۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - عزف منفرد (قصة قصيرة)
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-04-2018, 12:03 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
محمد خالد بديوي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / عمون
الاردن

الصورة الرمزية محمد خالد بديوي

افتراضي رد: عزف منفرد (قصة قصيرة)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد فتحي المقداد مشاهدة المشاركة

عزف منفرد ..

قصة قصيرة
بقلم - محمد فتحي المقداد

قطع شروده بشكل مفاجئ، وهو يفصل البيانات عن هاتفه النقّال، بضغطة خفيفة من سُبّابته التي تباعدت مسافة عن أختها الوسطى، السيجارة المضغوطة بينهما تنفّست انتفاخًا على طرف المنفضة الغاصّة بأعقاب السجائر المُتكوّمة على مدار ساعات، مُحمّلة بهموم وأنفاس مُدخنيها الحرّى بقهرها.
سُحُب الدّخان تتصاعد بلا توقّف، وبصيص النّار يسري في جسد السيجارة، مزيد من الاحتراق يؤجج سُحُب الدُّخان تتباعد بالمسافة الفاصلة بينهما على طرفي الطّاولة حدّ محيط الظُلُمات.
عيناه ساهمتان باتجاه باب المقهى، كُتُل الدخان تشوّش ملامح وجهها، لم تشعر بانفصال هذه اللحظة القاتلة في حياته.
– حبيبي زياد منذ البارحة أخذتُ موعدًا مع (الكوافير)، أرتاح كثيرًا للمكان رغم تباعده عن بيتي، لطافته آسِرة يعمل بإخلاص، وتسريحاته متميّزة، فَهمَ ذوقي من أوّل زيارة له.
حركاتٌ من عضلات وجهه كانت أقرب للتشنّجات، ترافقت مع مطّ شفتيْه للأمام ورفع حاجبيْه للأعلى، كانت لغة مزدوجة أدخلت شعورًا من الزهوّ أمطر طمأنينة على قلبها، تشكيلات الدّخان جاءت على شكل وجه له ملامح حبّ قديم مطبوع في ذاكرته.
تستعر شهوتها للكلام عن فستانها الأحمر.
– محلّ أزياء أأتعامل معه منذ زمان، بضائعه يستوردها من تركيّة، وعنده قسم خاص بالملابس الإيطاليّة، رغم فارق السعر بينهما، أختار الأناقة (الطليانيّة) المتميّزة على كل الأصعدة، صاحب المحلّ يتّصل بي عندما تصله دفعة من البضائع، في الشهر الماضي كنتُ نائمة أثناء إجازتي استيقظت على رنين الهاتف، جاء صوته يخبرني بأنّه بعد ساعة سيباشر فتح البضاعة الجديدة حتّى أنتقي أفضلها، قمتُ من فوري غسلت وجهي، نسيتُ تناول فنجان قهوتي الذي أعدّته الخدّامة على الطربيزة.
لم يفتأ رأسه بالاهتزاز على ألحان وصوت (أم كلثوم):
" سمــعت صـوتا هاتــفا فى السحـــر **نادى من الغـيب غُفاة البشر
هبوا املؤوا كــأس المُنى قبل أن ** تملأ كأس العـــمر كف القدر".
يتوقف عند كلمة (غُفاة): "أوه يا إلهي ..!".
صوتُها يتماوج مع صوت أم كلثوم القادم من آلة تسجيل قديمة قابعة على رُفٍّ خشبيّ خلف طاولة المعلم صاحب القهوة، بجانب تلفزيون ضخم يتصاعد من شاشته دخان ناتج عن قصف روسيٍّ على مناطق الغوطة الشرقيّة، عكسته نظّارتها السوداء ذات الماركة العالميّة الشهيرة (فيرساتشي) واسعة العدسات.
فيشتعل في عينيْه فتيل فستانها الأحمر وحُمرة شفتيْها مع حمرة الدماء هناك في الغوطة. أدار رأسه ليتأكد مما رأى من انعكاس النظّارة من المصدر نفسه، رغم ذلك انفتحت شهيّها بمتابعة كلامها، ولم تتأفّف من كثافة الدخان على عدستيْ النظّارة. يضربُ كفًّا بكفّ، يحاول بكامل قوّته إخراج صرخة مدويّة، تنكتم أنفاسه وتصدر عنه: "آه ..". انشقّت من أعماق أحزانه، متجاوبة مع طقطقة عظام قفصه الصدريّ.
- حبيبي زيّود، اهتزاز هاتفي النقّال للمرّة الثانية من متجر فخم متخصّص بالأحذية المُستوردة من أوربّا، مؤكّد أن الدفعة الجديدة قد وصلتهم، منذ شهرين أنتظر(الموديل)
الذي طلبته منهم، كنتُ شاهدته في أحد مجلات عروض الأزياء.
امتدّت يدها تبحث عن الرقم في قائمة الأسماء، نهض من كرسيّه، بخطوات واثقة مشى باتجاه باب المقهى، خياله انعكس في عدسات نظّارتها، النادل واقف بمواجهتها لاحظ صورة زياد من جهة ظهره.
أتمّت مكالمتها، وتفقّدت محفظتها لتتأكد من وجود بطاقة (الفيزا كارد)، خارج المقهى فقدت زياد ولم تعثر له على أثر، ركبت سيّارتها وغادرت.

