[ثناء حاج صالح]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق المأمون محمد

أقنان

جــفّ البـيـانُ وفـاضــتِ الأشـجــانُ
ساخَ القريـضُ و غاضـتِ الأوزانُ

و الحزنُ مِن فَرْطِ الهُمومِ لهُ يَدٌ
عـبـثـتْ بمـعـمـورِ الـقـلــوبِ تُــــدانُ

و العيـنُ آيـسَ دمْعُهـا مِـن سـلـوةٍ
تحـنـو عـلَـى صَـبـرٍ جَـثـا و يُـهـانُ

عَـمّ الـبِـلادَ مِــنَ المُصـائـبِ شَـرّهـا
و انـــداحَ فـــي أرجـائـهـا الأحـــزانُ

الـعــدلُ فـــي كُـــل الـبــلادِ مُـضـيّــعٌ
والظلـمُ فـي أرضِ الهُـدى العُنـوانُ

الـنـاسُ جَـوعــى و الأمـيــرُ مُـرفــهُ
تَـجـثــوا عــلــى أعـتـابِــه الـغِـلـمــانُ

و النـورُ أقـتـمُ مــا يـكـونُ زُجـاجُـهُ
مِـشـكـاتُــهُ فـــــي أسْــرِهـــا الــقُـــرآنُ

حَجَبتْـهُ عـنْ كُــل الخـلائـقِ أمّــةٌٌ
كـانــت تُـنـيــرُ بـضـوئـهـا الأزمــــانُ

حـتـى شــدا شــادٍ و بــانَ نَشيـجُـهُ
قـــــــل لــلــزمـــانِ بــأنــنـــا أقــــنــــانُ

يَرثـي الفضائـلَ فـي مَراتـعِ مَهدِهـا
تـأتــي بـهــا مــــن ربِــهــا الأديــــانُ

كــمْ مُـرسـلٍ أفـنَـى أزاهـــرَ عُـمــرِهِِ
يَـسـقـي ثـراهــا و الـغُـيـوبُ دُخـــانُ

يَستقبـلُ الخَـطـرَ الجسـيـمَ بِـروحِـهِ
مــا راعَــهُ إن مــات وهْــي تُـصــانُ

يَستمطِـرُ المَـدَدَ الــذي مِــن فَـوقِـهِ
ربٌ أجــــــــابَ وجُــــنــــدُهُ أعــــــــوانُ

مِـــن آدمِ الـلّــذْ ذَاقَ حُـلــوَ جِـنـانِـهِ
فأتـى بهـا لــلأرضِ وهْــي حَـصـانُ

مَـخْـفـورةُ فـــي عِـزهــا مـــا مَـسّـهــا
إنــــسٌ تــجــارَءَ أو رمــاهـــا جـــــانُ

إلا تــعــالـــى اللهُ فـــــــي مـلــكــوتِــهِ
قــال انصُـروهـا يــا جـنــودُ فـكـانـوا

مـــا ردّ إدريـــسُ جــمــالَ خـصـالِــهِ
و رَعَـى الفضـائـلَ عـنـدهَ الرعـيـانُ

و أماطَ عن شرعِ السماءِ غِشاوةً
حَـمـلـتْ بِــدايــةَ جَـهـلِـهـا الـفِـتـيـانُ

أو مـاجَ بَحـرٌ ليـس يَعصِـمُ لاجـئـاً
مِــــنْ هَــولِــهِ جَــبــلٌ و لا وِدْيـــــانُ

و الخَلـقُ كُـلُ الخَلْـقِ مِــلأُ سَفيـنـةٍ
حُبـلـى و يَـهـدِرُ تحتـهـا الـطُّـوفـانُ

حتى إذا حَطـتْ علـى الجُـودِي أو
صـــاحَ الـيـمـامُ تـبـاشـروا وتـهـانـوا

إلا لأجـــــــلِ كــــرامــــةِ اللهِ الــــتــــي
حـمــلَ الـلــواءَ لأجـلِـهــا الأنــســانُ

سـجــدوا لـــهُ فـــي مُـلـكِـهِ بـتـضـرعٍ
قــالـــوا الـمــكــارمُ ظِـلّــنــا الـفَـيـنــانُ

أم ذاك إبــراهــيــمُ بـــيـــن حـــجـــارةٍ
والـنــارُ أرهـــبُ مـــا رأى الـحـيــوانُ

يـــا نـــارُ كـونــي للخـلـيـلِ سـلامَــةً
إنّ الـفـضـائــلَ لـلـخـلـيـلِ ضـــمـــانُ

فـــــإذا أتــــــاكِ مُــحــمــدٌ فـبـفـضـلِــهِ
قـــــامَ الـبــنــاءُ وتـــمـــتِ الأركــــــانُ

و سَــعَــى بــنــورِ اللهِ أســـــادٌ لـــــهُ
جـابــوا الــبــلادَ فــأرشَــدوا وأبــانــوا

حـتـى أقـامـوا الـعِــزّ مَـمْـزوجـاً بـــهِ
عَـدْلُ السـمـاءِ فأنصـفـوا و تـدانَـوا

فالعدلُ سيـفُ اللهِ إنْ هُـوَ مُصلَـتٌ
قـــادَ الـرقــابَ و حُــقّــقَ الإذعــــانُ

و الـعـدلُ مِفـتـاحُ السـمـاءِ فبـابُـهـا
رَهــــنٌ لــــهُ و سَـحـابُـهــا الـهــتــانُ

