۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - قراءة في قصيدة أيوب للشاعر عدنان حماد
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-01-2010, 04:37 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ضياء البرغوثي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل وسام الأكاديميّة للإبداع الأدبي
يحمل وسام الأكاديميّة للعطاء
فلسطين

الصورة الرمزية ضياء البرغوثي

افتراضي قراءة في قصيدة أيوب للشاعر عدنان حماد

قصيدة أيوب
للشاعر عدنان حماد
قراءة ضياء البرغوثي
النص :
قصيدة أيوب
أيوب ما بك صامتاً
تجتر حزنك والأسى
تقتات صبركْ

قالت لي الزيتونة
الثكلى
ألا .. يا أيها الرجل المسافر في
المَدى بين المُدى
الجرح في كفيك غار

إكليل غار

والجرح ينزف من يديك براءة

والجرح في يدك
الوسام
قم أيها المبعوث من حرق
الرماد
وعاقر الهذيان في وجه الحبيبة

قم واهجر الأحزان والمدن الكئيبة
ْ
واجعل جراحك بلسما

وارسم طريقك زنبقاً وبنفسجا

وانظر إلى الفجر الجديد
كحالمٍ
متفائل بالدفء والصبح
الجديد
ودع النهاية للنهاية
ْ!!قم ناج فجرك وانتظر كرم الإله
****
فجرٌ جديد

للزهر والريحان والروح
الزكية
ولنسمة الصبح التي لثمت
يديك
ولنقطة الحبر
التي
كانت لجرحك
بلسما
فجر لأسراب النوارس والحمائمْ

ولغيمة بيضاء اِتجّهت إليكْ

خذ حبرنا واُكتب على خد السماء
قصيدة بالعطر عتق حبرها
أنشودة للفجر أغنية جديدة

قم وابتسم

ودع الضياء يثور في وجه الظلام
لينتهي
ويعم في الكون السلام

التحليل :

يوظف الشاعر في العنوان رمز أيوب، الذي يريد به قصة النبي أيوب عليه السلام ، ويقتصر العنوان على كلمة أيوب فقط ، دون أن يضيف الشاعر لهذه الكلمة أية إضافات ، وكأني به يريد أن يلج إلى موضوع القصة من خلال دلالة العنوان ، فأيوب رمز لقمة الصبر ، جراء ما حصل له من إبتلاء المرض ، فالصبر هو قدر الفلسطيني الذي يعيش في أرضه مقهورا محزونا ، يتجرع ويلات الأسى والضياع .


أيوب ما بك صامتاً
تجتر حزنك والأسى
تقتات صبركْ
قالت لي الزيتونة الثكلى

يفتتح الشاعر القصيدة بسؤال سئل به ، سئل عن صمته ، حيث استخدم الشاعر اسم الفاعل ، للدلالة على ديمومة هذا الصمت ، وأن الصمت هو صفة دائمة يتصف بها . لم يقتصر الأمر على الصمت فحسب ، بل تفرع السؤال ، ليدخل في عالم الحزن والأسى الذي يحيط بالشاعر ، ويظهر أن الحزن والأسى ملازمان للشاعر وهو ملازم لهما ، فاستخدامه لكلمة ( اجترَّ ) تؤكد هذا المعنى ، فالاجترار هو جذب الشيء ، فأيوب يجذب حزنه وأساه . (تقتات صبرك ) جملة خبرية ، تستخدم الفعل المضارع الدال على الاستمرارية ، وقوت أيوب هذا هو الصبر ، فالصبر هو زاد الفلسطيني المقهور الذي لا حول له ولا قوة في ظل حرب الإبادة التي يتعرض لها . وأيوب النبي كان يقتات الصبر ، لأنه كان يبتلى بمرض يهدد حياته ، فلم يجد دواء سوى الصبر يعالج به جروحه ومرضه .
( قالت لي الزيتونة الثكلى ) ، إذن هو حوار بين أيوب الفلسطيني وشجرة الزيتون ، وتوظيف شجرة الزيتون هنا يضيف الكثير من المعاني التي تخدم الفكرة التي يريد الشاعر أن يوصلها للمتلقي . فشجرة الزيتون هي رمز الصمود ، هي رمز التحدي .


