الموضوع: أذى
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2019, 12:16 AM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


جهاد بدران غير متواجد حالياً


افتراضي رد: أذى

أذى ..

بهيبة جنرال منتصر نزل من سيارته الفارهة باتجاه متسولة تفترش الرصيف..
وأخرج بتبختر محفظته المنتفخة..
وحين عاد الى سيارته فاجئه شرطي يحرر له مخالفة..
ممتعضا أشار الى المتسولة بسبباته ...
أنت السبب!
...................................

صورة واقعية لمجتمع يتخبط في إصلاح الذات..في تحرير النوايا..في فهم منظومات العطاء والتصدق..
صورة لذلك الإنسان الذي يريد أن يحقق لذاته النصر والتعالي على الآخرين..للإنسان الذي يريد أن يتملك الفقراء ويعاملهم كالضعفاء..
صورة إجتماعية توضح طبقات المجتمع اليوم..وحال الوضع الراهن بعد ما أفرزته الحروب من انعكاسات سلبية على الفرد وتوجهه للتسول لنيل لقمة العيش..
الكاتب يضع صورة متسولة وليس متسول حتى ندرك ذلك الخلل العظيم الذي يجعل من النرأة ين تتعرض للكثير من الإهانات مقابل لقمة العيش..وحين تصل المرأة لهذه الدرجة من التسول..يعطينا هذا مؤشر خطر لما وصل إليه المجتمع اليوم..حالة يرثى لها أن تتعرض نساءنا لهذه المهانة..وهذا أيضاً يأخذنا للسؤال عن دور حكامنا في هذه الظاهرة وعدم إشباع الشعوب في إيجاد طرق ووسائل تشغيلهم بما يكفّ حاجتهم عن السؤال..
ظاهرة منتشرة جداا مما تعكس فشل المسؤولين العرب الحاكمين في دولهم على القضاء على مثل هذه الظاهرة..بالرغم أنهم باستطاعتهم إشباع أضعاف أضعاف البشر الذين يعيشون في دولتهم..والدليل أنهم يدخرون الأموال التي لا تستوعبها العقول من كثرتها والتي نكتشفها في خزائنهم وبنوكهم التي يوفرونها في بنوك الغرب...هؤلاء ليسوا قادة ولا حكام ولا ولاة أمر..هؤلاء لا يهمهم إلا تعبئة بطونهم وعقولهم خاوية..هؤلاء في مزابل التاريخ مستقرهم..
لنبدأ من عنوان هذه القصة القصيرة جداً
/ أذى/
بعد قراءة القصة وجدنا ذلك الرابط المتين الذي يربط العنوان بمحتوى النص..إذ هو يشير لتناص قرآني الذي يتحدث في سورة البقرة عن هؤلاء الذبن يتصدقون بأموالهم رياءً وتصنّع..ليقال عنهم أنهم أصحاب خير وهم بريئون من حلة الصدقة النقية..فما عملهم إلا أذى للفقراء الذين يتقبلون الإهانة من هؤلاء على أساس وصف بين حاكم ومحكوم..لننظر بتدبر ماذا يقول الله تعالى عن هؤلاء الذين يتبخترون بأنفسهم وأموالهم كما وصفه الكاتب بدقة:
قال تعالى:
" مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(262) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)سورة البقرة...

/ بهيبة جنرال منتصر نزل من سيارته الفارهة/

الكاتب هنا وضح صورة طبقتين من المجتمع..
طبقة الأغنياء والتي هي الطبقة الغنية الحاكمة..والذي يظهر ذلك من خلال ما وصف الشاعر ذلك الرجل بالجنرال الذي يمتلك سيارة فارهة..

/ متسولة تفترش الرصيف../

ثم طبقة الفقراء المعدومين من المال..والذي صوٌرها الكاتب بدقة حين قال أنها تفترش الرصيف..بمعنى أن الرصيف مأواها وفراشها ومسكنها ..وهذا كناية عن شدة العوز والفقر الذي يجلدها والذي يجعلها تتعرض لمثل هؤلاء الحثالة من البشر الذين باعوا ضمائرهم لأموالهم ومراكزهم وكراسيهم..

/ وحين عاد الى سيارته فاجأه شرطي يحرر له مخالفة../

هذه الصورة افتعلها الكاتب لتوضيح التناقضات الموجودة في مجتمعاتنا..وجعلها عاملاً مساعداً لخلق صورة الأذى التي يمارسها الإنسان في حق الإنسان الآخر..وللفت نظرنا لمعالم ومعاني الصدقة الحقيقية التي تعلمناها في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم..
فالشرطي يقوم بدوره كالعادة في لملمة المخالفات لملء خزينة الدولة..تاركاً حقوق الفقراء جانباً بلا اكتراث..أليس من الأولى لفت نظر القانون لهؤلاء الذين تدوسهم أرجل الأغنياء وإكرامهم من أموال الزكاة والضرائب..
كما كان الإسلام يقوم بتوزيع مثل هذه الأموال على الفقراء..ونحن نعرف من سيرة الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين كيف كانوا يقسمون الأموال على الفقراء والمحتاجين حتى أننا لن نقرأ عن تاريخ خلافة عمر بن الخطاب أنه كان في زمنه متسول واحد...
هنا الكاتب أراد أن يوضح أنه مع وجود جباية الأموال لا وجود للمناصب والمحسوبيات..الهدف من الشرطة جمع الأموال لأهداف غير اجتماعية..
هذا هو حال مجتمعاتنا ..
كان الهدف الرئيسي الواضح جدا من هذه القصة هو تلك القيمة الإيمانية التي نحتاجها اليوم بالذات لسد رمق الجائع والقضاء على منابع الفقر والتسول..
لننظر ونتدارس قيمة الصدقة الحقيقية لنكسب منها الإجر والثواب وتكون كالماء تطفئ الخطيئة من النفوس..
الصدقة الطيبة منبعها الإخلاص في النية وتحرير النفس من الرياء لتكون خالصة لوجه الله..عقد النية لله هو الأصل قبل انطلاقة الصدقة..
ما إعظم الصدقة حين تخرج بيضاء من القلب لقلب من هو أحوج بها..
.
.
الكاتب الأديب الكبير البارع حرفه
أ.ناظم العربي
ومضة غنية بارعة ممتلئة بالقيم الاجتماعية والعادات التي نحتاجها كي نصلح أنفسنا ومجتمعاتنا..
دائما تتحفنا بصور اجتماعية مختلفة هدفها إصلاح الذات إولاً ثم المجتمع لنكون في مجتمع يستحق التضحية بدمائنا..
بوركتم وهذا الحرف المبارك وما ترسمون به كل سبل الجمال والأدب السامي الراقي..
وفقكم الله لنوره ورضاه
وأسعدكم في الدنيا والآخرة
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/