ألم وغربة - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: رفيف (آخر رد :صبري الصبري)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)       :: مناصرة من خلايا مشاعري (آخر رد :غلام الله بن صالح)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▂ ⟰ ▆ ⟰ الديــــــوان ⟰ ▆ ⟰ ▂ > ⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰

⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-02-2021, 01:24 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
حنان عبد الله
عضو أكاديميّة الفينيق

الصورة الرمزية حنان عبد الله

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

حنان عبد الله غير متواجد حالياً


افتراضي ألم وغربة

جلست منهكة في رواق شقتها الصغير، متهالكة ، مسندة ظهرها على الحائط ، رافعة رأسها إلى السقف بعينين دامعتين ،متوسلتين ، بين تثبط و قلق ، خيبة و قنوط ، بقيت على هذه الحالة طوال فترة ما بعد المساء مُذ عودتها من عيادة الطبيب ، بالكاد وصلت إلى عنوان بيتها ، كان الطريق أمامها يبدو غيمة سوداء ، مكفهر ،. مقفر رغم امتلائه بالمارة ، لا تدري أين تضع قدميها ولا كيف تحملانها ،لم تتحرك من مكانها لساعات ، لم ترد على هاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين ،وكأن صوته يخرج من عمق الأرض لعدم مبالاتها به ،
كانت كلمات الطبيب الأخيرة تتردد في مسامعها وتدق أذنيها كأنها الدبابيس ,أو مسامير في اللوح الصلب . عيناها لم تقعا على شيء في شقتها الجديدة ،ولم يجلب انتباهها المطبخ أمامها كعادتها في كل مرة تدخل بيتها فترمقه بنظرة اعجاب و زهو ، المطبخ الذي جهزته حديثا بأجمل الخزائن وأفخر الأثاث،، لم تعد تكترث لشيء.لا شيء .
آه ثم أولادها أحبائها ، يا إلهي أولادها ! ، لقد حان الوقت لتذهب و تحضرهم من المدرسة كعادتها ، لكنها اليوم لا تقوى حتى على النهوض من هذا المكان الذي تقبع فيه منذ ساعات ، لم يساعدها جسدها الملقى على النهوض ، ولم تجرؤ على المحاولة .
أيقظها من ذهولها هاتفها الذي رن من جديد ، كان زوجها ، ردت عليه بصوت أجش تطلب منه جلب الأولاد و أغلقت الخط وعادت لتتخبط في الوجع من جديد.
أذكر جيدا حين أسرّت لي بهذا الخبر كيف انهارت قواي و خارت ، و وضعفت همّتي حتى أني خجلت من نفسي ، وخجلت من أختي , فعوضا.عن مواساتها و تصبيرها على مصابها ، كانت الصدمة أشد عليّ منها هي , ابنة تسع و عشرين سنة .
فحين أخبرتني عبر الهاتف عن نتيجة الفحوصات الطبية بكلمات ثابتة ، رزينة ، مؤمنة بقضاء الله وقدره , لم أتمالك نفسي فأغلقت خط الهاتف عن غير قصد ، ودخلت الحمام لا ألوي على شيء ولا أدري ما سأفعل داخله ، لملمت شتاتي قليلا أمام المرآة ومسحت دموعي المنهمرة من عيني بغزارة و وقفت شاردة ، فما شعرت به يومها لا يُحسّ ولا يوصف .
زارتني أول مرة قبل بدء فترة العلاج ، كانت متفائلة بشوشة ، أحضرت المقص و قصت جدائل شعرها الأشقر الطويل ، وهي تقول " سأتمتع بشعر قصير قبل أن يتساقط ويصبح رأسي أملط !" وأطلقت ضحكة مشوبة بالقلق والسكينة . بينما حشرجت الدموعُ تنازع حدقةَ عيني .
مرت الأيام سريعة رغم كل شيء وبدأت حصص العلاج الكيميائي كنت بجانبها في الحصة الأولى ، كانت تبتسم بقوة و دلال ،تطلق قصصها العذبة المرحة ، بروح رقيقة دمثة ، وهي تكتشف عالمها الجديد مبدية رغبة الإطلاع ، ناسية بل متناسية ما تضمره وتدسّه الأيام المقبلة .
لكن بعد ثلاثة أشهر فقط ، أصبحت حائرة متوجسة ، لا تنام ليلتين قبل موعد هذه الحقنة الملعونة ، لما تسببه من آلام لا يمكن لأي أحد إدراكها و تصور ما تلحقه من وجع ونصب إلا من عايشه واختبره .
وانتهت فترة علاج الكيميائي بعد ثمانية أشهر كانت طويلة ثقيلة جدا ، خاصة الأخيرة منها ، حان موعد العملية و استئصال الورم ،. "سرطان الثدي" ، كم كان هذا مؤثرا و صعبا للغاية بالنسبة لنا نحن النساء ،فمجرد الحديث عنه تقشعر له الأبدان !
بالنسبة لإمرأة استئصال عضو كهذا يمس أولا من أنوثتها و كبريائها ، و تحوم حولها كل أعين الشفقة و الرثاء . والإحساس بالعاهة والعوز .
لكن هي كانت قوية رغم صغر سنها وتجاوزت الفترة العصيبة بنجاح ، وانتصرت رغم الصعاب .
تماثلت للشفاء ، زاد أملها ورجاؤها في الحياة ، و أمضت عطلة الصيف في أحسن الأحوال .
بعد شهرين قامت بفحوصات مراقبة ، وهنا كانت الصدمة الثانية ، عاودها المرض من جديد ، هذه المرة احتفظت بسرها الثقيل ، فضلت العلاج في كنف الكتمان ، لم ترد اخباري لأنها تعلم مدى خوفى عليها و ما سأقاسيه عند سماعي مثل هذا الخبر.
ولكن إلى متى تستطيع اخفاء الأمر ؟
لقد ظهرت علامات الكيميائي الترياق الذي لا بد منه على وجهها الشاحب ، وشفتيها المنفطرة ، فسألتها على استحياء و وجل عن صحتها ، أجابت بحزن واستياء موقنة أن الأمر قد كُشف ولا جدوى من انكاره .
"لقد عاودني المرض ، و هذه المرة في الكبد ،
تغيرت ملامح وجهي ووقع عليّ الخبر وقوع الصاعقة ، شٓعرتْ بذلك فتداركت وأردفت بهدوء
" لا تخافي هو في مرحلة أولى وليس بالخطورة التي تعتقدين ، ثم أرجوك لا تخبري أهلي ،لا تقولي لهم شيئا ، سيكون وقع ذلك صعبا جدا عليهم ، ولا أريد تعذيبهم بالقلق والتوتر عليّ ، فيصبح ليلهم سهادا وأرقا ونهارهم حيرة وانشغالا ".
و عدتها على مضض ، ولكن سريعا ما تدهورت حالتها ولزمت الفراش بعد بضعة أسابيع , وفيت بوعدي ولم أقل شيئا للعائلة، خيّرت الصمت ، وارتأيت أن ذلك أفضل للجميع .
مكثت في المشفى قرابة ثلاثة أشهر ،كانت صامدة قوية ،حين تُسأل عن حالها كانت إجابتها " الحمد لله رب العالمين " لا تشتكي ، ولا تتذمر ،
لكن كل تفاصيل وملامح وجهها كانت تصرخ ألما و تقطر وجعا و سقما .
