الموضوع: الأسد
عرض مشاركة واحدة
قديم 31-10-2018, 03:15 AM رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


طارق المأمون محمد غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

الحلقة (10)
[justify]لذلك ركب حصانه و اتجه جنوبا الى داخل الغابة , مبتعدا عن مدى حركة الفرسان القادمين , فلما أحس بأنه ابتعد بما فيه الكفاية أوقف حصانه و ربطه الى جذع شجرة ثم تركه و تقدم راجلا حتى وصل الى مكان يمكنه فيه سماع صوت الخيل المتحركة , ثم اختار شجرة عالية و صعد فيها حتى و صل الى أعلاها و ضمن أن ألياف أغصانها كثيفة بما فيه الكفاية لتغطيه عن الأعين المتربصة ....و كانت الخيل تتقدم نحوه وهو في أعلى شجرته .... فما كلفه الأمر غير زمن بسيط حتى استطاع أن يرى من على البعد "سرور" يتقدم القوة الى جوار قائدها يضاحكه و يمازحه و عرف من بينهم بعض أناس الوفد الذين ذهبوا معه يسيرون مع الجيش متفرقين و منتشرين بين جنوده...لم يكن الجيش كبيرا فقد استطاع أن يقدر عدده ما بين المئتين و المئتين وخمسون فردا لا غير...توقفت القوة عند مفترق الطرق حيث أشار إليهم قائدهم أن يرتكزوا لأخذ قسط من الراحة بعد أن دخلوا الى داخل الغابة قليلا مبتعدين عن قارعة الطريق..
مازال مهران التونسي ينظر من عل عليهم يحصي أسلحتهم و يقدر قوتهم الضاربة و ينظر الى مراكب أمتعتهم ... فوجد أن القوة تسليحها جيد بما فيه الكفاية لإدخال الرعب في القرى البسيطة التي تقطن هذه المناطق و يبدو أن اختيار أفرادها تم بعناية فأجسام و أحجام الجنود تشي بذلك , و بينما هو كذلك إذ يرى حصانه بين يدي أحد الجنود يقوده الى حيث يوجد القائد , فأسقط في يديه .... و بدأ بالنزول سريعا لعله يدرك مهربا أو ملاذا يلجأ إليه قبل أن يفطن إليه أحد ويعرف حصانه... وحدث ما توقعه فعلا فبمجرد ما وصل الجندي الذي يقود حصان "مهران" الى المعسكر حتى رآه "سرور" فعرفه فجاء يخب الى حيث القائد خبا و يقول و هو متهلل الأسارير .:
- .مهمتنا قضيت قبل أن نبدأها...
وسرعان ما بدأ جنود بالانتشار في الغابة بحثا عنه... سمع أصواتهم تتصايح بعضهم يصيح من هنا والآخر يصيح من هنا ... وحيث أن الحصان كان في اتجاه الجنوب جرى الجميع في ذلك الإتجاه لكن "مهران" اتخذ الإتجاه الشمالي الشرقي مهربا حيث قدر أن الجنود سيتجهون الى حيث اتجاه مربط الحصان , لكن "سرور" الذكي خرج في جماعة أخرى من الجند وقال :
- إذا كان الحصان للتونسي لا غيره فإنه أذكى من أن يختبئ حيث ترك حصانه .
و اتجه بجند الى الشمال الشرقي حاثا الخيل على الإسراع...
جرى مهران كما لم يجر من قبل مسرعا بعد أن رفع ذيل قميصه و ربطه في منتصفه و تحزم بعباءته و أصوات الخيل تصل إليه من بعيد و صوت "سرور" الأجش المميز لا يخفى عليه صائحا في جنوده:
- انتشروا بحيث يرى كل منكم الآخر و لا تقتربوا من بعضكم كثيرا فتضيقون عليكم مساحة البحث..ابحثوا في كل شيء خلف الأشجار و فوقها بين الأعشاب و الحجارة و خلف بيوت النمل انخسوا العشب برماحكم لا تتركوا علوا دون أن تعلوه و لا منخفضا دون أن تطأوه وجب عليكم أن تجدوه و من وجده منكم له جائزة كبيرة.

