۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - لعنة الفراعنة ام قانون التطور هو من جعل هذه الامة بالحضيض؟؟؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 15-11-2012, 08:47 PM رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
زحل بن شمسين
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل أوسمة الاكاديمية للابداع والعطاء
العراق
افتراضي رد: لعنة الفراعنة ام قانون التطور هو من جعل هذه الامة بالحضيض؟؟؟

[COLOR="Blue
"]بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اوهام قبل الامس في عصر ما بعد الغد : نحن وامريكا وبيننا هولي وود 10
شبكة البصرة

صلاح المختار
تذكر دوما ان الاسماك الميته وحدها تسبح مع التيار
مالكولم مكريدج




اكبر كوارث البشرية : امريكان سندروم

10 – متلازمة امريكا American syndrome * :

ما ان توصل الاحداث الكارثية الانسان الى حافة الموت ويتخلى عن كل شيء امن به وتربى عليه ويصبح عبدا لدافع واحد مهيمن بلامنازع، هو البقاء المجرد من اي قيم او تقاليد وضوابط، كضوابط الانتماء الوطني والديني والعقائدي والاخلاقي و الاجتماعي والثقافي...الخ، وتلك هي التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لغريزة البقاء اقوى غرائز الانسان واقدمها، حتى تبدا منظومة القيم العامة بالتفكك والزوال وتحل محلها متطلبات البقاء الغريزية فقط التي تحتل المكانة الاولى في سلم اولويات الانسان. لقد أعيد الانسان رغما عنه الى عصر الوحشية السابقة لاي تطور انساني، لكن هذه العودة هجينة تماما ولذلك، وبسبب هجينيتها، فانها الاشد خطورة في تاريخ الوحشية كله، فالانسان الاول كان وحشا بحكم عدم وجود تطور سابق وهو لذلك كان حيوانا خاليا من العمق الانساني والحضاري وكان حيوانا مثل باقي الحيوانات يبحث عن الغذاء عندما يجوع فيقتل لاجل البقاء لكنه ما يشبع حتى يتوقف عن القتل مؤقتا، ولكن الانسان الذي يجبر على العودة للوحشية بعد الاف السنين من التحضر والتثقف يواجه مشكلة تداخل المؤثرات المختلفة وامتلاكه قدرات جبارة تمنح الانسان الحديث قوة تدميرية لم يسبق لها مثيل.
وهذه الحقيقة ابقت الانسان البدائي لا يفكر بمشروعية او لا مشروعية ما يفعل من اجل البقاء فهو لا يعرف معنى المشروعية غير الموجودة اصلا، وليس لديه قيم تنببهه للانحراف او الخطأ لانها لم تتكون بعد، ولا حضارة ولا قانون ولا ضابط لان الوحشية كانت بداية الانسان، والشيء الوحيد الموجود والمقرر هو فروض الصراع المميت من اجل البقاء. ان الضمير لم يكن تكون بعد ولم يكن العقل الانساني قد تطور ليعقد محاكمات منطقية وعقلانية، فتقررت نوعية وعي الانسان وهو انه وعي مركز ومحدود بقيود ضمان البقاء المجرد، وهكذا لم تكن فكرة الندم او محاسبة الضمير موجودة.

