۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - العنقاء فدوى طوقان يليق بها الضوء*سلطان الزيادنة
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-03-2011, 08:29 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
سلطان الزيادنة
عضو مؤسس
أكاديميّة الفينيق للأدب العربي
عضو التجمع العربي للأدب والإبداع
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
الأردن

الصورة الرمزية سلطان الزيادنة

افتراضي رد: العنقاء فدوى طوقان يليق بها الضوء*سلطان الزيادنة

فدوى طوقان شاعرة الأشواق الحائرة

عيسى جرجس فتوح


فدوى طوقان شاعرة فلسطينية ملهمة، وأديبة مرموقة، وعضو مجلس الوصاية لجامعة النجاح الوطنية في مدينة نابلس بفلسطين.

ولدت عام 1917 في نابلس.. وكانت السابعة بين أخوتها وأخواتها العشرة، تلقت دراستها في المدرسة «الفاطمية» الابتدائية الحكومية فالمدرسة العائشية بنابلس، ثم واصلت تعلمها في المعهد الثقافي البريطاني بنابلس، ومدرسة «ايكرسلي» ومدرسة «سوان» في أكسفورد مدة عامين حتى أتقنت اللغة الإنجليزية واطلعت على آدابها.

أرغمت على ارتداء الحجاب وهي في السادسة من عمرها، ولما اكتشف أخوها إبراهيم عبد الفتاح طوقان (1905-1941) ميلها الفطري للشعر اهتم بأمرها، وأخذ يعطيها دروساً في الأدب وطريقة نظم الشعر، ولما توفي وهو في ريعان الشاب بكته بحرقة، وكتبت في رثائه قصائد عدة نشرتها في مجلة الرسالة التي كان يصدرها الأديب أحمد حسن الزيات (1885-1968)، فاشتهرت في الوطن العربي كشاعرة، واستقبلها الأدباء والنقاد بترحيب وتشجيع كبيرين.



نشأت في بيئة عائلية محافظة، وفي بيت سيطر عليه الرجل، فالمرأة سجينة الجدران والكتب، ومحرومة من الحرية الشخصية، ولم تكن تلك الضغوط التي مارسها الأهل عليها، إلا تنفيساً عن حقد وغيظ بسبب مسيرة الشعر التي بدأت تغذ السير فيها وتكرس حياتها له بتصوف غريب.

في هذا المناخ الضيق، لم يكن باستطاعتها التفاعل مع الحياة بالصورة القوية التي يجب على الشاعر أن يتفاعل معها، كان عالمها الوحيد المتسم بالخواء العاطفي هو عالم الكتب والانكباب على الدرس والمطالعة والكتابة، كانت تقرأ بنهم حتى غطت قراءتها التراث العربي والأدب العربي المعاصر والآداب العالمية والكتب الدينية بما فيها القرآن الكريم والإنجيل والتوراة والكتب التاريخية والاجتماعية والفلسفية وعلم الاجتماع والتحليل النفسي.. وانجذبت بطبيعتها التشاؤمية لمعرفة هل ولد الإنسان مفطوراً على الخير أو على الشر؟ وهل تستطيع الأديان تخليص الإنسان من عذاباتها؟

موضوعات شعرها:


تنوعت موضوعاتها الشعرية وتراوحت بين النزعات الذاتية والتأملية والإنسانية والصوفية والوطنية، ومنذ بدأت حركة الشعر الحديث اقتنعت بها، وتخلت عن كتابة القصيدة العمودية ذات الشكل التقليدي فكتبت قصيدة التفعيلة، والقصيدة المقطعية، كما استعملت البناء القصصي والمونولوج الداخلي والحوار والارتجاع الفني واستوحت التراث والأسطورة وكتبت القصيدة ذات الأصوات المتعددة ووحدت بين الأزمنة في علاقة درامية، كما في قصائدها «نبوءة العرافة» «إلى الوجه الذي ضاع في التيه» و«في المدينة الهرمة» و«كوابيس الليل والنهار»



