۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - يونس يهذي روحه !
عرض مشاركة واحدة
قديم 20-05-2017, 05:50 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
د. نديم حسين

فينيق العام 2011
عضو تجمع أدباء الرسالة
يحمل وسام الأكاديميّة للابداع الادبي والعطاء
عضو لجان تحكيم مسابقات
شاعر/ شاعرة الوهج 2011 / شعر الرسالة /الومضة الشعرية / الومضة الحكائية
فلسطين

الصورة الرمزية د. نديم حسين

افتراضي يونس يهذي روحه !

يونسُ يهذي روحـَهُ !

د. نديم حسين
أول كتاب صدر في العام 1975

(هذيانٌ في حضرةِ الرُّوحِ ، وبَوحٌ على قارعةِ سيرةٍ ذاتيـَّةٍ )

ولَكَم دُعيتُ بأَمرِ سلطانِ الزمانِ إلى حِبالِ المشنـَقـَة !
متكـَرِّمـًا ومُكـَرَّمـًا ، وعلى قميصي زنبـَقـَة !
وتركتُ دعوتـَهُ على حـَبلِ الغروبِ مُعلـَّقـَة !
فبـِدايـَةً ،
لم تُغرِني أبدًا حبالُ المشنقـَة !!
ونهايـَةً ،
تجِدونني مترابِطـًا معَ مولِدي برُؤى البُزوغِ المـُسْبـَقـَة !!.


د. نديم حسين

( ا )
( بـِطاقَةُ هُويـَّةٍ )

يونس الجبليُّ هو مواطنٌ جبليٌّ صالِحٌ منذُ ولادتهِ الأولى . يعطشُ حـَدَّ الموتِ ولا يشربُ ماءَ وجههِ . يجوعُ ولا يطرحُ في المزادِ ملامحهُ ، لأنَّ أحدًا لا يملكُ ثمنـًا لعيونِ الصـَّقر !
يونسُ الجبليُّ هو مواطنٌ فيهِ غرابَةٌ مُفرطةٌ في عاديـَّتـِها . هو كل واحدٍ منـَّا حين يهـمُّ بروايةِ قصـَّة حياتـِهِ الخاصة في مضافةِ كينونتنا العامـَّةِ ، فتنثرهُ تفاصيلُها يمنـَةً ويسارًا دونَ أن تقـْطَعَ خيطَ حياتهِ ، وهو من " هنا " حتى غدٍ ما ، يدَّخرُ الوطنَ القابِعَ في " وقفِ التنفيذِ " لليومِ الأبيضَ . يدَّخرهُ في قريحتهِ ، ولا يملكُ " ميليشيا " قـَلـَميـَّةً مسلـَّحَةً تحمي ظَهرَهُ من خناجرِ الأوغادِ وأولادِ الحَرامِ والعاطلين عن الفِعلِ وعن الإبداعِ ، لكنهُ يملكُ ذاتَهُ الحَلال ، ويملكُ ما تملكُ الجبالُ . لا يروقُهُ أن يرى تاريخَهُ شحـَّادًا فاقِدًا للذِّراعِ ، يلوبُ من بابٍ لبابٍ مُستَعطِيـًا وارثيهِ ساعةً واحدةً من القراءةِ . ولا يُسعِدُهُ أن يرى جغرافيـَّتَهُ بائعةً متجوِّلـَةً تطرحُ للبيعِ جبالَها وسهولَها من أجلِ لقمةِ بقاء ! لم يـَغـِبْ يونسُ فيهما أو عنهما للحظةٍ واحدةٍ . قرأ تاريخه عُمرًا ، وقدَّمَ لجغرافيتهِ رغيفَ قلبهِ ، وراحَ يكـِشُّ الخنازيرَ البـرِّيـةَ والجـُوِيـَّةَ عن عنبِ روحهِ وعن عناقيدِ دمـِهِ . ومنذُ جيلَينِ وحبلِ سُرَّةٍ وذاكرةٍ يرافقُ هذا اليونسُ فجرَهُ النبيذِيَّ إلى أقبيةِ عمرِهِ ، لعله يكتُبُ صحوةً قَمـْحِيـَّةً ، ولعلـَّنا نقطفُ خِلسةً ، وعلى ضوءِ لياليهِ المـُقمرَةِ من بستانهِ اليَوميِّ خبزَ حزنهِ الدَّهريِّ !! فليغفِرْ يونسنا لنا جوعَ روحنا . وليغفِرْ لنا حرارةَ جسدهِ العاليةَ .. وهذيانَ روحِهِ !.