ما الذي يترتب على هذه الحقيقة التاريخية؟


الانسان الذي تحضر وتطور وافترق عن الحيوان وعالمه وقوانين الغاب بعد تحولات استغرقت الاف السنين تقيد بقوانين وقيم المجتمع الانساني بمختلف مراحلها، من مرحلة التنقل البدائي وراء الطعام ثم الرعي ثم تكون العائلة الموسعة ثم القبيلة وصولا لمرحلة الامة والدولة الوطنية واخيرا المجتمع المدني، مرورا بقيم الاديان وروادعها، وعبر هذه الرحلة الطويلة والشاقة تشرب بمنظومات قيم كانت تتحكم به طوعا او اجبارا وكانت تزداد قوة واتساعا مع مرور الزمن وتبلور استنتاجات ودروس تصبح جزء مقوما من قيمه.
وبتأثير ذلك التراكم القيمي المشار اليه ولدت اجيال توراثت منظومات القيم حتى صار التحكم القيمي بالانسان طبيعة ثانية للانسان الحديث، لا يستطيع العيش الامن نسبيا بدونها ولا يفكر الا في اطار ضوابطها ورودعها، فوجد الانسان المقيد بقيم اجتماعية واخلاقية والمالك لوعي كافة العلوم والتكنولوجيا وخبرات الانسان وحكمته ووعيه العام، وكان هذا التطور كفيلا بنقله من عالم الحيوان البدائي الى عالم مخلوق اخر يتكون بسرعة متعاليا على الحيوانية والوحشية، وتكرس هذا التطور بوضع ليس قوانين داخلية ملزمة تحكم الافراد بل ايضا توسع ووضع قوانين دولية تحكم علاقات الدول واسس الامم المتحدة لتكون نظريا على الاقل وسيلة تفاهم وحل مشاكل الامم.

صنع ألة أفتراس لا ترحم

ماذا يحصل حينما تعيد الانسان الحديث المحكوم بقوانين وقيم الى حالة الوحشية وتحكم غريزة البقاء؟ ان اعادة الانسان الى نقطة بدايته الاولى وهي الوحشية الكاملة والتامة، وهي مرحلة سابقة لاي حضارة وخالية من اي قيم انسانية وقانونية واخلاقية، يضع هذا الانسان امام حالة تشوه خطيرة نفسيا وفكريا وقيميا، فهو ليس خاليا من تجربة عتيقة لقيم تحكمت به الاف السنين ولا متحرر من روابط قانونية او تقاليدية خضع لها كما كان الانسان الاول، بل هو متأثر بكل هذه القوانين والقيم والضوابط والروادع ويعرفها ودرسها وعاشها وتحمل نتائج خرقها، لذلك فانه حينما يضطر للتخلي عنها تحت ضغط حافة الموت لا يمكنه نسيانها او تناسيها او اهمالها او تجنب تأثيراتها عليه. كما انه طور ذكاءه عبر الاف السنين من التحولات فاصبح فهمه للامور عميقا وقدراته كبيرة على ابتكار وسائل الابداع والدمار في ان واحد، وهو جرب الحروب الحديثة بكل ما فيها من تكتيكات واساليب تدمير منظمة للعدو، وامتلك اجهزة مخابرات لعبت دورا حيويا في تنظيم القتل والخداع بطرق عبقرية مذهلة، لذلك نرى الانسان الذي يصل حافة الموت الان اشد وحشية وخطرا بكثير وبصورة مرعبة من الانسان الاول الذي لم يعرف القيم ولا فنون القتل الجماعي ولا تخطيط المخابرات لكيفية ابادة الاخرين.


ولعل اكثر مميزات الانسان الحديث خطورة وغرابة هي ظاهرة ان الانسان الحديث ابن الحضارة خصوصا الاوربية وامتدادها السرطاني امريكا، يتميز عن باقي المخلوقات الحيوانية بانه لم يعد يقتل او ينهب لاجل تحقيق حاجة بايولوجية تحفظ بقاءه وهي الاكل والتناسل، بل اصبح يقتل ويسرق ويخدع رغم انه غير مضطر لفعل ذلك غريزيا لانه شبعان، بل اخطر من ذلك انه متخم المعدة ويشبع ما بين ساقيه باسهل الطرق ولا يضطر لمقاتلة حيوان اخر من اجل التناسل،
وثري لدرجة انه يملك مالا يكفي لاعالة الاف الافراد، وهو امن لانه يملك الاسلحة المتطورة جدا التي تحميه، ومع ذلك فانه يقتل وينهب ويعتدي ويغتصب النساء والاطفال وحتى الشيوخ ويتلذذ بالعدوان!!
والامريكي الذي احتل العراق قدم ويقدم لنا صورة مفجعة لامكانية تحول الانسان الى حيوان هو الاشد افتراسا ووحشية وانعدام الروادع لديه في كل تاريخ المخلوقات المختلفة من النملة حتى الضبع، كما راينا ذلك في العراق المحتل، نحن ضحايا الوحشية الامريكية ولم يخبرنا بذلك احد، ففي ابو غريب مثلا كان ضباط وجنود امريكيين يتسلون بقتل العراقيين واذلالهم وتعذيبهم واغتصابهم وتصوير ذلك المشهد الذي لم يفعله اي حيوان عبر تاريخ الحيوانية كله. ومن يعتقد بان ابو غريب عمل منفرد واستثناء، كما ادعى بوش الصغير، يقع في خطأ دعائي امريكي لان كل معتقلات العراق وبيوته صارت مثل ابو غريب، واكثر منه في حالات كثيرة، تمارس فيها القوات الامريكية كل انواع القتل وسرقة اموال الناس الفقراء والاغنياء واغتصاب النساء والاطفال، وما ابادة اكثر من مليوني عراقي بعد الغزو فقط الا دليل حاسم على هذه الحقيقة.


