۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - إشــراق ( رواية ) /1
عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-2011, 07:55 AM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: إشــراق ( رواية )

غروب



و يبهظنا رحيل الغروب لكن..


لم لا نملك إلا أن نرفع له أيدينا بالوداع؟


(1)
لم يكن سوى أنين الليل!
وقد تفتقت خيوطه السوداء باجتماع أعظم نقيضين في هذا الوجود
فتلك تدفع به إلى الحياة وهي تمخر عباب الموت راحلة للعالم السرمدي ، يعتلي بكاؤه في أرجاء البيت المتهالك وأنى له أن يدرك يتمه المرير ؟!تتناقله الأيادي التي لا تعلم أتصفق فرحا بقدومه ؟أم تمسح على رأسه وتنشد له ألحان المنون؟ويستقر أخيرا بين ذراعي شقيقته التي دثرته بقماط الشجون حابسة في أعماقها صرخات الفقد والوجد يشاطرها جريد الدار لوعتها ..الجدران البكماء ..الصخور الصماء ..أشجار الميس التي تحف الدار.. كل شيء حتى قلب والدها الذي طالما خالته قاسي الشغاف ! فهاهو اليوم يجود بدمع كالمطر يرطب الحبال الجافة التي ما كانت لتربط بينهما ،ترنو لقسمات الصغير ثم تدير طرفها لمكان أمها الفارغ فتتراكم الحسرات في أعماقها ،صمت يسود الدار فلا يقطعه سوى مبادرة الأب بالحديث:

-هاقد حاقت بنا الرزايا..
تمتم بصوت خافت خنقته العبرات:
-لطالما علمتنا أمي أن نصبر عليها!

-نصبر!علام نصبر؟!أعلى فقدها أم على شظف عيشنا؟! أم على من يتحكم بأمورنا ويسوس رقابنا كالعبيد؟!
-بل يجب علينا الصبر على الأدهى والأمر ...والمؤمن مبتلى..
-كفاك لغطا وأسكتي هذا الصغير...
يطرق باب الدار ..ليتضجر:
-لا بد أنه صالح..
يفتح الباب ليدخل الشاب منهكا...يزعق الأب به:
-لماذا تأخرت هكذا إن الغبش في أواخره؟ أم أن اللئيم ضاعف لك العمل؟ آه ما أشرسه كم يمعن في تعذيبنا!
-بل إني لم أستطع إنجاز العمل بسهولة ...
-ولكننا في آخر الليل.
-هذا ما حصل..
-ألم يراعِ تورم يديك؟!
-إنه لا يراعي الله في أعماله ليراعيني أنا!
التفت الشاب إلى أخته التي قبعت في زاوية من زوايا الدار القاصية نسبيبا ..وقف مشدوها..لحظ دمعاتها ..رمق الوليد الذي يرقد بين ذراعيها ..أدار طرفه للأب الذي هدأت ثورته ليتسلط عليه حزن شديد!
تسائل:

-هل وضعت أمي؟!!

لأول مرة! يعتلي بكاؤها ..كأنها وجدت من تركن إليه لتتسول منه السلوى ..

أردف قائلا:
-ثمة مكروه..

يجيب الأب:
أنت تعلم أن أمك كانت عليلة...لقد...لقد اختارها الله إلى جواره بعد أن وضعت الصغير..


فزِع! اتسعت حدقتاه!لم يكن في الدار متسع للركض..لكنه ركض بجسمه المتورم وقلبه المتقرح..فتح باب مخدعها المؤصد .. ليلاقيها جثة هامدة..تغطيها أبراد خضراء ..أخذ يبكي بمرارة ..ويهمس بغصة:
(رحمك الله ..هل تراني أستطيع الصبر على فقدك؟! أي قذى في العين؟أي خبر بائس نُعي إلي؟!)

غدا يواريها الثرى..لتواري قلبَه ذرات الرمال .. لينضب ينبوع الحنان الوحيد الذي كان يروي الدار في هذا الدهر المحموم.. غدا تغور غدران العذوبة في الوديان غدا تسبيه أصفاد اليتم ..غدا.. يبحث عن أمه ..يمحلق في طويلا في الفضاء..ولا يجدها!!
وأطل الصبح متثاقلا ،يوسق بين ذراعيه أنواء الفقد .. ترافقها زفرات الألم ..وصرخات طفل صغير ..شريد في دروب اليتم..
أنين يغرق في غمراته قلوبا حزينة تبحث عن شطآن النجاة فلا تجد..
رويدا ..رويدا يسير النعش ..ليستقر بين اللحود ..لتضمه غياهب الأرض ..وتعطره نفحات التراب ..إنها اللحظة التي يعود بها.. ابن الأرض لها..ليعود الحمأ المسنون لمنبعه التليد.. ولتستقر الروح حيث منتهاها..لتُذرف الدموع ..علها ترطب القفر الرهيب..

مسحتها رحاب من على وجنتيها.. و واساها أخوها ببعض من روحه:
-سلوانا رحيلها عن هذا العذاب..
-أسكنها الله الفردوس..
-إن شاء تعالى ..إن شاء تعالى..
يسيران في الرمض..كالتائهين في هذه الفلوات..وماكان لهما..أن يريا..لسبيلهما..من نهاية!!








  رد مع اقتباس
/