( ب )
( كلُّ ما تبقـَّى )

( 1 )

لستُ طامِعًا بمادَّةِ الأرضِ ، فهل أخرجُ للحظةٍ يتيمةٍ من كيميائِها ، من جزيئاتِ الجبالِ والسهولِ والتلالِ لأدخلَ في دهرِ العسل ؟ متطفِّلاً على النحلِ المقيمِ في سنـَّةِ الورودِ ؟ أنفجرُ إذا شئتُ مثلَ حديقةٍ موقوتةٍ تزخرُ بما يأتي في ساعةِ الصفرِ من شظايا الورودِ وعطرِ الشظايا ، وأذهبُ للحظةٍ واحدةٍ بعيدًا عن جغرافيَّةِ البلادِ ، أذهبُ إلى بلادِ القلبِ ، فأُدركُ أن أن دمي يكونُ أُحُدِيـًّا تارةً وتارةً بَدْريـًّا ، وعروقي أشبهُ ما تكونُ بالخنادقِ الأسطوانيةِ ، وأرى دمي يركضُ في الخنادقِ ، يتبعثرُ في طرقاتِ القلبِ يهوي أحيانًا من أعالي جبالِ جبهتي كماءِ شلال الشروقِ ، فيصيرَ قلبي شمسًا ، مطعونةً تنزفُ نورَها ، لا بأسَ ، لكنهُ يصيرُ شمسًا ! ويهوي دمي حينًا مضَرَّجـًا بحُمرتهِ إلى قلمي .. وفجأةً يكتظُّ بدني بالزمن الربيعيِّ الذي من شأنهِ أن يأتي لصباحي بعصافيرَ كثيرةٍ ، فيصيرُ بدني ويصيرُ دمي بحاجةٍ ماسَّةٍ لوسادةٍ ما .. لحلمٍ ما .. وربما لحلمِ يقظةٍ ما .. وكأن حلم يقظتي بحاجةٍ لطفلٍ يعدو خلفَ السنونو ، يطيرُ صوبَ الجنوبِ دومًا ، ويدمن الإقامةَ في الجنوبِ ، في جنوبِ أيِّ شيءٍ – الدفءُ والجنوبُ توأمانِ – أو يسير حافي القدمينِ في حقلِ سُكـَّرٍ وألغامٍ ، ويذهبُ مع أرجوحةِ القلبِ إيابًا وذهابًا ، ثمَّ يمضي إلى سِرِّي ولا يؤوب !!
إذًا ، ليسَ لي إلاَّ أن توسـِّدَ مرارةَ قلبي صخرةٌ في حقلِ سُكـَّر ، علني أسمعُ نبضيَ النعسانَ أكثَر !!
تقتربُ السماءُ مني ، تأتي إليَّ بمحضِ إرادتها ، تلتصقُ ببدني ، تتركُ في كفـِّي إيصالاً بصلواتٍ كثيرةٍ وتهمسُ المطر !
لا بأسَ عليكَ إذا أنتَ نمتَ قليلاً يا ولدي الوطن . يتكلم المطرُ بصمتٍ ، لعلهُ يتوغَّلُ أكثر في حكاياتِ الخُضرَةِ ليقولَ فيما يقولُ غدَ الورودِ والثـَّمَر . ويوقظك الربيعُ الآتي بضجيجِ عطرهِ ، وترسم الريحُ الربيعيةُ منطقَها بفرشاةِ الغصونِ وألوانِ العطورِ موقِظَةً من صيامِ المزهريةِ رمضانَها .. كاسِرةً زجاجةَ عطرٍ في حضنِ الأبتثيـَّةِ .. ( ويرى حلمُ يقظتي أن الأمطارَ تتوزَّعُ بالتساوي على الوديانِ والبحارِ والبخارِ ، كما تتوزعُ أحزانُ البلادِ بالتساوي على عَينـَيِّ طفلٍ صغير وحزين ! )
نَم قليلاً يا ولدي الوطن ، يكتظ بدني بأوجاعي ولم يعُد فيه مغزَّ إبرةٍ لوجعِ صحوةٍ أخرى . قل لي يا ولدي : هل يجلسُ قلبي المحـِبُّ ثقيلاً على صدرِ هذا العالَم الحاقد ؟ أيكون دمي نقيضًا للحمرة واسمًا آخرَ – مزوَّرًا – للبرقوقِ البـَريّ ؟ هل تجلبُ صحوتي كل هذا القَدْرِ من الشموسِ المفقوءَةِ والورودِ الذبيحةِ ؟
_ عفوكَ يا صديقي يا أبا الطيِّبِ ، عفوَكْ !
ربـِّيَ اللهُ . وكانَ! اللهُ يومَ أنْ صُغتَ العجائبَ ربـَّكْ !
فقُلْ حزني ، وكُنْ قلمي ، كما صغتُ في سالفِ الأزمانِ حُزنـَكْ !.