نستطيع القول بأن حالتها تحسنت نوعا ما ، رجعت إلى البيت وذاك الأمل الذي لا يفارقها وكأنه هو من يدفعها إلى الأمام ، إلى الحياة من جديد ، كانت تقوم بكل أعمالها وواجباتها كأم دون ملل ولا كلل فتكلف نفسها أكثر مما تحتمل ، في نفس الوقت كانت حصص العلاج الكيميائي مستمرة ، في كل مرة يجثم على صدرها ، ينهك قواها ، و يجهد طاقتها لكنه لا يضعف عزمها و إرادتها .
أذكر جيدا ذاك الصباح ، وهي تنظر إلى كفها الممتلئ بأقراص المورفين ومائدة الإفطار بيننا تزخر بما لذ وطاب ، تتأملها بلا حول ولا قوة غير مستسيغة ولا مشتهية طعامها ، هي من كانت تتفنن في تحضير أروع الموائد و تطبخ ألذ الوصفات.
هاهي تكتفي بالنظر إليه وحين ألح عليها لتأكل ،تعاني من المغص ثم تتقيأ.
ولشد ما كان يؤلمني رؤية هذا....
أذكر يوم افتقدت زميلة كانت تلتقيها دائماً،كانت مثلها تتلقى العلاج الكيميائي في نفس الموعد ، فذهبت وسألت عنها مسؤول الإستقبال ،فأجابها بكل بساطة أنها قد ماتت ، دون مراعاة إلى إحساس هذه المريضة التي أمامه ، ولا اكتراث لما قد يسببه هذا الخبر لإنسان في مثل حالها ، و مدى وقعه عليها ، تأسفتْ كثيرا من أجل صديقتها و هي تحكي لي حكايتها مع هذا المرض ،لكنها أبدت نوعا من الصمود والثبات فهي لا تحب أن يراها أحد في موقف ضعف واهتزاز .
قررت أن ترسل لأختها الصغرى استضافة لمساعدتها في البيت والأولاد والإعتناء بها قليلا ، إذ أن فترة العلاج سوف تطول ، أيدنا الفكرة أنا وزوجها ،ورأينا أن وجود أختها معها في هذا الظرف مهم جدا لها، حيث أن صحتها ضعفت من جديد جراء حصص الكيميائي المتواصلة بلا انقطاع ولا هوادة ، مسببة لها نقص المناعة و الحمى ، وآخر مرة وضع لها الطبيب التنفس الاصطناعي (الأوكسيجبن) عبر أنفها ، كانت تتنقل به في البيت ، ، مع كل هذا كنت أعتقد أنها وعكة ككل مرة و ستشفى منها ، كم كنت ساذجة !.
لم تتحسن ، بل تدهورت حالتها إلى الأسوأ .
كانت تنظر إلى أولادها بقلق وإلى زوجها بحنان وعين مشفقة .
أوقف الطبيب المباشر لحالتها العلاج نهائيا وأضاف لها جرعة المورفين ،لزمت الفراش بسرعة لم نكن نتوقعها
ورغم كل هذا ،لا نلمس اليأس في نبرة صوتها ولا في فحوى حديثها ،كانت تبرز الثقة بالله والرجاء في الشفاء فأوهمتنا أن ذلك الشبح المخيف قد ارتد وتلافى وصار بعيدا . حتى كان ذلك اليوم .
ذلك اليوم الذي نقلت فيه إلى المستشفى ، واتصل زوجها ليزف لي أن حالتها حرجة ، و عليّ ترك كل شئ وأن أحضر على جناح السرعة . تزاحمت الأفكار في رأسي مستعجلة الأحداث وما تحمله الساعات الآتية ، فكرت في عائلتي .... كيف سأخبرهم أن ابنتهم الحبيبة المدللة تحتضر ؟ كيف سأقول لأخي أن ابنته البكر تموت وهي روحه الثانية ؟...ماذا عساني أن أفعل في هذه البلاد البعيدة عن الأهل والأخوة ؟ لست أدري لماذا راودني شعور بالمسئولية و ثقلها على كاهلي الضعيف ، وكأنني مُدانة بما يحدث هنا وبما هم عليه من قلق وحيرة وهم بعيدون لا يدرون عن شيء . وفي كل مرة يسألونني عن حالها كنت أشعر أنني لم أكن صريحة معهم كما يجب ، كنت دائما أطمئنهم عليها ذلك لأنني أحسست أنه من واجبي أن لا أروعهم و لا أكدر صفو راحتهم ،ولأنني لم أكن أملك الشجاعة الكافية لإعلامهم بأن حالتها تسوء ، لكن اليوم لا بد من قول شيء ،لا بد من تمهيد وتسهيل سرد الخبر لهم ،لأنها ربما تكون النهاية .
اتصلت بهم ولست أدري كيف سقت لهم الأمر. أغلقت خط الهاتف وانقطع صوت البكاء ،كفكفت دموعى وحملت مصحفى معى و خرجت.
دقائق فقط تبعدنى عن المستشفى الذي ترقد فيه لكنها بدت كساعات طويلة ثقيلة و كأن عجلة السيارة تسير بي إلى الخلف .
وصلتُ أخيرا وقلبي يخفق ، والحيرة تمزقه ، صعدت الى الطابق الذي نقلت إليه ، لفت انتباهي لافتة كتب عليها بالفرنسية ( soins palliatifs ) تجمدت أوصالي وأحسست ببرودة أطرافي ، وأيقنت بأنها المرحلة الأخيرة، ،هل هذا ممكن ؟ هل ستغادرنا الى الأبد حقا ؟
لشد ما يؤلمني مجرد التفكير في فراقها .فكيف به حقيقة أعيشها الآن .
دخلت غرفتها كانت ممددة على ظهرها ،سلمت عليها أجابتني بجهد ،سألتها عن حالها فتمتمت بشفتيها (الحمد لله) جلست بجوارها ، نطقت باسمي هرعت إليها
غمغمت بكلام بلسان ثقيل بالكاد يُفهم ،طمأنها زوجها على أولادها ، فنظرت إليه دون إجابة،
أسندتُ رأسها على السرير أغمضت عينيها ولم تفتحهما من جديد. ولم أعد أسمع إلا صوت أنفاسها يتردد في أذني
زارها كثير من الأهل والأصدقاء يسلمون ويخرجون ، كنت كأنني في كابوس أو في شبه غيبوبة ، هاتفي يرن لا أسمعه ، نسيت كل شيء ، يمر الأشخاص من أمامي وكأنهم صور في مشهد سينمائى ، فاستوعب ذهني بعضها وغفل عن أكثرها .
كم كانت رؤيتها مؤثرة وحزينة .
حل الظلام وحل معه الخوف من القادم ،تمنيت الهروب إذ هذه أول مرة أقف فيها أمام شخص يحتضر ، فلم استطع تركها في لحظاتها الأخيرة وهي الحبيبة الغالية لمن اتركها ؟فأنا كل أهلها هنا .
لم يدم الأمر طويلا ،كما تمنت ذلك ورددته في دعائها ، وسرعان ما صعدت روحها الطاهرة إلى ربها بين تكبير ،وقراءة القرآن الكريم ،كنت ممسكة بيدها البيضاء الرقيقة قبلتها ،ودعتها وأغمضت لها عينيها في هدوء وخشوع .قدمت الممرضة وغطتها برداء أبيض، عندها فقط أيقنت أنها رحلت و غادرتنا إلى دار الخلد والبقاء ،
هي خاتمة قصة إمرأة مؤمنة بقضاء الله، وقدره ،حتى آخر ايامها ، ذلك الحين تذكرت أولادها الذين اصبحوا يتامى منذ قليل ،فبلغ مني الحزن ذروته ،بل امتلأت شجنا حتى النخاع .
،فتهالكت على كرسي أمامي ، و الألم يسكنني و كل الأحداث تتوالى في مخيلتي ،لم أكن أتصور أنني أمتلك الشجاعة لأقف يوما أمام إنسان يحتضر ،أنا التي تخاف ظلها ، وليس أمام أي انسان هي قريبتي الغالية ، و أنيستي في غربتي .
لكن هذه هي الدنيا ،حياة وموت ، وهذا قدر الله الذي لابد منه .
هذا اليوم أحسست و تجرعت حقا مرارة الفقد مرتين فكنت بين سندان الغربة ومطرقة الموت .