خارج قمقم الحريم:


بعد نكبة فلسطين الأولى عام 1948 ووفاة والدها في العام نفسه، بدأ التحول الاجتماعي يتسرب إلى مدينة نابلس، فسقط الحجاب، وبسقوطه تطورت المرأة الحديثة وانفتحت أمامها آفاق التعليم العالي، واستقلت اقتصادياً كما خرجت هي من «قمقم الحريم» الذي حبست فيه إلى الحياة تلمسها بأصابعها، وأخذ شعرها يكتسب نضجاً وتجارب أكثر زخماً وتصميماً على عودة أبناء شعبها المشردين عن وطنهم الأم، وعبرت عن ذلك التصميم بقولها:

أتغصب أرضي؟ أيسلب حقي وأبقى أنا

حليف التشرد أصحب ذلة عاري هنا؟

أأبقى هنا لأموت غريباً بأرض غريبة؟

أأبقى ومن قالها؟ سأعود لأرضي الحبيبة

بلى سأعود،/ هناك سيطوف كتاب حياتي

سيحفر على ثراها الكريم ويؤوي رفاتي

سأرجع لا بد من عودتي

سأرجع مهما بدت محنتي

وقصة عاري بغير نهاية

سأنهي بنفسي هذه الرواية

فلا بد لا بد من عودتي


بعد حرب حزيران 1967 كرست الشاعرة فدوى طوقان شعرها لمقاومة الاحتلال الصهيوني وكثرت لقاءاتها مع الجماهير في ندوات شعرية، كانت سلطات الاحتلال تمنعها أينما أقيمت، وكان «موشي ديان» وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يقول: إن كل قصيدة تكتبها فدوى طوقان تعمل على خلق عشرة من رجال المقاومة الفلسطينية» كانت لا تفتأ تذكر العرب بماضيهم المجيد، يوم كان مقعدهم فوق النجوم وكانوا سادة الدنيا وحماة الحمى، فلماذا لا تثور نخوتهم، ولماذا لا تشتعل حماستهم لاسترجاع الوطن السليب؟



أنتم الطيبون صبابة العرب حماة الحمى بقايا الجدود

هو ذا العيد أقبل اليوم محدوا بروح في برديته جديد

فيه شيء من اعتزاز قديم عرفته له خوالي العهود

يوم للعرب مقعد في النجوم الزهر يزهو بركنه الموطود

في فؤاد القدس الجريج اهتزاز لكم رغم جده المنكود

أنثنى موجعاً على الجرح يشدو ويحي أفراحكم في العيد


وعلى الرغم من الهزيمة التي حلت بالعرب في الخامس من حزيران عام 1967 وخلفت في بعض النفوس الضعيفة شيئاً من اليأس والإحباط والقنوط، وفقدان الثقة والأمل، فإن فدوى طوقان على العكس لم تتشاءم، وظلت متفائلة بالنصر القريب الذي سيحققه شباب المقاومة الفلسطينية البواسل:

ستنجلي الغمرة يا موطني ويمسح الفجر غواشي الظلم

والأمل الظامئ مهما ذوى لسوف يروى بلهيب ودم

فالجوهر الكامن في أمتي ما يأتي يحمل معنى الضرم

هو الشباب الحر ذخر الحمى اليقظ المستوفر المنتقم

لن يقعد الأحرار عن ثأرهم وفي دم الأحرار تغلي النقم!


