۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - الأسد
الموضوع: الأسد
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-08-2018, 12:46 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
محمد خالد بديوي
عضو أكاديمية الفينيق
عضو تجمع الأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / عمون
الاردن

الصورة الرمزية محمد خالد بديوي

افتراضي رد: الأسود 1

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق المأمون محمد مشاهدة المشاركة
لم تكن تلك المرة الأولى التي يهجم فيها الأسد على قطيعنا , كأنه كان يعلم بغياب فرسان قريتنا أخبرني "هارون"أنه أخذ بقرتين من قريتهم يوم السوق و الرجال بين تاجر أو مشتر أو مرافق, ولولا لطف الله لكانت "حليمة" أخت "جرقندي" ضمن و ليمة الأسد و لكن ساقيها أنقذاها , و ربما أن حدس الأسد أخبره بأن و راء تلك الأكمة الرجال الذين يخشاهم.. لكنه اكتفى ببقرتين أكل كثيرا من الأولى و جر الثانية الى داخل الغابة هكذا قال "هارون" لي ..
قلت له: لكنه لا يخشى الرجال فقد هجم قبل أعوام كما يحكي أهل قريتنا الواقعة في أطراف غابة كثيفة يقطنها الكثير من الحيوانات أليفها و مخيفها..على جدي "إيدام" و "محمد يحي" و "حمدان" و عض أخاه "إبراهيم" و "الناجي" و مات على إثر هذا الهجوم ثلاثة من إخوة جدي "إيدام" ...ما زلت ألمس أثر هذه العضة فوق ورك جدي , كانت عضة كبيرة أثرت على حركته فأصبح يسير بعكاز -عصا - قطعه من شجرة الأبنوس القوية سوداء الساق... كردفان تزخر بمثل هذه الغابات وجدت في كتاب الجغرافيا الذي يدرسنا إياه أستاذ "آدم" أن هذه الغابات تمنع الحكومة قطعها لأن الحيوانات ستهاجر منها قلت له حتى الأسد سيهاجر أجاب نعم تعجبت حينها لماذا لا تزيلها هذه الحكومة وكنت كلما سمعت بمهاجمته لقرية أو قطيع أو بشر إزداد كرهي للحكومة مثل أبي..
تناقل الناس خبر بقرتي "مرحوم" اللتين أكلهما الأسد, وضجت القرية وكان كلما اجتمع نفر من المواسين في بيت الحاج مرحوم ينعقد شبه إجماع ; على أن قطيع الأسود قد تكاثر و أنه إذا لم تحل هذ المشكلة و تتدخل الحكومة فإن الأسود لابد و أن يهجموا ذات يوم على القرية و يروعوا أهلها و ربما أكلوا من نسائها وولدانها من لم يستطع المقاومة بل ومن يقاوم لا يسلم من الأذى إن لم يفقد روحه كذلك...
قلت لهم :إن الحكومة لا تريد ذهاب الأسد و تفضله عليكم ...ضحكوا في أسى و نظر كل منهم الى طرف بعيد يقلب هذا الحديث الساذج في رأسه .. صحت أليس كذلك يا أستاذ "آدم" ...قال "آدم": لا ليس كذلك الحكومة تنظر الى الأمر من وجهة نظر أخرى...
الحاج "معروف" قال والله البلد أصبحت فوضى , كيف تفضل الحكومة الحيوانات على البشر و أخذ يذكر أمثلة كثيرة عن هذا التمييز العنصري.. و استنتج : نحن عند الحكومة أقل قيمة من الحيوانات ...
و الدي لم يكذب حديثهم بل قال مؤيدا: ألا تذكرون قبل أعوام حينما طالبتنا الحكومة بأن نغير موقع القرية لأن هذا المكان أصبح يشكل مهددا للحيوانات , و أننا ربما نقلنا الى الغابة بعض الأمراض , أو تسببنا في حريق يدمر الغابة بحيواناتها... و يصيح: تخيلوا نحن ننقل أمراضا الى الحيوانات و يصفق بيديه متهكما : بالله شوف..
أستاذ "آدم" الذي تحترمه القرية كلها و القرى المجاورة كان لكلامه أثره و لا يستطيع أحد أن يتجاوزه لأنه هو الوحيد المتعلم في هذه البلدة و قد نذر نفسه لتعليم أبناء قريتنا و القرى المجاورة , طلب من أهل القرى مساعدته في بناء منزل من القش ثم طلب من أهلها أن يرسلوا إليه أبناءهم ففعلوا و حشرهم فيه و أنا منهم و أخذ يدرسنا... لم يكونوا يعصون له أمرا فقد كان محل ثقة , هو الذي ينقل طلباتهم الى الحكومة و يسعى لحل مشاكلهم معها لن ينسوا أبدا أنه صدق لهم مركزا صحيا جعلهم يبنونه من حر مالهم البسيط .. و أنه كان يطببهم لفترة طويلة إلا أن صدّقت لهم الحكومة بحكيم يعالجهم بما تيسر له من دواء و أعشاب و بصارة .. و أن فريق قريتهم لكرة القدم الذي أسسه لهم و علمهم لعب الكرة و كان هو مدربه صعد الى صدارة الدوري المحلي بفضل جهده...
لكن العجيب كان لأستاذ "آدم" رأي قريب من رأي الحكومة و قال لهم: نحن بين نارين إما أن نرحل و نطيع أمر الحكومة ونحفظ أنفسنا و أموالنا أو أن نصبر على الأسود و نحاول أن نتجنبها و أن نرعى ببقرنا بعيدا عن مواقعها....