ويصل موت ضمير الامريكي المحتل حد انه يطالب الضحية بدفع تكاليف وتعويضات عن غزوه للعراق وابادته للعراقيين ويحصل على تعويضات بالقوة مع ان الضحايا الذين قتلوا وعذبوا ونهبت اموالهم وشردوا من ديارهم هم من يجب ان يأخذ التعويضات وليس الجلاد المفترس!!! والسبب واضح فالامريكي ليس ابن حضارة بل هو الوريث الشرعي لسايكولوجيا المجرمين البريطانيين الذين نفتهم بريطانيا الى العالم الجديد، اي امريكا، تخلصا من اعدادهم الكبيرة وهو ايضا وريث عقد الاضطهاد الديني والطبقي في بريطانيا واوربا.

من هنا، وبسبب ذلك، حطم الاستغلال الذي تعرض له الاجداد الاوائل للمهاجرين الى امريكا منظومة القيم لديهم وجعلهم يسعون للبقاء المجرد من اي قيم او روادع وترسخت في اعماقهم ايديولوجية واحدة تتمركز حول هدف واحد وهو تحقيق الفائدة الانانية الفردية الصرفة، وعبر عن هذه الحقيقة بالفلسفة الوحيدة السائدة في امريكا وهي البراغماتية التي تجعل من الانسان الفرد مصدر الاحكام والقيم ومقرر الخطأ والصواب وليس المجتمع والقانون العام، ويترتب على ذلك انه حينما يتمكن الامريكي ويملك القوة يمارس افعالا لم يمارسها حتى الجلاد الذي اضطهد اجداده قبل بضعة مئات من السنين وصنع لديهم عقدة استسهال قتل البشر وابادتهم بلا رحمة.


وهنا تكمن خطورة الدفع نحو حافة الموت : فهي بتحطيمها لمنظومة القيم تفتح (صندوق باندورا)


وتنطلق منه كل الشرور المختزنة بلا شعور وبشعور مخلوق لم يكتمل تطوره بعد، وهي شرور خطيرة ومدمرة، ومنها اللصوصية وعهر الجسد وعهر الضمير الاشد سقوطا وخطرا من عهر الجسد، والكذب المنظم والمتعمد لاجل تدمير الاخر وافناءه، واستخدام التكنولوجيا في تحقيق مأربه وممارسة احط اشكال الخداع للحصول على المال، بما في ذلك الغدر باقرب الناس اليه، وفي مقدمة النتائج على الصعيد العام بروز استعداد واضح لخيانة الوطن الذي تدهورت قيمته بسقوط منظومة القيم وتلك اثار ونتائج ما نطلق عليها مصطلح متلازمة امريكا، او كما تسمى باللغة الانكليزية


(Americansyndrome).


