الموضوع: ابتسامة نخلتي
عرض مشاركة واحدة
قديم 28-09-2022, 12:41 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
نفيسة التريكي
عضو مجلس إدارة
عنقاء العام 2008
عضوة تجمع أدباء الرسالة
عضوة لجنة تحكيم مسابقة شعر الرسالة
عضو ة لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس

الصورة الرمزية نفيسة التريكي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


نفيسة التريكي متواجد حالياً


افتراضي رد: ابتسامة نخلتي

ابسامة نخلتي

ذات شتاء شديد البرودة كان الفتى الجلجامشيّ أبو فرات يقلّب البوم الصّور في ليلة ليلاء وقد أصابه ارق مؤرّق بعد يوم متعب من العمل .
فنال نفسه بعض ألم وهزّه الحنين هزّا لاستحضار اقسى ذكرياته الّتي صدمت قلبه وغيّرت كل مجريات حياته
ومضى في البومه بين الوجوه الاليفة الحنونة الودودة في لهفة حنين وانين الصّامت الصّبور الصّامد
يطوي الورقة تلو الأخرى .
فتارة تسّاقط من عينيه دمعتان عزيزتان وطورا يضرب الارض بقدم يؤرجحها من السّّرير على بلاط غرفة النّّوم التي حملت في كلّ أرجائها أسرار الحب ّوالولادة والحياة بافراحها واتراحها ،واحيانا كان يضرب بيده
راس السرير لالم المّ به وبرأسه يفرك جبهته بين يديه ،فيتضاعف ألمه حين كان يذكر تلك اليد الحنونة
التي كانت تبسمل وتقرأ له ّايات الشفاء وهي تبعد عنه الوجع.

وتتالت الايّام في دعة وراحة بال ولكن ...
"تجري الرياح بما لا تشتهي السفن" فقد انكسر الامل بالالم منذ ذاك اليوم المشؤوم ،فّمنذ ذاك اليوم المدلهمّ
ما أحسّ براحة ، و ّمنذ ذلك اليوم القاسي ما ابهرته ولا أسرته مباهج الحياة والوانها و روائحها وطعمها وملمسها واصواتها الساحرة من زقزقات وهديل وهسهسات ،ّلكانه فقد احاسيسه وحواسّه لحين.
ولا تذوّق بعد ذاك اليوم الشّديد القسوة الصّعب لذيذ شاي ولا فاحت قهوة في شمّّه ولاتمتع بطعام طاب نشره
ببهارات الود والمحبة ّولا زارت شفتيه بسمة سوى لسخرية او استهزاء من الزمن اللعوب.
فكل حركة وكلّّ همسة وكل طعم وكلّّ رائحة وكل ملمس زهرة او شجرة أو قارورة عطر او حتى كوب ماء،
ّو كلّ زقزقة طير او هديل حمام كانت مختلفة عمّا كانت عليه من قبل ،وكل ّّّّّّالوجوه كانت تبدو كأنها وجه ذاك الملاك المسافر للأّقاصي .

فكنت تجده يعيش في الماضي أكثر مما في الحاضر وـأحيانا تختلط الأزمنة في ذاكرته وأنه فتراه يتوقّف عند وجه هذه أ وتلك إذ يغتم ّبعمق فتتغيّم رؤاه لثانية ثم يحرّّك بقوّّّّّّة رأسه كانّه يصفع ذاكرة تغريه بالمستحيل
عساه يرى شيئا من ملامح ملاكه اوبريقا من عينيها أو لفتة من نظرتها أو هي هي ذاتها عساها ّّ تمرّّ به
في ومضة من زمن وتطل ّّعليه من هاهناك هنالك الهنالك .....
....لا لا..انّ تلك الرؤى لمجرّد اوهام لا بدّ من مقاومتها . كذا كان يستنهض وعيه داخله ثم يهتزّ ويعود للحظته الواقعية متسائلا في صمته :"ّلا ليست هي ، ليست ملاكي هذه العابرة ،ّّاين هذه أوتلك من ملاكي ؟
يهمس داخله
"ليس هذا بياضها الحليبي الطفولي ولاهوسواد عينيها ولا تلك استدارة محياها ولا ذاك ضوء خدّيها .."
ثمّ ...
يعود للحياة ولكن عودة بلا طعم ولا مشاعر تحسّ بدقائق الامور كما كان من قبل .
ّّالان بداخله فوضى مشاعر وغمام رؤى وتحزان مزلزل يزعزع كيانه زعزعة و أحاسيس تمزّق وجوده ووجدانه يخفيها في داخله ويقاتل دخانها بسجائره الّتي ازدادت رفقتها معه وازداد بها التحاما ،فلعله كان يرى دخانها المصّاعد من فيه دخان أنفاسه وقلبه المحترق المغرورق بالدموع بل دخان بلده المقهور أيضا .ّ.وقد يكون حتى دخان أمته والأنسانيّة المهزومة في إنسانيّتها وقيمها المثلى.