شـادوا لكـلِ الأرضِ مملـكـةً بـهـا
الـعـلــمُ نـــــورٌ و الــهُـــدى مــيـــزانُ

فانقـادَ لا بالسيـفِ أقـصـى طِنـجـةٍ
و سَـعـتْ إلــى ربِّ الـهُــدى إيـــرانُ

و أجـابَ داعـي اللهِ قِـبـطٌ أسلـمـوا
و أقـــامَ فــــي مَـلـكـوتِـهِ الـصُـلـبـانُ

جيـحـونُ مَــدّ يميـنَـهُ فـــي غِـبـطـةٍ
حـاكـتْـه فـــي تسلـيـمٍـهٍ الـحٍـبـشـانْ

رُذريكَ في أرضِ الفرِنجِ تَصدعـتْ
لِـــذَوِي العَـمـائـمِ عِــنــدَهُ الـتـيـجـانُ

سَلْ مَنْ نُسبتُ لإسمِـهِ عـن فيلـقٍ
أكـلــتْــهُ فـــــي بـحـرِ الـعِــدا الـنــيــرانُ

نالَ الممالِكَ بالسـلاحِ فمـا انجلـتْ
إلا و قـــدْ نــــالَ الـنُـهَــى الأيــمــانُ

وصَغى المسيحُ يَحُفُـهُ فـي أرضِـهِ
مُـــلـــكٌ أقـــيـــمَ و رحـــمــــةٌ و أذانُ

بـلْ أنزلـوهُ عـنِ الصلـيـبِ مُبَـجّـلاًً
فــرآهُ فــي أعـلـى السـمـا الـحـيـرانُ

ذاك الــذي كُـنـا وكــان فـهـل تُـــرى
صُنـا المَبـادئ مِثلـمـا هُــم صَـانـوا

ينتابني شـوقٌ الـى عهـدٍ مَضـى
و يفـيـضُ بــي التـسـآلُ والتِحْـنـانُ

و أظلُ أبحثُ في المعالـمِ علّنـي
أشــفــي فُــــؤاداً هَــــدّهُ الأســيـــانُ

ما شاء الله !
قصيدة جميلة بديعة أقامت بنيانها الشاهق جزالةُ الشاعر في تراكيبه اللغوية واختيار ألفاظه.
وأفكار موضوعها تسلسلت تسلسلاً منطقياً اصطبغ مع صبغته الدينية والتاريخية المتداخلة في سياق واحد بمشاعر الشجن والألم والغضب المكبوت . ومن الجميل أن يعدد الشاعر المبدع الأستاذ طارق المأمون محمد أسماء العديد من الأنبياء والرسل مع ذكر مآثرهم أو ما يختص به كل منهم من خصائص سيرته. ثم يختم الحديث عنهم بذكر خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم .

مـــا ردّ إدريـــسُ جــمــالَ خـصـالِــهِ
و رَعَـى الفضـائـلَ عـنـدهَ الرعـيـانُ

و أماطَ عن شرعِ السماءِ غِشاوةً
حَـمـلـتْ بِــدايــةَ جَـهـلِـهـا الـفِـتـيـانُ

أو مـاجَ بَحـرٌ ليـس يَعصِـمُ لاجـئـاً
مِــــنْ هَــولِــهِ جَــبــلٌ و لا وِدْيـــــانُ

و الخَلـقُ كُـلُ الخَلْـقِ مِــلأُ سَفيـنـةٍ
حُبـلـى و يَـهـدِرُ تحتـهـا الـطُّـوفـانُ

حتى إذا حَطـتْ علـى الجُـودِي أو
صـــاحَ الـيـمـامُ تـبـاشـروا وتـهـانـوا
...
أم ذاك إبــراهــيــمُ بـــيـــن حـــجـــارةٍ
والـنــارُ أرهـــبُ مـــا رأى الـحـيــوانُ

يـــا نـــارُ كـونــي للخـلـيـلِ سـلامَــةً
إنّ الـفـضـائــلَ لـلـخـلـيـلِ ضـــمـــانُ

فـــــإذا أتــــــاكِ مُــحــمــدٌ فـبـفـضـلِــهِ
قـــــامَ الـبــنــاءُ وتـــمـــتِ الأركــــــانُ

و سَــعَــى بــنــورِ اللهِ أســـــادٌ لـــــهُ
جـابــوا الــبــلادَ فــأرشَــدوا وأبــانــوا
....

كذلك أعجبني البيتان اللذان أشار فيهما الشاعر بلطف وبراعة إلى البطل الفاتح العظيم طارق بن زياد الذي يتسمى الشاعر باسمه بقوله

سَلْ مَنْ نُسبتُ لإسمِـهِ عـن فيلـقٍ
أكـلــتْــهُ فـــــي بـحـرِ الـعِــدا الـنــيــرانُ

نالَ الممالِكَ بالسـلاحِ فمـا انجلـتْ
إلا و قـــدْ نــــالَ الـنُـهَــى الأيــمــانُ

كل هذا والشاعر يتهم البيان بالجفاف والقريض بالسيوخ والأوزان بالغيض في مطلع قصيدته الرائعة

جــفّ البـيـانُ وفـاضــتِ الأشـجــانُ
ساخَ القريـضُ و غاضـتِ الأوزانُ

فيا لها من تهمة ظالمة!
تحيتي لكم