۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - التناغمية وقصيدة النثر
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-01-2014, 05:37 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الدكتورة عزة رجب
عضو أدكاديمية الفينيق
تحمل لقب عنقاء عام 2015
عضو تجمع أدباء الرسالة
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
ليبيا

الصورة الرمزية الدكتورة عزة رجب

افتراضي رد: التناغمية وقصيدة النثر


الحديث عن قصيدة النثر لاينتهي ، فالبعض يحلو له تسميتها بنصوص نثرية ، والبعض يقول أنها شعر النثر ، والبعض يكتب
أنه شعر الحداثة ، والبعض يسميها بشعر الإنكسار ، آخرون يقولون أنها قصيدة نثر ، وهى ليست بالمحيرة كما يصفها البعض ،
إذ أن أجمل الكلم نعرف أنه كتاب الله الكريم ، وماهو بشعر ، وما ناقله بشاعر مجنون ، فأجمل مافيه أنه جاء نثراً ، وهذا يميزه
بالديمومة في استقبال الحدث و تقبل تجدده ، بحيث لاتمله النَّفس ، ولاتكله العين ,ولاتحد من تأمله الروح ...

الحديث عن النثر ، ليس بأعجوبة كبيرة ، فالنثر شعر ، ولكنه قيل بأشياء أخرى ، و أدوات لايستوعبها الشعر المقفى
فأنت حين تكتب قصيدة شعرية على أحد بحور الشعر {شخصياً درست العروض ولكني لا أحب قيوده} فأنت ستضطر إلى
درجة ٍ ما إلى التخلي عن بعض شاعريتك و إن قلت شعراً ، فضرورات الشعر قد لاتسمح لك بسوق لفظة تريدها أنت بالمقام
وذات المقال ...فتضطر لاستبدالها بأخرى ..

هذا الاستبدال حذا بإنتاج نوع آخر من الشعر ...فالنثر هو مولود من مواليد الشعر ، و إن كان البعض ينكره عليه ،هو ذلك الوليد المتحرر ، المختلف ، الذي يشرح الحالة الوجدانية والشعورية كما ينجبها رحم الكتابة بساعتها ، يكتبها كلمة تليق بالمعنى والمقال والمقام ، فتأتي بمفردات حرة لاتقييد فيها ، خرج النثر من رحم الشعر ، لكنه لم يلتحف بلحافه تماماً بل
تعلَّم من نتاج الحالة الشعرية ، فتفوَّق في إنتاج إبداعٍ عقلي جميل الكلم ، عجيب الدهشة ، ومن أجمل ما يمكن أن يسلب
لب العقل ، خاصة في شكليات الهايكو الذي طوَّر نفسه بطريقة شرقية فأخذ دهشات الكلم بالنثر .


الحالة النثرية لايمكن الحد من إعجازها ، فالتصنيف في الحياة موجود ، في المراتب الدراسية ، كذلك في المراتب الشعرية
الملكة الشعرية لايمكن لشاعر أو كاتب أو ناقد أن يصنفها وفق تمييلها لأغراض النقد ، أو تمييعها لأغراض الترويج لفكر
ما ، ففي الشعر والنثر ، نجد اختلافاً كبيراً في الملكة الشعرية ، من شاعرٍ بمستوى مقبول ‘ إلى متوسط ، إلى قادر على امتلاك أدوات الكتابة ..ألخ .
لايمكن أن نقوم هنا بتصنيفٍ لامتياز النثر ، أو حتى الشعر لو كنا فعلاً نملك ثقافة فكرية عالية الانفتاح ، يجب ألاَّ نقع في فخ التصنيف إطلاقاً ..