ما الحلّ في فوضاه الغشيمة وفوضى البلد الّتي قلبت كل الأوضاع رأسا على عقب؟ما الحل في التفراق وغياب الحبيبة،حبيبته ، نبض حياته،عيده وعيد أولاده،بسمته الضحوكة وضحكته الباسمة..؟ما الحل لحياته بغياب صنو روحهوشقيقة نعمانه ويناعة أقحوانه بل بستانه بما حوى
وهي هي وحدها التي تفهمه من ومضة عين وتحبّه في كل الاحايين وتمنحه السّكينة والهدوء في كل حيْن حبيبته ساكنة روحه وجوهر استقراره وحبّه ومعلّمته ومنبّّهته من كل سقوط وبئر أسراره العميقة ومحفظة سريرته وانفراج أساريره ساعات أنسه ...ملاذ أهه وغنّات نايه
نعم هي ،وكم يحلو له خفقها في نبضه ..هي أو نصف اناه الذي تاه بعيدا عن رؤياه ....ماذا سيفعل بعدها وهل فعلا بقي بعدها مايحلو من العيش؟
همهمات وهمسات وتمتمات وسكرات حزن بداخله تبوح لخالقه الوحيد العارف بأعماقه وتترجاه ان يلهمه الصّبر:"ّ
ربا.رباه
لا لا لم ترحل إنّّّها في كل الأنحاء والارجاء...
لا لا ايّها الواهم المتصبّر بذكراك ورؤاك وأخيلتك
لا لا رحلت
رباه .لا لا لم ترحل
صدّق صدّق ،،انها رحلت وهي ليست بالبيت بيتك ،ليست في المطبخ ّتعد ّالطّعام اللّذيذ المتنوّع
لتدللك وتدلّل اولادكماّ ،ليست بغرفة النوم ّترتّبها لسهرات الوداد الأليفة الفرحة المرحة ّّّوالحكايا اللّذيذة الناعمة الجميلة ،ليست في البهو النظيف المبخّّّر،أصابعها لا تتحرّك في مسبحتها يوم الجمعة او في سائر الايام لا تراها تطوي سجادها في اوقات الصلاة
لا لا تشاهدها تقلّب مصحفها لتقرأ ماتيسر من القرأن وكتب السير والانبياء .
صدّق يافتى أيها ال-عجنتك الايام بعدها بماء مالح ساخن بدقيق الذكرى وجنون الخيال وحضور الطيف أيها-ال خبزتك الايا وفقد أحبة م من حروب وويلات وانكسارات وانتظارات وصمت الصقيع وحرارة الدخان صدّق ايها الواهم أنها الان لا تسقي الحمامة ولا ترش ّالحديقة مساء بعد القرّ ولا تستقبلك من العمل ببسمة ساحرة تقول لك فيها صامتة قنوعة محبّة : "أعانك الله وابقاك لنا أحبّك رفيق دربي ......."
صدّق ايّّها المسكون بالمستحيل بالوهم بالذكرى أنّ فجيعة الموت قد اصابتك في صميم قلبك وأنّ المنون اختطفتها منك ذاك الحتم "هادم اللذات" كما قال شاعر الزهد ابوالعتاهية
صدّّق - وانت المؤمن الراضي بقدرك حتى ولو كان قاسيا-أنها الان قريرة العين هناك في ملكوت الله قرب عرش عظيم ،ايه نعم وياطول تنهيدك -صدّق أنك سوف تقضي بقيّة حياتك بدونها لكنها فيك وفي أطفالك وفي رائحة الارض التي تعشقها ستتنفسها في الافجار في الصباحات في النهارات في المساءات في الليالي
في الأسحار.
ستسمع همس صوتها الحنون في الذكر الحكيم لتصبر صبرا جميلا مع الذكرى ، إنها بعيدة عنك مسافة قريبة منك في عمق خلاياك سكناها القلب إنّها....افراح كثيرة واحزان كثيرة
‘نها حبّك الاول والاخير ، مشاعرك الاقوى والاصفى والانبل والاكثر توهّجا وفرحا .
صدّق ،أنت الأن اصبحت وحدك يافتى تواجه الحياة ،فلماذا تهرب ؟
لماذا انتبذت مكانا قصيّا بعيداعن اولادك أوليس لهروبك من أسئلتهم وحزنهم الداكن ؟
لماذا لا تريد ان ترى إلا امّك تاتيك خلسة بطعام فقير من خبز وتمر وماء ،طعام حصارات وحروب وذاك
ما توفّرللشعب المحاصر المسكين الاعزل الذي انهالت عليه الامم قصفا ورميا بالنار وياللحسرة شعب يعيش ذات قلة اليد في بلد من أغنى البلاد في العالم نفطيا، شعب خرّبت اراضيه الفلاحية ومزارعه وأحرق نخيله وهدّمت مصانعه ودمّرت في وطنه الرّافدي المغدور البنى التحتية لمكائد صاغها عراة من الإنسانية ليس
في عقولهم سوى المال والسلاح والهدم وهدر حقوق الشعوب الأخرى وذاك من عقوق الأشراروحفاة الضمير وطغاة العالم....................
لماذا هجرت بيتك -حبيب النخلة - تكلّم ،بح ،اصرخ ،ابك ،غنّ اشجانك ،ارقص رقصة النوى،اردح ردحك العراقيّ،اخرج منك مرّ الجوى
قل إنك صدّقت ،قل إنك رضيت بالقضاء والقدر، بح لقلبك النازف المجروح ،ضمّد بصبرك القروح --حبيب النخلة -لا وقت للوهم ،لليأس ، للقنوط ،صغارك صغارك صغارك اليسوا امانة بعنقك يا فتى الشداىد؟