احتدم النقاش و زاد الاجتماع و أصبح منزل الحاج "مرحوم" يؤمه كل يوم عند العصر خلق كثير يجلسون تحت ظل شجرة "الهجيلج" الوارفة الظلال ... يتدارس هذا الأمر الرجال عند عودتهم من مواقع زراعتهم لأخذ بعض الراحة , و رغم أن بيت الحاج "مرحوم" لم يكن على قارعة الطريق إلا أن الحدث يبدوا أنه كان كبيرا هذه المرة... كان الجميع يعلم أن الرأي الذي يأتي كل يوم هو نتاج نقاش دار في البيوت , و أن الآراء الجديدة ليست ملكا حصريا لأصحابها بل هم ناقلون لها ليس إلا و لذلك لا يدافعون عنها كثيرا و لا يحاججون بها طويلا و ما أن يُدحض رأي حتى يتمتم صاحبه مُسارّا نفسه: دائما رأيك غلط يا "فلانة" .. ثم يجيد الإستماع حتى يفهم الرأي الجديد ليذهب و يحاجج به "فلانة" لعله يفوز عليها هذه المرة ... وتجده يأتي مبكرا لينقل الرأي الذي ظفر به مجددا بعد أن دُحِض الرأي الذي ذهب به بالأمس...كنت أضحك عندما أسمع صوت "فلانة" هذه تصدع برأيها الذي قاله أبو أبنائها قبل قليل يأتي من داخل بيت حاجة "حواء" ست بيت الحاج "مرحوم"..
أصبحت لعبتنا المفضلة هي لعبة ; "الأسود كبست" حيث ينقسم اللاعبون الى فريقين فريق الأسود و فريق الحراس, حيث يؤخذ واحد من فريق الأسود كرهينة عند فريق الحرس و يقف الجميع على رجل و احدة و يحاول فريق الأسود تخليص الرهينة من أيد الحرس ..
و أصبحت أغاني البنات التي يرددنها في المناسبات في قريتنا وفي كل القرى المجاورة لها علاقة بالأسد و بالفارس الذي خلص القرية منه. فقد قطعن - ألّفنَ -أغنية الأسد في زواج "حامد ود الفضل" : .
تنبري مغنية : فارسي الحارس درب الأسد
فتصيح بقية البنات: الأسد الخَرَبَ البلد
فترد عليهن: فارسي القتل الأشَمْ
فيصحن : الأسد الأكل أم سُحَم
ويعلو ضرب "الدلوكة" - الطبلة -و يتقافز الفتيان و تزغرد النساء و يعلو الهجيج الصاخب ...
و "أم سُحم" هذه بقرةالحاج "مرحوم" التي أكلها الأسد , كانت بقرة جميلة عالية غزيرة إدرار اللبن مشهورة في منطقتنا لم يزل أبوها يطلبه الذين يريدون تحسين سلالة أبقارهم في كل القرى من حاج "مرحوم".
أمي أعدت طعاما كبقية أهل القرية , قسمته الى نصفين نصف حمله أبي في إناء و احد عبارة عن عصيدة من الدخن , و كنت أحمل معه براد الشاي.. و تحمل هي و "الشوقارة" أختي مثل هذا الحمل إلى بيت "حواء" زوجة حاج "مرحوم", و كان شبيه مجلس الرجال ينعقد هناك بينهن لكن مجلسهن أكثر صخبا و أعلى ضجيجا و أكثر حجة و أشد إصرارا على الإقناع من مجلس الرجال ..حتى أن حاج المرحوم كان كثيرا ما يقوم حاملا عصاه قارعا باب البيت بشدة صائحا ومهددا : يا حريم أسمع حسكن - صوتكن - مرة ثانية حرّم إلا العكاز ياباكن – أي سيعلوهن ضربا بالعكاز الى أن يتكسر العكاز و يصبح غير قادر على الضرب- فينصعن لأمره دقائق معدودات لا يلبث بعدها الصياح أن يعود مرة أخرى.. غير أن مجالس النساء حيث أمي كان يحدث فيها الغضب أحيانا كثيرة فكثيرا ما تخرج إحداهن مغاضبة لانتصار رأي على رأيها ..أمي سمعتها تخرج مغاضبة و تنتهر أختي "الشوقارة" تحثها على القيام ثم تلتفت الى الحريم داعية عليهن : شاحدة الله الأسد اليكمل بقركن كلكن.... و تحمل صحنها و برادها و تخرج..
عقدت في مجلس الحاج "مرحوم" أكثر من زيجة أشهرها زواج "حامد ود الفضل" من "سعدية بنت النعمة" خالته وافق أبوها و هو يأكل غداءه الذي كان يتكفل به الجميع منذ الحادثة المشؤومة ... و "الناير" من القرية التي تقع شمالنا كاد أن يحظى بعلقة ساخنة لأنه هاجم شيخ القرية في بداية الغداء و طلب يد ابنته في نهايته....و كذلك حدثت بعض الوفيات حيث مات الفكي -الشيخ -"عبدالرحمن المبروك" و حدثت كرامة يوم دفنه هكذا قال أبي الذي لا يكذب يحدث أمي :شوف عيني نحفر في القبر و الشرر يتطاير كل حبة من الشرر كالحصاة الكبيرة رغم أن الأرض شديدة الهشاشة لا حجر فيها , و رغم أني حضرت هذا الدفن و رغم أني لم أر ما رآه أبي فإني أعلم مدى بركة الفكي "عبدالرحمن" وصلاحه فقد شفاني مرات عديدة من كثير من الأمراض بتفافه اللزق وهو يتمتم بسورة الحمدُ - الفاتحة - فليست هذه الكرامة بغريبة عليه و إن كنا لا نراها نحن الصغار..
و الحال هكذا و الجميع يغسل يديه استعدادا للغداء تحت شجرة الهجليج وارفة الظلال أمام بيت حاج "المرحوم" -هكذا أصبح يناديه أخوه "علي" الأعرج متهكما بعد أن أُكلت بقرتيه -إذ يأتي صياح من جهة الغابة تبينت صاحبه من الوهلة الأولى... هو صوت "صغيرون" ابن خالتي "نعمات" يصيح و يجري صوبنا : يا ناس القريااااا يا ناس القرية الأسود هجمت على القرية يا أهل القرياااااا الأسود الأسود جايا عليكم يااا ....