( 2 )

حسنًا ، في حفلة الرقصِ على الحبالِ هذه لا مكانَ لي . صغيرةٌ حلبةُ الرقصِ هذه ، والحالُ هذه ، صغيرةٌ على قدمـَيَّ . ويُشغِلُ الرقصُ الحواسَّ الخمس ، وأنا جاورتُ حبل سرتي تسعةَ أشهرٍ قمريةٍ ، وكان عليَّ أن أراقصَ ما تبقَّى من عمري حاسَّةً شمسيَّةً تُعرَفُ بالسادسةِ . ولكنني حين أيقنتُ أن هذا العالمَ بحرٌ أسودُ يبدأ ملوحتهُ من عتَبَةِ داري ، وأن ليلتي مقمِرَةٌ ، صممتُ على نهاري واقتنيتُ مدمِّرة ، وابتدأتُ إبحاري ألفَ مرةٍ ومرَّةٍ " من الآنَ فصاعِدًا " إلى شاطئٍ خلتُهُ ينتظرني !
قالوا : سمكُ القِرشِ أقوى !
قلتُ : بل ذراعيْ !
قالوا : حِلفُ الماءِ المالحِ والرياحِ العاتياتِ ..
قلتُ : بل شِراعيْ ..
وقلتُ : ضيـِّقٌ أفُقُ زنودكم وعقولكم !
قالوا : ربما ، لكن جيوبَنا تتسعُ لورقٍ أخضرَ كثيرٍ !
قلتُ : يتسعُ قلبي لخضرةٍ تخفقُ في أوراقِ أشجارِ بلادي كلها .. وتقطُرُ منـِّي .. ويتسعُ قلبي لجنونِ ربيعٍ آخرَ ، أمـَّا جيوبُكم فبحرٌ أسودُ يبدأ موجَهُ من عتبَةِ داري .. وتضيقُ شراييني من شدَّةِ ما أصرخُ ، وتتسعُ جيوبكم ! تؤجلونَ ذواتكم ، تؤجلونَ كل شيءٍ إلى الغـَدِ ! حتى الوطن تؤجلونهُ إلى الغدِ فتتسعُ جيوبكم للخضرةِ المؤقَّتةِ في الورق المؤقَّتِ !
لا بأسَ يا سيدي الربيع ، يمرُّ الخريفُ يوما ما على جيوبهم ، تغيِّرُ الفتوحاتُ الخارطةَ ، ولا تغيِّرُ الفتوحاتُ حدودَ وجهي !.
_ صديقي المطر ، ربُّكَ الواهبُ ربـِّيْ .
لكَ حُبـِّيْ ..
آخِرةُ البحارِ مّذهَبُك ،
وبدايةُ الترابِ مَذهـَبيْ !.

( 3 )

يميلُ العالَمُ للأصفرِ ، وتبقى الحدودُ خطوطَ حِدادٍ على الخارطة ، وتخرجُ العواصفُ من الاستعمالِ ، ولا يبقى لي إلاَّ أن أُنزِلَ وجهي إلى منتصَفِ صاريةِ العمرِ حِدادًا عليَّ !
نامي إذًا قليلاً يا جبالي ، نامي يا مُرهَقَةَ العلُوِّ ، يا مؤرِّقَتي . لم يبقَ في سهولِنا المحروقةِ سوى بضعِ وريداتٍ على فستانِ طفلةٍ يتيمةٍ .. ورجالُ الإطفاءِ انكَبـُّوا على إطفاءِ شهواتِ نسائهم ، وذهبَ الربيعُ في إجازةٍ مفتوحةٍ ، نامي إذًا كثيرًا يا جبالي !
هل هو رثاءُ الصحوةِ ؟ لا أعلَمُ . ولكني أعلمُ أن وطني المحروقَ يفيضُ عن رمادهِ نبوءاتِ عزاءٍ ، والعزاءُ هو القناعةُ القسريـَّةُ بالقليلِ . والتنازل التلقائيّ عن شيءٍ ما مُكتـَمِلٍ : الكثيرُ المشروعُ ، أو حلمُ يقظةٍ ما ! العزاءُ كلامْ !
_ ما رأيُ صاحبِ الجلالَةِ الحسامْ ؟
_ تُحـَوَّلُ أوراقُ هذا العالَمِ ( يقولُ الحسامُ الذي ضُبِطَ متلبـِّسًا بجريمةِ قتلي ) تُحَوَّلُ إلى مُفتي الجمهوريةِ !
يا إلهي ! أينامُ الحسامُ في قبضَةِ ملكٍ جمهوريٍّ ؟ إذًا توسـِّدُ مرارةَ قلبي صخرةٌ في حقلِ سُكـَّرْ !!
لكنني يا سيدي " الجُملُكيُّ " أخافُ أن يأخذَني الما بينَ بينَ ( وطنُ الزئبقِ ) ، فأكونُ قد فتحتُ في جدارِ بيتي للريحِ والكآبـَةِ المُقيمَةِ ، وبيديَّ ، بابـًا وعُذرَينْ !!
هل تُراني أضيعُ مثل رسالةٍ بلا عنوان ؟ لتتسلـَّمَني طرقٌ تتسعُ لخطـًى كثيرةٍ ، خطـًى تقصُرُ وتبتعدُ ، تبتعدُ وتصمتُ ، تصمتُ وتنطفئُ كجمرةٍ تسقطُ سهوًا في مياهِ بحرِ التيـْهِ ؟!
هل تراني أُدَجـَّنُ مثل الطرقاتِ الوعرةِ البريـَّةِ التي تُساقُ عنوةً إلى مناخِ الجبالِ ؟ بلادِ العلوِّ الموجِعِ القسريِّ ؟!
حسنًا ، لا يبقى لي إلاَّ أن ألـفَّ صوتي بحزنٍ مؤقَّتٍ ، لأُنزلـَهُ إلى منتصَفِ صاريةِ الحنجرةِ !
ثمـَّةَ عصفورٌ يُداوِمُ في صندوقِ ساعةِ الحائطِ ، في عـُشِّ نغمةِ " البَياتِ " . وثمـَّةَ عصفورٌ يُدلي على أغصانِ الشجرِ ببياناتِ نوتاتـِهِ ، ولم يتبقَّ لغابتي إلاَّ الانسحابُ المؤقتُ إلى شريعتِها !.
إذًا أغنـِّيْ !
مـُدَّ لي يديكَ وأَعـِنـِّيْ !
أغني – لا أصرخُ ولا أموتُ تمامـًا – سأُغنـِّيْ !
إنَّ المـا بينَ بينَ ، شوارعٌ من ماءٍ وملحٍ وإسفَلتٍ ، أسوَدُ يبتدئُ سوادَهُ من عتباتِ داريْ !.