........وكان ذاك الفتى الصبوركان مضطرا أن ينحت من أوجاع صخرة سيزيف ومن تراكم الأحزان فينيق صمود،ايوب صبر
فكل التفاصيل الدقيقة وأصوات البيت وضجيج السوق ...كل شيء حتى بعض الغضب او بعض الهدوء ...
كل شيء كان حمّالا للذكرى حتى أنفاسه وتنهيداته وأهاته الصامتة الأسيرة التي كان يختنق بها صدره ويخفيها عن الجميع والتي كانت تنفضح وتفضحه في لهيب سجائره المتلاحقة المشتعلة سيجارة من سيجارة
ّّّوالتي يعتبرها خلّّّه الودود الّذي يقاسمه متاعبه بلا مقابل ويهزا بكل من ينبّهه من ويلات التّدخين يسمّّي سيجارته رفيق الضيق الوفيّ الصّدوق ويسمّي كاس شايه المعين على التّنهيد ايّّّا كان قول الاطباء يعاند ولا يترك خليليه وعشيرّه حتى الأطباء ّ حين يقولون له تنحّ عن هذا السم يقول لهم ّ:"كفى لا سمّ ساذوقه اكثر مما ذقت من منضّب ومخصّّب وفسفور أبيض قتل ابنائي محمد وايوب واساور .. ليس في حياتي امرّ من هذا المرّ بل ابقيت لي حياة بعد هذا الموت المدمّر ،ّّالمدبّر باستراتيجيات دولية وإقليمية وبمساعدات باعة الضمائر وحفاتها والخوانين .
سيجارتي عشيرة احزاني لن ارميها الا في بحرما لمّا ارى أملا ما اتنمّسه يكنس ما قبله من ألام..."

هكذا كان أب الشهداء يؤانس صراعاته بدخان من دخان والام وفجيعة الخسارت لا تبرح نبضه وأنفاسه
كل شيء كان يذكّره بما فات من عيش مبتسم دافئ رغم ما واجهه من زلازل وأحداث جسام بعثرت السّكون والهدوء وحوّلتهما صخبا وضجيجا وصراخا تبثّه القنابل والصّواريخ الفتّاكة وأختها العابرة للقارّات والطاّّّئرات النفاثة والبراميل المتفجرة التي تأتي على الأخضر واليابس . يالها من سموم الجشع والابتزاز والسّطو والغطرسة وهي من أبشع البشاعات الّتي راى خلالها كلّ ما يحمله الإنسان من شرّّّ لتدمير اخيه الانسان
بل لتدمير الطبيعة كلّها والوجود تحت حصارات وحروب واحتلال ثلاثيني من امكر واشنع ما رات البشرية عبرالعصور ..........
كانت تقوده امريكا سيدة الأرض والسماء والبحار بقوة القوة وسطوة المال والسلاح والنفوذ الشراني
و لكن رغم ما كان من حصارات و صراعات حروب وفتن داخلية مزّقت البلدإربا إربا فقد ثبت ذاك اليوم ثبوتا في روزنامة احزانه كما ثبتت ايام الجمر والقهر والفوضى الخنّاقة وما كان للفوضى أن تكون خلاّقة إلا في قواميس الطغاة واستراتيجياتهم الهدامة للحياة والأبرياء ،للبشر والشجر والبشر.
لقد رأى بامّ عينه عائلات باسرها تمحى وعاش أوقاتا صعبة جدا تحت احتلال شرس لعين مجرم سفّاح ظلوم متوحّش دمويّ.ّ
راى ابا يهرب ببعض اولاد ويرى بنية من بناته تردم تحت القصف الهدّار باصوات الرّعب
رأى احد ابنائه يهتزّ رعبا من أصوات قاصفة راعدة مبرقة أرعبت و قتلت الفراشات والعصافير وارعبت الاطفال الابرياء رعبا ما بعده رعب وقتلا ما بعده قتل...
أي بشاعة ربّاه في هذه الحروب من اجل ماذا كل هذا ؟من اجل ماذا ؟امن اجل النفط ؟خذوه
امن اجل تجارب اسلحتكم برؤوسنا ؟جرّبوها في اماكن بعيدة عنا ،امن أجل استراتيجيات المليار الذهبي البشري ؟أنصبتم انفسكم اربابا على البشرية تقررون لها ما تشاؤون تتركون من تتركون حيا وتقتلون من لا ترغبون بحياتهم ؟

