|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
01-12-2014, 06:06 PM | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
طيفها ...
زارني طيفها النحيل في ليلة باردة غاب قمرها .. وحجبته جبال الغيم الأسود ، وحين دقت طبول السماء ، وتهاطل المطر سادت العتمة المكان ، وانطفأت مصابيح الكهرباء . اشعلت شمعة بيضاء ، كنت خبأتها لمثل هذه الليلة ، المدفأة القديمة تناضل بإخلاص لتبقى مشتعلة . حرصت على التزام الصمت ، وتدثرت بالصبر على صمتها حتى تبدأ هي بالكلام ، كان الليل يشد بقبضته على القرية ، ويتكاثر الظلام كلما اشتد هطول المطر . . . لا أدري كم مضى من الوقت ، بدت عقارب الساعة وكأنها أسافين دقت على الجدار ، فما عادت تتحرك ... أدركت أن وقت فنجان القهوة قد حان ، ليكون فاتحا للحديث ، فلطالما كانت طقوس القهوة والمطر والليل الصاخب موحدة لكلينا ، تؤلف بيننا كما الروح والجسد . ارتشفتْ القهوة بشغف وكأنها ما تذوقتها منذ دهر ، أغمضتْ عينيها ، وأخذتْ نفسا عميقا ... زادتها القهوة سحرا ، ، ، ارتشفتُ من فنجاني ، وأشعلتُ سيجارة لعلها تعينني على استجماع قواي وتركيزي . خطوط البخار المتعرجة تتصاعد من القهوة كأنها هاربة من سجنها .. غاصت أفكاري في دهاليز الماضي ، ثمة ذكريات ندفنها ، وبعد ان نظن أنها باتت كالرميم ، تُبعث من قبرها من جديد . فوجئت بيدها الباردة تحتضن كفي ، تسالني بعد الصمت الطويل :" ما بك ؟" نظرت في عينيها الواسعتين كبيادر القمح ، ابتسمت لها بثقة واطمئنان ، قلت وأصابعي ما زالت تشتبك بأصابعها :" قولي لي انت ، ما بك ؟ حدثني قلبي أنك ستجيئين الليلة ، وبقيت هنا أنتظرك ". شدت بأصابعها النحيلة الباردة على أصابعي ، رنت بطرف عينها إلى النافذة ، قالت بصوتها الرقيق الحزين : "منذ أن غادرتك وروحي تسكن هنا ، ترقد حيث ترقد ، وتسير حيث تسير ". علا هزيم الرعد بلا رحمة ، وازداد لمعان البرق ، واشتد هطول المطر ، تتسابق حباته تنقر على الزجاج تكاد تحطمه . نسيت الكلام ، ونسيت كيف تصاغ الكلمات ، التزمت الصمت - الليل يجعلني رجلا آخر ، غير ذاك الذي في النهار – مددت يدي أبحث عن يدها ، اصطدمت أصابعي بعلبة السجائر فأشعلت واحدة أخرى ، وأغمضت عينيَّ ( يا الله أنها امنية صغيرة ، حققها لي ، أحتاج أن أنام ، أريد أن تغتسل عينايَّ من السهر ) . شعرت بلمسة ناعمة على شعري ، وأصابع باردة تتسلل إلى تفاصيل وجهي وعينيَّ المغمضتين ، كدت أن أتكلم ، لكنها أسكتت شفتيَّ بقبلة وقالت توشوش كأنها همسات الفراشات : "نم يا حبيبي ، ارقد هنا ، بين الضلوع بسلام ، افرد كل أحزانك ، ودع المطر يغسلها ، نم يا حبيبي كما نمت أنا يوما على صدرك كالأطفال ".
|
||||
|
|
|