عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2020, 05:43 PM رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


جهاد بدران غير متواجد حالياً


افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : النّاي
النّاص : تيسير حرب
القراءة : جهاد بدران
...........................

النّص :

لستُ الومُ الناي
إذ تَكسّرَ لحنهُ
حين لم يجد عازفاً
غير زفيرٍ من حشاي
لكنَّ عمى اصابعي
لم يبلغ سنَّ العزف
بين أناهُ وأناي
ولم يحسنْ مراودةَ القُنوتِ
بين ثقوبهِ ولظايْ


القراءة :


الناي...
عنوان مفتوح متجرد من إي اتصال بكلمة أخرى..وهذا يمنحه التوسعة في الفكر والخيال ويزيد في عمليات التأويل في كل اتجاه..وكفيل بأن يمنح تأشيرة دخول لأي مكان في الذهن وفي فضاء متسع الألوان..
فكون الناي عنواناً اتخذ من نفسه جسداً بحد ذاته ..جعله محل استقطاب المتلقي لوضع فرضيات متعددة لتأويلات عدة..
وبما أن العنوان قيل عن أداة من أدوات موسيقية ..هذا يعني الرقي والإبداع فيما وراء الحروف مصطحبة أنغاماً بصور مختلفة..حزينة أو مفرحة ..تتبع ريشة الفنان أينما خط مداده وعلى أية ديباجة نقش جمال حرفه..
الشاعر هنا يحاول من أداة الناي أن يعزف لنا ما في أنفاسه من تعبير بلحن مختلف الأوتار ..فيقول :

(لستُ ألومُ الناي)

هذه العبارة جاءت تعبّر عن حدَثٍ مسبق نتج عنه عدم لوم الناي..وهذا يدلنا على أن الحدث عميق الأثر في النفس مما استدعاها لهذا اللوم..
فالمعروف عن الناي أنها أداة بين أنامل العازف يقلبها كيف يشاء وينفخ فيها أنفاس المشاعر...
يعبر بها عن مشاعره ويربطها بتأثره بالخارج وانعكاسه على الذات ..فلا يلوم أداة لا تنطق وحدها صامتة لا تحرك ساكناً..بل يلوم ذلك العازف الذي يتربّع اللحن بين يديه ويتقن عزف الحياة والمشاعر وقراءة الواقع المؤلم..
يقول الشاعر:

( إذ تَكسّرَ لحنهُ
حين لم يجد عازفاً)

هنا كناية عن العيش مع كل ظرف لا يتقن فيه المرء فن التعامل مع الواقع ومهارة العيش وفق الظروف التي يحياها..
فالتخبط في الواقع يخلق زمناً يتكسّر لحنه وتموت روحه ليكون في معاناة لا يجيد الخروج منها بسبب قلة الفهم والوعي والإدراك والفكر..ليكون في أزمة حقيقية يصعب الخروج منها سالماً...
فكل ظرف يحتاج ماهراً يعزف فن التعامل معه ويحتاج فكراً عميقاً وذكاءً يخرجه مما فيه بطريقة الحكمة والمهارة...
تتكسّر كل الطقوس حين لا نجيد فهمها ولا نعي فِقهَها...وهذا يتطلب دراسة وتخطيطاً...
يكمل الشاعر قوله:

( غير زفيرٍ من حشاي)