في الطائرة ونحن عائدون لدفن جثمانها في أرض الوطن
هتفت أختها بصوت أجش ، مرتبك
«لقد أوصتني برعاية أولادها !»
نظرت إليها في ذهول وسألتها " وهل وعدتها ؟ "
قالت "نعم "
قلت "إذا ، أوفي بما وعدت ".






أسكنك الله فسيح جناته
و لروحك الطاهره رحمات من الله تعالى

ذكرى وفاة قريبتي رحمها الله،اعتذر لطول النص






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-02-2021, 02:25 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أحمد علي
عضو أكاديمية الفينيق
السهم المصري
يحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
مصر

الصورة الرمزية أحمد علي

افتراضي رد: ألم وغربة

مرور للتحية
ولي عودة بحول الله وقوته

تحياتي أ. / حنان عبد الله






سهم مصري ..
عابـــــــــــر سبيــــــــــــــــــــــل .. !
  رد مع اقتباس
/
قديم 03-02-2021, 04:56 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
محمد تمار
عضو مجلس إدارة
شاعر الجنوب
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
يحمل أوسمة الأكاديميةللإبداع والعطاء
الجزائر
إحصائية العضو








آخر مواضيعي

محمد تمار غير متواجد حالياً


افتراضي رد: ألم وغربة

رحمها الله رحمة واسعة وبارك في أولادها وجزاك خيرا على حسن صنيعك..
قصّة حزينة مؤثّرة وسرد جميل..

هذه بعض الأخطاء الكيبورديّة /
عينيها لم تقع على شيء في شقتها الجديدة
عيناها..

أيقضها من ذهولها هاتفها
أيقظها..

حان موعد العملية و استأصال الورم
استئصال..

بالنسبة لإمرأة استأصال عضو كهذ يمس
استئصال عضو كهذا..

مع كل هذ كنت أعتقد أنها وعكة ككل مرة و ستشفى منها
هذا..

وأظاف لها جرعة المورفين
وأضاف..

لست أدري لماذا راودني شعور بالمسؤلية
المسؤوليّة..

كفكفت دموع و خرجت وحملت مصحفي معي
دموعي..

و غادرتنا إلى دال الخلد والبقاء
دار..

فهالكت على كرسي أمامي
فتهالكت..

خالص المودّة






إذا لم أجد من يخالفني الرأي ، خالفت رأي نفسي ليستقيم رايي .
  رد مع اقتباس
/
قديم 03-02-2021, 05:23 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
حنان عبد الله
عضو أكاديميّة الفينيق

الصورة الرمزية حنان عبد الله

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

حنان عبد الله غير متواجد حالياً


افتراضي رد: ألم وغربة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد على مشاهدة المشاركة
مرور للتحية
ولي عودة بحول الله وقوته

تحياتي أ. / حنان عبد الله
اهلًا بك دائما استاذ أحمد
حياك الله وبياك
انتظر عودتك بحول الله






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-02-2021, 05:40 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
حنان عبد الله
عضو أكاديميّة الفينيق

الصورة الرمزية حنان عبد الله

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

حنان عبد الله غير متواجد حالياً


افتراضي رد: ألم وغربة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال عمران مشاهدة المشاركة
مرحبا بك استاذة حنان..
سردية موجعة بكل تفاصيلها ومجريات أمورها وفواجع وآلام أبطالها،، خاصة البطل الرئيس..
لم تترفق بنا ياحنان.. وتصاعدت الأحداث المؤلمة، تلهث بمتابعتها أنفاسنا لتنقطع فجأة نسمات الأمل والرمق الأخير مع النهاية الفاجعة.
كنت أتمنى لو كانت القصة أقل سوداوية.،لكن لابأس فهكذا هى بعض أوجه الحياة ومقاديرها.
مودتى
اهلًا بك استاذ جمال
نعم الأحداث بكل تفاصيلها موجعة ، ولكنها الحقيقة التي أوجعت قلبي ونخرته في الصميم
منذ أربع سنوات ولا زالت بقايا وطعم ذاك الألم لا تنسى
ابعد الله عنك الحزن
تحياتي






  رد مع اقتباس
/
قديم 03-02-2021, 05:57 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
حنان عبد الله
عضو أكاديميّة الفينيق

الصورة الرمزية حنان عبد الله

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

حنان عبد الله غير متواجد حالياً


افتراضي رد: ألم وغربة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد تمار مشاهدة المشاركة
رحمها الله رحمة واسعة وبارك في أولادها وجزاك خيرا على حسن صنيعك..
قصّة حزينة مؤثّرة وسرد جميل..

هذه بعض الأخطاء الكيبورديّة /
عينيها لم تقع على شيء في شقتها الجديدة
عيناها..

أيقضها من ذهولها هاتفها
أيقظها..

حان موعد العملية و استأصال الورم
استئصال..

بالنسبة لإمرأة استأصال عضو كهذ يمس
استئصال عضو كهذا..

مع كل هذ كنت أعتقد أنها وعكة ككل مرة و ستشفى منها
هذا..

وأظاف لها جرعة المورفين
وأضاف..

لست أدري لماذا راودني شعور بالمسؤلية
المسؤوليّة..

كفكفت دموع و خرجت وحملت مصحفي معي
دموعي..

و غادرتنا إلى دال الخلد والبقاء
دار..

فهالكت على كرسي أمامي
فتهالكت..

خالص المودّة
اهلًا بك أستاذ محمد تمار ،آمين يارب العالمين ،رحم الله جميع المؤمنين
لو نعلم أنهم سيفارقوننا ، فقط لو نعلم متى ساعتنا لقدمنا الكثير ،الكثير

الأخطاء ،نعم لقد تنبهت إلى بعضها ولم أتمكن من الولوج وإصلاح الهفوات
لقد أدرجت النص بواسطة الهاتف الجوال وكان طويلا ووضعته دون تثبت وحاولت بعدها تصليح ما وقع واكتشفت انني لا أمتلك خاصية تعديل المشاركات ،لذلك أتوجه إلى من له الأمر أن يعدل النص ،
ولَك جزيل الشكر والإمتنان
تحياتي






  رد مع اقتباس
/
قديم 01-03-2021, 04:22 AM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
حنان عبد الله
عضو أكاديميّة الفينيق

الصورة الرمزية حنان عبد الله

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

حنان عبد الله غير متواجد حالياً


افتراضي رد: ألم وغربة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم شحدة مشاهدة المشاركة
لا شك انها معاناة مريرة ... غفر الله لها برحمته وبما عانت .. وربط على قلبك بالصبر والايمان .
قرات هنا سردا سهلا جميلا .. وحدثتني نفسي ان حنان تستطيع اختصار الكلام على قد الحكاية فهي حتما تعرف متى تمشي ومتى تقف .
شكرا لك
نعم لقد كانت معانات مريرة وطويلة ، لذلك كانت الحكاية طويلة
ولكنها قصيرة جدا مقارنة بحجم الألم والشجن ،

رغم كتابتي لبعض القصص التي احتفظ بها هذه أول محاولة قصصية انشرها.


