۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - متاهة
الموضوع: متاهة
عرض مشاركة واحدة
قديم 31-08-2018, 03:29 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ادريس الحديدوي
عضو أكاديميّة الفينيق
يحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
المغرب

الصورة الرمزية ادريس الحديدوي

إحصائية العضو







آخر مواضيعي

ادريس الحديدوي غير متواجد حالياً


افتراضي متاهة

يشعر بثقل شديد حتى ظن أن تلك السحابة البيضاء المنحصرة هناك في الأفق فوق رأسه بين لهيب الحر، تتآمر عليه. وقف قليلا و أطلق زفيرا يشبه زفير تنين عملاق مخنوق جدا، ثم اتكأ على كرسيه في المقهى، نظر في فنجان قهوته بحدة رافعا حاجبه الأيسر، ارتشف رشفة، ضرب على الطاولة بقوة حتى قفز الرجل الذي كان يجاوره جسديا فقط:
- اللعنة حتى الفنجان أصابه الصقيع فجأة..!!
بعد هنيهة، رَن جرس هاتفه، ارتعد كمن يرتطم بموجة ماء باردة:
-لقد وجدنا لك عروسا جميلة..!!
ملامح وجهه التي كانت منكمشة، تحولت إلى حديقة خضرة، حتى العرق الذي كان يتصبب بدون انقطاع، توقف بأعجوبة مع العلم أن الطبيب الذي زاره مرارا فشل في تشخيص أسباب العرق الذي تحول من عادة طبيعية إلى مرض مقلق جدا.
نهض من كرسيه و أطرافه تتراقص لوحدها و غاب عن الأنظار...
و هو يدخل البيت، سمع أمه فاطمة الزهراء تقول بصوت مرتفع:
-لأول مرة في حياتك تأتيني بهذه السرعة، ماذا حدث لك يا ولدي..!!؟
طأطأ رأسه، أطلق ابتسامة عريضة و هو يجلس على الأريكة:
-أشعر بالخجل يا أمي، فلا داعي للحرج.. أين هي العروس، و هل هي جميلة و صغيرة!؟
-بصراحة أنا لا أعرفها، جارتنا حادة أقسمت أنها فتاة جميلة، محترمة و صغيرة السن.. لكن ..!! ما يثير دهشتي هذه اللهفة المفرطة على الأحجام و الأشكال..!! الزوجة و إن كانت جميلة سيتغير منظرها لأسباب نفسية أو صحية لهذا حاول أن تقتنع بما هو جوهري يا بني فأنت لست صغيرا كما تعتقد..!!
نشر يديه و تمدد كخيوط الشمس :
-سأصارحك يا أمي، فأنا أقدر أفكارك و تجربتك، لكن لسنا شخصا واحدا و لا نتقاسم نفس الأفكار و لا نفس الميولات..
ابتسمت في وجهه، و انصرفت إلى مطبخها و تركته يبحر بمراكبه نحو شاطئ جميل، على جنباته أشجار الأناناس و الموز فجأة، استيقظ كمن يتخبط من الوساوس، تصفح هاتفه المزعج، كبس على أيقونة في الواتساب:
-أينك يا رجل، لقد خرجت من المقهى كالمجنون، فهل من مشكلة.. لا تنسى ثمن فناجين القهوة..!!
رمى بالهاتف جانبا و هو يردد بصوت خافت:" لم تجد غير هذه اللحظات الساحرة لتزعجني أيها المنحوس تبا لك !!". تمدد من جديد، أغمض عينيه فإذا بفتاة أنيقة تجلس إلى جانبه، تضع يدها فوق يده، تلبسه رعشة فيصير أمامها مثل حزمة قطن لينة، يقترب نحوها كلاجئ يبحث عن دفء يعيد برمجة خيوطه المنسية، ينظر يميناً ثم يسارا؛ لا أحد غيرهما فوق السرير، يتساءل في صمت:" هل هذه زوجتي التي حدثتني عنها أمي ، هل نحن متزوجان أم أنا أحلم !؟؟" شعر بها تحرك يديها أكثر نظر إليها و نبضات قلبه تسارع الزمن، حاول أن يكشف عن وجهها المغطى بقماش أبيض شفاف لكنه لم يستطع، كانت يده ترتعش، يخاف من شيء ما، كلما حاول الكشف عنه لأمه يشتد غضبه، تصطك أسنانه، يقلب المنضدة و يخرج إلى المقهى التي سجلت و مازالت تسجل أيامه الضائعة؛ ربما بسبب ذلك نسي قضية الزواج نهائيا. لكن هذه المرة، ربما تغلب على هواجسه و مخاوفه التي ارتشفها من دفاتر حكايات الأصحاب و الفاشلين .. استجمع قوته، رفع عن وجهها القماش فإذا به يرى وجها خريفيا بلا ثمار يانعة، بلا خضرة، بحيرة راكدة مهملة، تبحث هي الأخرى عن نسمات، بل قطرات من الندى لتنتعش من جديد ...قفز من فوق الأريكة كالمجنون، سقط أرضا على رأسه. هرعت إليه أمه، رشت عليه قليلا من الماء و هي تقرأ المعوذتين، ساعدته على النهوض، أخذ مكانه من جديد واضعا يده على رأسه كفارس منهزم بلا معركة، يتسارع مع الفراغ..!!
بعد مرور وقت وجيز، رأى نفسه من جديد يدخل هو و أمه بيت العروس؛ حاملان معهما الهدايا، الكل كان فرحا فقط العروس المنزوية في ركنها تنتظر بزوغ قمر -لمحته في هاتفها، أو ربما قرأت عنه في زمن ما- من نافذتها المقفلة و عريس ما يزال يرتعش، يتخبط في الحلم...






  رد مع اقتباس
/