۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-09-2020, 11:35 PM رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : سـبّل شـجونك فـي رُفـات قـصائدي
النّاص : بهاء الدين أبو جزر
القراءة : جهاد بدران
.........................

النّص :


سـبّل شـجونك فـي رُفـات قـصائدي
هـل شـبَّ فـيك ولـيدها يا مُتعِبي...!؟
***
واســـأل عـيـونـك إذ تُــداعـب هـيـبةً
وجـــــه الـهـلال...كـسـيرةً لـمـنـاقِـب
***
في الليل عزَّ...على الغريب تأوُّهي
هـل نـام خُبزك في نصال مشذِّب...!؟
***
خِـيَـم الـسّـراب تـلـوح حـيـن يـشـكُّها
حـــرُّ احـتـفائك فــي رمــال مـصـائبِ
***
جــــــدبٌ كــبــحــرٍ مــيّـتٍ...وجـذورنـا
تـغـتـالـها بــعـنـاق صــــبٍّ مُــسـهِـب
***
لا ضــيـرَ إنْ وُئـــدت بـلـيـلك لـوعـتـي
أو شـــاب فــيـك الـــودُّ...ذاك مُـهـذِّبي
***
مـــا عــاد وجـهـك فــي كـتـابي لائــذاً
فـاحمل ظـلالك فـي الـضمير الـغائبِ

"الكامل"


القراءة :

يا لروعة هذا الحرف البهي الكبير ...
ابتدأت أضواء لوحتك هذه من فوهة هذا العنوان الرمزي المبهر...
الذي يحمل عبرا وشجونا وحكمة ..ويتوارى خلفه أكواما من التأويلات التي تصلح أن تكون عامة وليست خاصة بالشاعر فقط..وهذا بحد ذاته قمة الإبداع والتصوير..
لهذا الشاعر قدرة عظيمة في ثنيه للحرف وإبراز مفاتنه وفق الفكرة التي تراوده وتحثه على المكوث في ينابيع من جمال...

حرف يمنحنا بقوة للتحليق عبر أفق الخيال ويجبرنا من قوته أن نقف للبحث والتنقيب عن أسرار هذا الجمال..حرف معجمه لا ينتهي الجمال عنده بل يبقى يتناسل سحرا وعذوبة..
العنوان هذا ..يدل على قدرة الشاعر في رصد حروفه في مواطن القوة ..مما يشهد على براعته وذكائه في تغليف أفكاره في منظومة إبداعية متناسلة لا ينقطع الوريث من جمالها..


/ سـبّل شـجونك فـي رُفـات قـصائدي
هـل شـبَّ فـيك ولـيدها يا مُتعِبي...!؟ /

كل الأوجاع اجتمعن تحت ظل هذا البيت ..فما أوسعه وما يتسع من جمال في شجون تنعي وتبكي رفات القصيد..ومن عمق الجراح الذي يفيض منه الألم..قام التساؤل منافحا وقع الشجون والحزن على وليد القصيدة وتناسل الرفات وموتها..
قمة الجمال انغرس في أرض هذا البيت ..حيث فتح أبواب التأويل على مصراعيه..وتداولت لغة الجمال عناقيدها بين السطور..لغة عميقة متوهجة النبضربطت بين الفكرة والصور الحية والتي حاورتها لغة المشاعر ..لتكون سفيرة الوجع في نحت قلب المتلقي وجعا وتأثرا بجمالية السبك والربط...مما أعطى للأوصاف القادمة لغة متعددة الأفق..وهذا هو الوعي اللغوي بقيمة التراكيب البنائية لكل كلمة باتت على هيئة صور باذخة الجمال قادتها مفردات حية كانت سببا في خلق التفاعل المتوهج بين النص والمتلقي..وهذا هو من سر جماليات البناء السحري للحروف...

/ واســـأل عـيـونـك إذ تُــداعـب هـيـبةً
وجـــــه الـهـلال...كـسـيرةً لـمـنـاقِـب /

اللوحة والصورة الشعرية هنا تفوق الجمال بوصفها..
هذه الصورة تأخذنا للتدبر والتفكر والتأمل من قوة نسيجها الإبداعي ..فالهلال ورؤيته له دلالات عدة ..ولعله يذكرنا بشهر الخير والبركة..في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام:" صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"..والهلال رمز للأيام والشهور في النقصان أو في بداية الإستعداد لاستقبال الجديد الغامض..ويبقى له تأويلات عدة ..
فالهلال نقصان أيام لتتويج يوم جديد وشهر جديد..فيه انحناءة ربما يأخذها الشاعر كناية عن الوجع..ونقصان لفكرة يريد تأويل رؤياها وفق منظومة فكره وخريطة حرفه..لذلك كانت ألفاظه(كسيرة لمناقب..)بمثابة دعم للألم الذي يحل به...
الشاعر هنا يسيطر على اللغة والألفاظ سيطرة شديدة فتنقاد له اللفظة وتصبح أداة لأداء الحروف وموسيقاها اللفظية العذبة وتميزها عن غيرها ..لأنه يزرع في جوفها عمق كبير ومعاني تتفتح عبرها بنات الأفكار ولا يستأذننا الخيال في التحليق...

