[ثناء حاج صالح]

السلام عليكم
مفاجآت شعرية مدهشة تشد الانتباه إلى إتقانها وحسن توظيفها في البناء اللغوي والفني يقدِّمها لنا الشاعر المبدع الأستاذ خالد النبالي طازجة يانعة:

أُجَدِّدُ عُمْرِي إذا مَا انْتَهَى
وَأعْزِفُ لَحْنَ الخُلُوْدِ الجَمِيْلْ

مفاجأة أولى تطل عبر الطباق الأول بين الفعلين (أجدد) و(انتهى) . فهل يُعقل تجديد العمر عند انتهائه؟
لا شك أن الشاعر يقصد بتجديد العمر استمرار ذكره مع استمرار الزمن . فهذا هو لحن الخلود الجميل الذي يخلد الإنسان فيه بخلود اسمه .

وَأُوْقِنُ أنَّ الرَّحِيْلَ قَرِيْبٌ
وَأُخْفِي يَقِيْنِي بِسِنِّ الرَّحِيْلْ
بيت رائع يعالج فيه الشاعر فكرة الإصرار على التشبث بالأمل حتى اللحظة الأخيرة من العمر . فاليقين بالرحيل/ الموت لا يثني الشاعر عن الأمل . والمفاجأة أنه يوقن بقرب الرحيل . ثم يخفي يقينه . فإخفاؤه ليقينه يثير عندنا الرغبة بتأمل الدوافع الإنسانية ، وكيفية مواجهة الإنسان لفكرة الموت بتجاهله أو كيفية تحديه بتجاهله وعدم الاستسلام له قبل مجيئه. هي فلسفة إرادة الحياة والقبول بالقدَر دون خوف أو يأس . بسبب وجود حافز عظيم يؤثر في أعماق الإنسان / الشاعر ويزيده قوة ورغبة بالاستمرار

لِأُدْرِكَ غَرْسِي بِيَافَا وَعَكَّا
وَأحْصُدُهُ في بَوَادِي الخَلِيْلْ
الغرس في يافا وعكا والحصاد في بوادي الخليل . مقابلة رائعة بين الغرس والحصاد ، وبين الحصاد وكونه في البوادي . ولأن الغرس يمتد وينتشر ويتجاوز المكان فإن ما غرسه الشاعر في يافا وعكا ينمو وتتسع أرضه فيُحصَد في الخليل. بناء شعري رصين وكناية رائعة عن طبيعة المحصود الذي لم يحددها الشاعر وترك للقارئ حرية اختيارها مما يمكن غرسه وحصاده مجازا.

وَأُكْمِلُ في رِحْلَةِ العُمْرِ قَوْلِي
وَأُعْلِنُ للمُقْعَدِيْنَ الوُصُوْلْ
هو القول قول الشعر . و يأتي متأخراً ليصبح إكمالا واختتاما لرحلة العمر . فذلك إعلان وبشارة للمقعدين الذين لا يستطيعون التحرك بأنفسهم .أنهم سيصلون بوصوله . لأنه قد يعتَبَر في حكمهم ظاهرياً، وبسبب المعيقات التي كانت تمنعه من التحرك كما يشاء .

قصيدة جميلة تثير الحماسة على المبادرة في العطاء ، كما على تحدي الصعاب ، وتذليل العقبات.
أمتعني الشعر. وأعجبني حسن التصوير ، والسبك والتماسك في التراكيب .
دام إبداعكم
ولكم التحية