لِنَعْكِسَ بّياضَنا | |
« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر » |
|
⊱ المدينة الحالمة ⊰ مدينة تحكي فيها القصة القصيرة اشياء الزمان المكان |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
18-02-2018, 10:31 PM | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
ظل لرجل كان معي
*** وأنا أعبر الشارع لمحته، بابتسامته الواسعة، ووجهه الأسمر، مرتديا بنطاله الجينز الأسود، وبروفله الأحمر، واقفا، منتظرا الباص القادم. هرعت إليه أناديه، إلا أن الباص كان أسرع مني، وأخذه ومضى به بعيدا. مرة أخرى رأيته يهمُ في الشارع المزدحم بالناس، وما إن وصلت إليه كان قد اختفى. مرات عديدة يحدث ذلك وفي كل مرة يتلاشى من أمامي كظل لنور ينطفئ. كان ذلك بالغ الحيرة، فتساءلت في قلق: لم يفعل ذلك معي؟ استرجعت ما بيننا، وهدير الذكريات كصور حية تتوالى أمام عيني.. تعود أولى الذكريات حين تم اقتيادنا ذات صباح من أعمالنا بصحبة آخرين، بعد نشوب الحرب الباردة، والمفاجئة بين الدولتين المتجاورتين، وتم حبسنا في معسكر مفتوح بتهمة أننا صرنا لهم من الأعداء. بقينا لأيام، شهور، سنوات نلهث وراء أمل المصالحة، ومن ثمَّ عودتنا إلى وطننا. كانت أيام صعبة تقاسمنا فيها الهم والملابس القديمة، ولقم العيش الناشف المغموس بالجبن القديم بطعم الدود. لم نكن نملك سوى الانتظار، يدفعني الأمل الذي كان يزرعه في صدري بابتسامته كل صباح. كان فياضا بالأمل وهو يقول: لا تقلق، حتما سيتصالحون، وسنرجع يوما إلى وطننا. حتى في مرضي المعدي، وحين خاف الجميع كان وحده إلى جواري يهدهدني كطفله الذي لم يره، يلقمني الطعام والشراب. قالت الممرضة: هنيئا لك به.. أحسست أنه جزء منك يتألم لألمك. تهاوى السؤال ثانية فوق رأسي: " ما الذي جرى حتى يبتعد عني؟" آخر مرة كان يجلس جواري في المقعد، شعرت بأنفاسه الحارة في وجهي، وشممت رائحة جلده وملابسه، مددت إليه يدي أصافحه، إلا أن نظرته الجامدة كأنه تمثال جعلتني أتراجع. عاتبته قائلا: لم يا صديقي؟ لم يتكلم، ظل صامتا، قبل أن يبعد وجهه عني، وصوته الهامس فقط يأتيني: ربنا يلطف بالناس. أفزعني ذلك، وغصت في مقعدي كمدا، حتى توقف الباص، ونزلت منه مهموما، أحدق في عشرات الوجوه، أتذكر أنني فقدت صاحبا ذات يوم، وهو يلوح لي مهللا بحدوث المصالحة، ومبشرا بعودتنا إلى الوطن. ***
|
||||
18-02-2018, 11:42 PM | رقم المشاركة : 2 | ||||
|
رد: ظل لرجل كان معي
سرد ماتع وقفلة جادت بالعمق
تحيتي والتقدير |
||||
19-02-2018, 09:22 AM | رقم المشاركة : 3 | |||||
|
رد: ظل لرجل كان معي
اقتباس:
حرب باردة ما ومفاجئة بين الدولتين المتجاورتين
