۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - الأثر النفسي لمنهج التفكيكية في شعر ما بعد الحداثة /ثناء حاج صالح
عرض مشاركة واحدة
قديم 13-07-2019, 04:33 PM رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
ثناء حاج صالح
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمةالأكاديميّة للابداع والعطاء
سوريا
افتراضي رد: الأثر النفسي لمنهج التفكيكية في شعر ما بعد الحداثة /ثناء حاج صالح

أما التعالي فهو محصلة ونتيجة طبيعية لحالة الاغتراب والانفصال عن الواقع عند شعراء ما بعد الحداثة ؛ وذلك لأنهم مضطرون لتبرير اغترابهم تبريراً لا يعود بالتهمة عليهم ، لذا فلا بد لا هم من تبرئة أنفسهم أمام المتلقي بإظهار أنفسهم ضحايا للواقع الذي لا يستطيعون التأثير فيه أو تغييره ، ليس لأنهم هم العاجزون أو المتقاعسون أو الراغبون بعزل أنفسهم عن مجريات الأحداث في الواقع السياسي والاجتماعي، بل لأنهم هم السابقون عصرَهم بوعي قضايا الحريَّات، التي لا يعترف بها الواقع ولا يوفرها لهم للتعبير عن حضورهم المتميز والمتفوق . فهم يمثلون حالات نبوغ إبداعية نادرة الوجود من حيث تجاوزهم كل ما هو نمطي وتقليدي في ارتياد الصورة الشعرية وابتكار ما هو غير معتاد في التعبير والتخييل ،وهو ما تقصِّر مجتمعاتهم ومؤسساتها الأدبية في استيعابه وتقديره والاعتراف به ، وبهذا التصور النفسي الذي يتقمصونه ويتمثلونه عن أنفسهم يصبحون عرضة لمشاعر الإحباط الذي يشعرهم في النهاية أنهم موجودون في الزمان الخاطئ وفي المكان الخاطئ . بينما هم في حقيقة الأمر يكونون قد أوصلوا أنفسهم إلى نطقة الانقطاع عن التواصل مع أصولهم ومحيطهم وبيئاتهم بسبب استغراقهم في مجاهل عوالمهم الذاتية واقتناعهم الكامل بحقهم في ممارسة هذا الاستغراق ، لأنه ببساطة هو طريقهم الحتمي والوحيد للانبعاث في النص التفكيكي الذي يعيدون انبعاثهم عبر كتابته .
وتتضح لنا ضرورة الربط بين المقدمات والنتائج عندما نعيد قراءة ما قاله الناقد عالي سرحان القرشي عن التشظي والالتئام من منظور منطقي يبرر التشظي والالتئام وفقاً لقانون السبب والنتيجة ؛ فلولا أن التشظي يسبق الالتئام لما حدث الالتئام عبر الكتابة . والالتئام هو غاية الكتابة الإبداعية.
وهذا يعني أن الشاعر ما بعد الحداثي ووفقاً لمتطلبات الفلسفة التفكيكية مضطر ومجبر ومرغم على ممارسة التشظي، فهو يختار تحطيم روابطه النفسية التي تربطه مع القيم اختياراً حتمياُ كي يتاح له ممارسة الالتئام عبر فعل الكتابة . وهو مضطر لتدمير نفسه وتغريبها عن واقعه كي يتاح له بعث هذه النفس وتشكيلها من جديد في نصه عبر فعل الكتابة الإبداعية .وهو ما يبرر حقا تمسك هؤلاء المبدعين بمعاناتهم ومزايدتهم عليها ولا أرى في هذا إلا غاية التناقض والاهتزاز في الحالة النفسية التي تسود في شعر ما بعد الحداثة .

تأثير نفسي إيجابي للتفكيكية

إن الأثر الإيجابي الذي لا ينبغي إهماله للمنهج التفكيكي هو الذي انعكس على الأدب النسائي خاصة، لأنه سهّل للمرأة العربية التعبير عن نفسها وعن أزماتها النفسية في ظل الكبت والقمع الاجتماعي السائد في بعضالبيئات الاجتماعية، بأسلوب يحميه الغموض وتحرسه الرموز.
يتحدث القرشي في كتابه (أسئلة القصيدة الجديدة ) (8) عن تجربة المرأة المميزة في النص الشعري السعودي الحداثي ليؤكد أن المرأة السعودية قد خرجت عن الشكل الشعري التقليدي لتجرب فيه أدواتها وطاقاتها التعبيرية من جهة ولقناعتها بضرورة التجديد من جهة أخرى.
وعلى الرغم من أننا نقرأ في نص لفوزية أبو خالد رائدة(13) قصيدة النثر السعودية إشارات تدل على اهتداء النساء بإرث شهرزاد وزرقاء اليمامة ، إلا أن هذا الاهتداء لم يأت إلا في الحلم الذي تحلم المليحة بالابتداء به . وبما أنه مجرد حلم، فإن الكلام يبقى كلاما، وستنقض النساء في الصباح غزل المساء .

