۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - الفينيق توفيق زيّاد يليق به الضوء* سلطان الزيادنة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-11-2010, 01:38 PM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
سلطان الزيادنة
عضو مؤسس
أكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو التجمع العربي للأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية سلطان الزيادنة

افتراضي رد: الفينيق توفيق زيّاد يليق به الضوء* سلطان الزيادنة

المعنى والمغزى في قصص "حال الدنيا" لتوفيق زياد

عادل الاسطة

يثير الدارس، وهو يقرأ مجموعة "حال الدنيا" )1975( لتوفيق زياد، السؤال التالي: هل كان الكاتب يرمي الى أبعد مما يقوله المعنى؟
لنعد، ابتداءً، الى كتابه "صور من الأدب الشعبي"، ولنر الأسباب التي دفعته الى الاهتمام بهذا الادب، يقر زياد صراحة انه قام بجمع هذا اللون من الأدب خوفاً عليه من الضياع، عدا انه يمثل قمة من القمم الأدبية. وقد قام زياد باعادة صياغته بلغة عربية سليمة فصيحة ما أمكن. وان لم تكن قصص "حال الدنيا" كلها جمعاً من أفواه الناس، في القرى وفي المدن، فهناك قصص تبدو من تأليف زياد نفسه، مثل قصة "النملة الملحدة"، هذه التي لا تخلو من رمز شفيف يفصح عن نفسه بنفسه. انها ذات مغزى واضح هو ما يكشف عنه بعدها الرمزي الذي ارتبط بزمن كتابة القصة وما كانت عليه الاوضاع في حينه، وربما لا يفهمها جيداً الا من عاش تلك اللحظة الزمنية، او من عاد الى الاوضاع السياسية السائدة في حينه، وقرأ القصة مقترنة بها. وأرى ان قارئاً يعيش الآن، ولم يع جيداً ما كانت عليه الاوضاع ما بين 1945 1990 لن يفهم القصة كما يفهمها شخص كان يعيش في تلك المرحلة وشاهداً عليها.
واذا ما عاد المرء الى نقد زياد، وهو قليل، يلحظ انه ما كان من الادباء الذين يميلون الى استخدام الدال الواحد للتعبير عن مدلولات متعددة، فهو مثلاً تناول اشعار محمود درويش، وكتب عن دال القمر فيها. ولما كان درويش يستخدم هذا الدال لمدلولات مختلفة لم يدركها زياد جيداً، طلب منه - أي طلب زياد من درويش- الا يظلم القمر ويحمله اكثر مما يحتمل، ولم يستسغ المدلولات غير القاموسية لهذه المفردة.
واذا ما عاد المرء ايضاً الى المدرسة الادبية التي صبغت كتابات زياد وأثرت عليها، وهي الواقعية الاشتراكية، ادرك ان الوضوح وعدم التعقيد سمة اساسية من سمات أدب زياد، شعراً ونثراً، وان مدلول داله لا يتعدى، غالباً، ما يقوله الدال، وان لاحظ المرء ان ثمة رمزاً شفيفاً، احياناً، يبدو من خلال بعض نصوصه، كما في قصة "النملة الملحدة". ولا يعني هذا ان زياداً لم يكن يعرف المجاز والاستعارة وضروب البلاغة الاخرى. انه يعرفها بالتأكيد، ولكنه لم يكن يميل الى الغموض، وحتى تشبيهاته واستعاراته، في اشعاره، كانت تفصح عن نفسها بنفسها.
ولا ينفي ما سبق ان تقرأ نصوص زياد، من كتاب آخرين، في زمن آخر، قراءات يذهب اصحابها الى ان القصة او القصيدة لا تخلو من مغزى، ولا يعقل ان يرمي زياد فقط الى ما يقوله المعنى. ويمكن ان نأخذ بهذا انطلاقاً من مقولات نظرية التلقي التي ترى ان العلاقة غدت بين النص والقارئ، لا بين المؤلف والنص.. هنا طبعاً يمكن ان يبحث القارئ عن المغزى في النصوص، ويمكن ان يؤولها تأويلات كثيرة، فعنوان ما، مثل "كيف اصبح الحمار شيخاً للعسكر" يمكن ان تدرج تحته المدلولات/ التأويلات التالية:
- كيف اصبح الاستاذ (س) عميداً للكلية (ص)؟
- كيف أصبح الرئيس (ق) رئيس الدولة (ك)؟
- كيف اصبح رئيس الجامعة (ع) رئيساً لها؟
- كيف اصبح الملك (ن) ملكاً للمملكة (ل)؟
- كيف اصبح (ج) عميداً للبحث العلمي في الجامعة (ح)؟
وهكذا دواليك.
هنا يصبح دال العنوان ودال القصة ضرباً من الثورية، اذا قصد القارئ ذلك. ثمة معنى قريب غير مقصود، وثمة معنى بعيد مقصود، ويعتمد الامر في النهاية على اطراف اخرى غير النص نفسه، يعتمد على كاتب النص، وعلى قارئه، وعلى من يتكلم به وعلى سامعه وما فهمه منه. الدال ثابت والمدلول متحرك، يقول البنيويون وقصة زياد هي نفسها، يوم كتبها ويوم نقرأها الآن. واذا كانت العلاقة، زمن كتابتها، بين زياد ونصه، فانه الآن غدا في عالم آخر ولم يبق الا نصه وقارئه، والاخير يتغير بمرور الزمان، وربما فهم القصة كما يقول ظاهرها وربما فهمها من باب التورية. ولو كان زياد على قيد الحياة لسألناه عن قصده من وراء كتابة القصة في حينه، وعنده سيكون الخبر اليقين. ربما يفصح عن قصده وربما يقول لنا بيت المتنبي:

أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر القوم جراها ويختصم
ولكننا نتساءل: اذا كان زياد يرمي ابعد مما تقول القصة "كيف اصبح الحمار شيخاً للعسكر" فمن هو الحمار؟ هل هو الحاكم العربي الذي جاء الى سدة الحكم عبر الدبابة والمؤامرة والخداع؟
لقد هاجم زياد حكاماً عرباً كثيرين وذكرهم بأسمائهم، عدا انه لم يعش في العالم العربي حتى يكتب قصة ذات مغزى، ذات دلالة رمزية، كما فعل وهو يكتب عن دولة اسرائيل التي كان يقيم فيها، وهو ما بدا في قصة "النملة الملحدة"، فهل المقصود بالحمار دولة اسرائيل؟
وهنا يمكن ان نفيد مما تقوله المناهج النقدية، ثمة مناهج تركز على الوصف في اثناء تناول نص أدبي، مثل البنيوية، وثمة مناهج اخرى يبحث اصحابها عما وراء الكلمات، لانهم يرون ان النص قابل للتفسير وللتأويل، مثل التفكيكية والتأويلية، فهل علينا ان نلزم ناقداً ما بمنهج واحد؟
ولو افترضنا اننا قرأنا نقدين لقصة واحدة، لناقدين مختلفين، احدهما يصف ظاهر النص، وثانيهما يؤول النص ويبحث عن مراميه. هل نقول النقد الاول ليس نقداً والثاني هو النقد ولكن ماذا لو أوّل النص غير ناقد.. تأويلات مختلفة، ولم يكتفيا بما يقوله ظاهر النص؟.. ترى أي التأويلات نقبل وايها نرفض، وهناك نظريات نقدية ترى ان قراءة نص واحد من قارئين مختلفين تؤدي الى قراءتين مختلفتين، بل انها تذهب الى ما هو ابعد من ذلك، وترى ان قراءة نص واحد من قارئ واحد في زمنين مختلفين تؤدي الى قراءتين مختلفتين.
ثم ماذا لو اختلف موقف صاحب النص بعد كتابته؟ لو كان رمى زمن كتابة النص الى قصد ما، ثم غدا هذا القصد يسبب له مشاكل وتخلى عنه، وقال انني لم أرم الى كذا وكذا، ولم يكن، من قبل، اوضح مرماه. هناك ادباء كثيرون كانوا، ذات نهار، يؤمنون بفكر ما ويكتبون انطلاقاً منه، ثم تخلوا عن افكارهم. وستسبب قراءة نصوصهم، اعتماداً على فكرهم السابق، لهم العديد من الاشكالات. ألا نرى ان أدباءً كثيرين تخلوا عن نصوصهم الأولى؟
وليس هناك من شك في ان مسؤولية الدارس هي توضيح هذا كله وتفسيره وتقديمه للقارئ، ولكن ماذا بشأن كاتب لم يقل الكثير حول نصوصه؟
اعترف اميل حبيبي، بأيام قليلة قبل موته، بأنه حين كتب "المتشائل" كان يكتب عن نفسه. ترى هل كان اميل سيعترف بهذا، حين انجز نصه في العام 4791، لا شك انه لو فعل لاثار حوله ضجة كبيرة ونقاشاً يدخل، يومها، في باب المحرمات، لأن السؤال الخطير الذي كان سيثار هو: هل كان لاميل حبيبي صلة بالمخابرات الاسرائيلية؟






  رد مع اقتباس
/