عرض مشاركة واحدة
قديم 10-08-2011, 02:06 PM رقم المشاركة : 65
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


زاهية بنت البحر غير متواجد حالياً


افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

عندما يمتزج الحزن بالدماء يجري في الشرايين زقوما يغذي خلايا الجسم بنسغه المؤلم.. يتفجر أناتٍ مكتومة حينا، ومسموعة أحيانا أخرى.. يجعل القلب يتلوى بمخاض الذكريات التي تنبجس شوكا ينشب مخالبه السامة في الروح، وينهش بلا رحمة هدوءَ الحاضر بأنياب الحسرة، وصَبْرَ قلبٍ يعجز عن التصدي لهدير أمواج الأسى.
أم عادل تحتاج الآن لمدينة إطفاء كي تخمد نار فؤادها، للمسة حنان- من يد التهمتها الديدان الجائعة تحت التراب قبل سنين بعيدة أنستها عددَها الأيامُ، وزادت في بؤسِ قلبها المشتاق لنظرة عطف من أبي عادل- كي تشعرها بالسكينة.
هي الدنيا، تأخذ كل شيء، ولا تعطي إلا القليل، فيتلاشى بين ليلة وضحاها.. يصبح محض ذكريات عند هبوب ريحها تذرو الغبارَ في عيون العابرين، فتمطر الدمع كحلا.
تركته لزوجته.. دخلت غرفتها متعبة.. رمت بنفسها فوق سريرها.. بكت.. بكت.. ربما غابت عن الوعي بعض وقت لا تدري تماما كم استغرقت فيه غيابا.. ماذا رأت؟ من كلمت؟ ماذا سمعت؟ لم يدر أحد بها.. نهضت بعد صحوتها.. مسحت دموعها.. ابتسمت.. مشت في الغرفة.. فتحت النافذة.. نظرت إلى البحر.. أغمضت عينيها.. فتحتهما.. نظرت إلى السماء.. رفعت يديها.. تمتمت بدعاء.. مسحت كفيها بوجهها.. خرجت من الغرفة وابتسامة رقيقة تزين شفتيها فرأتهما يلاعبان الببغاء.. اقتربت منهما.. وضعت كفيها فوق رأسيهما وراحت تقرأ بصمت المعوذتين.

بعد صلاة المغرب بنصف ساعة تقريبا خرجت سراب برفقة حماتها لتتمشى حول الجزيرة كما طلبت منها القابلة القانونية، وكانت قد بدأت تحس بثقل في بطنها بعد أن دخلت في الشهر التاسع واقترب موعد الولادة.
بعد انتهاء ساعة المشي اتجهتا إلى منزل السيدة شيماء الرابح تلبية لدعوتها لهما للسهر عندها، بينما ذهب عادل إلى المقهى لمسامرة أصدقائه ريثما يحين موعد عودة أمه وزوجته إلى البيت.
في الطريق لاحظت درة على سراب آثار التعب فسألتها إن كانت تريد العودة إلى البيت.. نفت ذلك، وعندما دخلتا منزل شيماء فوجئتا بوجود عدة سيدات عندها.. رحبت صاحبة الدعوة بهما وبدت السعادة على وجوه الحاضرات وهن يسلمن عليهما، وكانت من بين الساهرات رضوى زوجة والد رزق التي قبلت يد أم عادل بوجه بشوش ومحبة وحياء.
لفت انتباه درة أمر غريب بعد مضي وقت على وصولها إلى منزل شيماء.. ظنته بداية أمرا عاديا لكنه حقيقة لم يكن كذلك.
نظرت إلى الحاضرات اللواتي عرفن بإدمانِ تدخين النرجيلة.. كن يجلسن بهدوء ويتحدثن بأمور كثيرة دون أن يبدو عليهن الضيق من تأخر شيماء بسطر النراجيل وتقديمها لهن خاصة وأنها كانت هي الأخرى تجلس دون نرجيلتها التي اشتهرت بها، فقد كان لها (بزبوزة) من ذهب لا تسحب بدونها أي نفس من أي نرجيلة كانت.
لاحظت شيماء علامات التعجب على وجه درة.. ابتسمت لها وأعلنت بأنها قد تخلت عن التدخين، وأنها والحاضرات قد اتفقن على تشكيل لجنة منهن، وممن تود الاشتراك معهن لمكافحة التدخين في الجزيرة بين نسوتها وبناتها.
خبر بدا للوهلة الأولى نكتة مضحكة تستوجب السخرية، أيعقل هذا ومع مدمنات لسنواتٍ طويلة؟!! لكنه حقيقة كان خبرا رائعا صفقت له درة كثيرًا، وأبدت رغبتها في المساهمة بهذا المشروع الصحي المجاني الذي إن هو تحقق فعلا على أرض الواقع فسوف تكون له نتائج صحية واجتماعية كثيرة، فالأم هي المعلمة الأولى التي يجب حضانتها، وتعليمها، وتحصينها من عدو لدود لا يرحم صدر صغير ولا كبير.
خبر آخر جعل ابتسامة درة تتسع فوق شفتيها والدموع تترقرق بين جفونها، آن لرزق أن يسكن غرفة تليق بإنسان بعد أن عاش فيما يشبه قنًا تأنف منه الحيوانات، فقد جمعت شيماء الرابح مبلغا من المال من أصحاب الخير بمساعدة هذه النسوة، ولهذا الأمر دعيت رضوى للسهرة، ولسوف يُبدأ منذ الغد ببناء الغرفة الصغيرة يودع فيها رزق الشقاء، ويعيش كبقية الناس طفلا محترما آمنا، له حقوق كاملة كبقية الأطفال في العيش بدفء وحنان.






  رد مع اقتباس
/