۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - الأسد
الموضوع: الأسد
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-11-2018, 03:39 AM رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
طارق المأمون محمد
فريق العمل
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
السودان

الصورة الرمزية طارق المأمون محمد

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

طارق المأمون محمد متواجد حالياً


افتراضي رد: الأسد

الحلقة (11)

أوقف جدار الصخرة تقهقر الفتى المرعوب و أسديه بينما الأسود تتقدم , نظر الى الجدار خلفه فوجده خشنا ذا نتوءات , أخذ يتحسسها فوجدها واسعة تسع أرجله , قوية تستطيع حمل وزنه فأسرع بتسلقها صاعدا الى أعلى الصخرة الكبيرة..يضع رجلا على نتوء منها يصعد به و يمسك بيد نتوءا أعلا يتشبث به متسلقا مبدلا ما بين يديه و رجليه , فلما وصل الى منتصف جدار الصخرة أمسك في نتوء و اتكأ عليه فإذا بالنتوء يتلجلج في يده حتى إذا ضغط عليه بثقل جسمه ليصعد وقع منه حجر كبير لولا أنه سبقه بالتشبث بجدار الصخرة الكبيرة لكان سقط من علوه بين يدي الأسود التي اقتربت كثيرا من صخرته و أسديه...فلما وقع الحجر الكبير توقفت الأسود ..نظر الفتى المنهك الخائف ليجد حفرة كبيرة خلفها ذلك الحجر في جدار الصخرة بسقوطه ... فزع منها وأراد أن يسرع بتخطيها صاعدا الى الأعلى فانهدم الجدار من تحت يده العليا التي كان يعتمد عليها في تثبيته على الحائط موسعة ثقب الحفرة لتصبح بئرا كبيرة تخترق الحائط الى داخله فأمسك بيده الأخرى عتبة الحفرة التي انفتحت ثم ألحقها يده الثانية .. ثم وجد نفسه يتكأ على يديه رافعا جسده الى داخل الحفرة المظلمة . كانت الحفرة على ارتفاع سبعة رجال و ما انفتح منها كأنه ردم فوق بئر عميقة تمت إزاحته فانكشفت البئر المستعرضة ليظهر عمق كانت الشمس كافية لتظهر سطحه القريب و الراجح أنه كهف طمرته الأيام .. رفع الباهي رجليه الى أعلى الكهف أو البئر , و الخوف الذي كان واحدا أصبح خوفين خوف من شيء يراه أمامه ساقته إليه قدماه و خوف جديد من شيء فتحته يداه لا يعلم ما كنهه و ما الذي سيخرج منه.

