۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء
عرض مشاركة واحدة
قديم 26-09-2012, 11:33 AM رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: الفنييق أحمد بوزفور يليق به الضوء

الوجه العزيز
بقلم:بوجمعة أشفري


أحس بأني محكوم بولادة مؤبدة

على مسافة أقل من مد البصر، حينما يطالعك وجهه، ترى ابتسامته تستقبلك قبل أن يصافحك يدا بيد أو خدا بخد. يا لسحر هذه الابتسامة التي ظلت هي هي رغم مرور الزمان وتقلبات الحياة. إنه القاص أحمد بوزفور

الذي تعاهد مع نفسه ومع العالم بأسره على عدم مغادرته لطفلته الخالدة التي تحمل اسم «القصة القصيرة»...

«الكيمياء تتقدم... أفسحوا الطريق»، قالها ديمتري كارامازوف لرهبان الدير، ويقولها القاص أحمد بوزفور لرهبان الكتابة «الذين يطالبون القصة وينتظرون منها أن تكون بدون نقائص»، ذلك لأن كمال القصة في نظره هو توازن نقائصها.

أنا الآخر


تراه ماشيا في الصباح (حوالي العاشرة أو الحادية عشرة) باتجاه الحلم الذي انفلت منه عند انبلاج الفجر.. يذهب ببصره بعيدا هناك على امتداد رصيف الشارع المؤدي إلى منزل حبيبته الخالدة في حلم الحياة وحياة الحلم..
وتراه جالسا في مقهاه المفضلة (هنا أو هناك)، مساء، يشارك أصدقاءه فرحه بالحياة أو فرحه بفيلم شاهده أو قصة قصيرة خرج منها محموما بسبب الجمال الكامن فيها أو ربما بسبب الجمال الكامن فيه.
وهو أيضا نفسه الذي تراه عائدا ليلا إلى شقته متأبطا جرائد الصباح الآتي أو كتابا أو رواية يمنحها وقتا من الليل، ثم يطفئ الضوء ليصحو على نور حلم كامن في قصة قصيرة محتملة.
إنه القاص أحمد بوزفور المهووس بالآخر على حد تعبير صديقه بورخيس: «أنا كل الآخرين وربما لا أحد. أنا الآخر/ الذي لا يعرف من أنا، الذي نظر إلى ذاك الحلم، إلى يقظتي/ يظهره -حلمه- مبتسما/ وبزهد./ زاهدا ومبتسما..».
أحمد بوزفور صاحب «النظر في الوجه العزيز» و«الغابر الظاهر» و«صياد النعام» و«ققنس» و«قالت نملة». أحمد بوزفور الذي اختار أن يجمع للمرة الثانية آثاره القصصية القصيرة ويسكنها في منزل القلب باسم «ديوان السندباد». أحمد بوزفور الذي لا يملك في هذه الدنيا سوى ثلاثة منازل صغيرة: حبيبته الخالدة القصة القصيرة وشقته الصغيرة ومجموعة البحث في القصة القصيرة... آه، نسيت منزلا آخر: أصدقاؤه الذين يرتاح إليهم ويرتاحون إليه، في الضحك نكتا والانتشاء ليلا والسفر أحيانا.
النكت، يموت فيها السي أحمد.. يموت ضحكا وهو يستمع إليها تروى بلسان أصدقائه.. ويموت ضحكا فيها وهو يرويها بلسانه لأصدقائه... وها هو صديقه القاص والروائي محمد صوف يبوح بعشق السي أحمد للنكت: «إذا حكيت نكتة لبوزفور سيستمع إليها ويضحك ملء شدقيه و لو كان يعرفها.. ثم عندما يرويها، يرويها لا كما سمعها، بل كما كتبها من جديد.. وهكذا تفقد النكتة هويتها وقد تصبح موزونة على بحر ما.. وقد يضاف إليها عنصر غرائبي أو لفظ منحوت أو صورة جديدة تكون وليدة لحظة الحكاية لأن الصور الضاحكة عند الرجل تتناسل تلقائيا».
القصة القصيرة لا تشيخ، تماما مثل النكتة التي يتجدد شبابها في لحظة الضحك. يقول عنها: إنها طفلتي الخالدة.. طفلتي التي اسمها كوثر في قصة قصيرة داخل غيابات «الغابر الظاهر». وكوثر في الغابة «بردانة» تطلب النار التي في الأفق: «لم تر في الليل والغابة إلا تلك النار الصغيرة تغمر بالخوف والحب. قالت الطفلة: يا نار، إن كنت نار إخوتي فاقتربي اقتربي، وإن كنت نار الجن فابتعدي ابتعدي. وكانت النار تبتعد كلما اقتربت كوثر. فلما أجهدها السير والخوف والوحدة، سالت على خديها الدموع الصغيرة المرتعشة، وقالت: يا نار اقتربي حتى لو كنت نار الجن اقتربي... وسارت الطفلة والنار نحو بعضهما...».