/في الليل عزَّ...على الغريب تأوُّهي
هـل نـام خُبزك في نصال مشذِّب...!؟

خِـيَـم الـسّـراب تـلـوح حـيـن يـشـكُّها
حـــرُّ احـتـفائك فــي رمــال مـصـائبِ /

الليل كناية عن الظلمة والظلم والسواد في العيش والحال...عدا عن دلالات عدة تنصب في تجاويف الليل المعتم ...والوجع يرتفع نبضه حين تغيب الأحداق في صمت النظر وتغيب عن الوعي العيون..تصمت كل الأصوات ويبقى الألم يتأوه ويزداد طرقاته والكل نيام..والإنسان يلتجئ لليل للشكوى وعرض مسلات الألم والمناجاة ..فمن هم من جلدتنا لا يحس بهذه الزفرات إلا غريب الديار..بعد ان نام الخبز في نصال مشذب..وهذا كناية عن الرخاء والعيش الهانئ في احتضار..

/ خِـيَـم الـسّـراب تـلـوح حـيـن يـشـكُّها
حـــرُّ احـتـفائك فــي رمــال مـصـائبِ /

وأما هذه الصورة الشعرية التي تلوح بقمة الوجع ..حين نقاوم ونجاهد ونركض نحو الخلاص فلا نجد إلا السراب برمته يلوح لنا ونعود صفر اليدين من أمن واستقرار وعيشة هانئة...وتهرول المصائب نحونا...
الصور الشعرية هنا حققت الدهشة بشكل بليغ مؤثر جدا..مما لفت نظر المتلقي وكشف المعنى المغموس في قلب الصور والتشابيه المتقنة...فألبست الفكرة لغة جذابة مشوقة لفتح نوافذ أسرارها العميقة...
وأحدثت الصور علاقة متينة بين اللغة الجزلة وبين الحواس..ما جعلها تثيرها وتكون صلة قوية مع المتلقي..لتجعل منه إثارة للخيال تربط المتلقي والشاعر بعملية عكسية .بين الشاعر الذي ركب الصور الشعرية من الحروف المفككة .،وبين المتلقي الذي تلقف الصورة وفككها ضمن منظومة فكره وقدرته العقلية التخيلية...وهذا بحد ذاته يفتح للذهن آفاقا لا تتسعها حدود...

/ جــــــدبٌ كــبــحــرٍ مــيّـتٍ...وجـذورنـا
تـغـتـالـها بــعـنـاق صــــبٍّ مُــسـهِـب

لا ضــيـرَ إنْ وُئـــدت بـلـيـلك لـوعـتـي
أو شـــاب فــيـك الـــودُّ...ذاك مُـهـذِّبي /

الله الله على هذا التصوير الذي ينحت بأظفاره جسد المعاناة والذل الذي يركب صهوة اللوعة والحزن ..ويطوف بنا في جدب الأمان والعدل والأمن والحياة الطيبة..
لا ضير أن ولدت بليلك لوعتي...يا لروعة وقوة هذا السبك المدهش والصور المتينة البناء والتي فاضتوبها الرمزية والدلالات وانطلقت عبرها طاقة إبداعية فجرت معالم الصور والأداء...
استعارات لأدوات البلاغة كي تفيض بالنتلقي الدهشة وتشتعل المشاعر كلما مرت الألسن والعيون عليها...
هنا قام الشاعر بعملية تحريك لمفردات اللغة بإتقان بتلاؤم مع الحس الداخلي والخارجي..بترابط مع روح النص ..لتوسيع بؤرة المعاني الإشارية فيها..وهذا يزيد من تفاعل الإحساس الداخلي مع عناصر النص التي احتوتها المعاني بعمقها المذهل..

/ مـــا عــاد وجـهـك فــي كـتـابي لائــذاً
فـاحمل ظـلالك فـي الـضمير الـغائبِ /

يختم الشاعر لوحته المبهرة..بهذا البيت الذي كان زبدة قصيدته وشهدها الذي لخص كل معاني القصيدة ..وعكس بهذه القفلة الإبداعية ..جماليات الفكر والبناء والذكاء الأدبي الذي يتقنه الشاعر بحرفية واضحة لا غبار عليها...
هذا البيت يحمل من تأويلات وأبعاد أسرت خيالنا بقوة التحليق بعمق ما فيه من معاني باذخة...
ذلك الضمير الغائب الذي هو سبب لوعتنا وتفرقنا وتمزقنا.. وضياع أمتنا..
وللضمير هنا تأويلات عدة ..كالضمير الملاصق للكرامة والأخلاق والخشية من الله..وما بين الضمير الذي يحمله هو .هي ..هم...الذي يسقط على تفاعل الفرد مع الآخر في المجتمع...والذي يرتبط بالسلوكيات...


أستاذنا الكبير الشاعر المبدع
أ.بهاء الدين أبو جزر
قدمتم لنا لوحة جمالية مبهرة..متفردة في كل عناصرها..
وهذا يدل على براعتكم وحرفيتكم وتألقكم وقدرتكم في تطويع الكلمات..
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه
وزادكم بسطة من العلم والنور والخير الكثير
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/