غفر الله لها ولنا وجزاك الله خيرا






  رد مع اقتباس
/
قديم 01-03-2021, 01:52 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: ألم وغربة

جذبني االعنوان
فالألم توأم الغربة ، يلعبان على نوتة واحدة وسلم واحد
لي عودة لقراءة على مهل بحول الله
تحيتي وتقديري العزيزة حنان






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 01-03-2021, 06:33 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
فاطمة الزهراء العلوي
عضو أكاديميّة الفينيق
نورسة حرة
تحمل أوسمة الأكاديمية للعطاء والإبداع
عضو لجان تحكيم مسابقات الأكاديمية
المغرب
افتراضي رد: ألم وغربة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان عبد الله مشاهدة المشاركة
جلست منهكة في رواق شقتها الصغير، متهالكة ، مسندة ظهرها على الحائط ، رافعة رأسها إلى السقف بعينين دامعتين ،متوسلتين ، بين تثبط و قلق ، خيبة و قنوط ، بقيت على هذه الحالة طوال فترة ما بعد المساء مُذ عودتها من عيادة الطبيب ، بالكاد وصلت إلى عنوان بيتها ، كان الطريق أمامها يبدو غيمة سوداء ، مكفهر ،. مقفر رغم امتلائه بالمارة ، لا تدري أين تضع قدميها ولا كيف تحملانها ،لم تتحرك من مكانها لساعات ، لم ترد على هاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين ،وكأن صوته يخرج من عمق الأرض لعدم مبالاتها به ،
كانت كلمات الطبيب الأخيرة تتردد في مسامعها وتدق أذنيها كأنها الدبابيس ,أو مسامير في اللوح الصلب . عيناها لم تقعا على شيء في شقتها الجديدة ،ولم يجلب انتباهها المطبخ أمامها كعادتها في كل مرة تدخل بيتها فترمقه بنظرة اعجاب و زهو ، المطبخ الذي جهزته حديثا بأجمل الخزائن وأفخر الأثاث،، لم تعد تكترث لشيء.لا شيء .
آه ثم أولادها أحبائها ، يا إلهي أولادها ! ، لقد حان الوقت لتذهب و تحضرهم من المدرسة كعادتها ، لكنها اليوم لا تقوى حتى على النهوض من هذا المكان الذي تقبع فيه منذ ساعات ، لم يساعدها جسدها الملقى على النهوض ، ولم تجرؤ على المحاولة .
أيقظها من ذهولها هاتفها الذي رن من جديد ، كان زوجها ، ردت عليه بصوت أجش تطلب منه جلب الأولاد و أغلقت الخط وعادت لتتخبط في الوجع من جديد.
أذكر جيدا حين أسرّت لي بهذا الخبر كيف انهارت قواي و خارت ، و وضعفت همّتي حتى أني خجلت من نفسي ، وخجلت من أختي , فعوضا.عن مواساتها و تصبيرها على مصابها ، كانت الصدمة أشد عليّ منها هي , ابنة تسع و عشرين سنة .
فحين أخبرتني عبر الهاتف عن نتيجة الفحوصات الطبية بكلمات ثابتة ، رزينة ، مؤمنة بقضاء الله وقدره , لم أتمالك نفسي فأغلقت خط الهاتف عن غير قصد ، ودخلت الحمام لا ألوي على شيء ولا أدري ما سأفعل داخله ، لملمت شتاتي قليلا أمام المرآة ومسحت دموعي المنهمرة من عيني بغزارة و وقفت شاردة ، فما شعرت به يومها لا يُحسّ ولا يوصف .
زارتني أول مرة قبل بدء فترة العلاج ، كانت متفائلة بشوشة ، أحضرت المقص و قصت جدائل شعرها الأشقر الطويل ، وهي تقول " سأتمتع بشعر قصير قبل أن يتساقط ويصبح رأسي أملط !" وأطلقت ضحكة مشوبة بالقلق والسكينة . بينما حشرجت الدموعُ تنازع حدقةَ عيني .
مرت الأيام سريعة رغم كل شيء وبدأت حصص العلاج الكيميائي كنت بجانبها في الحصة الأولى ، كانت تبتسم بقوة و دلال ،تطلق قصصها العذبة المرحة ، بروح رقيقة دمثة ، وهي تكتشف عالمها الجديد مبدية رغبة الإطلاع ، ناسية بل متناسية ما تضمره وتدسّه الأيام المقبلة .
لكن بعد ثلاثة أشهر فقط ، أصبحت حائرة متوجسة ، لا تنام ليلتين قبل موعد هذه الحقنة الملعونة ، لما تسببه من آلام لا يمكن لأي أحد إدراكها و تصور ما تلحقه من وجع ونصب إلا من عايشه واختبره .
وانتهت فترة علاج الكيميائي بعد ثمانية أشهر كانت طويلة ثقيلة جدا ، خاصة الأخيرة منها ، حان موعد العملية و استئصال الورم ،. "سرطان الثدي" ، كم كان هذا مؤثرا و صعبا للغاية بالنسبة لنا نحن النساء ،فمجرد الحديث عنه تقشعر له الأبدان !
بالنسبة لإمرأة استئصال عضو كهذا يمس أولا من أنوثتها و كبريائها ، و تحوم حولها كل أعين الشفقة و الرثاء . والإحساس بالعاهة والعوز .
لكن هي كانت قوية رغم صغر سنها وتجاوزت الفترة العصيبة بنجاح ، وانتصرت رغم الصعاب .
تماثلت للشفاء ، زاد أملها ورجاؤها في الحياة ، و أمضت عطلة الصيف في أحسن الأحوال .
بعد شهرين قامت بفحوصات مراقبة ، وهنا كانت الصدمة الثانية ، عاودها المرض من جديد ، هذه المرة احتفظت بسرها الثقيل ، فضلت العلاج في كنف الكتمان ، لم ترد اخباري لأنها تعلم مدى خوفى عليها و ما سأقاسيه عند سماعي مثل هذا الخبر.
ولكن إلى متى تستطيع اخفاء الأمر ؟
لقد ظهرت علامات الكيميائي الترياق الذي لا بد منه على وجهها الشاحب ، وشفتيها المنفطرة ، فسألتها على استحياء و وجل عن صحتها ، أجابت بحزن واستياء موقنة أن الأمر قد كُشف ولا جدوى من انكاره .
"لقد عاودني المرض ، و هذه المرة في الكبد ،
تغيرت ملامح وجهي ووقع عليّ الخبر وقوع الصاعقة ، شٓعرتْ بذلك فتداركت وأردفت بهدوء
" لا تخافي هو في مرحلة أولى وليس بالخطورة التي تعتقدين ، ثم أرجوك لا تخبري أهلي ،لا تقولي لهم شيئا ، سيكون وقع ذلك صعبا جدا عليهم ، ولا أريد تعذيبهم بالقلق والتوتر عليّ ، فيصبح ليلهم سهادا وأرقا ونهارهم حيرة وانشغالا ".
و عدتها على مضض ، ولكن سريعا ما تدهورت حالتها ولزمت الفراش بعد بضعة أسابيع , وفيت بوعدي ولم أقل شيئا للعائلة، خيّرت الصمت ، وارتأيت أن ذلك أفضل للجميع .
مكثت في المشفى قرابة ثلاثة أشهر ،كانت صامدة قوية ،حين تُسأل عن حالها كانت إجابتها " الحمد لله رب العالمين " لا تشتكي ، ولا تتذمر ،
لكن كل تفاصيل وملامح وجهها كانت تصرخ ألما و تقطر وجعا و سقما .
