۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - صمت الّليل
الموضوع: صمت الّليل
عرض مشاركة واحدة
قديم 18-06-2017, 04:52 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
ثناء حاج صالح
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمةالأكاديميّة للابداع والعطاء
سوريا
افتراضي رد: صمت الّليل

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جهاد بدران مشاهدة المشاركة
صمتُ الّليل

صمتَ الّليلُ وهزّتني القيودْ
وغفا جفني على صدرِ الشّرودْ

وتعالت صيحةُ الجائعِ في
عتمة الّليل تغذّيها الرّعودْ

وتراءى الفجرُ يصحو ثملاً
بعد نعي ٍ لقناديل الجهودْ

بلسانِ الصّمتِ لا مِن عدمٍ
كنتَ يا ليلُ عيوناً للوعودْ

وتظلّ الرّوح قعساءَ جوىً
صوّرت للقلبِ أطيافَ الجدودْ

وأرتني كيف للحلمِ صدىً
يدفعُ الخطوَ إلى نبعِ الوجودْ

وأرَتني ذكرياتٍ هجعت
من أنينٍ، بضلوعي والوريدْ

ترمُقُ الماضيَ في يقظتهِ
حيثما ينبثقُ النّور الوليدْ

تلثمُ النّورَ وتَحبو عِبراً
لا تُطع أصداءَ شجوٍ بالّلحودْ

ضاقَ بي صمتكَ يا ليلُ أسىً
في سكونِ الفجرِ والنّورِ الهَجودْ

واجمٌ أنتَ ومفتاحكَ مِن
طلسمٍ ترجو هواناً بالعهودْ

تخلسُ البسمةَ ذكرى وَهنٍ
مِن سُباتٍ قد يجاريه ِالهُمودْ

وأديمُ الأرضِ ينعي فرحاً
من خفوقٍ وظلامٍ ، للعبيدْ

بدُجى الكون وإغفاءتهِ
كنتَ للنّور عقيماً لا القعيدْ

ما جمالٌ لك إلّا قمراً
نورهُ كالعزفِ والّلحنِ الفريدْ

عبثاً أهجوكَ يا ليلُ أسىً
فكلانا في ظلاماتِ الوصيدْ

جهاد بدران
فلسطينية

بحر الرمل
صَمَتَ الْليلُ وهزَّتْني القيودْ
وغفَا جفْني علَى صَدرِ الشُرُودْ

وأنا أقرأ جملة "صَمَتَ الْليلُ " رن في مسمعي صوت فيروز وهي تغني مطلع قصيدة ( أغنية الليل ) لجبران خليل جبران :

سكن الليل وفي صدر السكون ....تختبي الأحلام

فظننت أني مقبلة على الدخول في عوالم رومانسية حالمة على أجنحة من التأمل .
غير أن متابعتي القراءة أدخلتني في عوالم سوداوية تمازجت بأجواء الليل الذي اختنق في قصائد نازك الملائكة ، كما في قصيدتها ( الكوليرا )التي تقول غي مطلعها:

سكَنَ الليلُ

أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ

في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ

صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ

حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ

يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ

في كلِّ فؤادٍ غليانُ

في الكوخِ الساكنِ أحزان.

إن هذه العودة الإبداعية من الأستاذة الشاعرة القديرة جهاد بدران إلى تشاؤمية الأجواء الداخلية في وجدانيات الشعر (الأبوللي) لها ما يبررها من أحداث اللحظة التي نعيشها.
فالشاعرة الأستاذة جهاد لم تغترب عن عصرها ولم تعد إلى ذكريات الجدود دون مبرر.
فتأمل الواقع العربي الذي اتخذ "الصمت والصمت فقط " رد فعل دائم على كل ما يحدث من فواجع إنسانية ، كل ذلك سيدفع وجدان الشاعر للاستسلام للتشاؤم حتى إشعار آخر .
تقول الشاعرة

بلسَانِ الصَمتِ لا مِنْ عدَمٍ
كنتَ يا ليلُ عيُوناً للوعُودْ

عيون الوعود تحدق من خلال ظلمة الليل. لأنها تنتظر تنفيذها. ولكن لسان الصمت يقف حائلا دون التنفيذ، لأنه ( الصمت ) هو كل شيء نستطيع رصده حيال الوعود .
لقد استغرقت الشاعرة في لغتها الضبابية استغراقا فصل النص عن الحدث اليومي لبجعله في مقام التجريد الذي يصلح ليعبر عن الألم الإنساني غير المحدود.

واجِمٌ أنتَ ومفتاحُكَ مِن
طلسَمٍ ترجُو هوَاناً بالعُهودْ

"فالطلسم" الغامض الذي ترك طابعه على نبرة القصيدة التي أخرجتها عن الحدث الطارئ هو مفتاح القصيدة . وبه فتحت الشاعرة بوابة التعبير الوجداني على مصراعها.

تخلسُ البسمةَ ذكرَى وَهنٍ
مِن سُباتٍ قد يجَاريه الهُمودْ

وأديمُ الأَرضِ ينعَى فرحاً
من خفوقٍ وظلامٍ ، للعَبيدْ

بدُجى الكَونِ وإغفاءَتهِ
كنتَ للنُور عقيماً لا القعيدْ

عندما تستخدم مفردات مثل (الوجود ، الأرض ، العبيد ، الكون ، ...) تكون قد دخلت في حالة التعميم ، لتصبح مسألتها مسألة لا ذاتية . مع أنها تقدمها بمنظورها الذاتي.


ما جمالٌ لك إلاَّ قمراً
نورُهُ كالعزفِ واللحْنِ الفريدْ

شبهت الشاعرة نور القمر بالعزف واللحن الفريد . على الرغم من استغراقها في الحزن . وبهذه الصورة فقط تنفسنا الصعداء.
وعلمنا أن الحالة النفسية التي تملكت وجدان الشاعرة مازالت تتسع لاستقبال الجمال . غير أنه الواقع الضنين الذي لا يمنحها إلا الأسى هو الحائل بينها وبين متعة الإحساس بما تزخر به الحياة من جمال .
لذلك هي تتهم الليل بقلة الجمال فتقول :
"ما جمالك إلا قمرا". ..

عبثاً أهجُوكَ يا ليلُ أسىً
فكلانَا في ظلامَاتِ الوصيدْ

لم ترغب الشاعرة بهجو الليل ، لأنها تشاركه تلك الظلمة المغلقة ، وهي تتحسس الصمت فيه.
كانت قصيدة ليلية صمتية قالت بصمتها الكثير من الوجع .

تحيتي للشاعرة المبدعة أ. جهاد بدران






  رد مع اقتباس
/