سكتت "حمانة" كعادتها حين تغضب أو تتألم و اكتفت بنظرة قاسية الى أبيه الذي حذرته من مغبة خروج الولد الصغير برفقة حيوانين مفترسين في رحلة صيد محفوفة بالمخاطر , و تركت لعينيها أن يسيلا بالدموع و يعبرا عن مكنون صدرها ثم أشاحت بوجهها عنه دون كلام في غضبة منها لم يعهدها من قبل... لكنه كان أكثر ندما منها و قلقا على ابنه الذي بدأت ملامح مستقبله الزاهر ترتسم في الأفق القريب , و تبدت له صورته المشرقة و هو يعلو كعبا على من ناددوه يبزهم ذكاء و مقدرة , ظهرت عليه سيماء النجابة منذ نعومة أظافره و تبدت علامات القوة المتكاملة على جسمه و محياه تبرز عضلات صدره و ذراعيه و رجليه بصورة جلية لا تخطؤها عين , غير قوة إرادته و شكيمته و إصراره ... كان سريع التعلم فطنا حتى كاد أن يفهم لغة الأسود أو فهمها كما يقول أهل السوق الذين كانوا ينادونه إن استعصى عليهم قياد سبع أو التعامل معه ,,, كلام ابنه الواثق و ضحكته الفاتنة تفعل به الأفاعيل يطردها بالإستغفار و لكنها تتأبى عليه تمسك بتلابيبه و تحمله المسؤولية الكبيرة على فقدانه...
استنفر "لخضر" حملة كبيرة للخروج بحثا عن ابنه المفقود في الجبال تعاطف معها كثير من تجار السوق و صياديه تضامنا مع أخ طالما وقف مع صغيرهم و كبيرهم بحسن تعامله , و خوفا على ابن رأوا فيه ما كانوا يتمنونه لأبنائهم عوضا عن أنفسهم من كمال رجولة و جمال هيئة و حسن خلق , انطلقت في نفس يوم وصول خبر اختفائه أي بعد يومين من فقدانه يقودها "لخضر" بنفسه...
و قبل هذا بيوم كان "الباهي" المفقود فاقدا للوعي قرب صخرة كبيرة و الأسدان بجواره ينظران في قلق إليه تارة و تارة يتلفتان بصورة غريبة ويدوران حول جسده المسجى ثم لا يلبث أن يتحرك أحدهما مهرولا و صاعدا أعلى الصخرة التي يرقد تحتها " الباهي" ثم يتلفت يمنة و يسرى مرار كاشفا المنطقة بعينيه ثم يعود الى أخيه الذي يقوم بدوره بالصعود أعلى الصخرة مؤديا نفس حركة صاحبه السابقة... لكنهما أخذا يجرانه من ثيابه جرا ليذهبا به خلف صخرة أخرى تجاور الصخرة الكبيرة مشكلة معها نصف كهف صغير...أدت هذه الحركة الى إفاقة "الباهي" متأثرا بالألم الناتج عن جر الأسدين له.. و مع إفاقته سمع زئيرا كبيرا متجها نحوهم لكنه على مسافة ليست بالقريبة....