الشاعر هنا يوضح لنا مدى ما يحمله من هموم وألم..من خلال ما تنتجه الناي وتصطاده من ذلك الزفير الذي يخرج من الأعماق وهو كناية عن الألم والمعاناة..
ويريد بنا القول على أن الوطن هو الناي والإنسان هو العازف على أوتاره..إن أحسن العزف وأتقن فن العزف من فكر وتخطيط وتنفيذ ورؤيا ثاقبة محنكة..كان العزف متقناً وعندما تنحرف قيادته ويتخبط في عزفه تكون النتيجة العمى وسوء التصرف والضياع...
الزفير هنا كناية عن خروج كل الآهات والأحزان من داخل المشاعر كلها..وهذا من قمة الوجع الذي يعشش في داخل النفس ويخرج من الأعماق بقة الإحساس ليلوّن مدى الأسى على قيثارة موسيقية تنطقها الناي بلحن حزين تشير على الأشواك المغروسة في الذات..
الشاعر هنا يتلاعب بالحرف كالعازف الفنان الذي يكتب نوتة عزفه ويتقن النحت عليها بمهارة..
هنا يأخذنا العمق لفكر واعي يحمل هوية الوطن وثقافته ويظهر العلاقة بين الناي وعازفه..بين الفرد والوطن..بين قائد وجندي..بين السلاح وصاحبه..
كلها معادلات تأخذنا لنفس النتيجة..الخبرة والتخطيط والثقافة وفقه السياسة وفقه المجتمعات والمعاملات..وتكامل المعرفة وحسن الإدارة والتجنيد في جميع المجالات الحياتية تأخذنا لبر الأمان وتحقيق القمة في تحقيق عناصر الحياة على جميع الأصعدة..
إن لغة المعرفة في شيء ما يحقق لنا نتيجة مرضية..كالناي والعازف ..إذا أتقن فن العزف بمهارة كانت النتيجة ألحانا ساحرة وفريدة يطمئن لها القلب وتطرب لها النفس..وما الفساد في المجتمعات أو على صعيد الأمة إلا نتاج إدارة سوء ووضع الإنسان المناسب في غير مكانه..بحيث يقوم بأدوار متخبطة يسيء للأمة من سوء جهله...لذلك هنا الشاعر ما أراده هو تنمية الوعي بأهمية الإعداد لأي مجال من المجالات الحياتية..ثم التخطيط المدروس المبني على أسس وقواعد تلائم تغييرات المجتمع ومستجداته..ليكون هناك نظام مبني على احتياجات البشر يلائم البيئة بما فيها من مستويات العلم والمعرفة..بحيث تتساوى الأنظمة مع احتياجات الفرد فيها..لينتج سلوكيات تقود أمة صالحة تقوم على عمل يتفاعل مع شريعة الله بلا تناقض مع أسسها ومنهاجها ليبقى التفاعل مستمراً وناتجاً من أثر الوعي بالأصول الإسلامية ليرتقي في سلم الفضائل ويتحول لدرجات العدل وزوال الظلم...فالحفاظ على السلوك في دائرة الشريعة يضمن تطبيق آيات الأخلاق ليتحول الفرد إنساناً بكل ما تحمل الكلمة من معنى..ومن ذلك يختفي نصل الظلم ..
وهنا يوضح الشاعر معنى التخبط وعمى التركيز والعزف وعدم الإتقان طالما لم تتم عملية النضوج والوعي..يقول:

(لكنَّ عمى اصابعي
لم يبلغ سنَّ العزف
بين أناهُ وأناي
ولم يحسنْ مراودةَ القُنوتِ
بين ثقوبهِ ولظايْ)

ما أبلغ ما خطه هذا اليراع البارع في هذه السيمفونية العذبة..
عمى الأصابع لم تبلغ سن العزف..
لم يقل عزف الأصابع أو نضوجها..بل قال عمى الأصابع..وفي هذا الوصف دقة لامتناهية من رسم الصورة السليمة المتقنة لعملية العزف..فحين تعزف الأنامل البارعة المذهلة معزوفة ما..فإنها تعزف لوحدها على السليقة بعد الدراسة العميقة لكيفية العزف..
لأن العازف الماهر حين يتمرس ويتمكن من العزف تصبح أنامل مطواعة للآلة التي يعزف عليها بدون أن تقرأ النوتة أو تحللها..لتصبح الذات الداخلية مرتبطة بالإصابع لتكوّن معزوفة سحرية..وبمعنى أدق ..يصبح العازف الماهر يعزف أي لحن يعرض عليه ..
ومثال ذلك ..الفنان الراقي البارع نصير شما..الذي يزف للعامرية وما جرى بها من خلال أنامله العمياء التي لا تقرأ النوتة بل تعزفها المشاعر...لذلك حين تبلغ الأنامل سن العزف تنثر لنا عبق السحر والجمال ..

(ولم يحسنْ مراودةَ القُنوتِ
بين ثقوبهِ ولظايْ)

وتحسن الإبتهال بصدق والدعاء بخشوع وتجلي متكاملين بالمشترك بين ثقوب الناي وآلام الشاعر.. ويستطيع حينها تخطي كل الآلام والآهات..

شاعرنا الكبير المبدع الراقي
أ.تيسير حرب
قدمت لنا ومضة مذهلة تفتحت معها بذور الفكر وطربت لها الروح من عمقها وما حملت من دلالات متعددة ومختلفة كشفت لنا كمية الجمال والسحر المنطوية بين ضلوع هذه الومضة الراقية..
فقد صورت لنا الواقع بأسلوب فني إبداعي حققت معها تلك الموسيقى الفكرية التي تجسدت في إحساس متيقظ بتراكيب بنائية حققت الدهشة أثناء التنقيب عن أسرارها وأبعادها بترابطها المتقن واللغة القوية الدقيقة التي دلت على مكانتكم من الشعر والأدب ومدى الخرفية في تطويع الحرف..
فالمؤثرات الذاتية أيقظت الحروف في عين القارئ برؤيتكم الفكرية الثاقبة والرمزية المتقنة التي تعدد الإسقاط فيها..
بوركتم وما نسجتم من سحر وجمال
ووفقكم الله لما يحبه ويرضاه
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/