۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء
عرض مشاركة واحدة
قديم 21-09-2012, 01:23 PM رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

أحمد بوزفور الناقد

أحمد بوزفور: شدو الغزال. قراءة خاصة في «بُستان الغزال المرقط» لإسماعيل غزالي


(بستان الغزال المرقط) ديوان قصصي يتكون من أربع مجموعات قصصية، هي (عسل اللقالق) - (لعبة مقترق الطرق) - (منامات شجرة الفايكينغ) - (الحديقة اليابانية).

ديوان حافل بالمتعة الجمالية الخالصة، كأنه لا ينتمي إلى الأدب بل إلى المـوسيقى: ذلك الفن الذي تسعى إلى بلوغه كل الفنون. تصوروا غابة من غابات الأطلس العذراء، شذبها وهندسها مقص ياباني (رقايقي)، ونزّلها حلم فانتازي بين الصمت الراصد والبياض البارد لشمال أوروبا. هذا هو بستان الغزال المرقط، أما الغزال المرقط نفسه فهو كاتب هذا الديوان، وهو لدهشتنا كاتبان وليس كاتبا واحدا، إذ يبدو أن إسماعيل غزالي يكتب بطريقة فرناندو بيسوا: عن طريق الأبدال أو الأنداد. وأنداده في هذا الديوان كاتبان. ورغم أن كل واحد منهما يسمى إسماعيل غزالي، إلا أنهما مختلفان: كتب إحدهما (ولنسمه منهجيا ديونيسيوس): مجموعة (عسل اللقالق)، ونصوصا متعددة من مجموعتي (منامات شجرة الفايكينغ)، و(الحديقة اليابانية). وكتب الثاني (ولنسمه منهجيا أبولون): مجموعة (لعبة مفترق الطرق)، والنصوص الباقية من مجموعتي (المنامات..) و (الحديقة...).
أما ديونيسيوس فشاعر رعوي يستبطن في داخله كل الشعراء الرعويين السابقين ابتداء من صاحب نشيد الإنشاد، مرورا بثيوكريتوس الإغريقي وفرجيل الروماني إلى طرفة العربي... شاعر يَشم رائحة العشب ويُشمّمها. يَطرب للناي ويُطرب به. يصغي للحفيف الخرير الزقزقات... وإلى أصداء الجبل البعيدة الغور كأنها تصدر من بئر شَطون، ويُعيد - كجبل - إصدارها بعد أن ترسّبت وتخمّرت. يكتب قصصا لاقصائد. قصصا تحتفي بالطبيعة والطفولة والخيال المتسكع الحر، وتتأمل العالم في دهشة مستوعبة كطفل حكيم ينظر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، ويلتقط ضوالّ الجمال حيث وجدها ليلعب بها لعبته الجادة: بناء القصص.
ينسج ديونيسيوس قصصه بخيوط:
- الرؤية حين ينظر السارد إلى الأشياء الخارجية (الرعوية) ويصفها.
- والتذكر حين يستحضر السارد الطفولة ولُعَبها.
- والخيال حين يتفلّت السارد من أسر الرؤية وصرامة التذكر ليخلق أشكالا كهيئة الطير (وفي البستان طيور جميلة وغريبة كأنه من بساتين ألف ليلة). وليخلق نساء كهيئة الطير يتدلين (زليخات) دانيات القطوف من غصون الأشجار، ويسعين كالبجع بين البحيرات، يهمسن بنفثات السحر ويكشفن عن سوق المرمر ويتضاعفن في مرايا الماء. فإذا مددت يدك لتقبض، ذبن وتسربن من بين فروج الأصابع... خيال راع صابئي يحول المدن إلى ألوان وأزهار تصلي للشمس:
((ماذا لو تمططت النقطة الصفراء (صندوق البريد) وابتلعت الدائرة السوداء (جمهرة الناس) ، ثم توسطتها الخنفساء الحمراء (الفتاة ذات الفستان الأحمر)، تماما مثلما لو كانت تتوسط زهرة عباد الشمس.))