لم يكن سقوطه من أعلى الصخرة إثر انزلاق قدمه أو فقدانه للأتزان بل نتيجة معركة ضارية بينه و بين أسد ذو عرف كبير كان يتقاتل معه قتالا شرسا لم يترك الإثنان فيه شيئا من فنون القتال إلا و استعملاه و لكن العجيب أن أيا منهما لم يكن يريد قتل الآخر , بدا ذلك في الفرص التي أتيحت للأثنين حيث تمكن "الباهي" أكثر مرة من اعتلاء ظهر الأسد و التمسك برقبته بيد و كانت اليد الأخرى حرة بحيث تمكنه من حمل سكين أو سيف أو ما شابه أو حبل يربط به فمه أو يلفه حول عنقه و رجليه كما كان يفعل مع أسود أخر حين يريدها حية مما كان متاحا يحمله بين ملابسه أو بالقرب منه ليجهز على فريسته و لكنه لم يفعل , و بدا أن الأسد نفسه لا يريد الإجهاز على غريمه فقد علاه أكثر من مرة و خصمه ملقى إما على ظهره أو على بطنه غير أن الأسد لم يفعل سوى أن قفز من فوقه متهيأ لجولة عراك أخرى , و كان سقوط "الباهي" نتيجة انهيار حجر من تحت قدمه أثناء العراك جعلته يهوي من عل على أرض صلبة فاصطدم رأسه بالأرض فأغمي عليه... لكن العجيب في الأمر أن الأسدين لم يشتركا في القتال بل جلسا مقعيين خاشعين ينظران الى العراك بدون تدخل لصالح أي الخصمين و يدوران حولهما في قلق كأنهما حكمان في مبارزة شريفة شرسة بين فارسين شجاعين... فهما من قاد الى هذا القتال فقد أوحيا الى الباهي بما بينهما من تفاهم أن يأتي و راءهما ليرياه شيئا بدا ثمينا من اندفاع الباهي الذي لم يستمع الى محذر من عدم الابتعاد أو الى راج بالتقيد بتعليمات والده من مجموعته المرافقة فوكز حصانه المدرب على صعود الجبال بسرعة اختفى بعدها في غياهب الصخور و الأشجار , فظنه أصحابه لن يبتعد كثيرا ككل مرة و يعود بعد قليل . و لكنه تبع الأسدين الى مسافة بعيدة يجريان أمامه ثم يتوقفان أو يتوقف أحدهما حتى يلحق بهما ثم يواصلان الجري حتى ابتعدا و حينما انتبه الباهي وجد أنه قد صعد الى ارتفاع كبير عبر طريق وعر متعرج , حتى أن حصانه بدت عليه آثار التعب و الإعياء و لكن إصرار أسديه عليه لم يدع له مجالا للتراجع فكان كلما نزل من حصانه و وقف قليلا ليتروى في تفكيره أمسكاه بأسنانهما يجرانه و يحثانه على التقدم ثم يركضا , حتى وصل الى قمة عالية تحتها هضبة كبيرة شاسعة غناء بمنتصفها بحيرة كبيرة بها تجمع كبير للحيوانات من كل الأنواع , فالناظر إليها من عل يرى هذا الجمال الطبيعي البديع و يرى الحيوانات ما وسعه النظر عبر كثافة الأشجار المنتشرة في تناسق كأن يدا تدخلت في تنسيقه فذلك قطيع جواميس برية كبير يمشي بالقرب منه قطيع لحمر وحشية و هنالك في جهة مغايرة تمرح مجموعة غزلان جميلة تأكل و تلعب و تلك طيور جميلة لم ير مثلها من قبل بعضها على حواف البحيرة و بعضها يطير و البعض على غصون الأشجار , و تلتقي السماء في نهاية الهضبة الممتدة الى مدى لا تصل العين الى نهايته تلتقي في منظر بهيج يلتقي فيه اللون الأخضر الجميل مع اللون الرمادي الممزوج بالأبيض الباهت لسحاب خفيف كأنه شعر فوق جبهة الأشجار من فوقه تنجلي زرقة السماء الصافية الجميلة.