لم تكن حياة الشاعر فدوى طوقان مفروشة كلها بالورود، فقد رافقها الألم والحزن منذ رحيل شقيقها إبراهيم الذي كان أستاذها وموجهها ومدربها، وكل شيء في حياتها، ولذلك أهدته ديوانها الأول «وحدي مع الأيام» الذي صدر في عام 1952 وألفت كتاباً عنه بعنوان «أخي إبراهيم» ونظمت فيه أكثر من قصيدة صبت فيها عصارة ألمها وحرقتها وبكته كما لم تبك أخت أخاها من قبل، وظل الألم والحزن هما الطابع الذي يطبع معظم قصائدها العاطفية والوجدانية، كقولها في قصيدة «هزيمة»:



سأمضي بروحي المشرد

بعيداً سأمضي وأبعد

وما زال في الروح جرح

وما زال يرسب في الجرح ملح

وهذي المرارة

بقلبي ترسو بأعماق قلبي

تحدثني عن هزيمة حبي

وتحكي انكساره


وفي قصيدتها «القصيدة الأخيرة» اعترفت بفشلها في حبها الذي لم يكن غير استغاثات غريق بغريق في اصطخاب الموج، في غور بحار الظلمات دون أن تغنم في النهاية غير الغصات والأسى والجرح:



انتهينا يا رفيقي

حبنا كان استغاثات غريق بغريق

في اصطخاب الموج، في غور بحار الظلمات

عبثاً كنا نريد الحب أن يمنحنا خيط الحياة

أنت تدري لا تسل عن حبنا

نحن حاولنا ولكنا فشلنا

أسفاً ماذا غنمنا؟

غير غصات أسانا وجراح الأغنيات؟


تقول الأديبة وداد سكاكيني (1913-1991): «لقد كان قلب الشاعرة فدوى طوقان مثل غرفة معتمة، امتدت يد الحب إلى شبابيكها ففتحتها ليدخل إليها الهواء والضياء وطعم الحياة، وإذا كان في هذا الشعر العاطفي صورة حقيقية للشاعرة وجدناها فيها قد انتفضت من غمرة الهوى المكتوم إلى مسارب ذاتها، فهدهدت ثورتها وسكبت حبها في صوفية عميقة وإنسانية مثالية، وخرجت من فرديتها إلى أفق طليق الرحاب...»
لقد تطور حب فدوى طوقان بعد أن خرجت من عزلة جدران الحديد، فلم يعد حباً فردياً ينحصر بالآخر، بل فتح آفاقه الواسعة حتى شمل الناس جميعاً، وغمرت أبعاده الكون، وصار حباً إنسانياً يملاً دنيا البشر جمالاً وخصباً وعطاءً وفرحاً وبهجة وسعادة تقول في قصيدتها «صلاة إلى العام الجديد».



أعطنا حباً فبالحب كنوز الخير فينا تنفجر

وأغانينا ستحضر على الحب وتزهر

وستنهل عطاء وثراء وخصوبة

أعطنا حباً فنبني العالم المنهار فينا من جديد

ونعيد

فرحة الخصب لدنيانا الجديبة

أعطنا أجنحة نفتح بها أفق الصعود

ننطلق من كهفنا المحصور من عزلة جدران الحديد

أعطنا نوراً يشق الظلمات المدلهمة

وعلى دفق سناه

نرفع الخطو إلى ذروة قمة

نجتني منها انتصارات الحياة


هذه هي الشاعرة المبدعة الآنسة فدوى طوقان التي كان شعرها ترجماناً صادقاً لحياتها في كل مراحلها، وصدى لأشواقها الحائرة، وأحاسيسها المبهمة، وبوحها الشفاف، وحنينها الظامئ، وأحلامها العطشى التائهة في السديم، وروحها الهائمة في المجهول، كما في قصائدها «من وراء الجدران» و"ضباب التأمل» و«أشواق حائرة» التي تقول فيها:

نفسي موزعة معذبة بحنينها بغموض لهفتها

شوق إلى المجهول يدفعها مقتحماً جدران عزلتها

شوق إلى ما لست أفهمه يدعو بها في صمت وحدتها

أهي الطبيعة صاح هاتفها أهي الحياة تهيب بأبنيتها

ماذا أحسّ؟ شعور تائهة عن نفسها تشقى بحيرتها






  رد مع اقتباس
/