۩ أكاديمية الفينيق ۩ - عرض مشاركة واحدة - سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2021, 01:00 AM رقم المشاركة : 68
معلومات العضو
جهاد بدران
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
تحمل صولجان القصة القصيرة أيار 2018
فائزة بالمركز الثاني
مسابقة الخاطرة 2020
فلسطين

الصورة الرمزية جهاد بدران

افتراضي رد: سلسلة ضوء الشاعرة جهاد بدران على نصوص فينيقية

النّص : متهم بوأد الساعات
النّاص : عمر مصلح
القراءة : جهاد بدران

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النّص :
ــــــــــــــــــ

فكَّت الكلماتُ قيودَها، وانخرطت في صفوف مقاومة الهذيان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


القراءة :


متهم بوأد الساعات..
عنوان يثير الدهشة والاستغراب بما تمليه دلالات هذه الكلمات الثلاث..وتحث الفكر البحث عن مكنوناتها بما يتلاءم مع أبعادها المختلفة، وما يختبئ تحت الكلمات من معاني تتفتح فيها عناصر التأويل على مسافاتهم اللا تنتهي...
انطلاقًا من هذا العنوان المركب من ثلاث كلمات، بحيث كل كلمة نستطيع فتح لها صفحات لا تنتهي...
كل كلمة من العنوان لوحة فنية تمسك بتلابيب معنى بأبعاد وتفاسير تٰصبّ في قالب الومضة كلها، لأن كل كلمة حين تجتمع بالأخرى يكتمل حينها معالم المعنى المراد، وإن تعددت سبل التأويل..
سنحاول أن نستخرج ما استطعنا من كنوز الحروف وربطها في قالب يفي حق المعنى المراد من خلال زاوية ضوء المتلقي...
فالكاتب هو الذي يملك زمام العمق الذي يتربع على عرش سطوره، وهو الذي يمسك لها، له الفكر حتى فاض به الخيال عنوة لتسطير الكلمات بمنتج حكيم ذكي ..وهو بذلك يفتح دفات التأويل على مصراعيها أمام المتلقي، للسبر بين أغوار النص..

نبدأ بتسليط الضوء على الكلمة الأولى من العنوان:
/متّهم/..معناها حسب معجم المعاني:

• مُتَّهَم: (اسم)

• اسم مفعول من*اتَّهمَ

• (القانون) كُلّ شخص*اتّهم*بجريمة أو عمل مخالف للقانون..

• مُتَّهِم: (اسم)

• (فاعل مِن اِتَّهَمَ) هُوَ الْمُتَّهِمُ الوَحِيدُ : الَّذِي يَتَّهِمُ غَيْرَهُ بِارْتِكَابِ جَرِيمَةٍ أَوْ ذَنْبٍ

من خلال هذه المعاني ، يتضح لنا أن في دائرة المتّهم يوجد قضية ما، ويوجد فاعل ومفعول به وسبب للاتهام، إما أن تكون هنا جريمة ما وعلى حسبها اتسعت رقعة الاتهام بين فاعل ومفعول به، وبين سبب ونتيجة، وإما أن يكون عمل مخالف للطبيعة أو لقوانينها.. أو أن يكون الاتهام مجازًا. وبذلك سنصل لنوع الاتهام من خلال الولوج داخل عناصر المعاني وما تحمل من مجاز يسقط عليها الفعل الذي كان سببا في إعلان نتيجة تسطير هذه الحروف المتراصة بذلك الأثر البليغ في اتساع رقعة المعاني...ويبقى الاتهام قيد التصديق والتكذيب حتى يُكشف الغطاء عنه، وتتفكك خيوط الحبكة في هذا النص...ويبقى المتهم بريئًا حتى تثبت إدانته...
لذلك في دائرة الحدث يوجد ثلاث اتجاهات من خلالهم نصل لطرف الحبل في توضيح معاني النص...وهي المتّهم /والذي رفع توجيه الاتهام/ وسبب الاتهام../.
ننتقل للكلمة الثانية من العنوان:

/بوأد/
تبدأ بحرف الجر الذي كان حلقة الوصل بسبب الاتهام وهو عملية الوأد...
والمعلوم لدينا عن معنى الوأد الذي يأخذنا لعصر الجاهلية ويذكرنا بوأد البنات الذي هو دفن البنت حيّة خوف العار من جنس الإناث، وهذه أبغض جاهلية تقشعر لها الأبدان والتي تذكرنا بقصة احد الصحابة وهو يئد ابنته وهي تزيل عن لحيته الرمال، دليلًا على حنان البنت وترفقها بأبيها بشكل عفوي وبريء..
والوأد هنا يتبع الكلمة الأولى من الاتهام..
اتهام بوأد شيء ما والذي عبّر عنه حرف الجر وهو يمسك باسم المجرور وهو الساعات.. وهذه جريمة كانت اتهام المتهم بها، ..