نستطيع القول بأن حالتها تحسنت نوعا ما ، رجعت إلى البيت وذاك الأمل الذي لا يفارقها وكأنه هو من يدفعها إلى الأمام ، إلى الحياة من جديد ، كانت تقوم بكل أعمالها وواجباتها كأم دون ملل ولا كلل فتكلف نفسها أكثر مما تحتمل ، في نفس الوقت كانت حصص العلاج الكيميائي مستمرة ، في كل مرة يجثم على صدرها ، ينهك قواها ، و يجهد طاقتها لكنه لا يضعف عزمها و إرادتها .
أذكر جيدا ذاك الصباح ، وهي تنظر إلى كفها الممتلئ بأقراص المورفين ومائدة الإفطار بيننا تزخر بما لذ وطاب ، تتأملها بلا حول ولا قوة غير مستسيغة ولا مشتهية طعامها ، هي من كانت تتفنن في تحضير أروع الموائد و تطبخ ألذ الوصفات.
هاهي تكتفي بالنظر إليه وحين ألح عليها لتأكل ،تعاني من المغص ثم تتقيأ.
ولشد ما كان يؤلمني رؤية هذا....
أذكر يوم افتقدت زميلة كانت تلتقيها دائماً،كانت مثلها تتلقى العلاج الكيميائي في نفس الموعد ، فذهبت وسألت عنها مسؤول الإستقبال ،فأجابها بكل بساطة أنها قد ماتت ، دون مراعاة إلى إحساس هذه المريضة التي أمامه ، ولا اكتراث لما قد يسببه هذا الخبر لإنسان في مثل حالها ، و مدى وقعه عليها ، تأسفتْ كثيرا من أجل صديقتها و هي تحكي لي حكايتها مع هذا المرض ،لكنها أبدت نوعا من الصمود والثبات فهي لا تحب أن يراها أحد في موقف ضعف واهتزاز .
قررت أن ترسل لأختها الصغرى استضافة لمساعدتها في البيت والأولاد والإعتناء بها قليلا ، إذ أن فترة العلاج سوف تطول ، أيدنا الفكرة أنا وزوجها ،ورأينا أن وجود أختها معها في هذا الظرف مهم جدا لها، حيث أن صحتها ضعفت من جديد جراء حصص الكيميائي المتواصلة بلا انقطاع ولا هوادة ، مسببة لها نقص المناعة و الحمى ، وآخر مرة وضع لها الطبيب التنفس الاصطناعي (الأوكسيجبن) عبر أنفها ، كانت تتنقل به في البيت ، ، مع كل هذا كنت أعتقد أنها وعكة ككل مرة و ستشفى منها ، كم كنت ساذجة !.
لم تتحسن ، بل تدهورت حالتها إلى الأسوأ .
كانت تنظر إلى أولادها بقلق وإلى زوجها بحنان وعين مشفقة .
أوقف الطبيب المباشر لحالتها العلاج نهائيا وأضاف لها جرعة المورفين ،لزمت الفراش بسرعة لم نكن نتوقعها
ورغم كل هذا ،لا نلمس اليأس في نبرة صوتها ولا في فحوى حديثها ،كانت تبرز الثقة بالله والرجاء في الشفاء فأوهمتنا أن ذلك الشبح المخيف قد ارتد وتلافى وصار بعيدا . حتى كان ذلك اليوم .
ذلك اليوم الذي نقلت فيه إلى المستشفى ، واتصل زوجها ليزف لي أن حالتها حرجة ، و عليّ ترك كل شئ وأن أحضر على جناح السرعة . تزاحمت الأفكار في رأسي مستعجلة الأحداث وما تحمله الساعات الآتية ، فكرت في عائلتي .... كيف سأخبرهم أن ابنتهم الحبيبة المدللة تحتضر ؟ كيف سأقول لأخي أن ابنته البكر تموت وهي روحه الثانية ؟...ماذا عساني أن أفعل في هذه البلاد البعيدة عن الأهل والأخوة ؟ لست أدري لماذا راودني شعور بالمسئولية و ثقلها على كاهلي الضعيف ، وكأنني مُدانة بما يحدث هنا وبما هم عليه من قلق وحيرة وهم بعيدون لا يدرون عن شيء . وفي كل مرة يسألونني عن حالها كنت أشعر أنني لم أكن صريحة معهم كما يجب ، كنت دائما أطمئنهم عليها ذلك لأنني أحسست أنه من واجبي أن لا أروعهم و لا أكدر صفو راحتهم ،ولأنني لم أكن أملك الشجاعة الكافية لإعلامهم بأن حالتها تسوء ، لكن اليوم لا بد من قول شيء ،لا بد من تمهيد وتسهيل سرد الخبر لهم ،لأنها ربما تكون النهاية .
اتصلت بهم ولست أدري كيف سقت لهم الأمر. أغلقت خط الهاتف وانقطع صوت البكاء ،كفكفت دموعى وحملت مصحفى معى و خرجت.
دقائق فقط تبعدنى عن المستشفى الذي ترقد فيه لكنها بدت كساعات طويلة ثقيلة و كأن عجلة السيارة تسير بي إلى الخلف .
وصلتُ أخيرا وقلبي يخفق ، والحيرة تمزقه ، صعدت الى الطابق الذي نقلت إليه ، لفت انتباهي لافتة كتب عليها بالفرنسية ( soins palliatifs ) تجمدت أوصالي وأحسست ببرودة أطرافي ، وأيقنت بأنها المرحلة الأخيرة، ،هل هذا ممكن ؟ هل ستغادرنا الى الأبد حقا ؟
لشد ما يؤلمني مجرد التفكير في فراقها .فكيف به حقيقة أعيشها الآن .
دخلت غرفتها كانت ممددة على ظهرها ،سلمت عليها أجابتني بجهد ،سألتها عن حالها فتمتمت بشفتيها (الحمد لله) جلست بجوارها ، نطقت باسمي هرعت إليها
غمغمت بكلام بلسان ثقيل بالكاد يُفهم ،طمأنها زوجها على أولادها ، فنظرت إليه دون إجابة،
أسندتُ رأسها على السرير أغمضت عينيها ولم تفتحهما من جديد. ولم أعد أسمع إلا صوت أنفاسها يتردد في أذني
زارها كثير من الأهل والأصدقاء يسلمون ويخرجون ، كنت كأنني في كابوس أو في شبه غيبوبة ، هاتفي يرن لا أسمعه ، نسيت كل شيء ، يمر الأشخاص من أمامي وكأنهم صور في مشهد سينمائى ، فاستوعب ذهني بعضها وغفل عن أكثرها .
كم كانت رؤيتها مؤثرة وحزينة .
حل الظلام وحل معه الخوف من القادم ،تمنيت الهروب إذ هذه أول مرة أقف فيها أمام شخص يحتضر ، فلم استطع تركها في لحظاتها الأخيرة وهي الحبيبة الغالية لمن اتركها ؟فأنا كل أهلها هنا .
لم يدم الأمر طويلا ،كما تمنت ذلك ورددته في دعائها ، وسرعان ما صعدت روحها الطاهرة إلى ربها بين تكبير ،وقراءة القرآن الكريم ،كنت ممسكة بيدها البيضاء الرقيقة قبلتها ،ودعتها وأغمضت لها عينيها في هدوء وخشوع .قدمت الممرضة وغطتها برداء أبيض، عندها فقط أيقنت أنها رحلت و غادرتنا إلى دار الخلد والبقاء ،
هي خاتمة قصة إمرأة مؤمنة بقضاء الله، وقدره ،حتى آخر ايامها ، ذلك الحين تذكرت أولادها الذين اصبحوا يتامى منذ قليل ،فبلغ مني الحزن ذروته ،بل امتلأت شجنا حتى النخاع .
،فتهالكت على كرسي أمامي ، و الألم يسكنني و كل الأحداث تتوالى في مخيلتي ،لم أكن أتصور أنني أمتلك الشجاعة لأقف يوما أمام إنسان يحتضر ،أنا التي تخاف ظلها ، وليس أمام أي انسان هي قريبتي الغالية ، و أنيستي في غربتي .
لكن هذه هي الدنيا ،حياة وموت ، وهذا قدر الله الذي لابد منه .
هذا اليوم أحسست و تجرعت حقا مرارة الفقد مرتين فكنت بين سندان الغربة ومطرقة الموت .