عمّان — الأردن
16 / 3/ 2018



مزيج غني وثري يتوغل عميقا في نفس ليس بإمكاننا
ملامسة قرارها البعيد. حتى وإن كانت تبدو سطحية..لن
أتجرأ وأصفها بما لا يتوافق مع حقيقتها..وعمق بئرها
البعيد..الغائر في تراب الأرض الذي شكلها أول مرة.
لقد جاء في محكم التنزيل قوله تعالى في سورة طه


{وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}

ومما جاء من معاني هذه الآية الكريمة :

{{ السر ما أسر ابن آدم في نفسه وأخفى ما خفي على ابن آدم
مما هو فاعله وهو لا يعلمه فالله تعالى يعلم ذلك كله ، وعلمه فيما
مضى من ذلك وما يستقبل علم واحد ، وجميع الخلائق في علمه
كنفس واحدة }}


أي عمق غائر في هذه النفس..وصف يجبرك على الإطراق
والتفكر بما أحسست به من معنى، وما لامس قلبك النابض
بأسئلة لا تنتهي مهما حاولت.

في هذا النص مقابلة ما بين نفسه.. ونفسها. ما بينه .. وبينها
تناقض.. وفجوة واسعة.. هوة سحيقة. اهتمامتها التي لا تلتقي
مع اهتمامته..وفي الوصف التالي ما يشير الى عدم وجود نقاط التقاء
ما بينهما.. الى ما يشكل الفاصل بينهما


{{سُحُب الدّخان تتصاعد بلا توقّف، وبصيص النّار يسري في جسد السيجارة،
مزيد من الاحتراق يؤجج سُحُب الدُّخان تتباعد بالمسافة الفاصلة بينهما على طرفي
الطّاولة حدّ محيط الظُلُمات.}}


تستمر المعادلة في توسيع محيطها وتسّرع حركة الدائرة..دائرته المضطربة بسبب
قلق وترقب يأتي من أمكنة بعيدة تدور فيها النار ..تدور الحرائق..وهو يعلم أن أي
إعلان عن انتصار ما.. مجرد وهم. لأنه يدرك أنه ينتمي الى وطن بكل الأحوال سيكون
الخاسر الكبير. وحده الوطن الذي لن يربح ما يتقدم به خطوة واحدة.!
أما دائرتها فتدور بهدوء وبطء غير مكترثة لما يجري على الأرض، ولا في النفس المضطربة
بما يدور على الأرض..ما تدور به الأرض.


{{ يتوقف عند كلمة (غُفاة): "أوه يا إلهي ..!". }}

نعم غفاة البشر.. لن يسمعوا النداء..لن يهبوا من أجل أي شئ
ولا باتجاه أي شئ..وما هي إلا نفس واحدة من ملايين الأنفس
الغافلة عن الحقيقة وصوت الحق.


{{عيناه ساهمتان باتجاه باب المقهى، كُتُل الدخان تشوّش ملامح
وجهها، لم تشعر بانفصال هذه اللحظة القاتلة في حياته. }}


تحتاج الى استيقاظ مشاعرها الغارقة في سبات عميق.

{{ صوتُها يتماوج مع صوت أم كلثوم القادم من آلة تسجيل قديمة قابعة على رُفٍّ خشبيّ خلف طاولة المعلم صاحب القهوة، بجانب تلفزيون ضخم يتصاعد من شاشته دخان ناتج عن قصف روسيٍّ على مناطق الغوطة الشرقيّة، عكسته نظّارتها السوداء ذات الماركة العالميّة الشهيرة (فيرساتشي) واسعة العدسات.}}

نظارتها السوداء.. ذات الماركة العالمية. واسعة العدسات.
عكست القصف.. الدخان المتصاعد إثر هذا القصف.. لكنها لا ترى هذا لقصف ولا تشعر به
وكأن وظيفتها هي أن تعكس ما يحدث هناك.. في مكان أستوطن قلبه. وكأنها بنظاراتها تمثل
الرؤية العالمية لهذه الأحداث دون ـأي شعور بخطورة ما يحدث. وظيفة إعلامية قذرة تستهدف
القلوب المتوقدة بجمر الخوف والارتياب.. وما سينتج أخيرا عن هذا الموت الجاثم على بلاد
واسعة المساحات المحترقة .. وإنسانها ما بين نزوح يصل الى أمن الروح.. وخراب كثير كبير
خلفه..انتظار موت يكون لطيفا..!!



{{امتدّت يدها تبحث عن الرقم في قائمة الأسماء، نهض من كرسيّه، بخطوات واثقة مشى باتجاه باب المقهى، خياله انعكس في عدسات نظّارتها، النادل واقف بمواجهتها لاحظ صورة زياد من جهة ظهره.
أتمّت مكالمتها، وتفقّدت محفظتها لتتأكد من وجود بطاقة (الفيزا كارد)، خارج المقهى فقدت زياد ولم تعثر له على أثر، ركبت سيّارتها وغادرت.}}


هنا انعكاس آخر. لاحظه النادل لكنها أيضا لم تراه.. وخارج المقهى فقدت زياد
فما كان منها إلا أن ركبت سيارتها وغادرت.. وهذا ما يبدو طبيعيا.. هو أحد اهتماماتها
ولن يشكل غيابه أي فرق..هذه التي تراه ضمن تشكيلة من الممكن استبدالها بوضع جسد
آخر مكانه..وحزنه لا يساوي مثقال ذرة في ميزانها المتحضر.!!


أديبنا المكرم محمد فتحي المقداد

أبدعت في هذا النسج الذي لا تصنعه إلا كف محترف
وقلب تذوق المرارات كلها.. حرب ونزوح..واحتراق
لا ينطفئ. سرد جميل وجاذب. وصف دقيق متمكن
وتصوير متقن نقل الصورة بوضوح رغم كثافة الدخان
المتصاعد في فضاء هذا النص البارع.

بوركتم وبوركت الروح ثائرة محلقة
احترامي وتقديري






قبل هذا ما كنت أميز..

لأنك كنت تملأ هذا الفراغ


صار للفراغ حــيــــز ..!!
  رد مع اقتباس
/