/الساعات/
هي مقياس للزمن ومروره في عقارب الحياة..واغتيال هذا المقياس المهم دليل على اغتيال فترات من العمر التي تتمثل بالساعات والذي يقيس نسبة حياة المرء...فقد جاءت كلمة الساعات معرفة بأل التعريف، مما جعلها في حدود زمن معروف وليس بمجهول،،
لذلك فالمتهم بوأد الساعات، يقع بجريمة مثيرة للزمن...وفي اغتيال الساعات هو ذاته اغتيال هذا المقياس من الحياة، قتل الزمن عنوة بغير وجه حق، ليكون جريمة حية تدل على موت غير طبيعي للساعات التي تحسب نسبة العمر والحياة..
نأتي للسؤال وعملية البحث عن العلاقة بين وأد الساعات وعناصر النص...

/فكَّت الكلماتُ قيودَها، وانخرطت في صفوف مقاومة الهذيان./

/فكّت/ فعل ماضي صحيح ثلاثي مضعّف..قد تمّ شدّه بشدة نتيجة عملية التضعيف، فجاءت الشدة تلائم الفعل والحدث، فالتفكيك يحتاج لجهد، والشدة تحتاج لجهد أيضًا، لذلك فعل /فكّت/ جاء ملائما لمقاصد الشدة ويساهم في عملية التفسير والتوضيح، بأن الكلمات تحتاج لجهد لفكّ رموزها وشيفرتها وغموضها، وهذا يتمثل في قيود الكلمات التي تعني الصمت في النطق بها، أو عدم الحرية في اتساعها ورقعتها على الورق والنشر والكتابة أو كسر قيود الصمت، بمعنى عدم تكوين لغة تدافع عن المتهم ببراءته، والعيش بشكل طبيعي.. فإسكات الكلمات من التحرر بأشكالها المختلفة وفرض القيود عليها تعني التسلط واستعمال حد السيف على عنق مصدر الكلمات نطقًا أو تسطيرها وتدوينها بوسائل تعليقها بالأسفار أو على الورق...

بما أن الوأد هنا هو بداية وأد الساعات، هذا يأخذنا لتراكمات الألم والحزن والهمّ، وكأن الوقت والزمن الذي يتمثل بالساعات أصبح عارًا وخزيًا على صاحبه، وإلا لما كان حاجة لعملية الوأد، وهذا يأخذنا للهذيان ومعالمه المتخبطة وثم مقاومته كأننا مع موعد لمعركة يتم من خلالها القضاء على الهذيان والذي يدخل معناه التشتت وعدم التركيز في أي شيء، والذي كان سببا في تفكك الكلمات من قيوده وعدم التركيز في ربط الحروف ببعضها ليتم توحيدها وفق منظومة مفهومة المعاني والمباني... وعملية التفكيك من خلال الكلمات، ومبادرة الكلمات بقيام جهد ينزع عنها القيود لتنطلق* لتدل على القوة والخروج من تكبيل القيد لها، والتحرر والحرية في الفهم والنطق وبناء الكلمات بشكل مفهوم ليعطيها صلاحية التعبير والإنجاز في أي شيء..
وبما أن الكلمات نفسها التي قامت بعملية التفكيك، وليس عامل آخر خارجي، وهذا يجعلها ذاتية القدرة والقوة، مما يوجهنا للقدرة الذاتية في تحرير الذات من أي قيد، وأن كل نفس تملك قدرات متينة تساهم في تشغيل الإرادة والسيطرة على مكامن الضعف وتحرير النفس من قيود الصمت، وأنه لا توجد قوة تقوم بعملية التغيير كقوة الذات نفسها، فقد قال تعالى؛
*{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ*} [الرعد:11]، فعملية التغيير من الذات يدعم عدم الاتكالية على الغير، ويعزز من قدرات الذات في صنع المستحيل، لأن الاتكالية على الغير يفقد الإرادة والتحرر من أي غزو خارجي، إن كان غزو بالمشاعر أو بالفكر أو غير ذلك...لذلك بتفكيك الكلمات ذاتها للقيود، يعطينا عملية توجيهية وعظة وتثبيت لقدرات الذات من سيطرة الضعف عليها. وهذا مؤشر للقدرات المختلفة التي نستطيع وأدها وتركها خوف النزوح خلف الضعف والهموم واليأس والأحزان...
ثم ننطلق لتفسير آخر لقيود الكلمات، وهي قيود الكاتب أو الشاعر أو الأديب الذي يملك الكلمات قولًا وكتابة ليعبر عن حرية الرأي بصراحة قلمه وللتنفيس عن مشاعره ليعيش في حدود الأمن الذاتي والأمن الاجتماعي والأمن السياسي والاقتصادي وغيره..