أيُّ فردوسٍ انسَلَّ منه النساء
وسكبنَ السَّرابَ
على....
سُبات السابلة؟
نُهرِّب ماءَ السماء في سواد المساء
نُقطِّر شمساً نحاسيّةً على شحوبِ الصحراء
نشكّ الأصابعَ بماسِ العسيب
أيّ نعاسٍ يغالب صحوَ الصبايا؟
نستمطر القلبَ أشواقاً حييّةً ورحيقاً يفور
نستمطر الوقتَ عمراً وصبراً جميلْ
نستمطر الطرقاتِ..
وطناً
يبدّد الوحشةَ المشتركَة
أيُّ رياح تُخاطف الأشرعة؟
نُمازج الطوفانَ بأطياف تطير
ونُؤلِّف من كل زوجين اثنين
مَهْراً للمُهرة الهاربة
أيُّ قمر علَّقتْه شهرزادُ على ليل اللقاء؟
قلنا اقتربْ
قلنا عصافيرُ تحترق

قامةٌ تُورق

قلنا زرقاءُ تقرأ إشارات المَحاق
غابةُ سِدْر تُشْجِر مُكعَّبات الفراغ
قلنا..
هيّأنا الأَهلَّة للعيدِ
الأكفَّ للحنّاء هيّأْنا
هيّأْنا
عرساً لبلاد
آخيْنا بين القمح والمستحيل

الجرحَ بالملح وَضّأْنا
وهبنا خميرةَ الروح لأجنّة المطلَق
ونقضْنا في الصباح غَزْلَ المساء

الخلاصة
لقد تحكمت فلسفة المنهج التفكيكي في النقد ليس فقط في عملية التلقي والقراءة النقدية عند القارئ والناقد ، وإنما في أساليب إنشاء النصوص الإبداعية نفسها عند المبدعين ، وهو ما تطلب ضريبة ضخمة من المجهود النفسي التابع لاعتناق الفلسفة التفكيكية ، تمثَّل تأثيرها الخطير في شعر ما بعد الحداثة في انتهاج التحلل النفسي الذاتي عند الشعراء ووممارسة التشكيك والاغتراب كطرائق حتمية وضرورية للإبداع .

المراجع
1-الغامدي ،د. سعيد بن ناصر (الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها) دراسة نقدية شرعية ط1 ،2003،دار الأندلس الخضراء جدة .
2- ندوة مجلة فصول عن قضايا الشعر المعاصر ، المجلد الأول ، العدد الرابع، يوليو 1981
3 - إسماعيل ، عز الدين : التفسير النفسي للأدب – مكتبة غريب. الطبعة 4، صفحة 22.
4- الحاج ، أنسي عن مقدمة ديوان (لن) ، ط2، المؤسسة الجامعية - بيروت 1982. صدرت الطبعة الأولى للديوان عام 1960.
5 -دنقل، أمل : الأعمال الشعرية الكاملة ، مكتبة مدبولي ، القاهرة
6- التيارات النقدية الجديدة ، وردة مداح ، (2010-2011) التيارات النقدية الجديدة عند عبد الله الغذامي ، رسالة ماجستير ،جامعة العقيد الحاج لخضر / الجزائر.
7- عطية، د.أحمد عبد الحليم :جاك دريدا والتفكيك، دار الفارابي ، بيروت ، لبنان،ط1 2010
8- القرشي ،عالي سرحان : أسئلة القصيدة الجديدة. صفحة 159 ، الطبعة الأولى 2013بيروت لبنان
9- أدونيس ، الأعمال الشعرية الكاملة
10 - (نظرية الشعر/ مرحلة مجلة شعر - القسم الثاني: مقالات/شهادات/ مقدمات - تحرير وتقديم : محمد كامل الخطيب. منشورات وزارة الثقافة - دمشق،1996
11-الماغوط، محمد (الأعمال الشعرية الكاملة
12- الرحبي ، سيف : الموسوعة العالمية للشعر العربي
13- أبو خالد فوزية ، الموسوعة العالمية للشعر العربي






  رد مع اقتباس
/