أفف من هذا الكبر والتجبّروالتكبر والطغيان أففف

في النهاية لستم سوى بشر مثلنا ستنالون من الأرض شبرا وتعودون ترابا كما بدأتم لا غير ...
أيها الشذوذ المكر الرّّعب الإرهاب الكذب الخديعة لا فتاك غيركم ولافتك غير ما فعلتم ولا موت دمار شامل سوى بما قتلتم به أطفالنا ونسفتم به سماءنا وارضنا وإنساننا المسالم المقيم في أرضه اعزل .
لكن ..نحن الاباة من سلالة حمورابي وجلجامش والحسين لن تنالوا منا يا حشرات الحضارة.
دوت في نفسه هذه المعاني دوي اسلاح يقولها صاخبة داخله يصرخ بها في حديقته وكانه يرد بها كيد عدو....

فكم طعنني في كتفي بسلاحه الحقير الجندي الامركي او الاوكراني الذي كان دوما يصاحب سيده المتوحش لينفذ طلباته العنيفة الاجرامية وكم داسواعلى جرحانا بأحذيتهم اللعينة القذرة وذاك المستهتر الأفاق المثلي الوسخ المتصهين الوحش كم كان يقتحم عليّ غرفة نومي مرارا ليذلّني او يهدّدني بالقتل..وكم اهتزّ بيتي وخاف أطفالي خوفا شديدا من أصوات الرّعب وشظايا الأسلحة الفتّاكة ،اسلحة الدّمار الشامل الحقيقية من براميل مفخخة
و طائرات الف16 والصواريخ العابرة للقارات التي هزت بغداد بفاجعة العامرية كان سلاحا مسافرا عبر القارات جرّبه الطّغاة في لحم اهلي ودماء الابرياء من ابناء شعبي بملجإ العامرية حيث بصمات اللحم المحروق على الحيطان لن تمحى جرائم الحرب تلك ولن يمسحها التقادم ابدا ..

لكن رغم كل ما كان من رعب وفزع وخوف كان الامل قائما في بيتي في استمرار الحياة رغم الداء والاعداء .
في بيتي الذي تمسّكت به أنا ونخلتي. وبسبب ضيق اليد والكبرياء لم نهاجر وبقيت العائلة متشبثة بالارض لاننا كنا نؤمن معا ألا موت بلا اجل وان الموت في بيتنا افضل من الموت ذلا في مخيم تحت امرة زيد او عمرو
ثم لان الهروب لتلك المخيمات كان ايضا يحتاج اموالا طائلة لا ّّيملكها إلاتجار الحروب وعبيدهم
تدفع لذوي النفوذ او المستكرشين السفهاء من الاحزاب الّتي باعت دم العراق وشعبه لكل الاعداء ،ففي الحروب تتقلص الفضيلة وتنتشر الرذيلة ويختفي الخلق القويم وينهار وتموت الضمائر وتطغى على البشعين الجشعين غرائز حبّ المال وتكديسه من الحرام ومن دموع الابرياء ودمائهم، ويّنظر للحرام بالحلال وللكفر بالسماحة وللقتل بالواجب وللخيانة بالوطنية وبالطبع في مثل هذه الاوضاع كم كدّس ارباب المال
من حرام في بطونهم وكم ظلموا من فقراء وضعفاء .
واحسرتاه واحسرتاه ذهب حتى ذاك الهدوء وتبدّدت تلك السكينة النسبية وراح ذاك الدفء و وتمزّّّّق تماسك العائلة المستظلة بنخلتها الصبورة الحكيمة الوفية لزوجها والمحبة لابنائها ربة البيت الصّّّالحة والمدبرة الذكية المهتمة اهتماما حريصا على التنشئة الصالحة لاولادها والمؤازرة لزوجها دون شكوى ولا ملل ولا كلل
تلك الثابتة الأصل والمحتد ّال-فرعها في السماء
نخلتي الشامخة العميقة في أرضها الاصيلة
اه اأواه اه
"كل الوان التحزان كانت بشعة "قالها لصاحبه باسل وهويسرد عليه قصته الحزينة فقد حدثه ببنات صدره ليتنفس قليلا من وزر الأيام الحارقة التي خلفت في نفسه شروخا وجروحا وقد تلاحق الدمع قطرات حتى ملأعينيه وهو يقول :
يا صاحبي اصابني الهول والويل وانا أرى بلدي شظايا وحتى اليوم لم أنس تلك الكوابيس وأصوات الطائرات وصفارات الإنذار و ولكن ما اصاب قلبي في التيه القاتل ذاك ايم كان تحزانا فريدا أصاب المكنون والخلايا وانغرست في دمي الامه .