خيال فنان من عصر النهضة يُركب المرأة الحسناء على دراجة هوائية، ويجعلها تجري وهي ترمي بثيابها المثيرة إلى الفنانين: القبعة إلى الموسيقي، والنظارة إلى الرسام، والساعة إلى الشاعر، والجوارب إلى الفوتوغرافي، والصدرية إلى المهندس المعماري، والتبان إلى القصاص (سعداتو).
وأما أبولون فمهندس يرسم الخطط والخرائط، ويبني الأشكال ويحركها، ويُجري بينها حوارات فكرية وفنية تغنيها وتعمقها... ثم يطلق الحركات داخل الحركات، فيجعل الأفكار تفكر، والهواجس تحدس، والحكايات تَحكي، والأحلام تحلم، والصمت يَعزف حتى لتهز موسيقاه الأوراق على الشجر ولا ريح.
أبولون تقني بارد يلعب بمكعبات السرد ويبث فيها روحا بورخيسية أو كورتاثارية تحسبها روحا وهي رُقاقة سيليكون. وجمالها جمال رياضي يتحرك بدقة وحساب: يداعب العقل لا الوجدان، ويخاطب الذكاء لا العاطفة، ويتحرك على مسرح السرد كلاعب سيرك. لكن اللاعب لا ينسى المتفرج، لذلك يفتح في الجدار الرابع - وبكلمة واحدة أحيانا - مسامّ تنفذ منها تأويلات القارئ كالعرق المعكوس (من الخارج إلى الداخل)، فيجعل الخنفساء مثلا تدحرج كرتها ((صوب جهة خفية وراء الشجرة المريبة)). كلمة (المريبة) تُدخل القارئ إلى الخشبة وتُشركه في لعبة السرد، وتُخفف من الصرامة الباردة لتقنيات السرد المحسوب.
وفي كل القصص الديونيسوسية والأبولونية، وبين سنابل الكلمات الجديدة، تنبت وتربو أعشاب النصوص القديمة المنسية. تنبثق فجأة في منعطفات السرد، وإيبيكرامات القصص كالأرانب البرية تثير في نفس القارئ السلوقي شهوة القنص وتختفي، على طريقة (تمنع الراغبات).
وبين التناصات نفسها ، وبين الأجواء التي تخلقها السرود، يتخلق نوع جديد من التناص يمكن أن نسميه (التصاقع).
وإذا كان التناص حوارا منتجا بين النصوص المختلفة، ومن خلالها بين الثقافات المختلفة، فإن التصاقع حوار بين الأصقاع المختلفة في الجغرافيا: في الجو والحرارة والغطاء النباتي والمياه والأحجار والطيور، وفي الأضواء والألوان والأصوات والروائح والأطعمة والأشربة... ثم داخل هذه الأصقاع هو حوار بين أحاسيس الناس المختلفين وسلوكاتهم هنا وهناك.
والتصاقع - كالتناص - ظاهر وخفي. ظاهر حين يزرع النص شخصا من صقع (المغرب) داخل صقع آخر (الدانيمارك). وخفي حين تنمو أرزة أطلسية في شارع من شوارع كوبنهاجن...... لكن الدانيمارك في (البستان) تبدو حلما لا بلدا. نقية صافية، ولا يفسد فيها شيء (كما كان يفسد أيام شكسبير)، ولا عجب، فلكل كاتب دانيماركه. ألم يقل نيقولاي غوغول منذ القرن التاسع عشر: ((اكتشفت أن الصين وإسبانيا أرض واحدة تماما، وبسبب الجهل فقط يعتبرونهما دولتين مختلفتين..... ولكل ديك اسبانيا خاصة به، وهي موجودة تحت ريشه)).
وتحت خوافي إسماعيل غزالي (غزال القصة المغربية) دانيمارك خاصة به.

(بستان الغزال المرقط) كتاب نادر في متن القصة المغربية الحديثة أتوقع أن يُحدث نشره هزة فاتنة في سطح القصة وأعماق القصاصين. وأصلي من أجل أن يكون مدار نقاش جمالي بين النقاد والكتاب لصالح رفع مستوى الذكاء السردي، ومستوى التعبير القصصي، ومستوى المقاربة النقدية. آمين
- أحمد بوزفور






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/