ولان امريكا كما وصفها برنارد شو هي ( البلد الوحيد في التاريخ الذي انتقل من البربرية إلي الانحلال دون أن يمر بعصر الحضارة)، فأنها بحاجة حتمية لعالم ينسجم مع وضعها ومثلها تماما افراده وحوش تتزيا بزي البشر، لا تحكمهم القيم الانسانية والاخلاقية بل القوانين التنظيمية البراغماتية الطابع، وهذا نراه متجليا عند احتلال امريكا لبلد ما فما ان تحتله حتى تبدأ فورا بتنفيذ خطة اخطر من خطة الاحتلال العسكري والنهب الاستعماري للثروات وهي تفتيت منظومة القيم في المجتمع والتي تتحكم بهذه الدرجة او تلك بافراده وتضمن انساقا من السلوك معروفة ومسيطر عليها اما بالقوانين او بالاعراف والتقاليد، واستخدام العنف في اكثر اشكاله وحشية وتطرفا بما في ذلك ابادة الملايين دون تردد، كما حصل للهنود الحمر وللفيتناميين وللعراقيين وغيرهم. وبما ان تفتيت القيم لا يمكن ان يحدث بسرعة لانها مكون نفسي وثقافي عميق الجذور في وعي الانسان وتراثه وتقاليده فان خلق بيئة قاهرة تفتت القيم تصبح الهدف الستراتيجي الثاني بعد تحقيق الغزو وهو ما رايناه بوضوح كامل وبلا اي غموض في العراق حينما بادرت امريكا وعمدا وتخطيطا الى تهديم الدولة والمجتمع ولم تكتفي باسقاط النظام الوطني، ولذلك فمن يظن ان امريكا لم تتعمد تدمير الدولة والمجتمع في العراق وان ذلك كان خطأ بول بريمير الحاكم الامريكي للعراق واهم ولا يعرف امريكا ولا كيف تخطط وتعمل وعدم المعرفة هذه تفضي الى الانتحار حتما.

التطبيق العملي

ان ما حدث في العراق قدم لنا صورة انموذجية لكيفية نقل مجتمع ما وبسرعة من مجتمع تتحكم فيه منظومة قيم الى غابة تسودها قوانين الغابة، لكنها غابة تختلف عن غابة الانسان الاول الاحادية الدافع، وهو البقاء المجرد، في نقطة جوهرية وهي انها غابة تملك سمات مركبة ومعقدة في اوضاعها ودوافع ساكنيها ففيها كل الوعي الانساني مركزا ومطبقا بصيغ انتاج الوسائل الحديثة للقهر والخداع والحرب بكافة اشكالها، كما ان فيها الانانية التي تطغى على الغيرية بتأثير حافة الموت، فتختلط غريزة البقاء بالقدرة على ليس على انتزاع الطعام من الاخر دون قتله، كما كان يفعل الانسان البدائي، بل اصبح افناء الاخر وايصال الايذاء مرحلة لم تكن متخيلة من قبل الانسان الاول هدفا بحد ذاته وسلوكا متغلبا وتقليدا شعبيا يصفق له الملايين من الامريكيين حينما يستمعون لرئيسهم يخبرهم بقتل الالاف واستعباد الملايين، وهو ما رايناه في ارتفاع شعبية هذا القاتل المجرم بعد غزو العراق وتدميره!


في العراق راينا لصوصية على نطاق واسع وراينا التسابق العلني على النهب وسرقة اموال الدولة


وراينا التزوير يصل مرحلة الفضيحة مثل فضيحة الشهادات المزورة، وراينا الاخ يغدر باخيه او بابن عمه، والجار يستولي على دار جاره ويطرده منه بعد عشرة عمر طويلة وملح وزاد، وراينا من كان وطنيا يعمل بنشاط تحت امرة الاحتلال مقابل المال. وفي هذه اللوحة المأساوية من متلازمة امريكا راينا التفنن بالخداع والقتل والاحتيال والخيانة بصورة تصدم الضمير الانساني، وراينا العهر ينتشر والمخدرات تصبح الملاذ الوحيد لبعض الناس لنسيان واقع كارثي غير مفهوم، وواجه ويواجه ابناء العراق كل ما لا يخطر على بال من اعمال وانحرافات لم تكن تخطر ببال اشد العراقيين تشاؤما! كل ذلك حصل بتخطيط ورقابة وتوجيه امريكيين تامين ومتواصلين، لان هدف امريكا لم يكن اسقاط النظام الوطني فقط بل الاهم كان تدمير العراق وانهاء مصادر حيويته وقوته وتركه مريضا لعدة عقود من الزمن بعد تقسيمه اربا اربا. وتلك هي مكونات سيناريو الفيلم التفاعلي الامريكي في العراق والذي وضع قبل سنوات من غزوه.