( 4 )

هل كُتِبَ عليَّ أن أكونَ كالمطَر ؟ وهو في العادةِ يروي قصَّة الهطولِ ، النزولِ إلى ترابِ الكرةِ الأرضيةِ الواطئِ ! ينزلُ ، والنزولُ هنا نزولٌ عندَ رغبةِ القدَر وهيبة الخضرةِ في عيدِ الشجر ، ينزلُ هذا التراكم القـَطـْريُّ العجيبُ في العادةِ لترتفعَ أشياءٌ أخرى .. هل كُتـِبَ عليَّ أن أشابهَ المطر ؟
ترتوي الأرضُ ، فتنمو حولَ قبري الزهورُ وتسرقُ الأشجارُ قامتي . أصيرُ ماءً ، أتبخرُ أو أتراكَمُ في أحسنِ الأحوالِ لأذهبَ في مهمةٍ قسريَّةٍ إلى البحرِ ، وأنا شخصيا أكرهُ البحرَ ، لأنني ببساطةٍ شديدةٍ مخلوقٌ جبـَليٌّ وُلـِدَ على سفحِ جبلٍ وضاجع التلالَ يوميا فأنجبَ الترابُ قامتَهُ – العـُلـُوَّ - ، هل كتبَ عليَّ أن أكونَ كالمطر ؟ لأنامَ بين صخرتينِ ، مساحةً مائيـَّةً ، مستنقعًا يلـُمُّ حولَهُ الباعوضَ والقصَب ، أو نبعـًا يأخذ وجههُ من عطشِ عابِرٍ ما في سبيلٍ ما ، نبعًا يظلُّ مُلقـًى على قارعةِ الطرقِ الوعريةِ مخَضـَّبا بخضرةِ العشبِ البَهيميِّ !
أم تُرى كُتـِبَ عليَّ أن أكونَ كالحجَر ؟! سليل حجرٍ وصخرةٍ ، والد النار الأولى – شرارة وجمرة – حفيد الحجر الأكبر ، فإمـَّا أن أستلقي بسكونٍ مفزعٍ في الظلِّ ، في القيظِ ، تحتَ الترابِ ، فوقَ القلبِ إلى الأبدِ ، أو أن يُلقى بي على حدودِ أيِّ شيءٍ – والحدودُ خطوطُ حدادٍ على الخارطةِ ، أو أن أُقذَفَ بأيِّ يدٍ على أيِّ يدٍ لأكونَ قابلةَ الجروح ؟!
لا ، لن أخلعَ روحي ولن أكون شيئـًا مباحًا للـَّمسِ العشوائيِّ . حسنًا ، عليكَ أن تشبِهَ شيئًا ما ، لتأخذَ صفاتِ شيءٍ ما ليكتملَ فيكَ " الأَحدٌ " ما !
وجذعُ الزيتونةِ طريقٌ معبـَّدٌ بتجاعيدهِ الخشنةِ وتُثقِلُ مساماتهِ طموحاتُ الثمارِ والأغصان المعرَّضَةِ لعِصـِيِّ الآدميينَ برِضاها ، ثمَّ يدَّعي الآدميونَ بكل ما فيهم من صفاقةٍ ونفاقٍ بأن وجعَ الزيتونِ مادةٌ قابلةٌ للتصديرِ ، وبخاصةٍ إذا لـُفـَّتْ بعنايةٍ تجاريةٍ بغلافٍ ملائمٍ ومزركشٍ من السلام !! إذًا ، شجرةٌ مضروبةٌ بشهوةِ الربحِ تصلحُ لأن تكونَ رمزًا للسلام !!
أمـَّا العشبُ يا سيدي ، حباكَ اللهُ من لدنهِ وإيـَّانا ، بقامةٍ مديدةٍ ، العشبُ يُهمـَلُ ، يؤكـَلُ أو يُبادُ !
ربما عشبٌ ينمو بين خطـَّي سكةِ الحديدِ الحجازيـَّةِ !