نقلتهما..أو {نقلته} إلى وطن جديد.. معسكر مفتوح. قد يكون ما يسمى بعرف الدول (المنطقة المحرمة ) التي لا تقع تحت ملكية أي من الدولتين ولا تخضع لأي سيطرة. ربما كان (البطل) من دولة وصاحبه من الدولة المجاورة. فالذكريات تشير إلى لحظة التعارف وتحددها.. والتي امتدت الى زمن طويل غير محدد. حدوث المصالحة كان من الطبيعي أن يشكل لحظة مؤلمة رغم البشرى والتلويح والعودة إلى الوطن، لأنها لحظة ستفرق ما بينهما.!! في هذا الكون مفارقات عجيبة ..صادمة.. إلا أننا نتقبلها ونحاول التعايش معها. وماذا لو كانا من نفس الدولة.. لمَ هذا الجفاء والتهرب لمَ بقي ظل ذلك الرجل يداهمه في محطة الباص.. في الشارع .. في كل مكان. يداهمه ويختفي دون ابداء أسباب. ما أوقع (بطل القصة) في حيرة وأسئلة كثيرة وحادة.. {{ آخر مرة كان يجلس جواري في المقعد، شعرت بأنفاسه الحارة في وجهي، وشممت رائحة جلده وملابسه، مددت إليه يدي أصافحه، إلا أن نظرته الجامدة كأنه تمثال جعلتني أتراجع. عاتبته قائلا: لم يا صديقي؟ لم يتكلم، ظل صامتا، قبل أن يبعد وجهه عني، وصوته الهامس فقط يأتيني: ربنا يلطف بالناس.}} في هذا المشهد وكقارئ بسيط شعرت أنني عثرت على مفتاح في الجملة {{ ربنا يلطف بالناس}} هذا يؤكد أنه يجلس مع رجللا يعرفه. رحل وهو يدعو له باللطف ..!! وقد أشرت إليه في بداية تعليقي إلى (نقلهما) أو (نقله) وأعني أنه كان وحده خلال عملية النقل والعيش الطويل في المعسكر المفتوح . صاحب نفسه.. وتعرف عليها أكثر من السايق وظل يحدثها ..أو تحدثه عن أمل كبير سيأتي بالمصالحة ما بين الدولتين عنايته بنفسه وقت مرضه أو عنايتها به..كل الأشياء الجميلة .. حتى لحظة الانفراج وتصالح الدولتين. عاد إلى الوطن..فانعكست تلك المصالحة على علاقته مع نفسه .. بدأ يشعر تدريجيا بأنها تتهرب منه ولا تود مواجهته فقد نفسه بسبب تراكم أوجاع عميقة جعلته ينفصل عن نفسه..فكانت النتيجة عزلة خلقت أوهاما توحي إليه بظل رجل كان معه.!! وربما هذا ما كان عليه حاله قبل حبسه..مخاصما لنفسه..مقاطعة له.. وفي وحدة الحبس ومرارة الغربة لجأ لمصالحتها فما من أحد سواها يعرفه..وربما أنه معها كان يشعر بقوة وطاقة كبيرة تعينه على تحمل ما وقع فيه. وحين عاد، عادت معاناته والأوهام وملاحقة ظلال تشبه ذلك الظل الذي رافقه طويلا.. ظل لرجل كان معي. أديبنا المكرم حارس كامل بداية.. أعتذر عن الإطالة التي كانت بسبب عذوبة النص وعمقه. قصة تأخذ بكل الحواس وأرغمتني على الإنتباه وقراءة دقيقة. فكرة النص راقية..الحبك متين وسرد آسر من الحرف إلى الحرف. تصوير المشاهد متقن..وصف دقيق وبراعة في ضبط حركة النص من الداخل ..والخارج... وقفلة بديعة ومدهشة فتحت للنص أبواب التأويل. بوركتم وبوركت روحكم المحلقة احترامي وتقديري
|
|||||
19-02-2018, 09:41 PM | رقم المشاركة : 4 | ||||
|
رد: ظل لرجل كان معي
كل الشكر والتقدير
أستاذتنا الفاضلة
|
||||
19-02-2018, 09:43 PM | رقم المشاركة : 5 | |||||
|
رد: ظل لرجل كان معي
اقتباس:
أنارت وزينت محبتي لك أيها الكريم
|
|||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|