في الطائرة ونحن عائدون لدفن جثمانها في أرض الوطن
هتفت أختها بصوت أجش ، مرتبك
«لقد أوصتني برعاية أولادها !»
نظرت إليها في ذهول وسألتها " وهل وعدتها ؟ "
قالت "نعم "
قلت "إذا ، أوفي بما وعدت ".






أسكنك الله فسيح جناته
و لروحك الطاهره رحمات من الله تعالى

ذكرى وفاة قريبتي رحمها الله،اعتذر لطول النص
رحم الله قريبتك وأسكنها فسيح الجنان وصبركم عليها
هو الموت مصيبة
يذهب بالأحبة نو نحن نموت معهم في هذي الدنيا الزائلة ألف موتة بعدهم.
همسة
ذيلت نصك بالاعتذار لا تعتذري صديقتي
الكتابة حريتها في البوح
فقط لو سمحت النص / القصة تحتاج تدبيرا من حيث : علامات الترقيم ، وبعض هفوات نحوية
تقديري أديبتنا الفاضلة حنان






الزهراء الفيلالية
  رد مع اقتباس
/
قديم 05-03-2021, 04:20 AM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
حنان عبد الله
عضو أكاديميّة الفينيق

الصورة الرمزية حنان عبد الله

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

حنان عبد الله غير متواجد حالياً


افتراضي رد: ألم وغربة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء العلوي مشاهدة المشاركة
جذبني االعنوان
فالألم توأم الغربة ، يلعبان على نوتة واحدة وسلم واحد
لي عودة لقراءة على مهل بحول الله
تحيتي وتقديري العزيزة حنان
،نعم الألم توأم الغربة ، خاصة عند الشدائد يكون الوجع أضعافا

مرحبا بالزهراء دائما
يفرحني مرورك وعودتك الغالية فاطمة






  رد مع اقتباس
/
قديم 08-04-2021, 03:37 AM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
حنان عبد الله
عضو أكاديميّة الفينيق

الصورة الرمزية حنان عبد الله

إحصائية العضو








آخر مواضيعي

حنان عبد الله غير متواجد حالياً


افتراضي رد: ألم وغربة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء العلوي مشاهدة المشاركة
رحم الله قريبتك وأسكنها فسيح الجنان وصبركم عليها
هو الموت مصيبة
يذهب بالأحبة نو نحن نموت معهم في هذي الدنيا الزائلة ألف موتة بعدهم.
همسة
ذيلت نصك بالاعتذار لا تعتذري صديقتي
الكتابة حريتها في البوح
فقط لو سمحت النص / القصة تحتاج تدبيرا من حيث : علامات الترقيم ، وبعض هفوات نحوية
تقديري أديبتنا الفاضلة حنان
اهلًا بالأستاذة فاطمة
هي قصة عشت زخم أحداثها ، كتبت ونسخت ومن ثم ربما لم أتدبر جيدا علامات الترقيم ، وبالنسبة لبعض الهفوات فقد تسرعت بنشر النص ولم أكن أعلم أنه لا يمكنني تعديله و طلبت من الأستاذ جمال مشكورا وقد صححها
أرجو أن تنبهيني الى الأخطاء التي ربما لم أفطن لها مع جزيل الشكر والامتنان
تحيتي أستاذة فاطمة






  رد مع اقتباس
/
قديم 05-07-2021, 11:56 PM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
أحلام المصري
الإدارة العليا
شجرة الدرّ
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
عضوة تجمع أدباء الرسالة
تحمل صولجان الومضة الحكائية 2013
تحمل أوسمة الاكاديمية للابداع والعطاء
مصر