ولان الوعي الناجم عن متلازمة امريكا بعد حصول الكارثة هو وعي انتقائي صرف فان تنويع اشكال الابادة والتفتيت ضرورة يفرضها وعي الانسان الحديث وهو في قمة تطوره العلمي والتكنولوجي، ومنها ما يملكه من وسائل الخداع والتضليل التي لم يكن الانسان البدائي يعرفها كالاعلام الفضائي والانترنيت المسيطر عليهما بقوة وبشكل تام، ولذلك فان متلازمة امريكا في العراق كانت واضحة جدا في تنفيذ هدفها الستراتيجي الابعد وهو تقسيم العراق، لكنها في الاقطار العربية الاخرى تختلف تجلياتها واساليبها وخططها هنا او هناك. فحينما بدات خطة افقار الشعب العربي او زيادة فقره واذلاله وحرمانه من الحد الادنى من حقوقه الانسانية، منذ عقود سواء تحت ظل انظمة وطنية كنظام عبدالناصر وصدام حسين، او تحت ظل انظمة عميلة وتابعة وفاسدة، كانت امريكا تتعمد تعظيم وتضخيم وتنمية كل الامراض التقليدية في المجتمع العربي، ونشرها، بل كانت تتعمد زرع وخلق امراض اجتماعية لم تكن موجوة اصلا من اجل التعجيل بتفتيت منظومة القيم تمهيدا لتدمير الدولة والمجتمع.



تنويع اشكال الابادة والشرذمة

وكان تدمير الدولة والمجتمع في العراق قد تم عن طريق الغزو المباشر وفشل الغزو في تحقيق الاهداف الامبريالية كالسيطرة على نفط العراق بصورة مستقرة واعادة بناء الصناعة النفطية، فدفع هذا الفشل الى تدمير الاقطار العربية عن طريق اخر يجنب امريكا ما تعرضت من خسائر كارثية في العراق، وهو طريق لا يكلف امريكا رجالا ومالا بوضع وتنفيذ خطط تفجير الغضب الشعبي المتراكم والمشروع على الانظمة وليس على امريكا والصهيونية بل لخدمتهما مباشرة، مع التخطيط لادخال عملية التغيير في قناة ضيقة هي قناة الحرب الاهلية، التي تعقب مرحلة العذاب والمعاناة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لعدة عقود وصولا لتقسيم الاقطار العربية بعد وضع الناس العاديين على حافة الموت، فالانسان الذي انتظر الخلاص حتى يأس منه بعد اكثر من اربعة عقود يرى فجاة ان الخلاص ممكن وان اسقاط الديكتاتور هو الخطوة الاولى نحو خلاصه، لكنه ما ان يسقط الديكتاتور ويفرح بانجازه الكبير وتتجه نفسه نحو البديل المنتظر يفاجأ بصدمة ان من امسك بزمام الامور ليس الشباب المنتفض بل اركان النظام السابق انفسهم بعد التضحية براسه!
بفضل حث واجبار الرغبة في اسقاط النظام وطغيانها على كل شيء وبصورة تحددها غريزة البقاء في مواجهة الموت البطيء الذي فرضه النظام اهمل المنتفض ضد الديكتاتورية كل المؤثرات الاخرى وركز بصره ووعيه وعواطفه على اسقاط النظام فقط، وهنا راينا الذكاء الشيطاني الامريكي مرة اخرى، فتحت حث واجبار هدف التخلص من ظلم النظام قبل المنتفض ان تكون انتفاضته ديمقراطية فقط ومعزولة عن الاطار التحرري وقبل ان تدعمه امريكا وحلف النيتو واخذ يبرر ذلك بان المهم الان هو اسقاط النظام ثم بعد ذلك نطرد امريكا والنيتو! وفكرة جعل التخلص من النيتو وامريكا بعد اسقاط النظام ليست فقط تفكيرا غريزيا متوقعا من المنتفض اليائس من النصر بل هي ايضا لعبة امريكية، فلكي تصطاد فأرا عليك ان تضع جبنة له ليشمها ويدخل القفص، والجبنة الامريكية كانت زرع وهم الامل في التخلص من التأثير الخارجي بعد اسقاط النظام وليس بالترابط العضوي بينهما كما تفرض الضرورة وواقع الصراع وجدليته التاريخية.

