الموضوع: جنون امرأة
عرض مشاركة واحدة
قديم 26-03-2017, 02:18 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
منير مسعودي
عضو أكاديميّة الفينيق
المغرب

الصورة الرمزية منير مسعودي

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


منير مسعودي غير متواجد حالياً


افتراضي رد: جنون امرأة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قوادري علي مشاهدة المشاركة
كل شيء بدأ غريبا وثقيلا وصعبا حد اليأس ...
أتذكر اليوم حديث عمي رحمه الله الذي شجعني كثيرا ،وبقي يصارع معي ،ناصحا ومؤانسا وأحيانا يدفع كراء العيادة دون أن أحس:
-أصعب الأمور بداياتها ومهنتك هذه جديدة على مجتمعنا..
مجتمع منغلق وانفتح بسرعة بفعل ما بدأت تبثه القنوات من برامج ومسلسلات تركية وأجنبية مدبلجة..قديما كان رؤية المرأة دون محرم نادرة ،أما الآن فالمرأة تعمل جنبا إلى جنب مع الرجل، تدرس وتخرج دون رقابة..
مازالت هناك رواسب متبقية في لاشعور الجنسين، كظاهرة النظر دون حياء للأنثى أي كانت..والعكس فالأنثى تلبستها حالة من اللاحياء والشجاعة تعدت كل الحدود..
حالات كثيرة بدأت تعرف قيمة الطبيب النفساني ،فالمفهوم تغير ولم أعد طبيب مجانين كما كان يراني أبناء بلدتي..يتلبسني الضحك كلما تذكرت تلك الحوادث الخوالي،كتلك التي جاءتني فيها عجوز تطلب مني نزع ضرسها فهو يؤلمها وشيخ طلب مني ختان حفيده وآخر طلب مني معالجته بسبب نوبة البرد والرشح وكلما أخبرتهم أن هذا ليس اختصاصي ،امتعضوا بل أن إحدى العجائز صكت وجهها صارخة:
-لماذا يسمونك الطبيب إذن؟ تعليم آخر زمن..

بمرور الأيام بدأت حالات تدخل عيادتي وتدخل تخصصي ،كالمصابين بنوبات عصبية وبعض المراهقين ممن يريدون تجربة شفاء ما وبطالين ومتعلمين وأميين ..تعددت الحالات والعقد والسبب دائما مايكون عدم المواجهة والنفاق الاجتماعي والهروب للأمام.. كلهم يؤكدون على السرية وعدم فضح الهويات، عامل استعملته لكسب المزيد من الزبائن ،فالمدن الصغيرة تكاد تكون كالبيت الواحد ..
أغرب تلك الحالات آخر مترددة على عيادتي..اختارت أن تكون بالنقاب حتى لايعرفها أحد..
ثلاثينية العمر ،جميلة وو اثقة النفس،طويلة القامة حلوة الكلام،ممتلئة تعلوها مسحة من الإنكسار والحزن ،تضع كلما زارتني نظارات طبية رغم أنها تنزعها كلما دخلت..صارحتني مرة أنها تتنكر إذ تضعها..
جلساتنا الأولى كانت شكوى ودموع واسترسال هدفه الهروب واللف والدوران..لاتتوقف عن الحديث ،و لاتجيب عن أسئلتي المحددة..أتركها مسجلا ملاحظات عابرة ولو أني أعرف أنها ستدخل صلب الموضوع متى شاءت..
كلمتني بأسلوب المطلع والعارف عن خبايا مجتمعنا ؛زنا محارم وحالات حمل وزواج غير شرعي ، عن صفقات بيع لبنات من أجل مشاريع وقضايا ، سافرت بي في قضايا سياسية واقتصادية وحكايات عن مجاهدين مزورين وتصفيات حسابات كثيرة وعن اللواط وعن المخدرات التي انتشرت بين الجنسين وتجارتها وعن الباحثين عن الكنوز المستعينين بالشعوذة والسحر ، أحيانا تدخلنا عوالم أقرب للخيال ..
استغربت من الكم الهائل من المعلومات التي تعرفها، فالدهشة أسقطت تلك الصورة النمطية التي كنت أحملها عن قريتي وأهلها ، بل سقطت قدسيتها وقدسية شخصيات كنت أستحي أن أرفع رأسي أمامهم من شدة ماكنا نحترمهم ونبجلهم ولو طلبوا منا الموت ما رفضناه؛منهم من قضى ومنهم من مازالوا في غيهم يعمهون وهم لايدركون أن غسيلهم بات على كل لسان..

