد وحدتك يا غريبي، تمزقني كنبته ظل تتسكع الزوايا، تستمع للغة العتمة، تغني طقوس عزلتها كلما زاد إصفرارها في غياب الضوء!



* يمضي بي العمر وكلانا كهل، والألمُ كهلٌ في بلادنا، كبر معنا وفينا، وصرنا نرافقه بعكاز الصبر عساه يصيب الطريق نحو جادة الأمل، هل خاننا الحلم أيُّها العابر نحوها ؟ إنها هنالك ما رفَّ لها جفن من يوم لامست يد الغدر طهر جسدها؟ فاعبر إليها ولا تتلكأ بربك في السير إليها! يمضي بي الحلم، وجفني ناعس، ووجهي غارق في ماء آسن، والسأم يخيم على عراء قلبي المفتوح لنغم الألم، أصابع الزمن تشتعل لوعة في حرمة صمتي المهيب، تتذوق لحم حرقتي الساخنة، تلتهم في نهم أمنياتي البتول ، لم أر ضوء الشمس ـ لم أر عصافيري تطير، لم أر ضوء في آخر نفق اليأس المحيق بي كدائرة لا قطر لها.


* يمضي بي، وأمضي به، لا ألوي على شيء، مرميةٌ في أحضان ليلٍ، أتعهدُ أسراره، ويتعهد صمتي المُتعبد في ظلمته، وسيمٌ، طويل القامة، عالي الكتفين، عريض المنكبين، واسع العينين، دقيق في أنف وقته، يسلبني هنائي، وأهبه العمر، أرجمه سنة وراء سنة، يرويني من ظمأ روحه للسهر، وأرويه من ندى فجري المبتسم، أجعلهُ يتذوق نسمات الصباح تعانقه، تعشق ياسمينه، تغمره بالضوء، تنجب له من رحم النهار ألف شعاع، وشعاع، فترتسم ابتساماتها من جديد، كلما آن له أن يقترب من عتمة مسائها، تعاود كرة توحده، لتبدأ ليلها كما ليلي فيه.









الملكــات هُن الملكــات ....دائمــاً راقيات


(ويأتي الشتاء و أزداد اغتراباً على لحاء أشجاري!)



  رد مع اقتباس
/