من شيطنة امريكا الى عشقها

وهكذا اختفى كره امريكا التقليدي او ضعف وحّيد لدى البعض وكان ابرز تعبير عن ذلك هو الفصل المثير لاعمق الشكوك والمصطنع بين الديمقراطية وحقوق الانسان من جهة ومطاليب التحرر من الاستعمار والنفوذ الغربي والصهيوني من جهة ثانية، مع ان الربط بينهما كان خطا ستراتيجيا ووطنيا ثابتا في كل مراحل نضال الاقطار العربية، لان احد اهم سببين لفساد وديكتاتورية الانظمة هو تبعيتها لامريكا وتشجيع امريكا للانظمة على الفساد والقمع والاستبداد وحمايتها من السقوط. ان غياب الشعارات المعادية لامريكا وللنيتو وللصهيونية من الانتفاضة في مصر وتونس ومن تظاهرات اليمن وسوريا كان ظاهرة تقدم بلا لبس وغموض فكرة عن التاثير الامريكي في مسار الاحداث ومن يتجاهل هذه الحقيقة يحكم على نفسه بانه التهم جبن المصيدة الامريكية.


بل وتجرأ بعض المعارضين للنظامين في سوريا وليبيا مثلا على دعم خطط التدخل الامريكية والاطلسية،

كما حدث في ليبيا التي طلبت معارضتها دعم النيتو علنا وبلا غموض واصبحت الحرب التي يشنها النيتو على الشعب الليبي هي المصدر الاساس لقوة المعارضة واستقبلت المعارضة فيها الصهيوني هنري ليفي الذي نقل رسالة واضحة جدا من قيادة المعارضة الليبية الى رئيس وزراء الكيان الصهيوني تؤكد ان المعارضة الليبية اذا وصلت للسلطة فسوف تقيم علاقات قوية مع الكيان الصهيوني، او كما حصل في حماة في سوريا عند زيارة السفير الامريكي لها واستقباله بالورود والرز وسط مظاهرة كانت الاغرب في الاحداث العربية، كأن امريكا محرر للشعب السوري مع انها مازالت تذبح الشعب العراقي وتحتل العراق وتدعم بصورة اكثر مما مضى الكيان الصهيوني!


كل ذلك عزز اعمق الشكوك بان الدور الامريكي حاسم في تقرير مسار الاحداث والمطاليب وهو السبب في الفصل المصطنع بين الديمقراطية ومطلب التحرير من الغزو الامريكي والصهيوني. هنا نعود لنقطة البداية، فالانسان الذي اوصل لحافة الموت وقتله اليأس وجد فرصة نادرة واستثنائية لاول مرة للتخلص من النظام فكان منطقيا في ظل ضغوط وضعية حافة الموت ان يحني راسه لامريكا ويقبل بدعمها وينسى جرائمها ويرحب بدورها في التغيير واخذت عيونه قبل اذانه تطرب لسماع املاءات امريكا على لسان هيلاري التي تقول وتكر ر القول : لقد سقطت مشروعية الحاكم الفلاني، وعلى الحاكم الفلاني ان يرحل فورا!


تداعي اوهام هشة

هنا نحن بمواجهة مباشرة وحادة مع الوعي الانتقائي الذي ينفصل عن اطاره العام والطبيعي والضروري وهو الوعي الشامل المتعدد الاوجه والاحتمالات لاي قضية او حالة، والذي يصر، اي الوعي الانتقائي، على رفض اعادة ارتباطه باصله وبيئته الطبيعية وهي الوعي الشامل غير المنقوص والذي يوفر وحده امكانية فهم ما يجري بصواب ودقة وموضوعية، لان الوعي الانتقائي يتعمد خداع الذات بفكرة ان من الممكن تحقيق نصر بعد اسقاط النظام على امريكا مع ان خيوط اللعبة الرئيسة بيد امريكا وليس بيد الشباب، كما اثبتت تجربة مصر وتونس اللتان انتهتا بانفراد المجلس العسكري بالحكم وهو مجلس السادات والتطبيع مع اسرائيل، والتبعية العسكرية لامريكا وهو نفس حال مجلس بن علي! ان معارك يوم 30/7 في سيناء بين الشباب الثوري المصري والنظام العسكري عندما فجر الثوار الحقيقيون في مصر خط امداد الكيان الصهيوني بالغاز المصري للمرة الرابعة كانت تعبيرا رائعا وصحيحا عن وجود روح للثورة الحقيقية في مصر وهي ثورة مركبة تحررية وديمقراطية في ان واحد وليست مثل انتفاضة الشباب الاحادية الجانب في ميدان التحرير.