تحزان ذاك اليوم الأسود كان قاتما ترسّخ في الفؤاد والذاكرة
ذاك اليوم من شتاء قاس بارد وسماء متجهمة مدلهّمة كان مكفهرا
في الطبيعة وفي حياتي .
يا صاحبي باسل ،كان ثقيلا ذاك القهر ثقيلا أثقل من الرواسي ..
في ذاك اليوم بكاني الليل وبكتني شجرتي الزوراوية الثابتته على صنوف القهر والحاملة لاسمين حبيبين :س نخلة وم ابو فرات
لقد كتبت الحروف بانامل الحب ومن أشعة النجوم ومن لالئ الكواكب ، فتشابكت الأصابع لتحفر نقشها العاشق على تلك الشجرة شجرة المحبة للخلود .
ما اقوى الحب انه اعظم من الحروب والموت حين يكون صفيا وفيا."
فالذكرى تلو الذكرى وشجرة م ابو فرات وس ظلت نخلة شامخة في ارضها وحروفها محفورة خالدة في قلب الحب وبصره وبصيرته ،
لكنّ القدر ابى الا أن يبعث بهجماته وعواصفه وانوائه ففرّق قلبين عاشقين حبيبين كانا معا يسيران في دروب الحياة المتضادة المتصارعة بما لها وما عليها .
اه منك واه يا قدر اواه
"اللهم لا اعتراض ".

كان في صمته وفي جهره يرددها بايمان رجل حزين لم يفتّ الحزن من عزمه ولا قللت الانواء من ايمانه بان المقدر كائن لا محالة والله عنده حسن العاقبة والجزاء.
للصابرين صبر ايوب والذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا ان لله وان اإليّّّه راجعون

يردد ذلك كله حتى لا ينهار تماما فامامه ايتام لا بد الا يضعف امامهم ابدا ولا بد ان يمسح الحزن عن قلوبهم الصغيرة ويربت على مشاعرهم الطرية و لكنه كان كثيرا ما ينحني قليلا على نفسه ضاغطا على صدره الموجوع بين يديه مخاطبا القدر في عتب قائلا : كم تدوسنا احيانا بما لا يتحمله البشر أيها القدر
,ولولا أنّ في قلب المؤمن داىما صوتا يناديه :" لكل اجل كتاب و لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون
لولا هذا الايمان الراسخ بأنّ الموت حتم وله أسبابه ولكل موت سبب ,ّولولا اليقين باننا سنعبر هذه الدنيا كما عبرها غيرنا قبلنا وسنلاقي غدا ربا رؤوفا بالصالحين والصالحات والصابرين والصابرات والصامدين والصامدات والمؤمنين والمؤمنات والمبشّرين والمبشّرات بالنعيم .
لولا كل هذا الصبر والتصبير لكان انفطر القلب انفطارا .
لقد كان محمد ابو فرات رجلا مؤمنا ورعا يصمد في الشدائد بصبر ويمحق حزنه بايمانه مهما قست الايام عليه ولكن نار الشوق المختلطة بنار الحزن كانت تجعله يعود دائما لالبوم الصور الحبيبة .

