۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - مريم ...6
الموضوع: مريم ...6
عرض مشاركة واحدة
قديم 17-02-2017, 11:28 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
دليلة بونحوش
عضو أكاديميّة الفينيق
إحصائية العضو







آخر مواضيعي

دليلة بونحوش غير متواجد حالياً


افتراضي مريم ...6

مريم6
_ مريم... هيا بنا طفلتي الحبيبة... أشكر لك فضلك عمّي إبراهيم.
_ اتركها عندي سآخذها معي إلى الحاجة زهرة و ستهتم بها كما يجب و مساء سأحضرها... فأنا أعلم أنك ستبقيها معك في الشارع.
_ هكذا إذا...! و ماذا تقول مريم؟
أسرعت مريم إلى والدها :
_سآتي معك يا أبي.
نظر سليمان إلى عمي إبراهيم مبتسما ثم قال : شكرا لك أيها الطيب ،أعانك الله.
قال سليمان هذه الكلمات و مضى وراءه مريم تنظر إلى عروق يده المنتفخة القابضة على مقود العربة و إلى عرقه المتصبّب من جبينه مستمعة إلى أنفاسه اللاهثة و أزيز العجلات حين تدور.
و شارعا بعد آخر، حتى توقف سليمان عند أحد الأرصفة و عالج العربة حتى لا تتحرك من مكانها و مريم تساعده ، و وضع الميزان مكانه ثم بدأ يعلن عن بضاعته صائحا بأعلى صوته و مريم جالسة أسفل العربة حينا ، و حينا تقف إلى جانبه تنظر إلى هذه السيدة أو تلك أو هذا السيد أو ذاك ، و من حين لآخر تُناول والدها الأكياس أو فكة النقود .
كانت تتعلّم بسرعة ، و تردد ما أعجبها من كلام الزبائن ، و تسأل عمّا غاب عنها. تتالت الأيام و مريم مع الإسكافي بعض سويعات من صباح ، و على أرصفة المدينة باقي النهار، تعرّفت على الأزقة المخنوقة في الحواري العتيقة و على الشوارع الرّاقية و الممرّات الأنيقة. أصبحت تبيع ببراعة تجذب إليها كباقة الورد المارّة، كان والدها يندهش للسيارات الفاخرة حين تتوقف عندها، ليشتري منها الأثرياء و من عربات الأرصفة الكريهة لا يشترون... الجميع يتحدثون إليها و كأنهم يشترون منها صوتها الملائكي و كلماتها الطيبة الساحرة...
أحيانا كان سليمان يقف الساعات الطِّوال ليبيع بعض الكيلوغرامات ، و ما إن تقف مريم حتى تتجه الخطوات إليها و يُقبل الشارع عليها ، لكأنها ملكة ترمي بمواثيق الحب للرعيّة فيُلبون الدعاء و لا يتأخّرون... و المثير للدهشة و العجب حين تبيع للأجانب فتستعير لفظا من هنا و لفظا من هناك و خاتمتها يشترون و يرحلون ، ثم غدا يعودون و تعود هي ، لكن بكلمات واضحة و عبارات وافية تزداد أناقة و تهذيبا يوما بعد يوم.
مريم كانت ملاكا زار المدينة و أحبّ البحر و الميناء و عمي إبراهيم و الخالة زهرة، لكنها اشتاقت كسيل الورد للربيع ، و كانهمار المطر لأمسيات الشتاء.. اشتاقت لهواء الضيعة المتمرد الحر الطليق ، و لعطور الحقول و المزارع و عبق التراب و الأرض ، و رائحة التبن و صمغ الجذوع .اشتاقت للقش زوارقَ بالسّواقي و لتيجان الورد و أطواق الزّهور ... و لمّا اشتدّ بها الحنين و فاض بمقلتيها تلالَ دموع، وقفت عند النافذة تراقب البحر يلبس عباءة الليل ، تكشف بعض ملامحه المستكينة الهادئة أنوار أعمدة الكورنيش. ، و غابت مريم مع أبواق السيارات و أزيزها و ضجيج المدينة و لكن فجأة في لحظة فارقة وجدت نفسها لا تقوى على كتمان ما يدكّ دواخلها فأجهشت بالبكاء . طفلةً تبكي بألم و حرقة.
اقترب منها والدها يسألها و قلبه منفطر قلق لحالها :
_ ماذا تريد مريم؟
فاستدارت و لم تنتظر :
_ أريد الذهاب إلى الضيعة خذني إلى هناك يا أبي... أرجوك.
_ بعد غد نذهب... ما رأيك؟
و طار قلب مريم فرحا و حلّق تلك الليلة في سماء الضيعة و تدثر بأحضان البيادر و نام مطمئنا في أعشاش الطيور.
يتبع بإذن الله...






  رد مع اقتباس
/