يا لها من فكرةٍ عجيبةٍ ، أيكونُ أكثرَ الأماكنِ أمانًا للعشبِ مكانٌ يقبَعُ بين فكـَّي سكة الحديد ، حتى لو كانت حجازيةً ؟ العشبُ يا صديقي قامتُهُ قصيرةٌ وجِمالُ الحجازِ جوعى ورقابُها طويلةٌ .. ولا تمـُرُّ القطاراتُ فوقَ سكة الحديد الحجازيةِ .. أمـَّا القنفذُ فيعيشُ تحتَ الخطى .. !
توقَّفْ يا يونس التعيسُ عن هذه الرحلةِ التي لا تصلُ بكَ إلاَّ إلى ذاتِكَ البخاريَّةِ ! تمـَنَّ أن يُلامسَ خدَّكَ لطيفُ ملاكٍ ، وأن تتزوجَ المرأةَ الأولى في الكهفِ الأوَّلِ ، وأن تلعبَ موتكَ حتى نهايةِ الشوطِ الثاني ، وأن تخرجَ إلى دروبٍ صُمـِّمـَتْ للرجوعِ فقط ، وهذا يكفيك !
حسنا ، حسنا ، إصغِ إليَّ قليلاً ، فلطالما أحببتُ أن أرفعَ بنفسي هوائيَّةَ مرناتي فوقَ سطحِ داري .. أتدري لماذا ؟ لأنني ، وببساطةٍ ماسَّةٍ ، كانت وما زالت بي حاجةٌ هي الأخرى ماسَّةٌ لأن أرفعَ شيئًا ما فوقَ سطحِ داري . هو جوعٌ وليسَ مجرَّدُ تمـَنٍّ . كان هاجسًا يتملَّكني الليلَ الطويلَ وينزوي في دهاليزِ روحي طوالَ النهارِ ، أن أرفعَ بيديَّ شيئًا ما ، يعبثُ بالرياحِ فوقَ سطحِ داري !
ضاعَ كلُّ شيءٍ إذًا !
لا. لم يضـِعْ شيءٌ ، فالجبالُ والتلالُ والسهول وأشجارُ السنديان والوديانُ جميعُها وقلبي ونُدبات البيارات ما زالتْ تتشبـَّثُ بوجهِ الخارطة !
تغيـِّرُ الفتوحاتُ لون الخارطة ولا تغيـِّرُ الفتوحاتُ وجهي !
إذًا ، تُصِرُّ على حيرتي ، فماذا يُقلِقُكَ ؟
أمتلكُ الخارطةَ وهي تمتلكني .. وليست لي سلطة بعدُ على الجغرافيا .
إذًا ، عليكَ بالتاريخِ !
أقرفُ ، عفوًا ، من التاريخِ لأنه يفقِدُ طزاجتَهُ حين يكون معلـَّبًا في الذاكرة . وهو بدون روحي وبدني المُعافين ، يصيرُ مجرَّدَ تبنٍ أبجديٍّ يلتهمهُ زندٌ حيوانيٌّ فقط . وإني لتاركهُ للذين يدبُّون على اثنتين من بعضِ البشر . ثمَّ إنَّ ولائي يكونُ لأَحفادي ولا يكونُ كلُّهُ لأجدادي !.
وأين ترى بدنك وروحك المعافَين ؟
في الخارطة . وهذا ما يُقلقُني !
حسنًا ، تزورُني الأَرضُ بين نغصةٍ وأُخرى ، نحيا قليلاً ثُمَّ نفترقُ كثيرًا .
وماذا بَعدُ ؟
لا شيء. قبلَ موتي بصرخةِ ولادةٍ واحدةٍ ، جاءت الأرضُ لتزورني كعادتها ، وكنتُ جائعًا فأَكلتُها !..

(5)

