الفطام
أمّي ذكرتـُكِ والحشى يتقطـّعُ ** شوقاً لذكراكِ الجَوارحُ تضْرعُ
أنتِ العيونُ ومنْ خلالك عالمي ** حبّاً أراهُ بالعواطفِ يَنصعُ
الجسْمُ ينمو منْ تـُرابكِ والدما ** تجري بقلبي منْ مذاقكِ تـُصنعُ
أنتِ الجَمالُ وآيةٌ منْ مُبدعٍ ** خلقَ الحنانَ ففي فؤادكِ يَربعُ
قد حِرتُ يا أمّي فكيف أناملي ** تروي عطاءكِ بالحروفِ وتقنعُ
لن يعلوَ الثقلان رحْمةَ مُرضعٍ ** حتّى ولو كلّ العواطفِ تُشرعُ
فهي السماحةُ والكمالُ مدادها ** وهي المكارمُ لا لأجر يُدفعُ
وإذا كبرتُ حنانـها متجدّدٌ ** للموتِ يبقى لا يملُّ ويَهجعُ
في حضنكِ الأنفاسُ تـُدفئُ دنيتي ** وتلفّني بالمكرماتِ الأذرعُ
في غيرِ أمّك أيّ عطف يعتلي ** هذا الحنان وأيّ حبّ أروعُ
الأم ُّ عاطفةٌ ورحمٌ مُحسنٌ ** وعظيمُ نعمَاءٍ بها نتولّعُ
حملٌ وأرضاعٌ وبالٌ مسهدٌ ** حبٌ وأخلاصٌ وقلبٌ يُوسعُ
الأمُّ تعطي بالحليبِ حنانها ** لا خير في أمّ لصدرٍ تمنعُ
خـُلّقتُ في أمُّي إليها مُوهنا ** وهن على وهنٍ به تتوجّعُ
جسمٌ بقلبينِ الدماءُ تضمُّنا ** قلبي لقلبكِ كالتوائمِ يتبع ُ
حُبّي لشخصكِ كالمجرةِ وسْعه ** لكنّ كوناً من حنانكِ يفرع ُ
من صدْركِ المعطاء كنـَّا نرتوي ** لبناً شهيّاً سائغاً لا يُوجعُ
لفطامِ صدركِ كان صبري مؤلماً ** فالصبرُ عند المفطمين الأجزعُ
قد فاقَ عسري كلّ عسرٍ قسْوةً ** فالبعدُ عن صدر الأمومةِ مُفزعُ
أرمي أيادِي الأهلِ حين تجرُّني ** عن بحرِ جودٍ من دِمائكِ يُصنعُ
أحنو لصدركِ كالغريقِ بموته ** فكأنّ صدركِ للمنايا المشفعُ
جاءوا بأ لوانِ المشاربِ والغذا ** بدلاً ولكن ما بذلك مشبعُ
عُذراً فقد مزّقتُ ثوبكِ مُجبراً ** وأظافري في صدرِ جودك تُطبعُ
الصخرُ يبكي حينَ يَشهدُ لوعتي ** من صدركِ الملآن ثغري يـُنزعُ
لم تحلُ للروح المشارب كـُلـَّها ** رغم الحلاوةِ فالمشاربُ تلذعُ
ورأيتُ بعْدي منْ يُعانق لاهفاً ** ما كان لي يوماً عيوناً تنبعُ
أخذوا مكاني أخوتي وتولّعوا ** بنعيم ما أصبو وما أتطلـَّـع ُ
عُمري بأيامِ الرضاعةِ متعة ** لكنّهُ من بعدها لا يُجرعُ
سنتان فوق منابع من صدرها ** أروي الحياةَ ومن عطاها أكرع ُ
آه لعمرٍ جاوزَ العمرَ الذي ** بدني بحضنـكِ راقدٌ يتدلعُ
اللهُ قد خلقَ الأجنّـةَ قادراً ** من نـُطفةٍ مُشجت برحمٍ تـُزرعُ
خـُلقتْ تباعاً مُضغةً من بيضةٍ ** من بعدها لحْماً لعظمٍ يُودعُ
في الرحمِ أشكالُ الأجنـّةِ تنطوي ** خلقاً بأطوارٍ تـُصاغُ وتـُطبعُ
علمُ الأجنّة لا يزال بحيرةٍ .. كيف الخليقة من خلايا تُجمعُ
هذي الدلائلُ انّ ربك موجدٌ ... والخلقُ يحكمه العليمُ المبدعُ
الأمُّ صانعةُ الرجالِ وفكرهم ** خيرُ الرجالِ لخيرِ أمٍّ يرجعُ