الدخول إلى فريواطو


«دع مئة زهرة تتفتح، والباقي للأجمل»: هكذا يجيبك القاص أحمد بوزفور حين تسأله عن الآخرين (الشباب) الذين يكتبون جنس القصة القصيرة. وهكذا هو أيضا مع القصص التي تجرب الأشكال ولا تحب الأصفاد.. القصص التي تخرج من الناس وتحيا مع الناس وتموت حبا في الناس.. القصص التي لا تقول لا للزحام ولا تقول لا للركوب في الطاكسيات والحافلات ولا تقول لا للدخول والخروج من المغارة...
دخلت ذات عصر إلى مغارة فريواطو، ولما أعياني السير، انزويت إلى ركن وأغمضت عيني.. ورأيت في ما يرى النائم أحمد بوزفور جالسا قبالة آخره.. كانا يتحدثان كلاما لم ألتقط منه سوى مزق كلمات: أنا.. لم.. لن.. أتخلى.. عن... وفجأة مد بوزفور يده اليمنى إلى آخره ومسح بها وجهه، فصارت صفحة الماء زرقاء... تساءلت بعد أن صحوت من غفوتي: هل كان القاص يتأمل صورته المنعكسة على سطح الماء؟ هل الصورة هي آخرنا الذي نمد إليه يدنا أو خدنا؟ ثم ما هذه الزرقة التي طفت على سطح الماء؟ لو كنت خارج المغارة لقلت إنه انعكاس زرقة الغلاف الجوي الذي نسميه سماء.
وفجأة أدركت أن أسئلتي لا معنى لها، ذلك لأنني لم أكن في المغارة التي دخلتها قبل أن أغفو، بل كنت في الحلم، أو على الأصح كنت في مغارة الحلم، أو ربما -وهنا المفاجأة- كنت مع القاص أحمد بوزفور في مقهاه المفضلة وهو يحدثني عن الكاتب الحمل والكاتب الذئب: «الأول يا عزيزي كاتب يعاشر (بكسر الشين) ويعاشر (بفتح الشين)، يخرج إلى الناس، ويعيش معهم، ويكتب عنهم. وهم في المقابل، يعتبرونه مرآتهم، يجدونه مستساغا، بل حلوا.. وفي النهاية يأكلونه. أما الآخر فكاتب متوحد، يعيش في عزلة، وينفر من الناس والأضواء والشهرة، كأن الشاعر تأبط شرا يتحدث عنه حين قال: (قليل التشكي للهم يصيبه/ كثير الهوى شتى النوى والمسالك/ يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي/ بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك). والناس بالمقابل لا يفهمونه غالبا، ويجدونه غريبا أو متوحشا أو متكبرا، ولا يستسيغون لحمه إذا ذاقوه، كأن به سما...».
وتساءلت بيني وبين نفسي، حين انتهى بوزفور من حديثه: ترى أي الصنفين ينطبق على قاصنا الجميل: الحمل أم الذئب؟ أم إنه يجمع فيه الاثنين ليكون هو الثالث. ربما.. وربما كان بوزفور يتحدث عن الكاتب الذي يحلم أن يكونه...



سحر الابتسامة
على مسافة أقل من مد البصر، حينما يطالعك وجهه، ترى ابتسامته تستقبلك قبل أن يصافحك يدا بيد أو خدا بخد. يا لسحر هذه الابتسامة التي ظلت هي هي رغم مرور الزمان وتقلبات الحياة. ومن قال إن الابتسامة يؤثر عليها مرور الزمان؟ الابتسامة تبقى طرية ودافئة ومغمورة بأولى خيوط الضوء.. تماما مثل حليب الرضاعة وتراب الطفولة وصلصال الكتاب (الجامع). هكذا تبدو لي ابتسامة أحمد بوزفور. وهكذا يبدو هو، تحضنه القصة القصيرة كلما التقته، وتهمس في أذنه قائلة: ما هذه الابتسامة الساحرة يا بوزفور. فيجيبها: «رأسي في الخارج أصبح، وسائر جسمي بعد في الداخل، وأنا أولد شيئا فشيئا، وأنا أتولد… لكن دون نهاية. أحس أن هذه الولادة لا نهاية لها، وأنني سأبقى هكذا إلى الأبد، أولد وأولد وأولد، دون أن أولد، أحس أني محكوم بولادة مؤبدة، وأني سوف أعيش أولد حتى أموت...».






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/