أَمـَّا أنتَ يا ولدي الوطن ، لا ترتعش بردًا أو خوفًا أو جوعًا ! أكونُ إذا شئتَ بُردتَك . وأكونُ سيفَكَ . وأكونُ إذا ما شئتَ قمحَكَ . سأفرشُ لكَ حضنًا صغيرًا في حلقِ أسَدٍ إذا ضاقَت بفراشكَ البلَد !
وفي الزاويةِ القائمةِ بيني وبينكَ أعيشُ قريرًا ، أشحذُ عمري على زاويةٍ حادَّةٍ ، لعلَّها تنفرِجُ . وأنادي خديجةَ :قومي خديجةُ ، قومي إلـَيّ !
يشُدُّ شذا راحتَيكِ يدَيّ !
عساهُما أن تُرجِعاني إليّ ! .
ولكنْ ، هل يأتي قبلَ أن يهبِطَ الظلامُ وجهُكِ ؟
على أية حالٍ ، أقايضُ موتي بصوتي ، لعلَّ رياحًا جديدةً تأتي مع الكانونينِ ، لتحمِلَ إليَّ مطرًا من شتاءٍ آخرَ ، لعلني أصيرُ للربيعِ سابِقَةً فيأتي شَرعًا ! وأخيطُ بدلةً قُماشُها من شراعِ سفينةٍ للقراصنةِ تحطَّمت منذُ قرونٍ على شواطئِ " عكـَّا " .. . ألبسُ البدلةَ عسى أن تبحرَ في شوقِ عرسي " عكـَّا " ..
هل تتزوَّجُ مدينةً ؟
رفضتْ وجهي كل الإناثِ ، فنمتُ فوقَ المقاعدِ العامَّةِ كلها ، في الحدائقِ العامةِ كلها ، تحتَ نيرِ العهودِ " الميمونةِ " كلها .. والليلُ الأَعمى يحميني ، عسى أن تأخذَ " عكـَّا " بيَدي لأغنـِّي !

( 6 )

حينَ نغنـِّي لا يتبقـَّى لدينا وقتٌ للجوعِ . وأنا عندما أغنـِّي تصبحُ عينايَ أكثرَ صفاءً ، ونظري أشدَّ حـِدَّةً . وأعلـِّقُ حنيني على كل الشجر المتاحِ في بلادِ عـكـَّا !
- وتوغـِلُ في التساؤُلِ : وماذا بعدُ ؟
- خـُذ ، بـَعدُ ، كل أوراقي واترُك لي نسخةً واحدةً عن حياتي .
- جاءَ الخريفُ !
- أهلاً بك يا سيدي الخريف . خُذ كل أوراقي وليكـُن من بَعدِكَ الشتاءُ والرياحُ التي تجبي من قامتي العـُشبيـَّةِ ، وبنـَهـَمٍ فريضةَ الانحناء . ونحن يا سيدي تشرينْ ، نأكلُ واقفينْ ، لا كراسي لدينا ، ولا مصطبةٌ لدينا تحملُ الكراسي ، ولا وطنٌ لدينا يهبُنا مصطبةً ! نؤجـِّلُ الوطنَ إلى الغـَدِ دائما ، فتتـَّسِعُ جيوبُنا للخضرةِ المؤقـَّتةِ في الورقِ الزائـِلِ ..
- يا سيدي تشرينْ ، نموتُ جالسينْ ، لأننا لا نملِكُ دافـِعًا قويـًّا – حتى الآن – للانتصابْ !!
- حسنـًا ، لكل قاعدةٍ استثناءٌ كما تعلَمُ ، تنتصبُ ذاكرتُنا في برهةِ المضاجَعةِ ، لكننا نموتُ جالسينْ !!.

( 7 )

- أنا البِنتُ " عـَكـَّا " ، هل تذكُرني ؟
- مدينةٌ لم أنـَم فيها ، لم أضاجـِع صحوتـَها ، لم أتسكـَّع في أزقـَّتِها ، لا أذكرُ اسمَها !
- ولكنني قريبةٌ !
- أنتِ قريبةٌ مني كـُلَّ البـُعدِ عنـِّي . أنتِ تتنفـَّسينَ على مرمى أملٍ ويقظةٍ وحـُلمِ يقظةٍ .. تتكلـَّمينَ أحيانـًا في منامي ، وتصمُتينَ كثيرًا في صَحوتي ، وأحيانـًا تُشاطرينـَني مِقعَدي في حافـِلـَةِ الركـَّابِ المسافرةِ منكِ إلى " حيفا " ، وأُقسـِمُ أني أحبـُّكِ من " حيفا " حتى المَشيب ، وأعودُ إلى بيتي وحيدًا ، معذَّبـًا عندَ المغيب ، أطردُ العناكبَ المستوطنـَةَ في فتحاتِ نايي القديمِ ، لعلـَّني أعزِفُ أو أُغنـِّي .. أسعِفيني " عكـَّا " بيديكِ لأُغنـِّي !

( 8 )

حبيبَتي " عسقـَلانْ " ،
تحيةً جبليـَّةً وبـَعد ،
أعترفُ دائـِمـًا ، " من الآنَ فصاعِدًا " بأنني فتـًى جبلـيٌّ ، وبأنني أكرهُ ذلكَ المخلوقَ العجيبَ جارَكِ – أكرهُ البَحرَ ، فلقَد أمسكتُ بهِ متلبـِّسـًا بتسرُّبـِهِ إلى قطعةِ الأرضِ الوحيدةِ التي أمتلكُها ، وإلى أزقـَّةِ بلدتي الوحيدةِ التي تمتلـِكـُني ، وإلى جـَيبي ومـَعـِدَةِ طفلتي ، مصوِّبـًا زرقاوَيهِ نحوَ دمي ، فخُذيهِ عنـِّي !
معذِرةً إذا كنتُ قد أزعجتـُكِ في هذهِ الساعةِ المتأخـِّرَةِ من الزُّرقـَةِ !

