حروف بلا أرصفة

[يزن السقار]

أيقتلك الانتظار
أنا يقتلني اللقاء المنزوع الدسم أكثر
و ترديني الصدفة العرجاء التي لا تودي إلى الهاوية

[يزن السقار]

أخاف على اسمكِ من شفتي
فلا أنادي
و لكني أصيح
تفيق المواويل على زند الزهر
يحتدّ على جذعكِ وتر الكمان
و تميل في رغائبها سماء الهوى
يا صلاة الياسمين على فم العشق
يا أهزوجة الند و الندى
اسقي حدائق الوقت دندنات نبيذك
الصحو مقتل الهائمين
و الضياع لُقا
لا تبالي بكل عيون البلابل
ولا بأصابع الشجر
لا يختلس إلا جائع الروح و النظر
ارقصي حتى يلتهب المد فيكِ
حتى يثمل الجزر و تضحك الدموع
تغندري حتى ينهزم الحزن
و تشرق الشمس في جسد الغيوم
تهاطلي سنابلا و بنفسج
يشبع القلب و تذوب في ذُراها حواس العجب
مثخنة كل المسافات بك
بعيدة كلون الأفق
قريبة كتنهيدة شهلة
مدانة كل الفصول بكِ
عطشي و ارتواء الروح
جوع التراتيل و الشبع
افترشي كل أدوات النداء
كلما صرختُ
سقط قمر

[يزن السقار]

أذكر فيما أذكر
حين انشق الأزرق عن زورق الألوان
ارتدى امرأة من عبق
غار البحر
و تبعته السماء

[يزن السقار]

قصة طويلة جدا
عيناكِ
تبتدي بخواص السؤال المهول
و تنتهي بالحاسة العاشرة للنهر
قصة قصيرة شفاهك
تبتدي و تنتهي بانتحار الخيال
امرأة أنوثتها أبلغ من القصيدة
و عبيرها أعذب من موسيقى الصباحات
تموج يغرق البرزخ في دهشته
و بابتسامة تحسم عمر التعب و الانتظار

[يزن السقار]

زلال أنتِ
مثل وجع عارٍ
مثل ابتسامة على شفة طفل
مثل ترتيلة في نفس قديس
مثل الخمرة الأولى و القبلة الأولى
زلال
مثل زقزقة الفجر و ضوء الفجر
مثل رقصة على لحن الشجر في البراري
مثل أمنية ترافق العمر و قنديل في أول العتم

[يزن السقار]

أما و قد تبدّى وجهكِ
ما الحاجة للزهر و البحر والأفق
للحن الغجري و الحبق
ما الحاجة للخرائط و المراكب و السفر
للريح و القمر
للسؤال و القصائد و أسباب المطر
ما الحاجة للبن الصباحي و حديث العصافير
لأقداح النبيذ و العبير
لدانيات النسيم و وأسرار الحرير
ما الحاجة لاحمرار الورد و تمالة الشفق

[يزن السقار]

في تقويم أنوثتكِ
كل يوم يولد زمن
كل يوم ينبع عيد
ملائكة تنمو
شياطين تفيق
غنج يُزهر سِمات الدوار
و دلال يعزف النشيد
في تقويم أنوثتكِ
يلعب الماء بالنار
والنبيذ مع خلاصة الحرير
يعزف المواء لحنه الأشمّ
و تصرخ الخدر الكونيّ هل من مزيد

[يزن السقار]

تعالي نركل الشِعر
نركل الإسهاب في تأمل المدى
نرمي البلاغة و المجاز جانبا
و نتشاجر بتلقائية مطلقة
تشتمين الوقت و الصدفة الحمقاء
و أنا اشتم حمق الوقت و الصدفة السيئة
ثم تفتحين طابور الشتائم بلا ترتيب
حتى يزل لسان جنونكِ بلفظة خارج اللغة
يضحك الحب
أضمك إلى قلبي
وهو يقول الحب أن تكوني مجنونة
و أكون أقل أو أكثر جنونا منكِ

[يزن السقار]

كان من الممكن أن أدوخ في مديح البحر
لولا موج عينيكِ العالي
كان من الممكن أن أسوح في البراري
لولا سهول قمحكِ الفتية
كان من الممكن أن أقف على لحن النايات
و أصفف وجه المدى
لولا حليب أغنياتكِ الطروب
كان من الممكن أن أضيع في عمر القصائد
لولا أن بلاغتكِ أرقّ من رفيف الحدائق

[يزن السقار]