من هنا تختلف النصوص النثرية ، ويأتي الاختلاف في النثر ، بين بينيات متفاوتة جداً ، في درجة الإنجاز ، الحالة الوجدانية

الفكر الذي تحمله ، المضمون ، الإيقاع ، الشعر ، عدم الشعر ، وقبل أن أنتقل للشرح أكثر في هذه المقالة ، سأشرح نقطة عدم الشعر ، فمن جماليات النثر أنه ليس دائماً يجب أن يشرح حالة شعرية محضة وخالصة ، فهو يتناول أغراض سياسة
بمفردات سياسية ، يتناول أغراض إنسانية بلغة عقلانية لاجرس شعري فيها ، يتناول حتى أغراض نباتية بلغة نباتية ، يتحدث عن أي فكر ـ يسوقها لك بقوالب ليس شرطاً أن يكون الشعر ضمن أغراضها ـ هذا المولود الناتج من رحم الشعر
فكَّر لنا بطريقته ، يحب الشعر ، ينتمي له ، لكنه يقول لنا أنا لست كأبي ، بل أخالفه في مبدأي وطريقتي ، وهذا لعمري حداثة حضارية لاتتنكر للأب ، لكنها تفكر بطريقتها مع عدم تخليها عن موروثها .

نعود للحقائق ، نعم طريقة كتابة كل شاعر لاتعنى أن يخضع النَّص للتصنيف ـ فنقول هذا النَّص ليس فيه رمزية كثيرة ، فهو لايليق بأن يكون نثراً ، أو نقول هذا النَّص لاصور جمالية فيه ، ولم يصنع الشعر ، فليس هو بنثر ، الفكرة ليست هنا

الفكرة أكثر وعياً و انفتاحاً وحضارة ،الفكرة أن الشعراء مستويات ، هنالك القصيدة النثرية البسيطة ، هناك القصيدة النثرية المتوسطة ، هناك القصيدة النثرية العالية الجودة ، هذا طبيعي ، ومقارنة بالشعر لايمكنك أن تقارن الشاعر فلان
بالمتنبي ، أو بأحمد شوقي ، هذه كلها بديهيات طبيعية .
إذاً نحن نتفق على مبدأ التفاوت النثري في المستويات الثقافية والشاعرية لشاعر النثر


نأتي على مستوى البناء الهيكلي"
القصيدة النثرية أو النثر له عدة بناءات شكلية ، يتفاوت هيكلها ، لاغرابة في ذلك ، ففي الشعر المقفي لدينا ستة عشر بحراً
كلها تتفاوت في البنية التحتية الشعرية ، فالنثر كذلك ، لقد قرأت الكثير في شعر النثر ،ـ فهنالك القصيدة الطويلة ، وهنالك
القصيرة ، هنالك المتوسطة ، هنالك ثلاثة أسطر ـ هنالك الهايكو ، هنالك المقاطع المتنامية ، وهنالك المقاطع المتراكمة ،
وهنالك المركبة ... هل يمكننا أن نعمم حكمٍ ما على نصٍ نثري بأنه غير صالح ، أو لايقبل أية معايير ؟

لايمكننا فعل ذلك ، لأننا سنسقط شاعراً هنا قبل أن ينهض على أنامله ويكتب نصاً آخر ،ولايحق لنا فعل ذلك ، ببساطة الشاعر الذي يكتب على البحر الطويل بدون أن يقع في فخ الزحاف أو العلل هو شاعر بامتياز ، لايمكنك أن تقارنه بشاعر يكتب على البحر الخفيف، أو السريع بكل قصائده ،فقط يجب أن نتعلم احترام إبداع الآخرين أياً كانت بساطته .

سنأتي إلى أهم ما يمكن أن يقبله النثر وهذا عن تجربة عميقة ...

الاختلاف ...فكل مختلف عن النمط بطريقة النثر هو لافت ،مميز، وهو قالب إبداعي نثري
خيبة الأمل ...فكلما خيبت ظن من يقرأ النثر بالنتيجة تحقق المختلف عما سبقه
الدهشة ...فإثارة الدهشة ..تدفع للاستغراب ، للعودة ، للتداول الفكري ، لأعادة القراءة لمزيد من الاستيعاب .
المثير ...فقد يكون النَّص عادياً لكنه مثير، من ناحية أنه خالف الطبيعي ، قام بمجاراة فكر القارئ ، أثار فوضى في جنبات النَص ..من حيث مضمون مفرداته وفكرته
السرعة والجريان ..ففي بعض النَّصوص تلهث وراء الشاعر لأنه عرف كيف يقودك لحالته الوجدانية ، و جعلك تركض وراء نصه لهاثاً لتعرف آخره ، سلب منك الإرادة في ترك القراءة .