شد هذا الجمال انتباه الباهي كثيرا متأملا فيه ممتعا نظره و خياله ببهائه , و قد لفت انتباهه كيف أن من بالوادي في سوق أهراس لم يروا أو يسمعوا بهذه المنطقة الجميلة من قبل فطيلة ما هو بينهم لم يسمع بأحد يتحدث عنها , لعلهم كانوا منشغلين عن قمة الجبل بما هو تحته فقد أغناهم عن الصعود الى أعاليه حيث تكثر الحيوانات التي تكفي حاجتهم فلا يتعبون أنفسهم بحثا عن مزيد.. كان هذا أقرب تبريرغير مقنع يجيب على هذا السؤال و فجأة قطع هذا التأمل اضطراب الأسدين اللذين أخذا في الركض يمنة ويسرى كأنهما يطلبان منه التحرك.. ثم جفل الحصان الذي كان لجامه مرخيا بيد الباهي الذي كان قد نزل منه ناظرا متأملا في بديع خلق الله الذي أمامه, و جرى مذعورا كأن شيئا يجري و راءه حتى انه أسقط بعض المتاع و السلاح المحمول عليه ..ذهل الباهي الذي ترنح قليلا ثم استجمع قواه و وقف في حالة تأهب ينظر في كل الإتجاهات عله يرى ما أصاب حيواناته بالذهول فلم يرى شيئا .. فنادى أسديه صائحا لهم : ماذا هنالك ...
لكن الأسدين استمرا في اضطرابهما الممزوج بالرعب , في أول مرة يراهما على هذه الحالة ..استجمع الولد الفتي بعض قواه و جرى الى حيث المتاع الساقط , فوجد فأسا و سيفا و رمحا و درقته الجلدية التي أعدتها له أمه ليوم كهذا ..حمل الأسلحة الثلاثة مرة واحدة , الفأس و الرمح بيد و السيف باليد الأخرى وجعل الدرقة بين قدميه و هو ينظر في كل الاتجاهات مركزا على عكس الجهة التي جرى نحوها الحصان... ثم سمع صوتا قويا أشبه بصوت الرعد الضخم منه الى صوت الصاعقة الحاد ينتشر في كل مكان ... تحركت أوراق الأشجار في البدأ ببطأ , ثم ازدادت حركتها و بدا كأن الطقس منذر بعاصفة قوية استجمعت قوتها في زمن وجيز .. واستمر صوت الرعد في هزيمه المدوي المتزايد , و السماء التي كانت صافية حشدت سحابها . و الرياح تزداد قوتها حتى أنها صارت تدفعه بقوة نحو هاوية الجبل قاذفة درقته الجلدية من بين رجليه في مهاوي الوادي ... تحرك بصعوبة نحو شجرة كبيرة وقف بقربها مستترا من قوة الرياح بساقها الكبير ... و كما تحرك كل شيء فجاة صمت كل شيء فجأة , عدا الأسدين الذين ما زالا في حالة قلق شديد ... جرى الأسدان باتجاه صخرة كبيرة ناتئة في أعلى الجبل, وهما يطلبان بحركاتهما من الباهي التحرك و راءهما و الذي لبى نداءهما مسرعا مستجيبا لا يلوي على شيء... وكما صمت كل شيء دوى صوت زئير كثيف من كل الاتجاهات يقترب منهم ليس لأسد واحد بل زئير يشي بأن الغابة كلها تحولت الى أسود حتى الأشجار تجاوبت مع هذا الزئير بترجيعها صداه فأصبح الصوت كثيرا كثيفا يأتي من كل مكان ...ما أن وصل الجميع الى صخرة تقفل الصخرة الكبيرة مشكلة معها تجويفا يشبه الكهف حتى ظهرت مجموعة كبيرة من الأسود تملأ أرجاء المكان تتحرك عليه في وتيرة واحدة و بإيقاع واحد كلها يحمل عرفا كبيرا ذو لون أسود قاتم السواد في نهايته لون أبيض يكسو كل نهايات شعر العرف الضخم , تمشي على ثلاثة أقدام و تمس الأرض بالرابعة مسا خفيفا كأنما تطأ بها على شوك... حتى إذا اقتربت منه و هو في تلك الحالة من الذعر و الخوف زأرت كلها في وقت واحد زئيرا ملأ أرجاء المكان جعل كل الطيور التي سمعته تطير مذعورة مرتفعة عن الأرض التي صدر منها هذ الصوت....
[/justify]






  رد مع اقتباس
/