( 9 )
سقطَ الوطنُ مَغشـِيـًّا عليهِ بنوبةِ قلبٍ ، يا غرفةَ الإنعاشِ يا قلبي الحزين !
وأراهُ يذوبُ بعدَ سقوطهِ كالثلجِ لتسكنَ غابةٌ بكل تفاصيلِها في قلب هذا العالم ، ولتسكن عاصفةٌ ما !
يا ولدي ! يا وطني ! سألعبُ الدورَ الرئيسيَّ في مسرحيةِ حلـمكَ ، وأرسمُ ملامحكَ المشـِعـَّةَ على سـَوادِ ظـِلـِّي ، والشمسُ قويـَّةٌ .. أمـَّا أنتَ ، فقد سقطتَ مضرَّجـًا بدمي ، وأخذتَ تذوبُ كالثلجِ ، عساكَ أن تكونَ لمرةٍ أخرى – للمرة الأخيرةِ – ملكوت أرضٍ آمنتْ بك ! يا بلدَ التلالِ الكنعانيةِ .. ووجهي .. والبحيرة !
حسنـًا ، أنا زرعتُ الأشتالَ السامـَّةَ بكلتا يديَّ ونضجت سمومـُها حتى أضحت غابةً بكل تفاصيلها ، وحينَ كبـُرتُ ، تجوَّلتُ فيها ، فتـُهتُ فيها ، ولكنني زرعتُ الأشتالَ بكلتا يديَّ ، وابتدأتُ رحلتي .. وأنا بحاجةٍ لنهايةٍ ما ، وأفضـِّلُها سعيدةً !.

( 10 )

طفلٌ وطنـيٌّ مثل كل الأوطانِ ، يبحثُ عن والديهِ ، طفلٌ ابنُ دميتهِ ، ابنُ شيخوخةِ لبورقِ الملوَّنِ ، حفيدُ مخابئـِهِ الكثيرةِ العتيقة . طفلٌ " وطني " ، يبحثُ في حزني عنـِّي ، يبحثُ عن حلـمٍ ما ، ويقظتي تغـطُّ في نومٍ عميق !
( بحثت الشرطةُ عن طفلٍ تائِهٍ في الحديقة العامَّةِ ، فتعثـَّرَت بجثـَّتَي عاشقينِ وورد كثيرٍ وشظايا حلمٍ كسيرْ ) .
حسنا ، يؤجـِّلُ ذلك الطفلُ عالَمَه المـُقبـِلَ ، يخططُ لرجولتهِ بدقـَّةٍ ، وينتظرُ والدَهُ الوطن طويلاً على مفتـَرَق الارتعاشِ خوفـًا والموتِ شوقـًا إليهِ !
هو طفلٌ يجلسُ على مفترَقِ طرقٍ مـأ ويغنـِّيْ :
أحلـُمُ ،
أصمـِّمُ على حـُلـُمي
وأكونُ حينَ تضعـَفونَ ،
أقوى من الإنسِ ،
من الجـِنِّ ..
ومـِنـِّيْ !
لا وقتَ للجوعِ حينَ نغنـِّيْ !!

( 11 )

قليلٌ من دمي يكفي لأخجلَ من فمي إذا انسحبتْ ملامحُهُ إلى دربِ الرياح..
قليلٌ من شفـَتـَيَّ ،
وماءِ وجهي ،
وعـُشبِ روحي ،
يكفي لكي لا تخرُجَ أغنامي على كـلأ البلاد !!

( 12 )

لـَكِ القـُطبانِ !
بينهـُما حـَلٌّ وسـَط .. وجـهٌ وسـَط ..
ليس في الحـَمـْلِ حـلٌّ وسط ، حملت بك الجبالُ تسعةُ أشهـُرٍ ، فكانت هامـَتـُك !
ليس في الموتِ حـلٌّ وسط .. ثكلتكَ ساحاتُ البلادِ ، ثكلتْ معصـَمـَك !
ليس في الصـَّوابِ حل وسط .. إلاَّ جنونُ رُشدك ، فهاتِ أَبعادَكَ ، عـُدَّها واقرأها ثُلاثـًا :
طولـُكَ عمقُ البِحارِ ملتـَصـِقٌ بما تروي الجبالْ ..
عرضـُكَ رقعـَةٌ ممنوعـَةٌ ، لا تـُكسـَرُ ، لا تـُفرَشُ إلاّ على مصطبةٍ بدارَةِ الحـَلالْ ..
عـُمقـُكَ –
في الحـَملِ عـُمقٌ !
في الموتِ عـُمقٌ !
وفي الصـَّوابِ عـُمقٌ !
خـُذْ إذًا أبعادَكَ انشـُرها على حبـْلِ المـُحالْ !.