لنذهب للمعنى الآخر في الوأد والاتهام والساعات والهذيان والمقاومة ومعنى المقاومة وعملية التفكيك، لننطلق بعد المبادرة في فكّ الكلمات لقيودها، للانطلاق والانخراط في صفوف المقاومة التي تقاوم الهذيان..
نأتي لجمع كلمة /صفوف/ تعني جمع كثير وليس قلة، ففي معنى الصفوف الوحدة والتعاضد والتكاتف وكل ذلك في مقاومة الهذيان..فجمع غفير ينضم لصفوف كثر بهدف المقاومة، والمقاومة تكون لدحر الاعوجاج وتصحيح المسار لأية فئة كانت..والمقاومة تحتاج لجمع كثير حتى يتم القضاء على الأمر كله حتى لا ينتشر لخطورته..فالمقاومة كانت بهدف القضاء على الهذيان، وماذا يعني بالهذيان وما هي أسبابه، وهل الكاتب يقصد معنى مجازي أو شيء آخر...؟
/وانخرطت في صفوف مقاومة الهذيان./
الانخراط معناها، الانضمام والالتحاق..وهذا الفعل تم اختياره بذكاء ودهاء وحكمة، لأن الانخراط تدل على انضمام لصفوف قائمة من قبل قد تمّ تشييدها وتدريبها من زمن، والانخراط فيها تدل على انضمامه للصفوف التي تأسست من قبل، ليتم تدريبه والعمل عليه..وليس انخراطه في صفوف لم تعمل على التدريب عليها..
فالكلمات بعد تفكيكها للقيود انخرطت وانضمّت لفئات موجودة من قبل تقوم بعملية المقاومة..
/الهذيان/
هَذَيان كما جاء في قاموس المعاني:
• 1. كَلاَم مُفكّك وغير مَعْقُول، كلام لا يُفْهَم ولا مَعْنى له.
"هَذَيان شيخ"
• 2. حالة مريض في اللّاَوعي يَتكلَّم بأشياء غير معقولة.
"نَوْبة هَذَيان"...
هذا هو حال من يصيبه الهذيان، التشتت وعدم التركيز وكلام معقد ومقيد بقيود اللاوعي، فمقاوته يعني عدم انتشاره وعدم استمراريته، لأنه ينزع من العقل والنطق الاتزان، ومقاوته تعني تقويم اعوجاجه..وكأن الكلمات أصابها خلل بسببه تم الضياع ..لذلك المقاومة هو الحل لترويض الكلمات في مدارها ومسلكها الصحيح..لن الهذيان سبيلًا للجنون وفقدان الثقة وسوداوية السلوك..
لذلك لو افترضنا الهذيان هو إدعاء أهل الباطل لأهل الحق، يسمون من يقول الحق وكلمة الحق في وجه سلطان جائر أننا في دائرة الهذيان؟؟؟فيُنسبون الجنون لأهل الحق مبرّرين صدق أفعالهم الباطلة ويتكئون على الأباطيل مقابل تحقيق رغباتهم..ويجوز العكس أن يكون صحيحًا،،
وفي تلخيص للمرض، فإن عملية الصحوة وتفكيك قيود الظلم والوجع والهموم، هي بداية الاقتران بالحقيقة والعمل على قص وقطع رؤوس الهذيان ليستقيم الحال وينمو الواقع بلا علل ولا أوجاع...
في هذا النص ستطيع أن أحوّل منظومة المعاني، لحالة الإنسان وهو يقبع تحت تأثير البيئة التي يعيشها سواء كانت حالة خاصة بالفرد نفسه أو حالة مجتمع قريب من الكاتب نفسه، في الحالتين هو يعيش في حالة سيطرة وتقييد الذات تحت ضغط وحكم ما يجعله مقيدًا لا قوة ولا قدرة في السيطرة عليها، حتى فاض به الكيل وطفح حتى فار تنور الإرادة ليفكك قيود الصمت لينخرط في صفوف المقاومة للهذيان...

الكاتب والفنان والأديب والناقد الكبير أستاذنا البارع المفكر الواعي
أ.عمر مصلح
كنا في حضرة حرف يحمل صراع الواقع بين الحق والباطل، والجهود التي تبذل للقضاء على أصحاب الفتنة وتمزيق ما يحمل المجتمع من أوجاع وآفات وفساد...
والنص بجمالياته ودلالاته العظيمة التي تمتد من الفرد لتصل لأعلى الهرم في المجتمع، كلها تفسر باختصار هموم عربية وأوجاع الأمة تحول بين الفرد ووطنه وهويته...
جزاكم الله كل الخير لمساحات الجمال التي فرضت علينا التدبر والتأمل بأبعاده المختزلة..
وفقكم الله ورعاكم حق رعايته
.
.
.
.
.
جهاد بدران
فلسطينية






  رد مع اقتباس
/