عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-2019, 02:38 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ثناء حاج صالح
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمةالأكاديميّة للابداع والعطاء
سوريا
إحصائية العضو








آخر مواضيعي


ثناء حاج صالح غير متواجد حالياً


افتراضي رد: الأثر النفسي لمنهج التفكيكية في شعر ما بعد الحداثة /ثناء حاج صالح

خطورة الفلسفة التفكيكية

لم تظهر الدراسات النقدية التفكيكية العربية إلا متأخرة، وبعد مرور أكثر من ربع قرن على تأسيس مجلة شعر . كما ذكرت الباحثة وردة مداح التي أرّخت لظهور أول دراسة نقدية تفكيكية عربية في العام (1985)، ممثلة بتجربة الناقد السعودي عبد الله الغذامي في كتابه "الخطيئة والتكفير" قراءة نقدية لنموذج إنساني معاصر" من البنيوية إلى التشريحية.
ولكن عبد الله الغذامي نفسه لم يقدم مفهوم التفكيكية في كتابه ، إلا بعد أن حوّر المصطلح، ليجرده من بعده الفلسفي ويقصره على بعده الإجرائي أو التطبيقي، عندما استخدم لفظة (التشريحية ) بدلا من التفكيكية، في ترجمته للفظة التفكيكية (déconstruction).
يقول عبد الله الغذامي :" إستقر رأيي أخيرا على كلمة (التشريحية أو تشريح النص) ؛ والمقصود بهذا الإتجاه هو تفكيك النص من أجل إعادة بنائه، وهذه وسيلة تفتح المجال للإبداع القرائي كي يتفاعل مع النص(6)
.
لكن لفظة التشريحية تكاد تخفي الفلسفة النظرية التقويضية الخطيرة، التي يقوم عليها المنهج التفكيكي في النقد، والتي تبناها الشعر العربي ما بعد الحداثي، دون الشعر الحداثي .
ومن أهم الأسس التي تقوم عليها التفكيكية :الاختلاف، وعدمية التمركز، وتقويض الميتافيزيقيا.(7)
1- الاختلاف
يعتقد دريدا مؤسس منهج التفكيكية ، بأنه من غير الممكن أن يتوصل الناص إلى كتابة نص يجسد المعاني بموضوعية حقيقية. وأن النص أيا كان جنسه الأدبي، يحفل بما لم يرغب الناص بقوله. ذلك لأن اللغة المكتوبة تعجز دائما عن تجسيد المعنى الحقيقي، لأن اللغة كلها استعارية مجازية. وهناك فرق بين الكلام الملفوظ مباشرة بصوت قائله، والذي يسميه دريدا بـ(الحضور) ، والكلام المكتوب كتابة، والذي يسميه (الغياب). فالكلام المكتوب يستمر في توليد المعاني حتى بعد موت كاتبه . ودريدا بهذا الاعتقاد، ينقض ما يفترضه رائد اللسانيات دي سوسير ،في قوله بوجود اتحاد بين الكلمة أو (الدال ) ومعناها أو (المدلول) أو المعنى، سواء أكانت الكلمة منطوقة أو مكتوبة. ومادامت اللغة عاجزة عن تجسيد المعنى الحقيقي في النص، فإن دريدا يقول بوجود احتمالات غير متناهية لتأويل معاني النص ، ولا يستطيع أي من هذه التأويلات اللامتناهية الادعاء بأنه قد ألمّ بحقيقة المعنى، لكن علينا أن نقبل بكل التأويلات التي ستختلف مع اختلاف القارئ. .
2- عدم التمركز
المنهج التفكيكي يساوي بين كل التأويلات من حيث احتمال الصواب . وبالتالي فإنه يدمر حقيقة المعنى في النص تدميرا كليا . وبسبب مبدأ القبول بالتأويلات اللامتناهية جميعا على السواء، دون تفاضل، فلن تبقى ثمة مرجعية في القرار النقدي . ولن يكون ثمة ترجيح يفضي إلى اختيار أحد التأويلات، لنصرته وتعزيزه دون سواه، باعتباره مركزا للحقيقة. وهكذا فلن يكون ثمة فرصة لحقيقة ما في أن تتمركز وحدها وتصبح مرجعا . ولا يؤدي هذا في الفلسفة التفكيكية، إلا إلى غياب وتهميش كل الحقائق.ما يعني أيضا غياب اليقين إلى الأبد، ولن يسود في استقبال لغة الخطاب إلا الشك والتشكيك.
3- تدمير عِلَّة الموجودات (الميتافيزيقيا)
دريدا ينتقد المنطق ويرفض اعتماده طريقة للاستدلال على وجود الحقيقة . لأنه- كما ذكرنا آنفا - لا يثق بقدرة اللغة على استحضار المعنى في النص ، ولو حضر المعنى في النص، لأصبحت بنية النص مغلقة عليه، وملمة به، وهذا عين ما يؤخذ به في المنهج البنيوي . لكن دريدا الثائر على المنهج البنيوي، يرفض انغلاق النص، و يرفض الاعتراف بجدوى تمركز العقل ،ومعاييره في الاستدلال المنطقي البنيوي، للوصول إلى حقيقة واحدة للمعنى في النص.
وتشترط منهجية التفكيك تحييد شخصية الناص عن نصه عند نقد النص ، لأنها تعتبر أن الناص نفسه لا يدرك العناصر اللاشعورية، التي تتسرب إلى النص في غفلة عن وعيه، والتي تصبح موضوعا جوهريا في القراءة التفكيكية، يفضي إلى اكتشاف التناقضات الداخلية في معاني النص، والتي تقوّض هذه المعاني، قبل أن تعيد استخدامها لبناء النص مرة أخرى على أنقاضها، وتترك للقارئ قراءتها وتأويلها حسب ما تبدو له. وليس من صلاحيات الناص الميت أن يرد، أو يصحح للقارئ تأويله الذاتي للنص. ومن هنا فإن دريدا يصف المعنى بالاستفاضة، ويحيله إلى القارئ فقط ،ويحكم عليه بالقلق واللااستقرار، ويتركه في حالة من الإرجاء، يستحيل معها القبض عليه.

يتبع بإذن الله ...






  رد مع اقتباس
/