ولعل هذا بصدق ما دفعني لتثبيت نص السيدة سعاد بن مفتاح ...حيث طبقت فيه عامل المجاراة السريعة ،
حققت فيه عدم إرادتنا أمام تساقط مفرداتها
أحدثت جلبة في روح النًّص ، عادت ، رجعت ،ردت ، أخذت ، البساطة في كتابة النثر للعلم هى قمة الامتياز ، وهى نجاح بعيد عن التكلف ،
في صنع اللفظ ، والتحفظ في صياغته ...كتبت سعاد هنا :


دهشة كما أنت
سكر أخذه طعم الملح
الى أعالي الشغف ،
ثم رده
ثم أعاده،
ثم رماه ..
يجاهد و يجاهد
و قبل الموت بسكرة ينهدي

أحدثت فوضى حركية ، خرجت عن المألوف بلغة خفيفة الظل ، متوازنة الأفعال ، بحيث لم تخرج عن النثر ـ، ولم تغرق في السرد لتقع في البوح ، طوَّعت لغتها بلفظات مجنونة الحراك، أسقطتنا في قاع الدهشة النَّصية عنواناً ومضموناً ، وربما هذا هو السهل الذي يحمل ولادة الممتنع ..وهذا يمكن قراءته حتى في تعليقات القراء على نص السيدة الكريمة .

بعد ذلك تطور الهيكل البنائي للنَّص النثري ، فشرح حالات وجدانية أسهبت الشرح حتى أنها لم تتنكر للشعر ، بل تقمصت روحه و تلفظت ببعض أسمائه ، وكما في الشعر حرف الروي ، فهنالك في النثر إحداث لهذا النوع ما نتج عنه التناغم النَّصي في شعر النثر ، هذا التناغم ليس فخاً ، ولكنه بنظري كباحثة في هذا المجال كحالة اللجوء للوقص والإقواء و الخبن والخبل بالشعر ، هو ضرورة نثرية ، كتبها الشاعر لأنه لم يتخل عن لفظته ، ولايريد أن يتنازل عنها لصالح الإبداع و أشياء اللغة ...النمذجة التي ساقها العميد زياد السعودي هنا للحاج وغيره ليس من باب بلبلة اللغة ،أو هى سقوط في فخ اللحن ، بل أعتبرها حالة من حالات الضرورة النثرية التي أوقعت الشاعر في فخ الحاجة للفظ وللمفردة مقابل عدم التنازل عن واقعية الحالة أو جدليتها أو فرضيتها الشعرية ...القصيدة التناغمية أحد أشكال شعر النثر ، لكنها ليست شكلاً ممتازاً لها ، فهى تُعامل معاملة الشعر الذي لزمته الضرورات الشعرية ، وكثر فيه الزحاف والعلل ،
وكم نحتاج كثيراً للاستيعاب والدراسة للنثر قبل إطلاق الأحكام جزافاً عن نصوص نثرية ، فهى قبل كل شئ أعتبرها إسقاط لشاعرية الشاعر ، قبل نصه .

كما يجب ألايدعونا ذلك للتهوين أو التقليل من شأن النثر والقصيدة النثرية ، فهذا مالاترضاه ثقافتنا المعاصرة ، وما لاتقبله الحرية الفكرية والوجدانية .

هذا ما يمكنني رفده .. وهو جزء من دراسة قابعة عندي لم تخرج أفكارها للنور إلا لديكم هنا أي لانقل فيها ولا أي اقتباس سوى لنموذج شعر {دهشة } لسعاد بن مفتاح

محبتي وتقديري .







الملكــات هُن الملكــات ....دائمــاً راقيات


(ويأتي الشتاء و أزداد اغتراباً على لحاء أشجاري!)



  رد مع اقتباس
/