خمسون شتاءً
و أنا أقرأ لغات المطر
و الجفاف وجه العاصفة
أراقب الريح و حركة الطير على الشجر
و لا شيء ينشف على حبل الأمد
لا بديل يستر عورة المتاح
و لا منشفة للريش
يا ذاك المدى لا زال في النفس نية
و لازال الحلم يناور الرفيف
أسمعُ حديث الشوارع للبلل
لا لغة مفهومة و لا صوت وتر
الرقص حافٍ
و الدف الغجري أنهكه البرد
أتابع نشوة الصوف على الجسد
الدفء غريب
و غطرسة المظلات و المدفأة باهرة الشجن
خمسون شتاءً و البرد رفيق الدرب في المشاوير البعيدة
الأحمر يصهل فوق جلد الأمنيات
و المقامر مقامر
خمسون شتاءً و الخيل يعاند التل و الأفق
يسبق النية بخطوتين
وتسبقهُ السحب
خمسون شتاءً
و أنا أخبز الأحلام على موقد الروح
و أصيّر الألوان على مراجيح البال حكايا
أختصر همسة من هنا
أقلم أظافر صرخة من هناك
أدوزن خصر امرأة على مقاس الضجيج
اسحب البساط من تحت الشفاه الساكنة
و أدخلها ظنون النبيذ
اعتصر أخر قمحة في الخيال
و أرشفها شقاوة و شغب
أرسم باللون المتمرد أرنبين
و حقل واسع الشغف
أخلع مئزري و اقترف الغزل أمام الليل
ألبسه و اقترف كل الأسئلة أمام الفجر
ثم أرنو صوب أول الشتاء
أبكي وطنا لا يتسع لخمسين شتاء

[يزن السقار]

لا شيء يصعد إلى المخيلة
كنت أقارن بين عزف الكمان
و جموح الخيل
لكن حديث خريرك غير وجه المسألة
كنت أتابع قلقلة القلب في مواسم الحب
و انتشار الزهر على صدر الأغنية
لكن كمشة من رائحتكِ الغجرية
غيرت مسار الأسئلة
كنت أقضم أصابع الوقت
و أفرك أرنبة الفكرة الهاربة
لكن شفاهكِ غيرت رُشد الأمكنة
كنت أدخن الشوق وحيدا
و أسمي صغار النجم واحدا واحدا
لكن حريرك تدخّل
و أوقف نزف الأزمنة

[يزن السقار]

لحطة في غمار لحظكِ
عمرٌ
و عمرٌ
غرق في لذاذة الرضاب
عمران بألف عمر
و ألف عمرٍ لحظةً
في دانيات الاحتضان
نشوة ممسوسة بالوجد و أرباب الهوى
يغيب الوقت عن وعْيهِ أبدا
يولد الشغف
و يكبر التنهيد و الدفء و الهذر
لا حاجة للتعداد في حضرة الأبد
و هل غير ذا تكون نكهة الأبد

[يزن السقار]

دافئ لهذا الحد و أكثر
امسح برد الغربة بمناديل الحنين
افرك أصابع المسافات برضاب الهوى
و اعشق كابن بكرٍ للعشق
يحافظ على إرث أبيه
حالم لهذا الحد و أكثر
أخضّب المدى بأسباب عطر امرأة غيمية
يطلع العشب على قلبي
و أشتي على جفاف الوقت و الأغنيات
أتعلم لغة الحمام
و ادخل في حوار متحضر مع اكتناز النون على صدر الغنج
حوار حول اشتعال القمح في مواسم الهوس
اخط مواثيق الهمس الثوري على شفة الكلام
و أبصم بالرضاب على سهول الخمر البربري
استدرج كل أسماء الحرير على سيقان القصيدة
إلى صخب الرفيف المزدوج
و أمشط الغرق خصلة خصلة
عتيق إلى هذا الحد و أكثر
قبل ولادة الزهر رسمتُ خديكِ
في ذاكرة اللحن الطري
حتى صارت الموسيقى امرأة
قبل تكوّن البحور
تعلمتُ العوم في عينكِ الفارهة
قبل نشأة الكلام
رددتُ اسمكِ مثل عصفور
يناجي المدى
قبل فكرة الولادة
أنجبتكِ موتا و حياة

[يزن السقار]

ما بيننا شقشقات سرب عصافير
شرب من نهر الهوى
و ما ارتوى
جدول شوق شق صدر الصباحات
و كتب قصيدة على الشفق
ما بيننا ذاكرة من فوضى النبيذ
و احتدام نشيد
كلما هزّ الجنون مدن الاحتمال
ومال المآل نبضتين
ما بيننا ضحكتين
ولثمة
و سر دافئ الأصابع
برسم باللون الشقي ثورة العجائب
ما بيننا سوعيات من رمل الحكايا
أقاصيص شاردات
و فكرة نرجسية التفاصيل
ما بيننا أنتِ و أحلام النخيل
و كثير من ضاربات الودع
خرير خجِل البلل
و شراهة لا تميل