و....حين قيلولة وهو على تلك الحال من الاسى في لحظة تقليبه للصور العائلية اخذه النعاس من شدة وجع الذكرى .
وبين الفينة والأخرى كان يتقلب عل جنبيه ،فاذ به رأى امرا عجبا ومعجزا فقد كان الحلم في ذاك اليوم ملحّا عليه إلحاحا فرأى سماءه الشامخة في نورها الأرجواني ولباسها الحريريّ الأخضر المطرز بالزهور
وفي سنة من نعاس سرّه ما رأى إنه الطيف الطيف ذاك الطيف العزيز كان ماثلا أمامه فما كان اسعده
في ذاك الحين.
تمتم في صمته رباه رباه يا الله لعلك اردت ان تهوّن علي قليلا وتبدّد عتمة احزاني واهديتني حلما
مع ذاك الطيف العزيز علي ،وسمع محمد ابو فرات في غفوته صوتا ناداه : " أبو فرات ابو فرات
لا تقنط ،لا تحزن ،لا تبتئس،لا تيأس إنه لايياس من روح الله الا اقوم الكافرون صدق اله العطيم
الحياة تستمر أوصيك باطفالنا وبنفسك خيرا اعرف انك تحبّني كثيرا فليكن كل هذا الحب اليوم لاطفالنا
كن لهم الام والاب وحاقظ على نفسك فلا أريدك تعمى من الحزن ولا اريد لقلبك ان يموت ولا لبسمتك ان تخفى اترك الحياة تنبض فيك أبوفراتي الغالي ،روح دمي ،حبي والد ابنائي وبناتي ،نوارة روحي ،الوان عمري ، فراشي الحائم حول روحي ، شمسي الباعثة دفءها دوما في حياة أطفالنا ،نجومي الساكبة ضوءها لعطاشى الضوء ،مائي الساقي شفاه النعاس المقدس فرسي الحر الشجاع كريم اليد أصيل المحتد سليل يعرب وطائر الحرية ابق كما عرفتك ذاك العاشق المبسام ذاك المازح الضحوك ذاك الوفي للجمال والحياة على الدوام هكذا
انا فيك فأن حزنت روحك ينتاب روحي حزن وقد يسري في دماء ابنائنا المقبلين على الحياة
لا حبيبي لا تحزن
ّدس على ذاك الغم الويل واركب خيلك الحرة واسرجها وقل رباه أنت الواهب الأمل ومغير الأحوال".