ألا .. يا أيها الرجل المسافر في المَدى بين المُدى
الجرح في كفيك غار
إكليل غار
والجرح ينزف من يديك براءة
والجرح في يدك الوسام

تواصل الزيتونة حوارها مع أيوب الذي يرتدي حلة من صمت ، وتزيد في تنبيهه إلى ما تريد قوله من خلال استخدام أداة التنبيه ألا والنداء يا . تخاطبه بالرجل المسافر ، سفر الفلسطيني على الدوام في أصقاع الأرض ، يتجرَّع ذلَّ التشرد والتهجير .. يسافر أيوب الفلسطيني سفره الطويل ، في متاهات المجهول ، سفر مختلف عن أي سفر ، إنه السفر في اللامعقول بين نصال القهر والعدوان على إنسانيته وكرامته . فكفُّ الفلسطيني ممثلا في أيوب قد غار فيه الجرح ، أي أن الجرح قد تغلغل في وجود الفلسطيني وكينونته . ولكن الفلسطيني الذي اعتاد أن يخرج من قلب المحنة منتصرا مزهوا ، لا تهمه كثرة الجراح ، بل هذه الجراح التي تنزفها يداه إنما هي رمز لبراءة الفلسطيني ، وهذا الجرح ليس سُبَّة له ، بل هو وسام الفخر والاعتزاز ، لأنه لم يستسلم لعدوه ، بل صبر وصمد وقاوم وتحدى .

قم أيها المبعوث من حرق الرماد
وعاقر الهذيان في وجه الحبيبة
قم واهجر الأحزان والمدن الكئيبةْ
واجعل جراحك بلسما
وارسم طريقك زنبقاً وبنفسجا
وانظر إلى الفجر الجديد كحالمٍ
متفائل بالدفء والصبح الجديد
ودع النهاية للنهايةْ!!
قم ناج فجرك وانتظر كرم الإله
*****

تواصل الزيتونة خطابها لأيوب الفلسطيني ، تدعوه إلى القيامة من جديد ، قيامة تذكرنا بقيامة السيد المسيح الذي سيقوم من رقدته ، ليبعث في الأرض السلام . انبعاث كانبعاث طائر الفينيق ( العنقاء ) التي تنبعث من رمادها وتولد من جديد ، ليظل وجودها خالدا أبديا ، وهذا هو قدر الفلسطيني ، الذي ينبعث من رقدة جراحه ، ليصرخ في وجه جلاده بأعلى صوته ، أنه يستعصي على الموت ، يقهر الموت ولا يُقهر . ( وعاقر الهذيان في وجه الحبيبة ) دعوة إلى التمسك بالحبيبة فلسطين ، ومعاقرة حبها ، حتى يثمل من رائحة ترابها الذكي . تستمر الزيتونة في حض أيوب الفلسطيني على هجر الأحزان ، وأن لا يستسلم لجراحه التي أثخنته ، تدعوه لإعادة رسم طريق الحياة من جديد ، طريق محفوف بالسلام والكرامة ، طريق يهتدي فيه بنور الفجر ، فجر العزة ، فجر الانتصار ، تدعوه كي لا يكف عن أحلامه البريئة ، أحلامه التي سيصنعها ويحققها بإرادته الحديدة التي لا يحول دون تحقيقها شيء على وجه الأرض . أن يخوض معركة الحرية بتفاؤل دافئ ، وأن يتشح بنشوة الأمل .


فجرٌ جديد
للزهر والريحان والروح الزكية
ولنسمة الصبح التي لثمت يديك
ولنقطة الحبر التي
كانت لجرحك بلسما
فجر لأسراب النوارس والحمائمْ
ولغيمة بيضاء اِتجّهت إليكْ
خذ حبرنا واُكتب على خد السماء قصيدة بالعطر عتق حبرها
أنشودة للفجر أغنية جديدة
قم وابتسم
ودع الضياء يثور في وجه الظلام لينتهي
ويعم في الكون السلام

فجر جديد ، يصنع بالدم والورد ، بالأمل والقوة ، بالعلم والمعرفة ، بحب الخير والسلام ، هذه وصايا الزيتونة لأيوب الفلسطيني ، دعوة لإحلال الضياء ، ضياء السلام والحرية ، بدل ظلام القهر والجراح، كي يعمَّ السلام ..

* في هذه القصيدة نصَّان ، نص حاضر ونص غائب ، فالنص الحاضر يشي بعلاقة حب بين أيوب وحبيبته ، والنص الغائب الذي يتوارى خلف المعنى الحاضر فهو علاقة العشق بين أيوب الفلسطيني ومحبوبته الأبدية فلسطين . وهذا ذكاء من الشاعر ، حيث لم يتحدث الشاعر عن المعنى الحقيقي بشكل مباشر وصريح بل يوحي به ، بواسطة الرموز والإشارات والدلالات التي تستنبط من النص الحاضر.
نلحظ أن الشاعر في هذا المقطع السابق يكثر من استخدام فعل الأمر الذي يدل على الحثِّ والتحضيض مما يتناسق مع المعنى الذي يدور حوله النص ..
كذلك جاء النص محملا بالصور والانزياحات التي أثرت المعنى ، وجعلته أكثر رشاقة ..
لغة النص جزلة وعميقة ، مكثفة المعاني والدلالات . .






  رد مع اقتباس
/