حين لمحت حيرتي مشردة وفاهي نصف مفتوح ،وقد سجلت في دفتري مقولة لفرويد:
-
-البشر أقل أخلاقية مما يعتقدون وأكثر فسوقا بكثير مما يمكنهم تخيله.

أردفت في ثقة ولامبالاة:
-وحدها الأنثى تكشف خبايا هذا المجتمع..إنها من تحكم وتسير وترسم الصور ، لايغرنك المظهر ..نادرون هم أمثال سي السيد والست أمينة..
ضحكت لإسقاطها الذكي فلابد أنها قرأت ثلاثية نجيب محفوظ ،لكنها عادت تقول:
-مسلسل مصري شهير شاهدناه في رمضان..
صمتت قليلا بين تردد ومتاهة ،قابلتها بشغف وتوسل غير معلن أن تكمل ،علها تفصح عن سبب تواجدها في عيادتي..تبسمت بمكر وخبث أنثى،ثم صرخت كمن يريد أن يرتاح من شيء على وشك الإنفجار
-الجنس ..نعم الكل يجره الجنس ،فيتحرك سرا وعلانية من أجل تلك اللحظة البائسة...
صمتت تتأمل وقع كلامها على ملامحي،في نظرة تسمرت لدقائق ،كنت لحظتئذ اسجل على الهامش بخط عريض (اللوبيدو) مرة أخرى في مجتمع مختلف..وضعت جانبا قلمي ومفكرتي واستدرت نحوها اشيعها بنظرات الحائر وهي تغادر في صمت دون قول شيء..
في تلك الجلسة ماقبل الأخيرة، كان المطر خيطا من السماء،لم يتوقف،وكنت أستند على الأريكة الخاصة بالمريض أقرأ بعضا مما كتبته في رسالتي التي أحضرها من أجل إجازة الدكتوراه حول مايفرزه المجتمع المنغلق من سلوكات غير سوية تتعارض والدين الحنيف؛ أسبابها ونتائجها وكيفية علاجها ،نماذج من مجتمعنا..
طرق الجرس فإذا بها تدخل مبللة وبخطى سريعة ،تتكئ كما تعودت على الأريكة ،لم تتحدث مدة نصف ساعة،مركزة نظرها على الإضاءة الخافتة ،يداها تداعبان هاتفها النقال، راقبته خيفة من تحت نظارتي وأنا أوهمها أني أنتظر..رن هاتفي ،شعرت بالحرج، نهضت وأخرجته من معطفي ..
-زوجتي تسألني كالعادة متى أعود للبيت..
قالت دون أن تنظر نحوي:
-أحبه ..ولايمكنني تركه..كان زوجي ولكنهم فرقونا بسبب خلافات نشبت أثناء الإنتاخابات اللعينة..تبا كم كرهتها..مازلت على علاقة به نلتقي..نمارس مايمارسه الزوجان ..حملت المرة الأولى وطلب مني أن أسقطه وإلا تركني ..فعلت مايريد..لايمكنني أن أعيش بدونه..مطلقة ولكنني أرى أني زوجته..الآن أنا حامل ..لم أخبره لأنني لا أريد أن أسقط الجنين أنا في الشهر السابع ..يعني بشهرين قبل أن أبدأ جلساتي معك..كنت أحتاج أن أتكلم ..لم أخبرك بمأزقي ..أعرف إجابتك ولكنني أحبه..
بسرعة قامت ،أخرجت مبلغا من المال ،وضعته على مكتبي وانظلقت في خفة لحظة عابرة..كنت سأناديها ولكني لاأعرف لها اسما..
مر أسبوع دون أن أراها ،بقيت صورتها عالقة بذهني،بقي كلامها في رأسي كصداع لايغادر، بقيت نقودها كما هي ،بقيت مأساتها حكاية أنتظر خاتمتها..بقي ملفها مفتوحا ، يصلح لأن يكون رواية تفضحنا جميعا..
كتبت في أول الملف مكان الاسم :

*--يكون المرء في غاية الجنون عندما يحب.
++++++++++++++++++++++++++
مقولة لسيقموند فرويد

من ذا الذي يلجم الجنون! إذا كان الفارس امرأة.
شكرا أستاذي قوادري علي على هذا الجمال السردي.
مودتي






  رد مع اقتباس
/