۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - مدونة ياسر أبو سويلم الحرزني
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-03-2018, 11:53 AM رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
ياسر أبو سويلم الحرزني
عضو أكاديمية الفينيق
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
الأردن

الصورة الرمزية ياسر أبو سويلم الحرزني

افتراضي رد: عن الكتابة







ما تيسّر من معجم المعاني وفهرس الطيور
.......................................................

المعانى طيور ، وأنا حجارتي في الكتابة قليلة . حجارتي في الكتابة قليلة ، وبالكاد أعدها على أصابع كف من ثلاثة أصابع . حجارتي في الكتابة عزيزة ، فلا أرسلها للأعلى إلا في أثر معنى أعرف أنّه على استعداد أن يقدّم الكثير من التنازلات ويقبل أن يسقط بدون حجر، ومع ذلك كنت أرميها إكباراً لكبرياء المعنى وتوقيراً له كي لا يقع في خانة معاني السبيل ، أو كأن يقال : "خبط عشواء" .
المعاني طيور ، وليست بالضرورة أنّها على أشكالها تقع ، أو أنّها مهما علت لابد أن تقع ، لكنّها تقع أحياناً بحسب جودة حجر الخيال و شرك اللغة ، وهي مثلها ، فمنها ما يصلح لقفص الوصف ، ومنها ما يأبى أن يدرج إلا في نصوص الكشف.

بعض الطيور مسالمة حدّ البلاهة ، حتّى حين لا أكون في واردها واضعاً يدي في جيبي أمشي وأصفّر ، فإنّها تتساقط حولي بالجملة ، وتقع في لغتي بدون حجارة ، ولسان حالها يقول : اكتبنا.

بعض الطيور مريبة وتقول خذوني ، حتّى وأنا أرسل حجارتي في إثر غيرها أراها تمارس سقوطاً في المكان الذي أقلعت منه الحجارة ، ولسان حالها يقول : لست أنا ، ولكنّي زهقت.

بعض الطيور ماكرة كأنّها ثعالب جوّ وهوايتها مراوغة حجارتي ، حتّى الحجر الذي يصيبها يعود إليّ خالي الوفاض : عذراً فليس لنا هواً في السقوط اليوم ، حاول مرّة أخرى.

بعض الطيور نبيلة وطيّبة إلى حدّ الهبل وتدّعي دائماً وتقسم بريشها أن حجارتي أصابتها ، فتتساقط لها وتقع ، حتّى حين كنت أحاججها بأنّها لم تكن المقصودة ، وأقوم لأخلّصها من شرك الكتابة وأرسلها للجوّ مرّة أخرى ، تقسم أنّها هي ، وأنّني لم أنتبه.

بعض الطيور كريمة وتسقط من تلقاء نفسها حين تراني مفلساً من الحجارة ، ولكنّي أبقى نزيهاً معها ، فحينما تتوفّر لدي حجارة فإني أرميها للأعلى بأثر رجعي.

بعض الطيور خلقت للزينة ولا تحتاج لأيّ حجارة لإحضارها ، لأنّها خلقت مصطادة بالفطرة ، فهذه ليس لها إلّا أن تربطها إلى حجر وترسلها بمعيّته للاعلى ، ولا تضعها في قفص الكتابة.

بعض الطيور نزيهة ، تعيد إليّ حجارتي معتذرة : ربّما في فرصة أخرى : لا نريد أن نسقط الآن -الآن على الأقلّ-.

بعض الطيور لئيمة لا تكتفي بعدم الوقوع فقط لكنّها أيضاً تستبقي حجارتي لديها ولا تعيدها إليّ .

بعض الطيور صعبة جدّاً وماهرة جدّاً في اصطياد وإسقاط كل الحجارة التي أرسلها لها في الأعلى : (بدري عليك الهوا عادك إلا صغير*).

بعض الطيور يطيب لها أن تتقمّص دور محارب الساموراي ، فما تكاد حجارتي تحاصرها ، حتّى ترتجل لها انتحاراً وتقع في الكتابة ، فتخرّبها وتربك دورة المعنى.

بعض الطيور عصبية ، وحين كنت لا أفلح بإصابتها من أوّل حجر ، فإنّها تضجّ وتشرع بكيل الشتائم بقاموس منطق الطير : ماذا يريد هذا ؟! ، وحين كانت لغتي تراوح اللاوعي وعلى سجيّتها كنت أفهم كل شتائمها ، أمّا الآن فلم اعد أدري ماذا تقول ، ولكنّ هيأتها توحي بأنها تكيل الشتائم.

بعض الطيور تقليديّة وقديمة ولا تعجبها إلا حجارة اللاوعي : يا ليت شعري.

بعض االطيور فضيحة تقع حتّى قبل ان أفكّر برميها ، تقع في نطاق الهامش فأقوم إليه بالرمز وبعباءة المجاز لأواري وأستر عورتها.

بعض الطيور جديدة ولا تذعن ولا تتساقط إلا بحجر الوعي.

بعض الطيور مسكينة : إن كنت ترانا لا نصلح لنثر أو شعر ، وزائدات عن حاجة السطر ، فاصنع منّا علامات ترقيم ، أو اتخذنا حجارة وأرسلنا للأعلى.

بعض الطيور "بنات لذينا" تكون في الجوّ في هيئة وبعد أن أصطادها تدخل في طور التحول لتبدو في الكتابة بهيئة ثانية.

بعض الطيور متعجرفة ولا تعجبها حجارة لغتي ، فتخلد إلى أعشاشها : نحين حين تحين حجارة تليق بنا.


حين كنت صغيراً وكانت لغتي على سجيّتها كنت أرى المعنى أكثر وضوحاً ، وكانت الطيور في عرفي طيران ، طير وقع وآخر ما زال يطير ، وكانت حجارتي مباركة.
حين كنت صغيراً لم أكن أعرف الفرق بين الدلالة والمعنى ، ولكنّي حين كنت أقول : يا أمّ ، يا أرض ، يا قدس ، يا خبز ، يا حبّ ، تنبجس من كتابتي عين ماء وتنفتح في صوتي طاقة ضوء ويحدث المعنى. أمّا الآن وبعد أن ورطّت لغتي في شرك الوعي واللاوعي ، فقد أصبح العبء أثقل ، وأصبحت الكتابة اكثر صعوبة ، حتّى المعنى الّذي كانت حادثته تقع حتّى في جملة مرتبكة أصبح قطفه شاهق العلو و شبه مستحيل.

بعض الطيور محيّرة ويلتبس عيّ أمرها أحياناً (أو دائماً) ولا أدري إن كانت طائراً أم طائرة ، إلا حين يتدخّل القارئ ويبدأ التأويل أشغاله ، ليلفت نظري إلى خطئ فادح حدث في الكتابة ، فأتنحنح كما يفعل كاتب يتنحنح ، وأقوم بمضع علكة مستعملة وأقول : المعاني طيور ، وانا حجارتي في الكتابة كثيرة ولكنّ أصابع كفّي الثلاثة .....






.
.






  رد مع اقتباس
/