الصورة الرمزية أحلام المصري

افتراضي رد: ألم وغربة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنان عبد الله مشاهدة المشاركة
جلست منهكة في رواق شقتها الصغير، متهالكة ، مسندة ظهرها على الحائط ، رافعة رأسها إلى السقف بعينين دامعتين ،متوسلتين ، بين تثبط و قلق ، خيبة و قنوط ، بقيت على هذه الحالة طوال فترة ما بعد المساء مُذ عودتها من عيادة الطبيب ، بالكاد وصلت إلى عنوان بيتها ، كان الطريق أمامها يبدو غيمة سوداء ، مكفهر ،. مقفر رغم امتلائه بالمارة ، لا تدري أين تضع قدميها ولا كيف تحملانها ،لم تتحرك من مكانها لساعات ، لم ترد على هاتفها الذي لم يتوقف عن الرنين ،وكأن صوته يخرج من عمق الأرض لعدم مبالاتها به ،
كانت كلمات الطبيب الأخيرة تتردد في مسامعها وتدق أذنيها كأنها الدبابيس ,أو مسامير في اللوح الصلب . عيناها لم تقعا على شيء في شقتها الجديدة ،ولم يجلب انتباهها المطبخ أمامها كعادتها في كل مرة تدخل بيتها فترمقه بنظرة اعجاب و زهو ، المطبخ الذي جهزته حديثا بأجمل الخزائن وأفخر الأثاث،، لم تعد تكترث لشيء.لا شيء .
آه ثم أولادها أحبائها ، يا إلهي أولادها ! ، لقد حان الوقت لتذهب و تحضرهم من المدرسة كعادتها ، لكنها اليوم لا تقوى حتى على النهوض من هذا المكان الذي تقبع فيه منذ ساعات ، لم يساعدها جسدها الملقى على النهوض ، ولم تجرؤ على المحاولة .
أيقظها من ذهولها هاتفها الذي رن من جديد ، كان زوجها ، ردت عليه بصوت أجش تطلب منه جلب الأولاد و أغلقت الخط وعادت لتتخبط في الوجع من جديد.
أذكر جيدا حين أسرّت لي بهذا الخبر كيف انهارت قواي و خارت ، و وضعفت همّتي حتى أني خجلت من نفسي ، وخجلت من أختي , فعوضا.عن مواساتها و تصبيرها على مصابها ، كانت الصدمة أشد عليّ منها هي , ابنة تسع و عشرين سنة .
فحين أخبرتني عبر الهاتف عن نتيجة الفحوصات الطبية بكلمات ثابتة ، رزينة ، مؤمنة بقضاء الله وقدره , لم أتمالك نفسي فأغلقت خط الهاتف عن غير قصد ، ودخلت الحمام لا ألوي على شيء ولا أدري ما سأفعل داخله ، لملمت شتاتي قليلا أمام المرآة ومسحت دموعي المنهمرة من عيني بغزارة و وقفت شاردة ، فما شعرت به يومها لا يُحسّ ولا يوصف .
زارتني أول مرة قبل بدء فترة العلاج ، كانت متفائلة بشوشة ، أحضرت المقص و قصت جدائل شعرها الأشقر الطويل ، وهي تقول " سأتمتع بشعر قصير قبل أن يتساقط ويصبح رأسي أملط !" وأطلقت ضحكة مشوبة بالقلق والسكينة . بينما حشرجت الدموعُ تنازع حدقةَ عيني .
مرت الأيام سريعة رغم كل شيء وبدأت حصص العلاج الكيميائي كنت بجانبها في الحصة الأولى ، كانت تبتسم بقوة و دلال ،تطلق قصصها العذبة المرحة ، بروح رقيقة دمثة ، وهي تكتشف عالمها الجديد مبدية رغبة الإطلاع ، ناسية بل متناسية ما تضمره وتدسّه الأيام المقبلة .
لكن بعد ثلاثة أشهر فقط ، أصبحت حائرة متوجسة ، لا تنام ليلتين قبل موعد هذه الحقنة الملعونة ، لما تسببه من آلام لا يمكن لأي أحد إدراكها و تصور ما تلحقه من وجع ونصب إلا من عايشه واختبره .
وانتهت فترة علاج الكيميائي بعد ثمانية أشهر كانت طويلة ثقيلة جدا ، خاصة الأخيرة منها ، حان موعد العملية و استئصال الورم ،. "سرطان الثدي" ، كم كان هذا مؤثرا و صعبا للغاية بالنسبة لنا نحن النساء ،فمجرد الحديث عنه تقشعر له الأبدان !
بالنسبة لإمرأة استئصال عضو كهذا يمس أولا من أنوثتها و كبريائها ، و تحوم حولها كل أعين الشفقة و الرثاء . والإحساس بالعاهة والعوز .
لكن هي كانت قوية رغم صغر سنها وتجاوزت الفترة العصيبة بنجاح ، وانتصرت رغم الصعاب .
تماثلت للشفاء ، زاد أملها ورجاؤها في الحياة ، و أمضت عطلة الصيف في أحسن الأحوال .
بعد شهرين قامت بفحوصات مراقبة ، وهنا كانت الصدمة الثانية ، عاودها المرض من جديد ، هذه المرة احتفظت بسرها الثقيل ، فضلت العلاج في كنف الكتمان ، لم ترد اخباري لأنها تعلم مدى خوفى عليها و ما سأقاسيه عند سماعي مثل هذا الخبر.
ولكن إلى متى تستطيع اخفاء الأمر ؟
لقد ظهرت علامات الكيميائي الترياق الذي لا بد منه على وجهها الشاحب ، وشفتيها المنفطرة ، فسألتها على استحياء و وجل عن صحتها ، أجابت بحزن واستياء موقنة أن الأمر قد كُشف ولا جدوى من انكاره .
"لقد عاودني المرض ، و هذه المرة في الكبد ،
تغيرت ملامح وجهي ووقع عليّ الخبر وقوع الصاعقة ، شٓعرتْ بذلك فتداركت وأردفت بهدوء
" لا تخافي هو في مرحلة أولى وليس بالخطورة التي تعتقدين ، ثم أرجوك لا تخبري أهلي ،لا تقولي لهم شيئا ، سيكون وقع ذلك صعبا جدا عليهم ، ولا أريد تعذيبهم بالقلق والتوتر عليّ ، فيصبح ليلهم سهادا وأرقا ونهارهم حيرة وانشغالا ".
و عدتها على مضض ، ولكن سريعا ما تدهورت حالتها ولزمت الفراش بعد بضعة أسابيع , وفيت بوعدي ولم أقل شيئا للعائلة، خيّرت الصمت ، وارتأيت أن ذلك أفضل للجميع .
مكثت في المشفى قرابة ثلاثة أشهر ،كانت صامدة قوية ،حين تُسأل عن حالها كانت إجابتها " الحمد لله رب العالمين " لا تشتكي ، ولا تتذمر ،
لكن كل تفاصيل وملامح وجهها كانت تصرخ ألما و تقطر وجعا و سقما .
نستطيع القول بأن حالتها تحسنت نوعا ما ، رجعت إلى البيت وذاك الأمل الذي لا يفارقها وكأنه هو من يدفعها إلى الأمام ، إلى الحياة من جديد ، كانت تقوم بكل أعمالها وواجباتها كأم دون ملل ولا كلل فتكلف نفسها أكثر مما تحتمل ، في نفس الوقت كانت حصص العلاج الكيميائي مستمرة ، في كل مرة يجثم على صدرها ، ينهك قواها ، و يجهد طاقتها لكنه لا يضعف عزمها و إرادتها .
أذكر جيدا ذاك الصباح ، وهي تنظر إلى كفها الممتلئ بأقراص المورفين ومائدة الإفطار بيننا تزخر بما لذ وطاب ، تتأملها بلا حول ولا قوة غير مستسيغة ولا مشتهية طعامها ، هي من كانت تتفنن في تحضير أروع الموائد و تطبخ ألذ الوصفات.
هاهي تكتفي بالنظر إليه وحين ألح عليها لتأكل ،تعاني من المغص ثم تتقيأ.
ولشد ما كان يؤلمني رؤية هذا....