عاد الملك الجديد برفقة حاشيته و سحرته و صالحيه و في معيته ذلك الأسد الذي ملأت سمعته تلك الأرجاء ترافقه زوجته و حاشيته من الأسود يسيرون حوله في اضطراب و توجس تجدهم يتبادلون الأماكن كل مرة و يكثرون التلفت و بعضهم يسبق الركب و بعضهم يتأخر ثم يعودون لينتظموا في الموكب ا لملكي بينما يسير ملكهم "جاري ماتا" في ثقة لا يشوبها اهتزاز و أنفة و اعتزاز , خطواته تزيدها العرجة تبخترا و نظراته خارقة لكل عين وقعت عليها تنفذ الى قلب صاحبها فتصيبه بالرهبة و الخوف.. و قد سبق الوفد رسول يبلغ الناس بقدوم الملك و ضيفه المهيب .. فاستعدت المدينة و تهيأت لمثل هذا الأستقبال الغريب الأول من نوعه يدعو فيه ملك بشري ملكا آخر من غير بني البشر بل من خلق طالما استعلى الأول فيهما على الثاني يحبسه و يذبحه و يقتله بلا وازع و لا رحمة ولا سبب يتخذه خادما له في كل أموره لا يغفر له زلاته و لا يتسامح معه في رغباته يمتلكها و يضن بها عليه..فإذا ما انتفض راغبا في تعديل وضعه انتقم الثاني بلا رحمة و لا ضمير ..و لم يعجبوا من ذلك فهكذا يفعلون هم مع بني جنسهم أنفسهم ... و تفتق ذهن معدي برنامج الاستقبال عن فقرات ذات صلة فقد كان جل ما يشغل بالهم هو كيف يكون جلوس الملكين في مقام واحد فإن عرفت كيفية جلوس أحدهما فإن كيفية جلوس الثاني لهي المعضلة , و قد لاحظوا أن فرش ملكهم الآدمي كلها منسوجة من جلود قبيلة الملك الضيف أسودها و سباعها و نمورها و فهودها و يزينون برؤوسهم جدر قصره و مجلس حكمه فقد كادوا يكنون بها عن العظمة و السؤدد , أما و الأمر قد تغير فقد استنفروا القبيلة في صنع فرش من جلود الأبقار و الماعز و الظباء و الأيائل أخذوا من كلٍّ ثورا أو بقرة أو غيرها مما يصلح أن يكون جلده مفرشا و زينة , و جمعوا رؤوس السباع التي علقت على جدران القصر من داخله و خبؤوها في غرفة الملكة ريثما تنتهي مراسم الإستقبال و يعود الضيف المهيب , و قد أغاظ هذا الأمر الملكة التي لم تستسغ أن تزال صور العظمة و تماثيلها التي كانت للمولك الأوائل من على جدار قصر مليكها الحالي فكأنما أحست بذلك استخفافا و إهانة رغم شرح الشراح و وصفهم.
و جُمِع الراقصون و الجمهور فأفهموا أن لا يلبس أحد منكم رأس أسد أو ما شابه حتى لا تثور ثائرة الملك الضيف , و أن يعمدوا في هذا اليوم الى القماش ليلبسوه إن وجد فإن لم يوجد فلا بأس من أن يأتوا عراة .. وانبرى المؤلفون منهم يصيغون عبارات تمجد ملكهم الذي أتاهم بسلام لم يكونوا يحلمون به و بسيرة ما سبقه عليها أحد من الأولين و تذكروا أن يذكروا محاسن الضيف المهيب في غنائهم و رقصهم... و علموا أن ضيفهم المهيب ربما يقضي معهم أياما يحتاج فيها الى طيب طعام فجمعوا من الأبقار ما يسد نهمته و كلفوا بها أحد أصحاب الملاحم ليكون مسؤولا عن تقديم الطعام للملك الضيف و وفده المرافق و لم ينسوا أن يفصلوا للملك "جاري ماتا" و زوجه مكانا للأكل غير مكان وفده المرافق و حفروا للماء حفرة زينوها بطين لازب يمنع التسرب و يعطي منظرا حسنا جمعوا فيها ماء كثيرا كلف جهدا في نشله من الآبار و ملأ حوضه به..
أثار اصطفاف الناس على جانبي مدخل الملك الى المدينة حفيظة الأسود التي لم تتعود من هذا المخلوق ذي الرجلين غير الأذى و القتل , ولولا مفعول الماء المسحور الذي داوم السحرة على رشها به لحدث ما لا يحمد عقباه .. فقد تحفزت وتهيأت للهجوم .. وكان كلما علا صوت آدمي أو نزا طرق طبل أو عوى صوت آلة موسيقية تقافزت الأسود و كشرت عن أنيابها , و لكن ملكها الأعرج سار بجوار الملك المضيف كأن شيئا لم يطرق بقربه و لا صوتا علا بجانبه , نظره معلق في السماء و رأسه لم تهتز أو تلتفت لا الى اليمين و لا الى اليسار وقد رفع يمناه العرجاء لا يطأ بها الأرض إلا لماما كأنما يرحب بالجموع بيد خفيضة ليست بالعالية ..
و سار ركبه الميمون حتى دخل الى المدينة الملك مترجلا و بجواره الأسد و على شماله لبوته المكرمة ثم يسير و راءهم و بالقرب منهم واحد من السحرة الثلاثة يحمل إناء بيد و باليد الأخرى غصنا صغيرا ذا أوراق كثيرة , يفصل الموكب عن بقي الركب مسافة قصيرة بعدها يسير صف مكون من خمسة أسود و خمسة صيادين بين كل أسدين صياد خالي الوفاض من سلاح يلبس حزاما كان يستخدم في حمل السيوف لا يلبس شيئا غيره , ثم ساحر يحمل نفس ما يحمل الساحر الأول في صف لوحده, و يتكون الصف الثاني كما انتظم الصف الأول و ترك الصف الرابع للساحر الأخير ثم يأتي صف الجنود و الصالحين أرباب المعابد.
و بعد ذلك بمسافة تسير جماهير كثيفة خرجت لاستقبال الملكين يعلو صوت غنائها و ضرب طبولها و خبط أرجلها في الأرض خبطات موقعة تتناغم مع حركات رقصها...
فلما وصل الموكب الى القصر و مكان الاحتفال خرج كبير السحرة و معه بقية السحرة الذين لم يرافقوا الملك و بدأوا بعمل تعاويذهم يضربون الأرض بأرجلهم و ينخفضون ثم يقومون في حركات متتالية و حملوا الماء هذه المرة بأيدهم و بدأوا يرشونه في حواف المكان و حول مقعد الملك و دكة الأسد الملك , ثم اقتربا من الملكين الذين كانا يقفان خارج المبنى المعد للأحتفال طالبين منهما التقدم للجلوس بعد أن ركعوا تحية و إجلالا.
تقدم الملك داعيا ضيفه للجلوس بقربه في دكة أعدت خصيصا له و للبوته التي لم تجد نظيرة ترحب بها فقد خافت الملكة البشرية من الملكة الأخرى بينما هي تصطنع التعالي و التأفف فلم تحضر الإستقبال إلا من شرفتها .. و انسحب البقية على يمين و شمال الملكين في مقاعد و دكك مصفوفة أعدت بعناية لجلوسهم بشرهم و أسودهم...و انطلقت برامج الاحتفال المبتهجة الراقصة , أتى فيها الناس زرافات زرافات كلما أتى فوج قعى كما تقعي الحيوانات و سجد واضعا ظاهر كفيه على الأرض منكفئاً رأسه على راحتي يديه حتى لا تتسخ رأسه بالتراب , ثم يقومون مفسحين الطريق لفوج آخر , و دقت الطبول و رقص الحضور كلهم يتقافزون الى الأعلى كأنما يتبارون أيهم أكثر ارتفاعا في قفزته , أما النساء فقد أظهرن جمالهن بصدورهن العارية يزين ما سفل منها بسيور أعدت من جلد البقر منسوجة في خيط واحد يلفونه حول الخصر لا تحجب منظرا , لبسنها لهذا اليوم البهيج و صرن يتمايلن في حبور يدور نصفهن الأدنى عكس دوران نصفهن الأعلى , و وزعت على الناس كؤوس القرع المليئة بنقيع الذرة المسكر الذي يستنكرون شربه في غير هذه الإحتفالات , و جاء الناس بهدايا قيمة من أبقارهم و ضأنهم و دجاجهم للملك الضيف دون مليكهم -الذي ناله يوم تتويجه حظ عظيم منها - فنظر إليها جلالة المهدى إليه بعين فاحصة كأنما يتأكد من عددها , و هي تساق إلى زرائب أعدت لهذا اليوم , و كانت أهم فقرات الحفل كلمة الملك التي ختم بها الحفل , فرحب فيها بالأسد الأعرج و وفده المرافق شاكرا له على تلبيته هذه الدعوة التي لولاها لما صدقته قبيليته , ثم توجه لشعبه مبينا لهم ما توصل إليه معه من اتفاق سيرون نتائجه مباشرة بعد هذا الحفل البهيج , طالبا من الجميع الإلتزام بشروط هذا العهد وهو يضمن لهم إلتزام ملك الأسود و قبيلته بشروطه , و أبان لهم أن أهم بنود الإتفاق ما يلي : أن الأسود لها حرمتها و مكانتها بين السباع تعزز هذه الحرمة بعدم مسها أو صيدها في خمسة من أيام الأسبوع عدا يومي الأحد و الخميس يجوز صيدها فيهما , و على الأسود توخي الحذر في هذين اليومين إلا في حالات ثلاث أولها إذا قتلت بشرا ثانيها اذا صادت حيوانا مزروبا ثالثها إذا نكصت عن هذا الإتفاق فيسري عليها العرف الذي كان سائدا من هيجة تغتال الكثير منهم و تضر بهم . و للأسود حق عبارة عن ثور كل سبت تتناوب فيه القرى يلقونه لها في مكان معلوم يتم الإتفاق عليه ...و بند مهم آخر أن تحمي القبائل الأسود من شر الصيادين من خارج حدودهم كأولائك الذين يقدمون من الشمال بين حين و آخر و يعطى الأسد عهده و أمانه لكل أفراد قبيلة الماساي حيثما كانوا شريطة أن يلتزموا ببنود هذا العقد كما أن عهده و أمانه سارٍ على كل من أن أراد أن ينضم من بقية القبائل الى شروطه على أن تساعده القبيلة في الوصول الى موطنه الأصلي بسلام حيث تاريخه التليد الذي أبعدته عنه الحروب و الغزوات التي انتظمت تلك المنطقة في عهدها القديم... و أكرم الملك ضيفه المهيب بضم قبيلة الأسود الى قبيلة الماساي ليكونوا من أفرادها كما و أخبرهم بأن ملكه الضيف قد منح جنسية الأسود لكل فرد من قبيلتهم كمكرمة من ملك الأسود الشهير "جاري ماتا" فأصبح كل ماساوي أسدا كما أن كل أسد صار ماساويا , ثم قام و ألبسه عباءة فخمة أعدت من قماش أحمر مرصع بالأسود , إشهارا لهذه النسبة الجديدة و منحه لقب "مورونو ماتابا" تيمنا بالقائد الماساوي العظيم ..






  رد مع اقتباس
/