[يزن السقار]

تخرج من باب القصيدة
تلبس مجازها
تمسح بأطراف حزنها على وجه المساء
تخلق حوارا مع اللاشيء عن الحب
تلعن نصف خيباتها
و تضحك على النصف الأخر
تخترع لحنها الأمثل
وترقص مثل فراشة لا تخشى النار
هكذا تطل امرأة من نافذة الخيال
تلوّح للريح
فأسقط مطرا غريبا على غابة الصنوبر

[يزن السقار]

بعفوية مخضبة بلهجة الماء
و مراودة مشغولة بعسل الروح
فينقيا أحطّ على جداول عشقكِ الأثيري
اشرب ملء قصيدة و اغتراب
لا شيء يرتوي
الارتواء اكتفاء
و أنتِ يا موسيقى الأبد
ولذاذة الزهر الفجري
فسيحة الأسباب و التوريات و المقاصد
ربوبية الأريج و النبض و نكهة الحنطة
مرصودة بالنبوءات و آيات النشوة اللافحة
لا سعة للعمر ارتواءك و لا الأحلام و لا الذاكرة

[يزن السقار]

دُخْ في عجائبها
امرأة من حديث البلور
تنصب العطر على ضفة الندى
عصفور يقضم أجنحة عصفور
تخيط الحكايات خلخالا لرقصتها
و تُسعف المحال للوصول
امرأة يسيل الشِعر من جدائلها
ماء يسابقه البخور
تميل فيشهد الوعد أن قامتها سُحبٌ
تقوم فتعتدل النجوم
أسطورة و المزيج سرّها
برد يغازل العناق
و دفء ينثر المجون
ملائكة تدور بأنغام الربيع
وشيطان يهز ستار النبض فيبتهج الجنون
عتم يثير خيال الوهج حتى ينتهي
و نور يسلم التنهيد لنور
امرأة عيناها مرساة
و رحيقها يمّ
لا مركب يهرب
و لا بحّار يتوب

[يزن السقار]

يقول الصبح للفراش
لا شيء يجدي
لا النعاس يهاجر عيون الحلم
ولا صفات العابرين تخلع الكسل
يقول الغريب
لا شيء يجدي
فالمسافة عمر الروح في ثنايا الطريق
و الوطن فكرة النهوض بلا حنين
يمزقني إرثي في العبور
و تنهشني الذاكرة
لي في كل خطوة ذكرى ماكرة
و نفسٌ محشوة بالجنون
يقول العازف للناي
لا شيء يجدي
الشجرة الأم مجروحة بالبكاء
الشارع قبل الفجر يبكي
و بعد شروق الشمس على الشمس يبكي
الشجن سلعة دءوب
أصابعي أتعبها البكاء
و أنفاسي المخبوءة تهذي و تبكي
ولا شيء يجدي
يقول النبيذ للكأس
لا شيء يجدي
شفاه العاشقات مشققة
الدالية بلا أجنحة
الوقت يضيق
ولذة الرشف مزاج الأمكنة
تقول دودة القز
لا شيء يجدي
الملمس لغة فارهة
و البرد طويل
تقول القصيدة
لا شيء يجدي
لم تعد المفردات تعني ما تعني
ولا البلاغة تحمل سيف الدهشة
لم يعد المجاز رحلة فوق بساط الريح
و الانزياح عن خاصرة المعنى يصيب
الكل مصيب
و الدف أعلى من صوت البراعة
لا شيء يجدي
يقول القاطن بي
لا شيء يجدي
لم تعد الطرق تؤدي إلى روما
و لم تعد الريح تحمل المديح

[يزن السقار]

يشدني الوهج الفطري
نداوة الفجر في حديث التفاصيل
براءة النبيذ و حنكة الموجة العاشرة
عفوية الحرير في فج رُشد الإندهاش
تورّط القمح في حكايا ما بعد منتصف الليل
احتدام اللهجة الثملة على صدر الشفق
امرأة تفيض دون أن تأذن للنهر
تضيء دون علم نهاراتها
تتعتّق دون أن يفقه الخمر سرها
تذوب دون ماء ولا بلل

[يزن السقار]

أيهشّ البرد
أم يحضن الرغيف
يقفل باب خيمته
أم يربّت فوق كتف أخيه
يقول الصغير لو أن لي ذراعان أكثر
لهزمت وجه الحرب القبيح

[يزن السقار]

لا أفقه كيف لا يخجل الفقر
من وجه طفل
و من دمعة أمّ
مذروفة على الأمل
وجه يشبه تراتيل السماء
و أحلام الماء النقية
و دمعة تقارع الصلاة

[يزن السقار]