( 13 )

حسنـًا ، لستُ طبـَّالاً ولهذا لا يصلـُحُ جـِلدُ وجهي وجهـًا لدَفّ !
ولستُ غزالاً ولهذا أمـُدُّ يدي ببـُطءٍ ، أجمـَعُ ما تيسـَّرَ من أشلاءِ يقظـَةَ حـُلمي ، أطفو على سطحِ ماءِ ليلتي الحزينةِ ، وقاعُ البحرِ يطفو على سطحِ ماءِ وجهي ، فأعشقُ الجبالَ وأثـَمـِّنُ عاليـًا علوَّها !
وقليلٌ من ماءِ وجهي وعشبِ روحي يكفي لكي يتخثـَّرَ المفتاحُ في ثـَقبِ بابي ، فلا أغادرُ حوشَ داري ، حتى لو نامَ قريرًا على ساعـِدِ البـَردِ في حوشِ داري شبابي !
ولكن ساعةَ يدي تنزفُ وقتـًا كثيرًا ، وتسطعُ النجومُ كعيني ذئبٍ جائعٍ في وحشةِ ليلي ، وتجدُني ، من الآنَ فصاعدًا ، أعيشُ بين أصابع المصائبِ ... أحصيها ، ولو إلى حين ، وأنقـَعُ قلبي في مرارةٍ مركـَّزَةٍ وأُلقي بسـِري إلى أعماقِ بئري الصامتةِ .. ( أخافُ قلبي لأنه يثرثرُ نبضـَهُ ) .. وأبتلعُ من شدَّةِ الـدُّوارِ ووجعِ الرأسِ أيامي كأقراصِ " الأسبيرينْ " ، ويتواطأُ حوشُ بيتي معي ، فتراهُ حزينـًا ، كئيبـًا .. وتكادُ تلمسُ نشيجـَهُ !
بالمناسبة ، هل أخبرتـُكَ يا " زيدُ " بأن أمي انتقلتْ إلى جوارِ ربـِّها وتركت قلبي وحيدًا ، وتركت طفلتي وحيدةً ؟!
قولي ، حلـَّفتـُكِ أمـَّاهُ ،
بربِّ معابـِدِ القُدسِ ،
أما رحيلـُكِ قسوةٌ ،
في ليلةِ العُرسِ ؟!
وكنتُ قد قررتُ الزواجَ من المرأة الأولى ، في الكهفِ الأولِ ، لكي تفرحَ أمي ، ولكي أفرح حين أرى مداعبتَها لأطفالي ، فأجلسُ في ركنٍ قـَصـِيٍّ من بيتنا – بيتها القديمِ – لأُعيدَ لها شبابَها ، ولأَستعيدَ طفولتي .
إذًا هيـَّا قومي لنبني حائطـًا وحديقتينِ ومئذَنةً ، قومي لنـُطلـِقَ اسمـَنا على رأسِ الزمانِ !
لكن أمي انتقلت إلى جوارِ ربها وتركت طفلتي وحيدةً .. ورُغمَ كل شيءٍ يا ولدي الوطن ، رغم كل شيءٍ ، ترنيمةً تبقى البلادُ فوقَ مَهدي ، وخطوةً عائدةً لتوِّها من مـَوعِدِ الشـَّهدِ .. مع الجموعِ العائدهْ .. لأظلَّ أحبُّ البلادَ ولو كانت مـُكـَفـِّنتي ولـَحديْ .. ويظلُّ وجهي فوقَ شـَذا ثراها ، يظلُّ أنصـَعَ شاهدٍ على نبوءةِ شاهِدَةْ !

( 14 )

ظـَهرُ الجبلِ مـُنحَنٍ .. وظـَهري .
ثقيلٌ هذا العلوُّ ثقيل ، فإمـَّا أن تبتعدَ عنهُ وإمـَّا أن تسقطَ عنهُ . وبالمناسبة ، ثـِقْ بأن من يجاوِرُ الجبالَ ، فإمـَّا أن يتقمـَّصَ قاماتِها ، وإمـَّا أن يجازفَ بانهيار علوِّها على رأسه ! وفي الحالاتِ كلها ، فإنـَّهُ يسبحُ في لانهائيـَّةٍ زرقاءَ ، وأنت تكرهُ البحرَ ، أو تنحني لتقبـِّلَ ظلـَّكَ الأسودَ ، فيصبح رأسُكَ وما في رأسِكَ في مستوى غبارِ الطرقاتِ التي يجوسُها رعاةُ المواشي والمواشي ، وتسقطُ أجنحةُ الفراشاتِ محتجـَّةً عن كاهـِلِ الربيع ، فيفقِدُ الربيعُ ذاكرةَ الخرير واللون وينكمشُ داخلَ فـُلـَّةٍ مؤقـَّتةٍ ويستسلمُ للرمادي القادمِ ، فيركض الربيع حافيَ القدمينِ في مسارب القلبِ الوعريـَّةِ أو في حقلِ سـُكـَّرٍ وألغامٍ ، ليغسلَ الشتاءُ خطاهُ ، فتبيـَضُّ وتسوَدُّ خارطةُ فصولك !.

يتبع ...






 
/