نفس سردي جميل وجاذب...نعم السرد آسر
الفكرة رائعة والاسقاط عميق ومتقن، فالأسود
تظللها الحكومة محافظة على بقائها وبقاء الغابة
دون النظر الى الخطر الذي يهدد قرية بالكامل،وكأن
الإنسان أقل قيمة من (الحيوانات) واعتقد أن هذا هو
رأيها وتصورها الذي لا تقوله صراحة.
لن اخدعك إذا قلت لك أن هذه القصة مشروع رواية
ستكون رائعة لو كتب لها أن ترى الضوء.


هذا النص كـــ قصة قصيرة يحتاج الى بعض العناية
بحبكته لتتلائم مع القفلة التي سيتمكن القارئ من تصورها
من خلال المتن الذي أخبر عنها...ولنتذكر معا صديقي طارق
أنني أنظر الآن من زاوية مختلفة تماما عن زاوية الراوي
أبن تلك القرية والبيئة.!


حقيقة القفلة جاءت فاترة ولم تحقق الدهشة، لكنني أحببت
النص وأجزم أنك في يوم ما ستغير صياغته، وستعيد نسجه
وعليك أن تقرأ النص من زاوية محايدة إن تمكنت.!


(زاوية رؤية قد تكون صائبة، وقد ترجع خائبة)

الأديب الشاعر طارق المأمون محمد

أعجبتني الفكرة وإسقاط أسود الغابة على واقعنا المرير
فالمواطن العربي ينام مذعورا، ويصحو وهو يرتجف..هذا
واقعنا..وهكذا نعيش ونحن نراقب قرارات الحكومات التي
تعتبر (المواطن) من ممتلكاتها ومن حقها أن تصفه كما تريد
ومن حقها ان تفرض عليه ما تريد.

بوركتم وبورك عطاؤكم وهذا الجهد الكبير
احترامي وتقديري






قبل هذا ما كنت أميز..

لأنك كنت تملأ هذا الفراغ


صار للفراغ حــيــــز ..!!
  رد مع اقتباس
/