الوعي الذي تحدده مسارات حالة حافة الموت التي تفرضها امريكا لانتزاع الانسان رغما عنه من بيئته القيمية والوطنية هو وعي انتقائي بكل ما تعنيه اكاديميا وسياسيا وسايكولوجيا كلمة انتقائية، وهو لذلك ليس سوى وعي شيطاني هو الاشد تضليلا للناس من ضحايا النظم، وهو تخريب متعمد ومبرمج للوعي السليم الذي يرى صورة الصراع بكافة مكوناتها وعناصرها ومؤثراتها خصوصا التحررية والديمقراطية، لانه وعي يجعل الانسان يستسلم لغزيرة البقاء فقط ويبعد الانسان عن قضاياه الحقيقية، من جهة، ويحرك فيه عقد نفسية تعويضية كالرغبة المحمومة في تحقيق نصر ولو بالتوهم والايهام، من جهة ثانية. وما يجري الان في الوطن العربي ووقوف البعض على عتبة واحدة مع امريكا وحلف النيتو في موضوع ما سمي ب (ربيع العرب) يؤكد خطورة الوعي الانتقائي وامكانياته الهائلة في توريط عدد ليس بالقليل من المثقفين العرب في مواقف تخدم امريكا مباشرة من خلال قيام الوعي الانتقائي بطمس معالم صورة الحدث الكاملة والشاملة والتركيز على جزء منها فقط.


فكر بقوة الوعي الانتقائي فقط تجد نفسك في حضن امريكا رغم انك تسبها بحماس لا حدود له كما فعل خميني الذي كان يومه يتصرم وهو يشتم الشيطان الاكبر لكنه كان يقبض منه السلاح رسميا لمحاربة العراق! لا فكاك من الوقوع في فخاخ امريكا والصهيونية حالما نقع في مستنقع التفكير الانتقائي، انه لعنة الحاضر التي تخمر لعنة اشد هولا للمستقبل العربي اذا لم نفقأ عين الوعي الانتقائي ونطرده من ساحة معرفتنا.
يتبع.
31/7/2011
Almukhtar44@gmail.com

*ملاحظة : متلازمة هي الترجمة العربية لمصطلح طبي هو syndrome)) اي مجموعة الظواهر المرتبطة بمرض ما والتي تظهر تعبيرا عن وجوده، فمرض الايدز مثلا هو الاختصار الشائع لمصطلح جديد برز في ثمانينيات القرن الماضي وهو متلازمة نقص المناعة المكتسبة Acquired immune deficiency syndrome) (وتكتب اختصارا (Aids) ، ولذلك فان امريكان سندروم تترجم متلازمة امريكا، وهي كل ما يتعلق بعمليات الغزو الامريكية للشعوب الاخرى من اثار ونتائج وتحولات في الدولة والمجتمع والانسان، خصوصا الاثار النفسية والفكرية والثقافية، والتي رايناها في فيتنام بصورة جنينية ثم رايناها في العراق بصورة مجسمة وكبيرة نظرا لتطوير امريكا لوسائل نفسية وطبية وفكرية سخرت لخدمة هدف انجاح الغزو وادت لبروز اثار في المجتمع سببها زرع بذور وتنميتها عمدا وتخطيطا وليس كنتائج عرضية غير مقصودة فقط وابرزها تشويه منظومة القيم ومحاولة تدمير اسسها.

شبكة البصرة

الاحد 30 شعبان 1432 / 31 تموز 2011[/COLOR]






  رد مع اقتباس
/