أ دارية بالذي كان
حين هوى فجر عطركِ على ساحات مهجتي
أم حين توضأت عين الهيام بحنطتكِ المكنونة
أعالمة بأسراب النوارس الدائخات على شواطئ لحظكِ
حين فجّ المدى إجابات على حيرة المحال
واستحال حديث العيون موالا على ربابات الندى
يا غزالة البال و أولى وصايا العشق
أحقا هذا الخليط من الملائكة السكارى و دعاء الكرز البري
شفاه
أم جنة الرحلات إلى الهاوية المشتهى
أتعلمين يا فردوس الحلاوة
كم مرة مزّقت أصابع القصيدة على جيدكِ
كلما نسجتُ قطيفة من المحال
شممتُ سرا جديدا في روابي العنق
انهارت اللغات
و شدّني اللثم إلى غاية هوس
كم مرة صرتُ قارئ طالع
أقرأ على صدرك خطوط الحرير
فأسمع صوت الغيب
مقتولا لا ريب يا فتى
امسح وجهي بغيم ملامحك و أعيد القراءة
يغويني القتل
كما يغويني العيش في ليل جدائلكِ
أنا يا نرجسة الأنوثة
مصاب بداء الرقة الفطرية
و تلاوات الزهر البري على خد المَلاحة
أشرب الموتات لأحيا
و أموت في الطقوس الغجرية

[يزن السقار]

كان حينما كان
كان الوقت حديقة زهر
كان في قصر المساءات لحن
و كانت قيثارة
و كانت امرأة
و كان
يقول حارس النهر
تأتي الصبايا قديسات للاغتسال
لا صوت للماء
و لا ضفة تشعر باليباس
يقول العاشق
ما سمعت أعذب من خرير الحافيات
و لا جاد الخيال ألذ من عبق الزلال
ما رأيت القلب يثرثر للمارة مثلما كان
كأن الملامح تلتهم المدى و تستحيل كلاما
ما ارتشفتُ نشوة مثل ارتجاف النبض
و لا ارتعاشة تخلط الختام بالبداية
مثلما حين انفتاح نافذة الهوى
تقول الحكاية أن نسرينة على خد الجبل
أصبحت امرأة بعمر الفتنة
أين تدس تخرج قصيدة
امرأة ملّت التلال
و مضت كاملة على حصان رغبتها
إلى ضفة الغدير
تدرّبت على البكاء و الحنين
أنفقت نصف عطرها
تشاهد العصفورة الأم تربي صغارها
حتى امتلأ بالحب نصفها الذي أنفقت
امرأة من ألف الأنوثة إلى تاء تأنيث الخصوبة
من دال الدلال إلى منتهى الصخب الطروب
تقول الحكاية
أن نبضها اضطرب حين طيف مخضب بالنايات
و أن حريرها صار أغنية بابلية
أن قلبها صار بلبل
و عينيها حياة
يقول الحب هنا ولادتي
تقول القصيدة صرت أشهى
يقول حارس الحكاية
في كل فصل
أراها تصير حنطة
تدسّ العشق في أرغفة المارة
و أراها مطرا تسقى عِطاش الروح في مرات أخر
وسمعت أنها حين تغيب
تعزف على قيثارتها حتى تفيق الفصول
أو تلد لونها بشائرً للقادمين
يُقال أن حارس الحكاية صار قصيدة
و أن الجبل صار مزارا للعصافير

[يزن السقار]

إن جدّك الحنين
تنهّد
و افرك عين الذاكرة
و التفت هناك
حيث الأريج قداس و الملامح صلاة
انتفض لحظتين
و در
ارشف قدح الآتي
و راهن الغد على ابتسامة و باقة ورد

[يزن السقار]

أفقهُ لسعة الشمس في برد الأغاني
و دراية السحاب لتفاصيل عطشي
أفقهُ وشوشات البخور من جسد امرأة غيمية
و نية النون في نيرانها
أفقه قافلة الشرود في حسابات الطريق
و شروخ الأرصفة في بال العبور
يا صحراء الارتعاش فيضي فكرة جهنمية
فكرة تزرعني نخلة في واحة العصافير
لا أعرف عملا لأصابع الأغصان
ولا كيف يساعد ذيل الفكرة تحليقها
فكرة تجعلني أجهل كيف يُأكل عطر امرأة ربيعية
و من أي الجهات تفيض نونها
فكرة تجعلني أعود إلى أول الطريق
أتهجى الدهشة
و ارشف الانبهار شفة شفة
فكرة لا تجعلني بحّارا
و لكن أسافر فوق الماء ولا أغرق
فكرة تجعلني أقرأ الأنوثة من الياء إلى الألف
أتعثر بكل حروف الجر
ولا أبالي بتشكيل أخر المطاف