تمتّع أ بو فرات في غفوته بذاك النداء العاشق وقام يفرك عينيه من لحظة بين النوم واليقظة وكم ارادها
ان تطول لكنها سرعان ما افلت .
ولما استفاق تماما وصحا صحت الذكرى معه ومرت بخاطره وقلبه كوخز إبر ، فتراءت له في اليقظة نخلته العالية باسقة في فضاء رحب يغلب عليه الخضار .فبسمل وحوقل وقام لتوه وأقام صلاة الفجر وقرا ما تيسّر
من القران الكريم وأطال الادعية بالصبر له ولصغاره وبالرحمة على أصيلته الثابتته الفرعاء الحسناء الغيداء .
ثم شرب كوب ماء ثم عاد لسريره يستغفر ويطلب اللطف ويقلّب الذكريات تترى حتى اخذه النعاس من جديد .فرأى نفسه بحديقة وارفة الشجر فسيحة الأرجاء كثيرة النبات والزهور والفراشات وكان يسير فيها على مهل
فاختلط عليه الامر بين الحلم واليقظة والخيال والرؤى وعاد لابلوم الصور يطوي اوراقه طيا .
فبدت عروسه امامه مختالة في لباس عرسها بسامة فرحة وكانها تعيد له ذات السؤال الذي ملأ كل فضاءات روحه ذكرى فرح وحزن "كيف حالك"باسمة رآها وكيف حالك ؟باكية رأها كأن هذا الاستفهام حمل كل معانيه االبلاغية من قلق وحيرة وتعجب وإنكار
"رباه اجرني" قال في قلبه المخلوع المخدوع بحلم ثانية
رباه اجرني من "كيف حالك "سؤال حملته بسمتها العاشقة وحملته بسمتها المودّعة
وقد قال محدثا صديقه الودود باسل :
ا أخي باسل
"في ذاك اليوم صليت في ساحة مشفى الموت المجاني الذي أكرهه كرها شديدا ذاك المشفى اللامبالي بأرواح الناس حيث خسرت نصف عائلتي ،مشفى هو عنوان الاهمال الطبي وعدم المبالاة ،لقد رحل هناك ابي وابني ّوابنتي وزوجتي..إنه المبكى وليس المشفى ما كنت رأيت من طواقمه اهتماما بالمرضى ولا التزاما بالحرص على أرواح الناس كان هم بعضهم تجميع المال ونهب الفقراء والتعامل مع صيدليات بعينونها هي بالتحديد لشراء الدواء ،الله أعلم ماكانت تحمل لنا من موت في أدويتها وإبرها...
يالتجارالحروب وياللجرائم رباه اذقهم جميعا مما اذاقونا من علقم . ..
كل مافي حياتنا كان معرضا للنسف من السماء والارض والماء ...محنة ياصديقي باسل وما أعظمها من محنة صدّ ق او لا تصدق أنّ من بقي منا لم يبقه سوى قدره الحتمي لمواصلة الحياة...
وتستمرّ الحياة كما قالت لي نخلتي"تنفس قليلا ياللغم الذي اصابه ،اختناق تمكن من صوته وجفاف في حنجرته وغصة كانها كتلة دموعاحزن ما تنفجر بعد تلظت بها عينيه ثم واصل حديثه لصديقه باسل قائلا
"في ذاك اليوم الشتوي العاصف قبل أن تدخل الغيبوبة حياتنا المنكوبة
في ذاك اليوم القاسي صليت في حديقة هذا الذي يسمى مستشفى كم اكرهه واكره ذاك الطبيب اللامبالي وكانه لم يكن يعامل بشرا او ربما كان هو في عمقه فاقذ احساس وليس طبيبا انسانيا وربما كان ما فعله بنا الاشرار
كان عمدا وباياد مريبة ونفوس غريبة ترى في عيونها الشرور كلها .
فلاباس لديه ولدى أمثاله الشرسين الموالين للمجرمين ،لا بأس في نظرهم حتى لو حقنت عائلتي وامثالها بدواء فاسد ، بلد كامل ضاع يا صاحبي بين الجريمة والفساد كل جرم البشرية جمع وجاء يقاتل بلدي
رباه الاهل والجيران وما وراء البحار
رباه كم تاذينا
اكره ذاك الرجل المشبوه ولن اسامحه ما حييت .
لم يكن سكّر حبيبتي قويا لدرجة الغيبوبة لكنه حقنها بما لا يناسب مرضها فكانت بسمتها قاتلة مقتولة وهي تودعني وتنظر لمدى ابعد من مدى عالمنا الفاني الظلوم
كانت نخلتي مبتسمة في سؤالها الاخير عني بنفس العبارة "كيف حالك ؟
قتلت زوجتي ونصف عائلتي بشرور دول فاعلة ودول تابعة نعم قتلت واستشهدت نخلتي تحت القصف المكثف ولم تشأ ان تغادر مكانها و رفضت التهجير وكان القصف على أشدّه والناس في مشهد من الرعب والفزع والشهادة والموت المجاني ألا سحقا لتجار الحروب والخوانين والمحتلين جميعا وللطامعين ببلادي وخيراتها
اي صديقي باسل
كنت قبل ان أراها مودعة
صليت في الحديقة طالبا لرفيقة دربي ونخلتي الباسقة الشفاء و لكن يالحرقتي لما عدت لغرفة مشفى الموت التي كانت تقيم فيه نخلتي اعدت الصلاة فابتسمت في فتور وقالت لي "كيف حالك ؟"
ثم توارت نخلتي وراء سجف الظلام وتوارت كيف حالك من فم الكلام
وصمتت بين ذراعي
اواه اواه مما عشت
اواه من طعون القدر
اواه من يوم مكفهر ومن بلد تخرّب وانفجر.
صديقي باسل ماذا يفعل زوج امام زوجة محبوبة غادرت , وام اولاده الراحلين والباقين ؟ماذا يفعل زوج وهو امام نوارة فائحة ونخلة باسقة تهاوتا في أحضانه ؟
ماذا يقول زوج امام عصفورته الطائرة المحلقة بعيدا وهي بعد في ريعان العمر ؟
اه في الصمت
اه في القلب
اه في الحلق
اه في العين
اه في الراس
أه في انفس
اه في الروح
اهات في الدرب
وبكل اهات الارض كنت اودعها
كم كان من احلك لحظات عمري نقل الخبر لولديّ العزيزين الطفلين المتعلقين تعلقا شديدا بأمهما النخلة
في تلك اللحظة كنت مشتتا بين ان اعلم العائلة واخرج حبيبتي في ظروف حرب من المستشفى وبين اخبار ولدي الطفلين الصغيرين باقتم خبر صادم لهما

رباه اعني على ان اكون في صبر ايوب وفي حكمة سليمان امام هذه المصائب المتراكمة في برهة من زمن .....
رباه كيف سأخبر صغيرين بأنذ امهما اتي ودت وحضنت وربذت وربذتت بحنان عليهما واعطت منحياتها هما كلما استحقا عطاء

كيف ساخبر طفلين عاشا مدة قصيرة في رعايةأم المودة والحنان ،انّ الام رحلت والمودّ والحنان رحلا معها .رباه كيف ساخبرهما انّ ذاك الحنان من ذاك النعيم قد أسدل عليه الستارإلى الابد وان تلك الام المعطاء البسامة الغضوبة بحكمة وود خفيّ رؤوف رقيق رهيف حين الحزم تلك الجوهرة السامية ونعمة من نعم الدنيا والأخرة تلك التي حملت ولدت بعسر وسهرت الليالي وانامت وارضعت وربت وعلمت وقبلت وابتسمت وقطبت عند الغضب وعفت بحلم ونظرت دائما لصغيريها بحلم وامل وحب دفاق وهما ينهضان من سبات طفولي عميق بل وأفاقتهما بعطف الدنيا وأحضرت فطور الصباح ولمجة العاشرة التي كانت تدسها في حقيبة الدراسة وبين الكتب وفطور منتصف النهار والعشاء ؟؟؟كيف سيكون حالهما على كل موائد هذه الازمنة ؟كيف سيرتميان على سرير فرغ من الأمومة ؟كيف ستكون صباحاتهما بدون النخلة الجميلة اهفهافة الاصيلة ؟وكيف سيصبح انا صباحي وضحاي ومسائي وسمري دون النخلة أسطورة الحب في حياتي
رباه رباه اشياء البيت التي كانت في يدها بتفاصيلها ستؤلم طفلي الحبيبين كما كانت تؤلمني بل كما هي للأن تؤلمني
قرة عيني فراتي رافدي ابوكما موجوع موجوع ويجب ان يصمت ويكتم انفاسه
رباه أمي يا اماه يا باسلة ماذا سافعل ونخلتي تركت لي رافدين ودودين عزيزين رائعين جميلين لا اريدهما ينتحبان ولا يحزنان ،لا أريدهما يحطمان بهذه الصدمة المروّعة,
باسلة اماه يا من انجبت رجالا قاتلوا الاستعمار والويلات ونساء في قمة الوفاء والعطاء من لي ليشد أزري شدي باسلتي شدي أزري اماه طفلاي يبكيان أمهما وبنيتي دجلتي الأخرى تبكيها وهي لما تفقه من الحياة إلا اشهرا من سيرضعها من سيربيها من سيعلمها الصحيح من الخطإ
اماه انا لا اعرف كيف اغّير الحفاظات ولا كيف ارضع بنية الأشهر التي حرمت من حليب الام ولا كيف أجلب لها حليبا في هذا الحصار الرهيب الذي حرم أطفالنا الحليب والدواء لم أعد احتمل موتا اخر محمد وايوب و..............................
أماه يا باسلة قولي لي وأنت حكيمتنا كيف سأخبر صغيريّ بوفاة أمهما كيف سأسكت دجلة حين يحين وقت حليبها كيف ساهدهد نومها لتبتسم نائمة في حضن الأمومة
أماه ارى بنيتي الرضيعة مقطّبة الجبين تبكي بحرقة أمها حزينة عليها ،أيحزن رضيع على امه يا اماه اه كم أخشى من الحزن اخشى ان اموت انا أيضا واترك اطفالي لليتم والتحزان
أماه ابتهلي ابتهلي معي كي أكون قويا صبورا أعتى من الأحزان كي اواصل الأمانة
أماه باسلتي اقول ساهز بجذع النخلة يساقط علي الرطب واغليه لدجلةتي وأسقنيها ماءه عوض الحليب أماه حتى النخيل أحرقوه فانى لي بالغذاء والدواء لابنائي ورضيعتي أنى لاطفالنا بالحياة؟وانا لا لا اريد لبنيتي أن تموت عطشا و جوعا ساخترق القنابل والطائرات والبراميل المتفجرة وامشي عشرات اكيلمترات عساني أجد لدجلتي علبة حليب تسكن بهاعطشها
أماهل ا اريد لأطفالي ان يكبرا في التحزان
رباه اجعل ميزان الايام معنا ولا تجعله ضدنا لقد أنهكتنا الدروب الوعرة تعبت تعبت تعبت،،تعبنا تعبنا تعبنا
نفيسة التريكي عن قصة حقيقية
نص متواصل
حكاية من وحي الواقع من قصة حقيقية عاشها صديق عراقي منعم ال عدنان وطلب مني صياغتها وكان يقول دائما انها قصة صاغ الالم احداثها فالله يعينني على ان اكون في مستوى ثقتة بي والامانة الجسيمة التي بها ارواح شهداء ورمز لحكاية بلد باسره بل امة






  رد مع اقتباس
/