أذكر يوم افتقدت زميلة كانت تلتقيها دائماً،كانت مثلها تتلقى العلاج الكيميائي في نفس الموعد ، فذهبت وسألت عنها مسؤول الإستقبال ،فأجابها بكل بساطة أنها قد ماتت ، دون مراعاة إلى إحساس هذه المريضة التي أمامه ، ولا اكتراث لما قد يسببه هذا الخبر لإنسان في مثل حالها ، و مدى وقعه عليها ، تأسفتْ كثيرا من أجل صديقتها و هي تحكي لي حكايتها مع هذا المرض ،لكنها أبدت نوعا من الصمود والثبات فهي لا تحب أن يراها أحد في موقف ضعف واهتزاز .
قررت أن ترسل لأختها الصغرى استضافة لمساعدتها في البيت والأولاد والإعتناء بها قليلا ، إذ أن فترة العلاج سوف تطول ، أيدنا الفكرة أنا وزوجها ،ورأينا أن وجود أختها معها في هذا الظرف مهم جدا لها، حيث أن صحتها ضعفت من جديد جراء حصص الكيميائي المتواصلة بلا انقطاع ولا هوادة ، مسببة لها نقص المناعة و الحمى ، وآخر مرة وضع لها الطبيب التنفس الاصطناعي (الأوكسيجبن) عبر أنفها ، كانت تتنقل به في البيت ، ، مع كل هذا كنت أعتقد أنها وعكة ككل مرة و ستشفى منها ، كم كنت ساذجة !.
لم تتحسن ، بل تدهورت حالتها إلى الأسوأ .
كانت تنظر إلى أولادها بقلق وإلى زوجها بحنان وعين مشفقة .
أوقف الطبيب المباشر لحالتها العلاج نهائيا وأضاف لها جرعة المورفين ،لزمت الفراش بسرعة لم نكن نتوقعها
ورغم كل هذا ،لا نلمس اليأس في نبرة صوتها ولا في فحوى حديثها ،كانت تبرز الثقة بالله والرجاء في الشفاء فأوهمتنا أن ذلك الشبح المخيف قد ارتد وتلافى وصار بعيدا . حتى كان ذلك اليوم .
ذلك اليوم الذي نقلت فيه إلى المستشفى ، واتصل زوجها ليزف لي أن حالتها حرجة ، و عليّ ترك كل شئ وأن أحضر على جناح السرعة . تزاحمت الأفكار في رأسي مستعجلة الأحداث وما تحمله الساعات الآتية ، فكرت في عائلتي .... كيف سأخبرهم أن ابنتهم الحبيبة المدللة تحتضر ؟ كيف سأقول لأخي أن ابنته البكر تموت وهي روحه الثانية ؟...ماذا عساني أن أفعل في هذه البلاد البعيدة عن الأهل والأخوة ؟ لست أدري لماذا راودني شعور بالمسئولية و ثقلها على كاهلي الضعيف ، وكأنني مُدانة بما يحدث هنا وبما هم عليه من قلق وحيرة وهم بعيدون لا يدرون عن شيء . وفي كل مرة يسألونني عن حالها كنت أشعر أنني لم أكن صريحة معهم كما يجب ، كنت دائما أطمئنهم عليها ذلك لأنني أحسست أنه من واجبي أن لا أروعهم و لا أكدر صفو راحتهم ،ولأنني لم أكن أملك الشجاعة الكافية لإعلامهم بأن حالتها تسوء ، لكن اليوم لا بد من قول شيء ،لا بد من تمهيد وتسهيل سرد الخبر لهم ،لأنها ربما تكون النهاية .
اتصلت بهم ولست أدري كيف سقت لهم الأمر. أغلقت خط الهاتف وانقطع صوت البكاء ،كفكفت دموعى وحملت مصحفى معى و خرجت.
دقائق فقط تبعدنى عن المستشفى الذي ترقد فيه لكنها بدت كساعات طويلة ثقيلة و كأن عجلة السيارة تسير بي إلى الخلف .
وصلتُ أخيرا وقلبي يخفق ، والحيرة تمزقه ، صعدت الى الطابق الذي نقلت إليه ، لفت انتباهي لافتة كتب عليها بالفرنسية ( soins palliatifs ) تجمدت أوصالي وأحسست ببرودة أطرافي ، وأيقنت بأنها المرحلة الأخيرة، ،هل هذا ممكن ؟ هل ستغادرنا الى الأبد حقا ؟
لشد ما يؤلمني مجرد التفكير في فراقها .فكيف به حقيقة أعيشها الآن .
دخلت غرفتها كانت ممددة على ظهرها ،سلمت عليها أجابتني بجهد ،سألتها عن حالها فتمتمت بشفتيها (الحمد لله) جلست بجوارها ، نطقت باسمي هرعت إليها
غمغمت بكلام بلسان ثقيل بالكاد يُفهم ،طمأنها زوجها على أولادها ، فنظرت إليه دون إجابة،
أسندتُ رأسها على السرير أغمضت عينيها ولم تفتحهما من جديد. ولم أعد أسمع إلا صوت أنفاسها يتردد في أذني
زارها كثير من الأهل والأصدقاء يسلمون ويخرجون ، كنت كأنني في كابوس أو في شبه غيبوبة ، هاتفي يرن لا أسمعه ، نسيت كل شيء ، يمر الأشخاص من أمامي وكأنهم صور في مشهد سينمائى ، فاستوعب ذهني بعضها وغفل عن أكثرها .
كم كانت رؤيتها مؤثرة وحزينة .
حل الظلام وحل معه الخوف من القادم ،تمنيت الهروب إذ هذه أول مرة أقف فيها أمام شخص يحتضر ، فلم استطع تركها في لحظاتها الأخيرة وهي الحبيبة الغالية لمن اتركها ؟فأنا كل أهلها هنا .
لم يدم الأمر طويلا ،كما تمنت ذلك ورددته في دعائها ، وسرعان ما صعدت روحها الطاهرة إلى ربها بين تكبير ،وقراءة القرآن الكريم ،كنت ممسكة بيدها البيضاء الرقيقة قبلتها ،ودعتها وأغمضت لها عينيها في هدوء وخشوع .قدمت الممرضة وغطتها برداء أبيض، عندها فقط أيقنت أنها رحلت و غادرتنا إلى دار الخلد والبقاء ،
هي خاتمة قصة إمرأة مؤمنة بقضاء الله، وقدره ،حتى آخر ايامها ، ذلك الحين تذكرت أولادها الذين اصبحوا يتامى منذ قليل ،فبلغ مني الحزن ذروته ،بل امتلأت شجنا حتى النخاع .
،فتهالكت على كرسي أمامي ، و الألم يسكنني و كل الأحداث تتوالى في مخيلتي ،لم أكن أتصور أنني أمتلك الشجاعة لأقف يوما أمام إنسان يحتضر ،أنا التي تخاف ظلها ، وليس أمام أي انسان هي قريبتي الغالية ، و أنيستي في غربتي .
لكن هذه هي الدنيا ،حياة وموت ، وهذا قدر الله الذي لابد منه .
هذا اليوم أحسست و تجرعت حقا مرارة الفقد مرتين فكنت بين سندان الغربة ومطرقة الموت .

في الطائرة ونحن عائدون لدفن جثمانها في أرض الوطن
هتفت أختها بصوت أجش ، مرتبك
«لقد أوصتني برعاية أولادها !»
نظرت إليها في ذهول وسألتها " وهل وعدتها ؟ "
قالت "نعم "
قلت "إذا ، أوفي بما وعدت ".






أسكنك الله فسيح جناته
و لروحك الطاهره رحمات من الله تعالى

ذكرى وفاة قريبتي رحمها الله،اعتذر لطول النص

مرحبا، الأستاذة حنان الراقية،
في البدء رحمة واسعة للفقيدة، و أسكنها الله فسيح جناته و تغمدها برحمته
اللهم آمين

حملنا النص بكل اقتدار إلى الألم و الغربة و كل هذه المشاعر الإنسانية التي زخر بها الكلام و المعنى

شكرا لك أ/ حنان
أعانكم الله






،، أنـــ الأحلام ـــــا ،،

  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:21 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط