بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر) - الصفحة 4 - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إخــفاق (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: تعـديل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: أُمْسِيَّات لُصُوصِيَّة ! (آخر رد :محمد داود العونه)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ▂ ⟰ ▆ ⟰ الديــــــوان ⟰ ▆ ⟰ ▂ > ⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰

⊱ تجليات ســــــــــــردية ⊰ عوالم مدهشة قد ندخلها من خلال رواية ، متتالية قصصية مسرحية او مقامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-08-2011, 06:10 AM رقم المشاركة : 76
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)54


مؤخرا بدأت سراب تحس بآلام خفيفة في أسفل ظهرها وبطنها.. أخبرتها القابلة القانونية بأن هذه الأعراض تنتاب الحامل في الشهر التاسع، ولم يحن بعد وقت الولادة.
حمل ثقيل ألقت به "شيماء الرابح" فوق أكتاف "درة" وذهبت تاركة قلبها في خضم بحر هائج تضرب أمواجه العاتية فؤادها بكفوف توبيخ الضمير.
صدق معها اليوم المثل القائل" بعد الكبره جبة حمرا" وأي جبة حمراء تلك التي ستجعلها تستخف بنفسها إن هي اقترفت الكذب بعد أن ابيض شعرها، وتساقطت أسنانها، ولم تعد تريد من الحياة سوى رؤية الطفل هاشم، وختامها برضا من الله.
لن تسأل شيخا خجلا من السؤال رغم علمها تماما أنه لا حرج في الدين، ولكنها تخشى أن يظن أحد بها السوء، فقررت البحث في كتاب رياض الصالحين عن حديث يبيح الكذب في عمل الخير، وكانت قد سمعت بأن الضرورات تبيح المحظورات، ولكنها تريد أن تطمئن أكثر، فهي تمقت معرف الكذب فكيف باقترافه؟! وهناك أمر آخر زاد الطين بلة فقد تطلب منها أم أحمد أن تقسم بالله أن لابنها دينا على عادل، وهي لن تقسم اليمين كذبا مهما كان الأمر.
وضعت كيس النقود في رف خزانتها.. بحثت في المكتبة الصغيرة التي توجد في غرفة المعيشة عن الكتاب.. لم تجده.. سألت سراب عنه.. أحضرته لها من غرفتها.. كانت تقرأ فيه قبل أيام ولم تعده إلى مكانه.
درة تجيد القراءة، فقد ختمت مع أترابها وهي صغيرة قراءة القرآن في الكتَّاب.. سألتها عما تريد منه ، أجابتها:
- المؤانسة بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام.
أغلقت باب الغرفة خلفها بعد أن ذهب ابنها وزوجته للنوم.
وهي تفتح الكتاب كانت تتردد في رأسها آية حفظتها من سورة غافر -: (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) [غافر: 28]وفي جانب آخر ترن آية لو وقعت على جبل لزلزلته قال - تعالى -: (لعنة الله على الكاذبين) [آل عمران: 61].
اقشعر بدنها وسرت فيه برودة ولدت رعشة يديها وهي تقرأ مارأته من رواية ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:-: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللَّه كذابًا». [البخاري 6094، ومسلم 2607]
ارتدت على أعقابها.. خرجت من الغرفة وهي تستعيذ بالله من الكذب.. مايدريها كيف يأتيها عقاب الله إن هي فعلت ذلك.. لا.. لن تكذب ولتجد شيماء طريقة أخرى توصل فيها المال إلى أم أحمد.. دخلت المطبخ.. حضَّرت فنجانا من القهوة عادت به إلى غرفتها فقد أحست بصداع مؤلم في رأسها.
مازال الكتاب أمامها... تهيأ لها أنه يدعوها إليه لمزيدٍ من القراءة علها تجد ما يريح نفسها.. لبت النداء.. قرأت.. قرأت.. إياكم، إياكم والكذب.. تحذير مخيف يؤدي بالكاذب إلى النار.. الكذب خيانة كبيرة: عن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كبرت خيانة أن تُحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت له كاذب».
ياالله كم هو ذنب الكاذب كبيرا.. في خضم قلقها واتساع همها بما حملتها شيماء من أمانة، كادت تغرق ببحر هم لا قرار له، وقعت عيناها على حديث أحست من خلالها بيد أمان تنتشلها من غرقها .
- روى الترمذي عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب كتتابع الفراش في النار، الكذب كله على ابن آدم حرام إلا في ثلاث خصال: رجل كذب على امرأته ليرضيها، ورجل كذب في الحرب فإن الحرب خدعة، ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما ".
بدأ خوفها ينسحب تدريجيا.. وكلما تقدمت بالقراءة خطوة تراجعت جحافل قلقها خطوات.. لكن ماجاء في الحديث لايشملها فهي لن تحارب ولن ترضي زوجا بكذبة فقد مات هاشم ولم يعد بحاجة لرضاها، ولن تصلح بين مسلمين نشب بينهما خلاف.. أين تجد ما يخصها في الأحاديث الشريفة ؟ ظلت تقرأ حتى تعبت وغطت في نوم عميق .






  رد مع اقتباس
/
قديم 14-08-2011, 12:00 PM رقم المشاركة : 77
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)55

ربما كان حلما ذاك الذي جعلها تهب من فراشها على عجل.. توضأت وصلت فرض الفجر..
رأت عادل يستعد للخروج إلى الصيد وقد ارتدى ثيابه الخاصة لذلك.. سألها عما جعلها تتأخر بالنوم حتى الآن فقد تعودت أن تستيقظ قبله.. استوقفته، واستأمنته على السِّرِّ وسألته رأيه به.
دهش من نبل السيدة شيماء، ووعد أمه بأن يأتيها بالفتوى التي تريحها بعد عودته من الصيد، فالصيادون ينتظرونه الآن للمِّ الشباك من البحر، وعليهم أن يصِلوا بالفلوكة إلى شباكهم والعودة بالأسماك قبل الشروق أو بعده بقليل.. ودعها طالبا رضاها، ومضى إلى عمله بينما عادت هي إلى سريرها، كانت تحس بإرهاق شديد ورغبة في النوم.
ركب الصيادون الفلوكة وأبحرت بهم إلى مكان بعيد في البحر حيث توجد الأسماك هناك بكثرة وبأحجام كبيرة وأنواع مختلفة.
كان البحر هادئا.. لطيفا رحب بهم وهم يمخرون عبابه طلبا لرزق عيالهم الذين ينتظرونهم بأمنيات وأحلام براقة.. السعيد من الصيادين من يعود محملا بمال البحر السمكي فيمنع نفسه ذل السؤال.
كانت النجوم تبارك خروج الفلايك وهي تتراقص في السماء قبل أن يلمها الغيب بشروق الشمس. سعادة غامرة يحسها الصيادون في الصباح على متن فلايكهم وهم يشقون طريقم في بحرهم الحبيب.. الكريم بكل ماتعني الكلمة من معنى، القاسي أيضا بكل أعماق المعنى.. آه منك يابحر.. خطفت منهم الشباب.. ثكلت الأمهات ويتَّمت الأطفال، ولا يزالون يحبونك رغم كل شيء، ولا يستطيعون فراقك أو الحقد عليك.. حبهم لك غريب منذ أن امتزجت ملوحة مائك بدماء شرايينهم.. ولمَ لا؟ فقد جرحت الصخور أطراف أكثرهم منذ نعومة أظافرهم وهم يلعبون على شطك الصخري.. ولوحتهم الشمس بحزن القلب لفراق أحبتهم.
آه يابحر، قليل من حنانك يسعدهم كثيرا.
وصلت فلوكة عادل إلى مكان الشباك، فرأوا برميلهم الأخضر طافيا فوق سطح البحر وحوله فلين الشباك..
بدأوا بسحبها بقوة ونشاط، خمسة رجال بعزم عشرة.. شدوا .. وشدوا.. كانت الشباك ثقيلة جدا اليوم.. بداية مبشرة بالخير.. شدوا أكثر..وخرجت من البحر محملة بكنز ثمين استقبله جوف الفلوكة بترحاب يليق بملك.. أسماك كبيرة وصغيرة بشتى الأحجام والألوان.. بينها كانت المفاجأة الرائعة.. وحش بحري كبير كان صيد اليوم المفرح، ولسوف يكفيهم عناء الخروج في الليل من دفء بيوتهم لأيام كثيرة.
حضَّرت سراب القهوة لاحتسائها مع حماتها، لكن درة لم تخرج من غرفتها حتى الآن.. تعودت سراب ألا توقظها إلا لضرورة ملحة.. انتظرتها بعض وقت، فلم تخرج، اقترب موعد عودة عادل.. لم تخرج..
فوق سريرها كانت درة ممددة دون حراك.. عيناها مسمرتان في سقف الغرفة التي شهدت ليلة زفافها قبل أكثر من نصف قرن من الزمن، وهي شابة جميلة تميس حورية فاتنة في زهو ربيعها الذي أذبلته الأيام هما وغما وكفاحا..






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-08-2011, 07:25 AM رقم المشاركة : 78
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

في أعلى السقف حيث تسمرت عيناها، امتدت يد خوفها ترسم قنديلا مهترئًا بريشة الوهم، يهتز فيه الضوء بكل الاتجاهات، تخفت أنواره.. تخفت.. يتداعى جسد درة.. تهوج الريح تضرب بأجنحتها السوداء زجاج القنديل الرقيق، يشتد نهش الخوف بأحاسيسها المرهفة.. المتعبة.. تتغلغل عمقا في أغوارها السحيقة.
من شرفة يأس عتيقة تطل على وادٍ غير ذي حياة.. هوة موحشة.. رسمت معالمها الظلمةُ فبدت مخيفة.. برهبة الأنفاس في صدرها.. بحب البقاء.. يتسرب الضوء المبعثر من القنديل المتأرجح في السقف إلى بعض زوايا الهوة العميقة الفاغرةِ فمها بوسع الخيال.. ترى نفسها في ركن بعيد ممددة فوق سرير من هواء تعبث به الريح.. ينبعث من صدرها ضوء خافت.. ينوس.. ينوس.. تحس ضيقا بالتنفس.. تحرك يديها.. قدميها.. ترفع راسها.. تنظر إلى كفيها.. إلى السقف لا ترى قنديلا.. تجلس في السرير.. تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.. تحمد ربها أنها مازالت تستطيع الحركة..
تخرج من غرفتها تقابلها سراب بوجهها البشوش.. تقبل يدها.. تقبل خديها.. تسرع سراب إلى المطبخ.. تحضر فنجاني قهوة.. تجلس مقابل حماتها.. تحتسيانها دون بنت شفة.
عاد عادل إلى البيت بعد بيع الأسماك يحمل في جيبه من المال ما يكفي مصاريف الولادة وتقديم ضيافة المباركة.. لأول مرة لم ير والدته سعيدة بما أحضره.. عرف السر.. أمسكها من يدها مبتسما ومشى بها إلى غرفتها بينما أسرعت سراب لتحضير الفطور..
- اطمئني يا أم عادل تستطيعين العمل بما قالته لك السيدة شيماء وأنت مطمئنة، ولا حرج عليك بإذن الله.
- كيف؟
- سألت من له علم بذلك .. أخرج ورقة صغيرة من جيبه وراح يقرأ ما كتب فيها : “الكذب حرام؛ لما فيه من الضرر على المخاطب أو على غيره. ولكن يُباح الكذب وقديجب أحيانا، والضابط فيه: أن كل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا. وإن كان واجبا كان الكذب واجبا. “
- لم أفهم تماما ياعادل ، الكلام هذا يحتاج مني لتركيز وأنا متعبة
- حسنا، مايهمنا هنا هو أيصال المقصود المحمود الذي يحبه الله وينفع الناس إلى من نريد إيصاله إليهم.
- كيف؟
- أنت تريدين عمل خير بإيصال المال إلى أم أحمد رحمه الله، أليس كذلك؟
- أجل
- وهي لا تريد صدقة من أحد، وليس معها ما يعينها على الحياة
- أجل
- فإن لم يصل إليها المال ربما ماتت لا قدر الله
- - أجل
- فأيهما أفضل أن تموت أم أن تبقى على قيد الحياة؟
- بالطبع أن تبقى على قيد الحياة.
- أرأيت يا أم عادل ، فأنت عندما تكذبين عليها من أجل إبعاد الشر عنها فإنَّك تنقذينها من الموت وهذا عمل خير.
- أجل
- وتبعدين عنها الموت وهو الشر.
- أجل
- فأيهما تختارين يا أم؟
- طبعا الخير لها
- وهذا يكون واجبا عليك..
- يا إلهي .. اقشعر بدني .. ما أعظم رحمة الله بنا.. سأذهب إليها الآن.. لقد أرحتني يا عادل كثيرا..
- انتظري سأذهب معك، في رأسي فكرة أرجو أن يتمها الله على خير.






  رد مع اقتباس
/
قديم 22-08-2011, 01:48 PM رقم المشاركة : 79
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

كانت النجوم تبارك خروج الفلايك وهي تتراقص في السماء قبل أن يلمها الغيب بشروق الشمس. سعادة غامرة يحسها الصيادون في الصباح على متن فلايكهم وهم يشقون طريقم في بحرهم الحبيب..

الروائية الممتازة زهية

اقتبست شيئا من الجمال مرتبكة خوفا أن أخدشه

هذه الأجزاء من الرواية بها الشعر، بها الحس العالي، لا يفارقها التشويق، اللغة صافية جميلة، والسرد ساحر ساحر

وبصراحة لقد زركشت وأثريت اختلاجات سرد

رائعة أنت فعلا

حبي اللامحدود

روضة






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-08-2011, 06:36 AM رقم المشاركة : 80
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روضة الفارسي
كانت النجوم تبارك خروج الفلايك وهي تتراقص في السماء قبل أن يلمها الغيب بشروق الشمس. سعادة غامرة يحسها الصيادون في الصباح على متن فلايكهم وهم يشقون طريقم في بحرهم الحبيب..

الروائية الممتازة زهية

اقتبست شيئا من الجمال مرتبكة خوفا أن أخدشه

هذه الأجزاء من الرواية بها الشعر، بها الحس العالي، لا يفارقها التشويق، اللغة صافية جميلة، والسرد ساحر ساحر

وبصراحة لقد زركشت وأثريت اختلاجات سرد

رائعة أنت فعلا

حبي اللامحدود

روضة



أهلا ومرحبا بذات الألق الغالية روضة
صباحك عابق بالضيا ، متوهج بالفرح
كل الشكر لحضورك الجميل
أختك
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-08-2011, 06:40 AM رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)57


استقبلتهما لمى خطيبة أحمد ريثما دخلت إليهما خالتها.. لم تكن تحسب حسابا لزيارة أحد لها قبل أذان المغرب، فقد تعودت أن تنام بعد صلاة العصر لقلة من يزورها.. تهرب بالنوم من التفكير بابنها.. مازال جرحها نازفا، بينما تجلس لمى في البيت وحيدة تتسلى في بعض الأحيان بمشاهدة التلفزيون وأحيانا أخرى بالتطريز اليدوي، فتصنع لوحات فنية جميلة إحداها صورة خطيبها الراحل .. حبها له جعلها ترفض العودة إلى بيت أهلها كي لا تترك خالتها وحيدة بين فكي حزنها الحارق.. في هذا البيت الذي ولد فيه أحمد وشبَّ ومنه رحل، تحس لمى بوجوده بأي شيء تقوم به بخدمة خالتها.
خرجت الفتاة من الغرفة لتحضير القهوة فاستغل عادل فترة غيابها في الخارج، وبدأ الحديث مع أم أحمد التي استغربت هذه الزيارة المفاجئة منهما خاصة منه بالذات..
بعد أن دعا لأحمد بالرحمة والمغفرة وذكر الكثير من حسناته، قص على أمه بعض الذكريات معه التي يحتفظ بها في قلبه، وأخبرها بأنه كان قد استدان منه مبلغا من المال ووعده بإعادته إليه عندما يتيسر له ذلك، ولكن القدر سبقه إليه قبل أن يرجع المال، وخلال الفترة الماضية التي أعقبت وفاته لم يستطع إيفاء الدين لأمه لعسر كان يمر به، فآثر الصمت ريثما يتوفر له المبلغ، والآن قد فرَّج الله عنه، وها هو قد جاء لإعادة المبلغ كاملا للسيدة والدته، وطلب منها مسامحته على كتمان الأمر، والتأخر بالسداد، ورجاها أن تعتبره كابنها أحمد فهو في خدمتها متى شاءت.
بداية دهشت أم أحمد مما سمعت، ثم انهمرت دموعها لأكثر من سبب.. لم تخف عليهما أنها لم تصدق ذلك عندما سمعته، ولكنها تذكرت بأنه ذكر لها في أحد الأيام عندما هاتفها في سفره الذي قضى فيه نحبه، بأن أحد معارفه قد استدان منه مبلغا من المال ووعده بإرجاعه له قريبا، ولم يذكر لها اسمه.
أصاب عادل الذهول عندما سمع ما تفوهت به الثكلى.. خاف حقيقة أن تكون قد صدقت بأنه هو من استدان المبلغ الذي أخبرها عنه ابنها، فصمت ولم يسألها عن قيمته خشية أن يفتضح سر ما جاء لتأديته إن كانت قيمة المبلغ هي ما أخبرها عنه ابنها أو غير ذلك، وظل فكره مشغولا بالمجهول الذي اقترض المال منه، ولم يُعده لأمه.
استلمت المبلغ من أحمد بينما كانت لمى تقدم القهوة لهم، وعلامات الدهشة بادية على وجهها مما رأت، واستغربت كيف تقبل خالتها مالا من الناس وهي التي ترفض الصدقة.
ابتسمت أم أحمد عندما قبضت المال.. نظرت إليه مليا.. أخذت منه قليلا ثم أعادته لعادل، وطلبت منه أن يضعه في عمل ما يدر عليها ربحا يكفيها لقمة العيش.. فوعدها خيرا.
احتسوا القهوة.. وهي تضع الفنجان فارغا فوق الترابيزة قالت أم عادل للمى:
- نشربها بفرحك يا ابنتي.

انتفضت لمى كأن أفعى لدغتها.. قالت وقد احمرت وجنتاها :
- بعد أحمد لن أتزوج.
سألها:
- لماذا يا أختاه؟ هذا لايجوز شرعا، ولا يرضى أحمد رحمه الله.
- يحتاج الجرح لعمري كله كي يبرأ مما أصابه، ولن.
- من يدري قد يبرأ قبل ذلك إن رزقك الله بابن الحلال الطيب.
- لن يستطيع أي رجل تحمل حزني على أحمد مالم يكن قد مر بحزن مثله.

قالت أم أحمد:
هذا كلام قالته قبلها كثيرات ثم نسين .. دعوها فإن الله كفيل برأب جرحها متى شاء.






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-08-2011, 06:53 PM رقم المشاركة : 82
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

ظل عادل مشغول الفكر بالرجل المجهول الذي استدان من أحمد المال، لم يكن في السفينة من يحتاج للمال ليصرفه في البحر، فليس معهم مقامرون، فمن يكون المقترض هذا؟
لم يهدأ انشغال باله بهذا الأمر، فراح يستعرض الأحداث التي مرت بهما منذ أن صعدا السفينة إلى اللحظة التي توفاه الله فيها.
حار في أمره فهو لم يتركه لحظة خارج السفينة.. نزلا معا إلى السوق هناك في الميناء الذي اشترى منه الفستان الأخضر لسراب، واشترى أحمد (الجاكت) للمى، هنا فقط افترقا لوقت ليس طويلا، ثم التقيا في (الكافيتيريا)، وعادا معا إلى السفينة ولم يغادراها إلى أي ميناء آخر..
أوشك أن يصل إلى طريق مسدود في معرفة مقترض المبلغ لولا أن تذكر أن هناك من طلب منه شخصيا المال، ورفض إقراضه لأنه سيعطيه لصديقته الأجنبية هناك لتدخل به ابنها إلى المدرسة.. أجل هو بعينه، ولكن ربما خجل أحمد من إخباره بالأمر بعد أن رأى غضبه وثورته العارمة ضده.
أحس بشيء من الراحة وكثير من الغضب.. حسنا سيعرف كيف يعيد المبلغ من الساكت على الدين بعد التحاق صاحبه بالرفيق الأعلى..
لم تسأل سراب حماتها أين ذهبت مع عادل كي لا تحرجها بالجواب، فخرجت معه لتتمشى كالعادة حول الجزيرة، لكنها هذه المرة لم تستطع متابعة المشي، فقد كان الجو باردا ورياح غربية بدأت تهب على الجزيرة، فعادت إلى البيت واستلقت في سريرها بينما ذهب عادل إلى المقهى بعد أن استدعاه أحد أصدقائه فأخبر والدته بأنه لن يتأخر كثيرا.
بعد أن اطمأنت أم عادل على سراب خرجت من البيت بزيارة خاطفة لشيماء الرابح التي رحبت بها كثيرا، وسألتها إن هي أوصلت المبلغ لأم أحمد.
فرحت شيماء بما سمعت، ودعت لعادل بالخير، واتفقتا على أن تقوما بمثل هذا العمل الخير مع كل من هن بحاجة لمساعدة مادية تقف عفة أنفسهن وشآمتهن مانعا بوجه مساعدتهن، وسوف يساعدهن كل حسب الطريقة التي تناسبها بتقديم المال..
استأذنتها بالذهاب.. طلبت منها المكوث بعض وقت لكنها اعتذرت فقد اشتد هبوب العاصفة، وبدأت الأمطار بالهطول، وسراب وحيدة في البيت، وهي متعبة.
عاد عادل إلى البيت مخطوف اللون مبلل الثياب.. هرعت إليه درة تستفسر عما فعل به ذلك.. تنهد بحرقة وأخبرها بأن فلوكة صارم السناري قد ضيَّعت في البحر عندما خطفتها الأمواج وهو قادم بها إلى الجزيرة.. وبجهد جهيد استطاع بعض الصيادين إعادة الفلوكة إلى السقالة، وعندما وصلت رمتها الأمواج فوق الصخور وكادت تحطمها لولا أن تعاون كل الموجودين على شاطئ البحر وفي المقاهي المجاورة فشحطوها إلى البرِّ..
قالت درة بأسف:
- مسكين صارم السناري فقير.. منتوف، عنده عرُّ أولاد.. الكبار بنات والصغار صبيان، لامعين له غير رب العالمين.
- - والله ياأم عادل كان منظره يقطع قلب الحجر.. مشحر معتر لو تحطمت فلوكته بالصخور لكان سيشحد اللقمة.
- قدر الله ولطف، ماأخبار فلوكتك؟
- الحمد لله ماعليها شيء.. لكن الأمواج تلعب بها على كيفها، دعواتك يا أم عادل .. هي الحيلة والفتيلة.






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-08-2011, 06:54 PM رقم المشاركة : 83
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)59

وهو يقترب من باب الغرفة سمع صوت توجعها، دخل مسرعا يمتزج فرحه بالقلق.. نادى والدته.. سبقت الخيال بالوصول إليها.. اقترب إشراق هاشم شمسا تنير حياتها.. تدفئ ما تبقى لها من عصارة عمر في دنيا تفننت بإذاقتها البؤس والحرمان رغم ما كانت تخفيه خلف الكلمات عندما كانت تحدث سراب بحكمة تقتنع بها، ولكنها كانت أضعف من الاطمئنان إليها كثيرا، لولا إيمانها بأن الله سيعوضها في الآخرة خيرا مما كان في دنيا الفناء..
ما أجمل البشرى القادمة بتوجُّع سراب.. توجع تتمناه كل أنثى كي تصبح أمَّا مهما كانت شدة الوجع.. سيشب الأمل فوق أطواق الألم والعذاب والحرمان قالعا عيني حقد الآه الحارقة لقلوب اتخذت من الصبر مهنة، ولابد من أن تربح تجارتها يوما..
على جناح اللهفة فرحا اتصلت بوالدة سراب التي حضرت برفقة القابلة القانونية والعاصفة تشتد ضربا بالجزيرة..
مسح بكفه الحانية حبات العرق الباردة عن جبينها ورأسها موسّد صدر أبي هاشم.. أحس بدقات قلبه.. ناغاه بلمسة يده فوق بطن المتوجعة..
- لا تعذب أمك يا هشومة.. صبرا يا بني.. كلنا بانتظارك..
سراب تتألم بصمت حينا، فتعض على شفتها السفلى مغمضة عينيها المتشوقتين لرؤية الأمل المنتظر، بينما تضغط يداها على يدي عادل بشدة يتلقاها بأروع إحساس أبٍ ينتظر مولد طفله.. وحينا آخر تطلق تّأوها تحاول كتمه فلا يحالفها النجاح..
تسرع أم عادل إلى مطبخها.. تحضر مغلي الكمون، فهو وصفة مجربة يحمى بها الطلق كما يقولون.. لم تجد سراب في نفسها قابلية لشربه فأعطته لعادل..
قررت علية اصطحاب سراب إلى بيتها لتضع المولود في منزل جده.. سيكون الأمر أكثر راحة لهم جميعا.. أسرت الأمر في نفسها لحينه تاركة زوجها بقلق شديد على ابنته بعد أن حاول مرافقتها إليها.. لم توافقه، فالجمعُ الليلة للنساء، ولا مكان لوجود الرجال عدا عادل إلم يوافق على إحضارها إلى بيت والدها، أعطته حبة تنظيم الضغط، وطلبت منه تهدئة نفسه تجنبا للضرر.
كانت وجيهة أول من وصل إلى البيت ممن هاتفتهم درة.. لحقت بها علية والقابلة القانونية التي طلبت من عادل الانتظار خارج الغرفة..
وقف الجميع بقلق ينتظرون خبرا سعيدا يبشرهم بأن الولادة قد أصبحت على مرمى ساعة أو أقل..
كانت وجيهة تحضر القهوة عندما رأت القابلة تحدث والدتها وعلية بصوت خافت.. تركت الدلة فوق النار، وخرجت إليهم لتسمع ما تقوله..
- مازال الوقت مبكرا للولادة.. اتصلوا بي إن شدَّ الطلق.
اعتذرت عن احتساء القهوة التي اندلقت فوق النار.. كانت في عجلة من أمرها.. هناك امرأة قد تضع الليلة مولودها.
عادت وجيهة إلى بيتها للعناية بأولادها، بينما بقيت علية مع ابنتها تخفف عنها آلامها بحديث من هنا وقصة من هناك..
قصت عليهم ماحدث ليلة مولدها، وكم كان الأمس مشابها لليوم، فقد ولدت سراب في مثل هذه الأيام والمطر منهمر فوق الجزيرة بكميات هائلة على يد الداية أم عثمان ، بينما تمت ولادة عادل كما قالت درة صيفا على يد الداية أم أحمد بلقيس.
لم تهتم سراب بما سمعت فقد كان فيها من الألم ماصمَّ آذان وعيها عن كل حديث.






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-08-2011, 06:56 PM رقم المشاركة : 84
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)60

في ساعة متأخرة من الليل نامت سراب بعد طول أنين.. كانت والدتها بالقرب منها تشرف على حالتها، فلم تجد جديدا يستوجب استدعاء القابلة.. حاولت انتهاز فرصة إغفاءتها لتنام قليلا لكن الكرى جافى عينيها، فخرجت من الغرفة لاستنشاق الهواء البارد لإحساسها بشيء من الاختناق وهي تراها بحالة يصعب على قلب الأم تحملها ولو كانت ستلد ملكا.
لم يعد يشغل بال علية هاشم ولا درة.. المهم عندها الآن الاطمئنان على فلذة كبدها.. انهمار الأمطار فوق رأسها وهي تقطع الجزء المكشوف من فسحة الدار إلى غرفة المعيشة اختلطت عذوبة مائه بملوحة ماء عينيها.. فوجئت بوجود أم عادل في الغرفة وهي تقرأ في القرآن الكريم..
جلست بالقرب منها تسبح الله، بينما كان عادل ينام في سرير أمه تاركا غرفته لحماته.
وضعت درة القرآن في كيس من القماش الأخضر مطرز بخيوط ذهبية.. علقته فوق الحائط الغربي بعد أن قبلته، ودعت الله أن يتم الولادة على خير.
ذهبت إلى المطبخ.. عادت تحمل صينية نحاسية قديمة تلمع كالذهب وفوقها فنجانان من القهوة وكأس ماء..
وهما تحتسيان القهوة دارت بينهما أحاديث شتى، أخبرت درة خلالها علية بقصة رزق وسعفان، وخبر اللجنة النسائية لمكافحة التدخين بين النسوة، ومشروع العمل الإنساني لمساعدة المحتاجات من الأرامل والمساكين. أحست برغبتها في الانتساب لهذه اللجنة فوعدتها خيرا، وسرها جدا ما سمعته منها في قدرتها على المساهمة معهن، ودعوة الكثيرات للمشاركة فيما يخدم الجزيرة.
وهما تتحدثان سمعتا صوت سقوط شيء ما في بهو الدار.. أسرعتا لمعرفة ما حدث في الخارج.. لحق بهما عادل الذي هبَّ من فراشه خائفا.. ألف هاجس هاجم رؤوسهم.. استعاذوا بالله من ساعة الغفلة.. أضاءوا النور .. شاهدوا مفاجأة لم تكن بالحسبان.
حمدتا الله وهما تنسحبان من الدار وخشب النافذة التي تطل على البحر مشلوح فوق الأرض بفعل شدة الريح.
رفعه عادل، ووضعه في ركن جانبي.. دخل غرفته للاطمئنان على سراب.. وجدها نائمة ويدها فوق بطنها.. أغلق الباب وراءه وعاد إلى غرفة أمه لمتابعة النوم قبل أن يحين موعد صلاة الفجر.
عندما هدأت أعصابهما راحتا تتحدثان عن الطقس، وعن هبوب العواصف في مثل هذه الأيام حيث (نوَّة الحسون)، وما تلاقي بها الجزيرة من كوارث.. فالريح والأمواج تهيج بشكل مفاجئ تضرب كل ما تصادفه أمامها من بشر وجماد. تحدثتا عن السفن التي غرقت.. والفلايك التي تحطمت وعن الأرواح التي زهقت.. نوَّة الحسون السنوية تدع بانسحابها الدموع في العيون حارقة بفقد المال والعيال .
تذكرتا ما حدث في إحدى السنوات الماضية عندما هاج البحر على الجزيرة، وكيف اخترق الصخور التي تقف بوجهه سدا منيعا.. دحرجها فوق الشط الصخري غرب الجزيرة وألق ببعضها عن الأسوار العالية رغم أوزانها الهائلة.. تخطاها بجنون إلى المقابر المجاورة، حفر التربة.. هجم على المقابر، وخطف جثث الموتى منها ما فني منها، وما لم يفنَ بعد.. لم يترك سوى قبر الشيخ عسيلي رحمه الله.. لم يصبه بأذى. دهش الناس عندما رأوا بأم أعينهم ما حدث من عجب، فكبروا، وهللوا، وترحموا على شيخ جزيرتهم الجليل.






  رد مع اقتباس
/
قديم 27-08-2011, 01:10 AM رقم المشاركة : 85
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)



كم احس بمتعة وأنا أدخل عالمك هذا يا زاهية

ما زلت أتابع هذا الجمال الآسر

حبي الكبير

روضة






  رد مع اقتباس
/
قديم 27-08-2011, 04:00 AM رقم المشاركة : 86
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روضة الفارسي


كم احس بمتعة وأنا أدخل عالمك هذا يا زاهية

ما زلت أتابع هذا الجمال الآسر

حبي الكبير

روضة



سبحان ربي فقد قيد لك دعوة مني في ظهر الغيب في هذا
السحر المشرق في ليلة القدر
فليسعدك ربي في الدارين أختي الحبيبة روضة الفارسي
أختك
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 21-09-2011, 06:58 AM رقم المشاركة : 87
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)61


.. أمسى الغروب وشيكا، لكنها ستتمسَّكُ بأطراف آخر خيوط الشمس- بما لديها من قوة، وما تبقى لها من أنفاس- لتحس بها دفئا عاشت تنتظر ملامسته لقلب جريح يشكو البرد منذ زمن طويل.
سمعت أنين سراب، هرعت إليها بلهفة الشوق لعيني المنتظر.. كانت أمها تقف بالقرب منها تشد من أزرها.. ووجه الموجوعة يكاد ينزف دما..
هاتف عادل القابلة.. أتت على عجل.. فحصتها سريريا.. قلبت شفتيها. هزت رأسها بالنفي، وقبل أن ترفع عينيها إلى عيني علية المعلقتين بوجهها قالت:
- لا داعي للقلق، مازال الوقت مبكرا للولادة.
كالمرة السابقة غادرت البيت على أن تعود عندما تظهر علامات المخاض واضحة، ولن يكون هذا قبل عدة ساعات قادمة.
أمسك عادل بيد سراب وراح يمشي بها في الغرفة ذهابا وإيابا حسب تعليمات القابلة.. مرت ساعة.. ساعتان لا جديد فيهما.
وسط القلق والرهبة المختلطة بالفرح دخلت درة إلى المطبح، وشرعت بإعداد الغداء، سيكون طعاما فاخرا..اليوم ليس كأي يوم مضى.. فرح.. ولادة..ولادة..ولادة.. أكثر من مرة شردت بفكرها بعيدا..
تهيأ لها أن هاشم معها في البيت ينتظر مولد حفيده بفرحة تفوق فرحتها.. كادت تحس بدفء أنفاسه.. تسمع صوت خطواته.. همساته.. ضحكاته.. شطح بها الخيال أكثر.. كادت ترى ثيابه التي يرتديها لاستقبال الحبيب.. عطره الذي مازالت رائحته عالقة في شغاف قلبها.. ذقنه الحليقة.. طربوشه الأحمر مائلا قليلا إلى اليمين.. (ياااه ماأجملك ياهاشم)..
- أيعقل هذا يادرة؟!! استهدي بالله.. تماسكي.. لا تتركي الوهم يفترس وعيك.. إياك والاستسلام للشيطان.. قد ينحرف بك بعيدا..
أفاقت من شرودها عندما سمعت صوت علية تلفت انتباهها لللحم الذي كاد يحترق في المقلاة..
ضحكت درة وهي تشكر علية:
- ابتعدت كثيرا عن اللحم والسمن والنار..
- هنيئا لمن أخذ عقلك..
- ليس غيره يا علية.. لم يأخذه بل شغل كل مساحته، ربما لو كان أخذه لكنت الآن مرتاحة منه.
- من هو ياأم عادل؟
ولأول مرة منذ عقود تضحك درة بصوت عال من كل قلبها.. قالت والدمع يغرق عينيها:
- ومن سوى هاشم؟
- الجدُّ، أم الحفيدُ؟
- الاثنانِ معا..

اكتفت سراب بالقليل من الشوربة بينما جلس الثلاثة يأكلون فرحين، وكلما سمعوا صوت أنين سراب قالوا " هانت بإذن الله، مضى الكثير ولم يبقَ إلا القليل"
اتصلت درة بشيماء، وبأم أحمد، ورضوى، ووجيهة، وفكيرة، وبعض النسوة المقربات لها ودعتهن لحضور ولادة كنتها، وألحت على أم أحمد بالحضور مع لمى.
في غياب عادل عن البيت جلست درة وعلية في غرفة سراب بانتظار عودته من السوق فقد ذهب لإحضار ما سيقدم للنسوة من ضيافة وهن يشهدن مولد هاشم..
كما أرسلت للحاجة (بكرية ) لتكون على استعداد مع طبلتها لتزف هاشم عندما يأتي إلى الدنيا، ولم تنسَ أن ترسل (لأبي قدور طنَّا) كي يستعد أيضا بطبله للعراضة ولو في منتصف الليل، تريدها عراضة لم تحصل لأحد من قبل في الجزيرة، ألا تستحق ذلك بعد صبر مرير حفر في قلبها وديان حرمان تفجرت ينابيعها حزنا وألما؟






  رد مع اقتباس
/
قديم 21-09-2011, 07:02 AM رقم المشاركة : 88
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)62


هيأت أم عادل وعلية فراش سراب الذي ستتم فيه الولادة وهما تقرأان بسرهما المعوذتين، والإخلاص، وجهزت درة البقجة الخاصة بديارة هاشم التي حلمت بتجهيزها سنوات مديدة، ولم تنسَ أن تجعل فستان عادل- الذي ضمه الصندوق العجوز ردحا طويلا من الزمن بانتظار ابنه في بقجة خاصة به مطرزة بالخيوط المفضضة والمذهبة.. لكنَّ عليَّة كان لها رأي آخر بالنسبة لفستان الحلم العتيق الذي أكل الزمن عليه وشرب، فطلبت من أم عادل ألا يكون هو أول ما يرتديه الوليد لقدم موضته، ولعدم لياقته للحاضر، فكل شيء قد اختلف عما كان سابقا، وإلا فسيكون محط انتقاد الحاضرات، ولسوف يصبح مضرب المثل في السخرية بين الناس، ورشحت عوضا عنه ما أحضرته هي له من ملابس جديدة دفعت ثمنها غاليا لحفيدها الأول لم يلبسها قبله أب، ولا جدّ.
أحست درة بكسرٍ في خاطرها، وغصة في حلقها.. فاحتقنت الدموع ملتمعة في عينيها المتعبتين مما وجه إليها، فأسدلت أجفانها بانكسار، وأغمضت مقلتيها ببطء في محاولة للهروب مما هي فيه من إحراج لكتم فوران مشاعرها المهتاجة بتلك الصفعة التي وجهتها إليها علية دون أدنى حساب لأحاسيسها بجهل كان أو بقصد.. لم تستطع بداية، فاستعانت بالله كي لا تقلب جو الفرح إلى جو غمٍّ ونكد تاركة لعلية حرية اختيار ما تراه مناسبا لحفيدها حسب ما ترتاح إليه ذائقتها.
رغم انشغال سراب بآلامها وتأوهها المستمر، وعدم قدرتها على الكلام بسهولة، فقد سمعت ما دار من حديث بين أمها وحماتها.. لم تستسغ ما قالته والدتها فمثل هذا التصرف الفج لايليق أن يصدر عن أمها المعروفة بالحكمة واللباقة، ولا أن يوجه إلى حماتها بهذا الأسلوب بغلظة تمقتها النفس الشفيفة، فطلبت منها على مسمع من أم عادل أن يكون فستان أبيه هو أول ما يرتديه هاشم، لرغبتها وزوجها وأمه في ذلك واتفاقهم عليه، فلم يعد أمام عليَّة إلا الانصياع لمشيئة الجميع رغم أنفها.
قبل قليل كتمت أم عادل دموعها منعا لحدوث أي شيء قد يعكر صفو اليوم داخل البيت- خاصة وأن علية مهما يكن هي ضيفة عندها – وما يحدث في الخارج- من ثورة الريح، والبحر، وتساقط الأمطار- قام بالواجب وأكثر، لكنها عندما سمعت ما كان من موقف سراب وما نطقت به من درر، جعلها عاجزة عن لجم كرم عينيها، فانهمرت منهما دموع السعادة محلاة بقطر الشكر من كلمة حق قالتها سراب جبرت بها كسر خاطرها، ورفعت كثيرا من معنوياتها النفسية.
رفعت درة يديها إلى السماء شاكرة.. حامدة، ولسانها يدعو الله بنبض قلبها الطاهر أن ييسر الولادة لسراب على خير مما جعل علية تبتسم وهي تؤمِّن معها وكأن شيئا لم يكن.
لاحظت علية اشتداد الطلق مع ابنتها، فسألتها إن كانت تود استدعاء القابلة.. أومأت لها برأسها إيجابا ووجهها ينضح عرقا، وهي تتأوه بألم كبير، وتسأل الله سرا وجهرا العون ومساعدتها بالخلاص مما هي فيه على خير.
تأخرت القابلة بالحضور، فازداد قلق وجيهة ودرة على سراب خاصة وقد راحت تتقلب في سريرها بضيق شديد، والعرق يتصبب من وجهها ويديها، وعادل يقف في حيرة من أمره، وعندما وصلت القابلة إلى البيت كان الليل قد أرخى سدوله على الجزيرة، بينما كانت العاصفة تشتد نهشا بها من الجهات الخمس.






  رد مع اقتباس
/
قديم 24-09-2011, 08:47 PM رقم المشاركة : 89
معلومات العضو
روضة الفارسي
عضو أكاديمية الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع والعطاء
تونس
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)


تعالوا يا أحبة

هنا السرد الممتع والحوار المتقن الجميل، هنا دفئ الشعور وتدفق الصور

هنا التشويق وحبكة الحوار

أدخلوا هذه الرواية بسلام أمنين

ما أروعك يا زاهة

لو أن وقتك يسمح يا زاهية لتعطي رأيك بما نكتب

سنفرح كثيرا ونتعلم

أنت روائية ممنازة


حبي الكبير

أختك روضة






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-09-2011, 04:32 PM رقم المشاركة : 90
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

الغالية أستاذة روضة أختي المكرمة
سمعت النداء فجئت على استحياء لتأخري بالرد
جزاك الله عني خير الجزاء
يسعدني غاليتي المرور والفائدة حقيقة مما يكتبه
الكرام والكريمات، وسيكون ذلك بإذن الله عندما أجد الوقت لدي
بارك ربي فيك ورعاك
أختك
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-09-2011, 04:45 PM رقم المشاركة : 91
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)63



هذه المرة قررت القابلة البقاء قرب سراب خشية المفاجآت رغم أنها لم تحدد وقتا معينا لقدوم الوليد.
جاءت وجيهة بفرحة عارمة لاستقبال سمي والدها، كما وصلت إلى البيت أم أحمد بمساعدة لمى، فوجدت عند أم عادل شيماء الرابح، ورضوى، وفكيرة وبعض الجارات المقربات اللواتي سعدن بدعوتهن لحضور هذا الحدث الجميل.
تحلَّقت النسوة حول سراب كأنَّهنَّ أشباح سود، وهي ممدَّدة فوق فراش أزرق وسط الغرفة التي فرشت بالسجاد الأحمر، ورحن يتجاذبن أطراف الحديث لمؤانستها والتَّخفيف عنها مما تلاقيه من آلام المخاض.
سراب تتالم .. تصرخ.. تضع يدها على بطنها وتقرأ()اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا)..
تقترب منها أمها وتقرأ المعوذتين والفاتحة، بينما كانت النسوة يتحدثن وهن يتسلين بما قدمته لهن وجيهة من ضيافة..
تجلس القابلة قرب سراب تفحصها بين وقت وآخر.. وسراب لا يعلم بحالها إلا خالقها.. تقرأ ويدها فوق بطنها(- يا خالق النفس من النفس يا مخلص النفس من النفس يا مخرج النفس من النفس خلصني)
تناديها إحداهن وهي تلوك قطعة من الحلوى:
- ساعدي ولدك يا سراب، مسكين هو في ضيق أكثر منك.. ..
تقرأ سراب بتوجع:
) - اللهم يا مسهل الشديد، وياملين الحديد، ويامن هو كل يوم في أمر جديد، أخرجني من حلق الضيق إلى أوسع الطريق، بك ادفع ما أطيق ومالا أطيق، وصلَّ الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم )
في هذه الليلة كان الجو بارداً، والريح تعصف بجنون، وغيوم داكنة تسقط أحمالها مطرا غزيرا بفواصل زمنية تكاد تكون متشابكة، بينما كان ارتفاع الأمواج يزداد علواً كلَّما اشتدت الريح عصفاً وسراب صراخا.
ظل عادل واقفا خارج الغرفة خلف الباب قلقاً، لم يثنه تساقط المطر عن إصراره في الوقوف قرب الباب، وكلَّما كان يأتيه صوت سراب بالصراخ يقرعه، ويسأل عن حالها.
اتَّسع الليل لسماع روايات النسوة عن ولادات كل واحدة منهن بالتَّفصيل الممل، وسراب تلوب من الألم ودموعها تغسل وجنتيها، تتخبَّط فوق الفراش.. تستنجد بالله، وهاشم مازال في دور الظَّلام، عاصفة تزأر في الخارج، وغزالة تتلوَّى في داخل الغرفة، وجنين يدافع كي يرى النور.
طلق بارد.. صراخ حاد.. نسوة يسبحن الله، طفل يكاد يختنق، وسراب في وضع لا يبشر بالخير.
رحل الليل وما رحل الألم، والعاصفة تضرب شواطئ الجزيرة بوحشيَّة مفرطة.
تعسَّرت الولادة، وأعلنت القابلة عجزها في فك أسر الجنين، وعن خطورة الوضع العام بالنِّسبة للأم، فطلبت استدعاء طبيب الجزيرة علَّه يفعل شيئاً.
طبيب الجزيرة ليس طبيبا نسائيا ولا جرَّاحاً.. هو طبيب صحة تخرج هذا العام، وسراب بحاجة لعملية قيصرية، ولن يخاطر بحياتها ولا بسمعته فالوضع سيء للغاية.
كادت أم عادل تصاب بجلطة عندما سمعت ما قاله الطبيب..
ضجَّت الصدور بالخوف، وتعلَّقت العيون في السَّماء ، وتحشرجت الكلمات في الحناجر، ماالعمل؟ من أين لهم بطبيب أو مستشفى والبحر يزداد هيجانا؟
الحالة خطيرة تستوجب الإسعاف الفوري ولا أحد يجازف بحياته بركوب البحر.
.






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-09-2011, 04:48 PM رقم المشاركة : 92
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)64



تتنفس أم عادل بصعوبة.. ملء المدى خوفها.. متمكن من أعماقها.. رعشة عُظمى تحتل كيانها المتهالك انهزاما.. ترجو الله ألا يطيب لجنونها المقام بين شغافها.. كتمت عن آذان الحضور بحرا ملتهبا من الآهات الحرة تطوف أمواجه بين شطآن قلبها هادرة.. منذرة بما تخشاه.. ما عادت تحس بندى الحلم الشذي فوق جبين الوعد.. جف جلده ويبس.. بات محفوفا بأشواك الخداع.. ممهورا بالحرمان.. منقوشا بالبؤس..
مسامات جسمها المجعد تنزف عرق الحزن ملحا.. تدلقه عيناها دمعا.. تستنشقه رئتاها غبارا..
- هاشم.. كأس الفرح بات سما.. لا تجرعني الموت قهرًا.. اسمع نواح الروح.. لا يمكن أن تكون قاتلي..
تمسك بيدي سراب وقد جلست خلفها تهدهدها على صدرها بحنان.. بل تهدهد هاشم بسراب.. أتراها تودع الحياة بوداع الأمل للقاء هاشم هناك خجلة منه، فقد عجزت عن تحقيق أمنيته بحفيد يحمل اسمه.. حاولت كثيرا لكنها لم تستطع.. بأي عين ستنظر إليه؟
.. سراب تستغيث بالله.. عادل يحار.. يعجز عن التفكير.. يطلب من الطبيب مساعدة زوجته حسب مقدرته.. يصر الطبيب على موقفه.. يغادر البيت موقعا محضر الجلسة ( بآسف). تصرخ إحدى النسوة:
- اسقوها مغلي الكراوية ، لقد ساعد في تيسير ولادة حسيبة عامر..
تهرع درة إلى الداية أم عثمان، وإلى الداية أم أحمد بلقيس تطلب منهما مساعدة سراب..
- كنتما لنسوة الجزيرة وجهَي خير.. قل من تعسرت ولادتها عندكن.. أنقذا هاشم وسراب أقبل يديكما..
تعتذران فالوضع يحتاج إلى مستشفى مجهزة بغرفة عمليات خاصة للولادة لإنقاذ سراب والجنين.. الوضع مخيف. تزداد قلقا وهي تعود إلى البيت مهرولة.
نظرت إلى السماء مبتهلة بحرقة عسى الله يدحر الغمة، ويبعث الروح في الحلم المرتقب، فتكبر نزعة الأمل وتشب فوق الحصار.. تعرِّش سنديانة عصية على معاول اليأس وفؤوس الانهزام.. فوق أغصانها تشقشق العصافير، وتهدل اليمامات فوق أشجار الكباد والنارنج، تهدي صغارها تباشير الفرح.. وعلى حبات التوت و سنابل القمح تشرق الشمس دافئة تقبل وجناتها بالمحبة والعطاء.
كبر الحلم بهاشم.. تطاول كثيرا مادًا رأسه فوق النجوم.. أتراه يسقط فوق الأرض مهشما؟
لم يعد يهمها اليوم إن كان في رحم سراب هاشم أو أنثى.. أقسمت أنها ستسميها أمل إن جاءت فتاة، فقط تريدها أن تلد بالسلامة.
- يارب لا اعتراض على ماتشاء.. اجبر كسرنا.. أنقذنا من همٍّ عظيم.
أيقنت درة بعد مشيب أنها قربان الهم لقلبها المجروح المتفرد بالحزن على مدى حياتها التي ظلت تقتات من أناتها صمتا وآها.

بخفق قلبها الملتاع تبحث عن شيء عن لاشيء عن بصيص ضوء ولو كان بعيدا.. بعيدا علها تجد فيه مخلصا يعيد لها رمق الرضا.. بهجة الوعد.. صدق الأمل..
تحس بارتعاش يد سراب الساخنة.. تبحث عن علية بين النسوة الباكيات.. لاتجدها بينهن.. تسأل عنها بنظرة عينين تورمتا من لسع الدموع. تناديها سراب
- امرأة عمي .. سامحيني إن صدر مني يوما شيء أزعجك .
- بل أنت سامحيني ياحبيبة..
تصرخ علية التي دخلت الغرفة للتو فسمعت ماقالتا:
- ماهذا الكلام، لاأحب سماعه منكما.. ستلدين ياسراب بخير بإذن الله.
- سامحيني ياأمي.. إني أموت.. سأموت ياأمي..






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-09-2011, 04:56 PM رقم المشاركة : 93
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)65



يخترق هدير البحر عواء الريح.. تسمعه الآذان نحيبا.. صراخا ونعيقا..
تختبئ المنى في سراديب الفجر المرتبك قدومه بوحشة الطقس.. المنهك نوره بمشاهد الغضب الثائرة فوق الجزيرة بنفخ العاصفة.
تخيم على النفوس ظلال الردى قاتمة.. تطحن فسحة الضوء بعناد الهوج بحرا وجوا.. كالطفل كان عادل يبكي.. يداري دموعه عن حبيبته بالوقوف خارج الغرفة تحت المطر، يفكر في طريقة ينقذها بها من الموت.. عادل يريد حبيبته، يريد فلذته.. لكنه عاتب عليه.. يرجوه بومض الحنين، وبرق الشوق.. يرسل إليه عبر أحاسيس صامتة، يخيل إليه أنها تصله، فينتظر الجواب بالخروج إلى الدنيا:
- ياوجه الخير لاتنهك قلبي بالتهام فم القهر فرحي.. لا تكسر ظهري بقلع عيون الضوء حولي.. دعني أراك أيا هاشم.. أغنيك أهزوجة حمى حرقت داخل درة بنار فراق جدك، فكنت أمنية البرد والسلام لقلبها المحترق شوقا إليك.
- ينتظر عادل الجواب.. يطول انتظاره، ويطول، ولا جواب..
يسمعها تناديه:
- عادل.. عادل
يفتح الباب.. يدخل إليها وعيون النسوة تنظر إليهما بحزن وألم.. يرد عليها
- سراب أنا هنا.. لاتخافقي ياأم هاشم.. اطمئني سيكون كل شيء على مايرام..
- أتظن ذلك؟
- أجل .. أجل
- عادل.. سامحني.. لاتنسني ياعادل.. سامحني..
يرن جرس الهاتف.. يهرع ودرة وعلية إلى غرفة المعيشة، يسبقهما إليه.. تقف المرأتان أمامه لمعرفة من المتكلم من وراء الأسلاك.. ربما كان الطبيب قد غير رأيه وسيساعد سراب.. ربما وربما وربما..
تمر لحظات حرجة يهز في نهايتها رأسه، ويختم المحادثة بالشكر والدعاء.. يعطي السماعة لأم سراب.. يأتيها صوته من الجهة الأخرى متهدجا.. تخاف عليه من انتكاسة صحية إن هو علم بحال ابنته.. تطمئنه وتغلق السماعة بهدوء بينما يغادر عادل البيت على جناح السرعة بعد أن أخذ من الخزانة مبلغا من المال.
سترك يارب.. ضاقت الحيلة.. أحسَّ الجميع بأنَّهم حقيقة يعيشون في المنفى خلف الأمواج الغاضبة.. هاهو البحر يحاصرهم بقسوته المعتادة وجبروته الذي لا يرحم، بينما رحم سراب يحاصر الأمل بظلام اليأس رغم محاولة التحرر من قيده المطبق على عنقه.
آه منك أيتها الحبيبة.. جزيرة القسوة أنت والرَّحمة معاً.. الحب والكراهية.. الفقر والغنى.. أبداً تظلِّين بوجهين.. طاهرة كالبحر.. طاغية مثله.
السماء تمطر.. البحر يموج بالزَّبد متمردا على الصبر والهدوء.. وسراب تنزف بالوجع رمق الحياة، وجنين يُحتضر بحنان الرَّحم المشتق من الرحمة.
صرخت أم سراب والحسرة تلتهم قلبها خوفاً على ابنتها: ياناس، ياهو.. .. ياأنس.. ياجن ياسامعين الصوت.. يا أولاد الحلال أنقذوا ابنتي.. حرام عليكم.. افعلوا أي شيء.. أحضروا طائرة مروحيَّة تسعفها.. أرجوكم لا تدعوها تموت..
بالأمس في سهرة مع نساء الجزيرة، أطلقت علية نكتة ساذجة أضحكت الساهرات حتى هرت الدموع من عيونهن، عندما قالت بأنهم بحاجة لطائرة تحضر المعلمات والمعلمين، وتموِّن البلد بالطعام في الأحوال الجوية السيِّئة، واليوم أصبحت النكتة بحاجة للتطبيق في واقع مأساوي رهيب.
قالت لمى بحماس:
- أجل نحن بحق بحاجة لطائرة حوامة تساعدنا وقت الشِّدة.. قد تنقذ طفلاً من موت.. تلتقط غريقاً.. تعيد فلوكة ضيَّعتها الريح في البحر.. تسدُّ جوعاً عندما ننقطع عن البر.. تكون طائرة إسعاف في حالة ولادة عسيرة كتلك التي تواجهها اليوم سراب..
-






  رد مع اقتباس
/
قديم 26-09-2011, 05:08 PM رقم المشاركة : 94
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)66

-

أحست رضوى بقشعريرة تسري في جسدها.. ترعش أطرافها بخفق قلبها المتسرع.. أحست بتبدلات ما تحدث داخلها.. ربما ما تشاهده أمامها جعلها تفهم الحياة أكثر.. تعيد الأبيض لمكانه وترجع الأسود إلى مكانه.. كرهت الرمادي.. لن تخادع نفسها بعد اليوم.. هي تريد أن يكون لها طفل.. جاهدت في سبيل ذلك كثيرا.. تتمنى أن تجرب آلام المخاض ولو مرة واحدة في حياتها تحقق بها إحساسها بالأمومة، لكنها بعد الليلة لم تعد تريد ذلك.. ولن تفكر به ثانية.. لن تحس بالحزن والألم لحرمانها من طفل يولد من رحمها يناديها "ماما"..
حمدت ربها على أنها عقيم، وحمدته كثيرا أن منَّ عليها برزق طفلا لم تحمل به تسعة أشهر، ولا عانت قسوة الوحام، ولم تتعرض لآلام وضعه، ومن يدري فربما كانت ستموت أثناء الولادة فأنقذها الله بالعقم من الموت.
أقسمت رضوى أنها ستحب رزق أكثر من أي وقت مضى، وستعمل بكل ما بوسها لإسعاده، فهو نعمة أكرمها الله به من حيث لم تحتسب، وقد تجد فيه قلبا حانيا يهتم بها عندما تتقدم بالسن ربما أكثر من ولد أنجبته قد يكون عاقا بها، فقد سمعت عن أبناء طردوا أمهاتهم من بيوتهم فلمهن أصحاب الخير.
صمت شيماء الرابح كان معذبا لها.. صمت خارج عن إردتها.. أحست الليلة بالضعف.. بالعجز.. بالقهر.. كل شيء كان يبدو لها مؤلما.. حتى الصمت كان حارقا.. ليتها تستطيع أن تقدم مساعدة لهذه الغزالة التي تحتضر أمام عيون الجميع.. يرونها عن كثب لكن لا يمدون لها يد العون، لعجزهم أمام جبروت البحر.. ما أمرَّ طعم طعنة العجز في الخاصرة..
سراب تواجه الموت وحيدة رغم كل من حولها.. تذكِّر أمَّ أحمد بموت ابنها وحيدا هناك خلف البحار في سفينة امتطى صهوتها لكسب الرزق الحلال، وسراب امتطت صهوة الحمل لإنجاب طفل الحياة.. دعت الله أن ينقذها لشبابها ولمحبيها.
كانت بين الحاضرات صبية حفر الموت في قلبها اسم أحمد بأظافر الحزن.. شوه صفاء الخفق برعشة الألم.. لأول مرة تحضر لمى حالة ولادة.. مازال هذا يعتبر عيبا بالنسبة للبنات.. وجدت نفسها الليلة مجبرة على الحضور لظروف خالتها الصعبة خاصة وأنها المرة الأولى التي تخرج بها من البيت بعد وفاة ابنها، وما مجيئها إلا كرمى لابنها التي أحبت أن يشارك بها عادل بوجودها معهم..
عندما رآها عادل أحس بأن أحمد في هذه الليلة قريب منه وسعيد جدا.. هي الذكرى تتسرب من مخدعها برؤية محب لأصحابها.. تفور.. تندلق شلال عسلٍ أو بركان ألم.. ما أروع الجداول عندما تنساب على وقع ترانيم الفرح.. فهي برغم انشغال النفس بأمور أهم فإنها تظل مبعث إحساس داخلي مريح، تجعل القلب مطمئنا لشيء لاتميزه أثناء الانشعال بالأهم. وعندما تغدق المحاجر الدموع على الخدود فرحا، أو حزنا، يطيب للباكي مسحها بمنديل المحبين، فالكلمة الطيبة قد يكون لها تأثير فعال في شفاء مريض أكثر من أقوى دواء كيميائي يباع في الصيدليات، وما أقلها صيدليات القلوب الطيبة في زمن النفايات النفسية المتزايدة انتشارا بين الناس.






  رد مع اقتباس
/
قديم 29-09-2011, 04:08 AM رقم المشاركة : 95
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)67


لأنه لم يعتد مد يده لغير الله طلبا للعون ، صعبت عليه نفسه وهو يسأل أصحاب الزوارق واحدا واحدا أن يطلعوا به وزوجته إلى البر بأي أجر كان..
لم يلق من أحدهم قبولا.. ركوب أمواج البحر اليوم بثورته الهادرة تعني الانتحار.. الروح غالية.. الأطفال بحاجة لآبائهم أكثر من حاجتهم لمال عادل.. اليتم وحش مفترس ينهش أكباد الصغار ، وقلوب الأرامل الراعيات لهم طوعا أو قسرا..
رصيف الميناء الصغير متشح بالوحشة.. غارق بالذهول.. مفعم بالقلق.. كسر البحر أوانيه الكرستالية المغرية بلمعانها تحت أشعة الشمس الذهبية أيام الصحو ومياهها المالحة تبرق بألوان قوس قزح.
عاش كريم النفس ، مرفوع الرأس منذ الطفولة.. لم يحنه لغير مولاه ولأمره بخفض جناح الذل من الرحمة لدرة.. من أجل سراب تخلى اليوم عن شيء من إرث كبريائه.. ألح بالطلب ولم يعتده.. ترجى.. توسل.. كادت دموعه تفضحه لجرحين في صدره ، فأمسك بها رحمة بشآمة ماضيه.. سراب تستحق التضحية.. أجل هي تضحي اليوم بحياتها لتهب له هاشم.. لتسعده وأمه فماذا قدم هو لها؟ أيتركها لقمة سائغة للموت دون أن يعمل المستحيل لرد الأذى عنها؟
نظر إلى السماء بحزن.. بحرقة.. برجاء.. طلب العون من الله.. توكل عليه.. سأله أن يجعله راضيا.. قانعا بمشيئته ، فللشيطان في حال العسرة دروب ممهدة إلى قلوب وعقول المحبطين من الناس مهما كانوا أقوياء إلا من رحم الله ، وهو اليوم في أشد ظروفه عسرة وأحلكها ليلا ، وأكثرها مناعة على الحل المريح ، فدعاه بقلب سليم أن يجعله من الذين شملتهم رحمته ، فيطمئن قلبه ، وظل يذكر الله خفقا بنبضه المرهق.
يقر عادل بضعفه.. انكساره.. أمور كثيرة ألفها مع أمه وأخته في صحن الزاد منذ أن وعي الحياة.. جبر الله قلبه بزوجة صالحة.. محبة.. صبورة.. رتقت جراح يتمه بلمسات قلب حنون.. طالت أعماق أعماقه شفته من الحزن.. كان يريد منها طفلا بكل ما لديه من شوق لمكاغاة تملأ البيت تغريدا ، لكنه لم يشأ يوما استبدالها بولادة رغم قحط السنوات العشر الماضية ، وإلحاح أمه عليه ، فامتنع.
اكتفى بواحدة استطاعت اختصار نساء الأرض جميعا ، حبا ، فكرا ، وحنانا. حبها كان معجزة أتاه على حظ من نعم.. علمه أصول الحياة بما يتناسب مع واقعه المحيط به.. عاش مرتاح البال ، لايتطاول ولا يتقاصر عما يستحقه. رضي بأقداره وأرضى من حوله ، فعاش سعيدا.. آمنا.. لم يتسكع يوما في شوارع الحيرة وطرقات الضياع.. لم يشغل باله بما لاينفعه.. واثق الخطى يمشي فوق أرض صلبة بالرضا دون خنوع.. تمسك بيده زوجة همها سعادة بيتها بمن فيه.. هما مقتنعان بأن سعادة المجتمع تبدأ من سعادة بيوته ، ووعي أفراده ، وتفاهمهم كعائلة واحدة مع حفظ الخصوصيات..
لم يجرب الدخول في أمور لا تعنيه كي لا يسمع مالا يرضيه.. لك الحمد والشكر يا رب.. دائما يصدح بها قلبه.. اليوم يناديه أن ساعد سراب حبيبته..
وضع رأسه على صدر رجائه خاشعا لله ، وهو يطرق باب "فاضل حمدي" عله يقبل الإبحار بهم إلى البر قبل حدوث كارثة قد يلقى بها حتفه حزنا على حوريته الحبيبة.
كان يتوقع الرفض من فاضل ، فهو زوج وأب لسبعة أطفال.. ويعيل والدته العجوز.. أحواله المادية أقل من المتوسطة لكنه أيضا لايشكو العوز إلا لله.. الرجل معروف بشهامته ، ولكن للشهامة حدود ، ولن تكون شهامة إن ألقت بحاملها إلى التهلكة بل ستكون وسيط انتحار مع سبق الإصرار.






..






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-09-2011, 10:36 AM رقم المشاركة : 96
معلومات العضو
تسنيم الحبيب
عضو أكاديمية الفينيق
عضو لجنة تحكيم مسابقات الأكاديمية
تحمل أوسمة الأكاديميّة للابداع الأدبي والعطاء
الكويت

الصورة الرمزية تسنيم الحبيب

افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

تصاعد جميل بالأحداث..
وتشويق..
وفي ترقب المقبل.

خالص التقدير






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-09-2011, 11:51 AM رقم المشاركة : 97
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)


العزيزة تسنيم أختي المكرمة
أهلا بك ومرحبا مع أحداث روايتي
أسعدني حضورك أخية. شكرا لك
أختك
زاهية بنت البحر






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-09-2011, 12:04 PM رقم المشاركة : 98
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

كم يلزمنا من الطمأنينة لنحس بالأمن ، ومن الأيمان لنصدق الوعد ، ومن الإيمان لنسمو بالنفس ، ومن الكثير لنعرف قيمة القليل..
سل شجاعته ببسالة هذه المرة دون تردد.. ألقى بغمدها بعيدا عنه.. لايريد أي موانع صادة لها.. هذا وقت الإقدام.. وقت استعراض ماخبأه لحاجة لاتحتمل تأخيرا.. قرع باب فاضل وصدى صوت الجرس يقرع أذنيه بمطارق من حديد تمنى أن يعود صداها إليه نغما.. انتظر بندى الصبر فوق جبينه أن يرى على شفاهه بسمة رضا حرة.. أن يسمع منه همسة دفء تشرق في روحه بصيص أمل..
سريعة تمر الدقائق.. الساعات.. السنون وينتهي العمر.. اخترق حاجز الزمن بلحظات انتظاره رد فاضل عليه.. امتطى صهوة الفكر.. سأل نفسه كيف يمر الوقت دون أن نشعر به.. كيف يهرب منا.. يقهرنا ، فلا نستطيع الإمساك بلحظة واحدة منه؟ كيف يعمل العقل بأشياء كثيرة خلال لحظة واحدة.. يرى ويفكر ويقدر ويقرر ، كاد عقله يفلت منه.. شريط حياته يمر أمامه متمردا على القمع الرزين.. طفل.. فتى.. مراهق.. شاب.. رجل وزوج لسراب والآن أب رهن قيد الولادة.. عجيب أمر الرؤى.. لماذا هجمت عليه عند باب فاضل محملة بكل ماضيه وحاضره.. أتراه هرب من تفكيره بما يحمل المستقبل له من مفاجآت لايحب حدوثها؟
عند باب فاضل كان المنعطف ، فازداد قلقه وخوفه جهلا بالجهة التي سيعود منها إلى البيت بزاد لايدري ماهية طعمه.
تراجعت نبرة شجاعته خطوة إلى الوراء.. أعاد قرع الباب بشيء من الضعف.. بينما داخله يغلي ويفور.. يطف بركانا.. يحرق جوارحه بلهفة تمردت على قمع السجان. تجرأ بالنداء :
-- فاضل.. فاضل..
سمع صوت باب داخلي يفتح.. صوت خطوات بعيدة تقترب.. يعيد النداء :
-- فاضل..
يفتح الباب.. يخيل إليه أن باب النجاة قد فتح لسراب وسيدخلانه معا.. يبتسم في وجه القادم ابتسامة مسكين يرجو العون وهو يلقي عليه التحية.. يرد عليه بابتسامة فيها الكثير من التساؤل عما جاء به في هذه الساعة المبكرة من الصباح وقد بلله المطر.. أحس عادل من خلالها بصدق حدسه عندما صافحه بدفء يده مرحبا به ، فهللت عيناه مكبرتين ببريق الشكر..
التفت فاضل إلى داخل داره ، فرأى والدته تقف بباب الغرفة تستمع لما يدور بينهما ، وقد ظهرت على وجهها علامات الغضب.
أحرجه لجوء عادل إليه في ظرف يستوجب المروءة والشهامة في مساعدة الملهوف ، ولكنه لم يكن ملك نفسه ، فحرية اتخاذ القرار اليوم لاتخصه وحده ، ولابد من استشارة من يشاركونه حياته ، أم صعبة المراس.. زوجة وأولاد.
لم يعطه جوابا متسرعا.. دخل إلى البيت بينما ظل عادل بانتظاره تحت المطر ، والنار تزداد في قلبه اتقادا.
سمع صوته وهو يحاول تهدئة والدته.. تصرخ بصوت عال رافضة أن تتركه يخاطر بحياته مهما كانت الأسباب ، وعندما وجدت ابنها قد قرر ركوب البحر ، راحت تسب وتشتم بكلام لايليق بها كسيدة ، ولا بابنها الشهم ولا بعادل أيضا..
اختلط صراخها بالبكاء مما أيقظ أهل البيت ، فسمع عادل أصوات الضجيج ، فخيل إليه وهو يغادر المكان محتسبا بالله ، كي لايحرج فاضل بأن هذه المرأة المتباكية بومة تظن نفسها يمامة ، وصوتها نعيق تحسبه هديلا.
.






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-09-2011, 12:14 PM رقم المشاركة : 99
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

تحدر الدمع من عينيه غزيرا.. لم يمسحه بكم قميصه خجلا ممن قد يراه مصادفة في طريقه.. خالف الليلة تعاليم أمه كثيرا.. قالت له ذات يوم :
-- الرجال لا يبكون..
لم لا يبكون ، أوليسوا بشرا من دم ولحم؟ أوليس في صدورهم قلوب إنسانية تحس.. تحزن ، وتفرح ، تحب وتكره؟ أم أنها قلوب فقدت هويتها الإنسانية ، وانتسبت لعالم آخر لا يعرف شفقة ولا رحمة؟! قال لها :
-- الدمع رحمة ياأم يطفئ نارا تتقد بها القلوب.
-- قد يصبح زيتا يؤجج النيران..
سراب حبيبته تستحق بحورا من الدموع ، وجداول من العطر.. ليته يستطيع استعارة قلوب كل الناس للحظة واحدة يمزج أحاسيسهم بإحساسه المشتعل ليحسوا به.. ليتذوقوا معنى الألم على حبيب يموت أمامهم وهم مقيدون لا يستطيعون إنقاذه.. صدقت درة عندما كانت تقول له :
-- ضع أصبعك في عينك.. ما يؤلمك يؤلم الناس..
لم يفهم كثيرا يومها هذا القول.. فهمه الآن وبعمق ، ولكن من يتألم لأجله؟ أم فاضل منعت ابنها من مساعدته.. هي أم ومن حقها المحافظة على حياة ابنها مثله تماما ، فهو يسعى للمحافظة على حياة سراب وابنه فلماذا يلومها؟ أيريدها أن تخرج إلى الشاطئ تودع فلذتها وهي ترسله إلى الموت؟ أتراها تكون عاقلة إن فعلت هذا ، أم قاتلة؟
-- لكنها سراب ، وتستحق المخاطرة..
بالنسبة لك تستحق المخاطرة ، أما بالنسبة لسواك فلا يستحق أمرها عندهم المخاطرة بحياتهم.
لا يريد أن يسمع من عقله هذا الكلام رغم اقتناعه به.. ركض في الطريق على غير هدى.. إلى أين تهرب من الحقيقة؟ يركض.. يركض ، وعصا الريح تجلد وجهه وظهره فيئن باقي الجسد.
ظن أنه يسمع صوت وقع أقدامه فوق المياه التي تتدفق في الطريق باتجاه البحر ، خطوات هادرة توقظ أذن الليل.. يزداد الصوت وضوحا وداخله قهرا.. توقف.. انتبه بكل حواسه الشارد منها والهائم في طرقات البحث عن حل لما هو فيه.. التفت إلى الوراء.. رآه يركض باتجاهه وهو يناديه..
صحا من ذهوله وهو يصافح فاضل بكلتا يديه.. ضمه إلى صدره ، والدمع ينساب فوق خديه مع حبات المطر.
-- أين ذهبت يارجل ، لم أجدك هناك فلحقت بك.
-- خذ كل مالي يا فاضل أجرا لزورقك.
-- إنقاذ زوجتك هو أغلى من كل المال.
قبل قليل كاد اليأس يرحل به في متاهات القلق بأنفاس حرى تنزف من جرح الروح المضمخة بالحزن المرير.. حاول التبرؤ من اليأس فوجد نفسه يغرق في بحر تبرأت منه الشهامة واستعمرته الأنانية بأبشع صورها.. تحت المطر ركض مشرد الفكر تائه الخطوات.. سجين القتام ، فامتدت نحوه يد العناية تنتشله من هياج النفس الغارقة في خضم الضياع.
بعد أن ظن بأن ظلامه أبدي دامس ، وقد فات أوان الشروق وسيمضي عمره بسهاد وذبول ، هاهي الشمس من جديد ترفع عن وجهها من وراء أفق ظنونه طرف خمارها على استحياء قبل وقت الشروق ، فأي صباح سينعم به ويد الأمل تمتد نحوه بيد فاضل؟






  رد مع اقتباس
/
قديم 30-09-2011, 12:23 PM رقم المشاركة : 100
معلومات العضو
زاهية بنت البحر
عضو أكاديميّة الفينيق
تحمل أوسمة الأكاديمية للابداع والعطاء
رابطة الفينيق / آرام
سوريا
افتراضي رد: بانتظار الأمل( رواية لزاهية بنت البحر)

أتراه ودع جرحه بقطرة بلسم في بحر ألم؟ أم مازال الجرح مفتوحا بتمرد وحشي يريه خثرة دم صغيرة طافية فيظنها غطاء بوسع ثغر الجرح؟
تجاهل الحقيقة بامتلاك مفتاح الأمل.. الزورق الآن على أهبة الاستعداد وهو في طريقه لنقل سراب إليه.. سيحملها على أكف حنانه.. يغطيها برموش وفائه.. اقترب من البيت لكنه يحس بأنه مازال بعيدا عنه.. بعيدا.. يركض والآمال تركض معه.. يريد قطافها قبل الوصول إليها.. سيجمعها كلها في طاقة ورد بيضاء يقدمها لحبيبته عند ما يراها.
في حيرة من أمرها كانت وجيهة تدخل وتخرج من غرفة أم هاشم والدموع تلوب في عينيها ، فلا هي قادرة على إطلاقها خشية أن تراها سراب ، فتزداد خوفا على ألم ، ولاهي قادرة على كبح جماحها الثائر فتحرقها ، وأحداقها بها تغلي.
كانت تحس بقلبها يذبح كلما سمعت أنين سراب واستغاثتها بربها ، فترفع يديها إلى السماء وتلهج بالدعاء لها تارة بصمت ، وتارة بصوت تسمعه النسوة فيؤمن على دعائها برجاء وانكسار.
بارتباك راحت تصول وتجول في البيت ، ومما زاد الطين بللا تلك الاتصالات الهاتفية الكثيرة التي تلقتها من زوجها وأولادها مما سبب لها ألما في رأسها وحيرة في أمرها ، فكانت ترجوهم أن يرحموها ، فالوضع في بيت أمها مأساوي ، وطلبت منهم ألا يتصلوا بها ثانية إلا لضرورة.
في بوتقة قلقلها تمنت أن يأتي الغد بوجه باسم ، وأن يصبح كل ما مر بهم في تلك الليلة مجرد ذكريات للتندر بها بعد أن تمطر غمامة خوفهم خيرا فوق قلوبهم المتلهفة لفرج قريب.
هي تحب سراب رغم الغيرة التي تنهش صدرها أحيانا ، ليست غيرتها كسبا حراما بل هي مشروعة على حب ولد معها وتريده أن يرافقها مدى الحياة.. لا تحب أن يشاركها به أحد أيا كان ، لكن سراب اليوم تستأثر بحب أمها وأخيها وهما أهلها هي.. تحبهما أكثر ربما من أولادها وزوجها.. تبخسها حقها بالدلال والحب الكبير.. لم تعد هي وأولادها محط اهتمامهم وانشغالهم بها كما كانوا قبل زواج عادل.. كرهت هذا التحول الكبيرعنها باتجاه زوجة أخيها ، وبخسها حقها بما كان لها ملكا كما تعتقد.. فسلب الملك عنوة من صاحبه هو سلب الرضا من نبض القلب ، وتأجج الثورة لاسترجاعه.
لم تعد وجيهة الليلة كما كانت قبل غروب الشمس.. تبدلت أحاسيسها تجاه سراب التي لم يعد لها حول ولا قوة ، فأحست بالشفقة عليها ، والكثير من المودة.. تمنت أن تقول لها سامحيني ، ولكن ظل لنفسها حظ من الكبر ، فامتنعت..
دخل عادل بيته.. نادى أمه ووجيهة :
-- جهزن سراب سنطلع بها الآن إلى البر لتلد في المستشفى.
خلال لحظات تحول البيت إلى خلية نحل.. ذابت ثلوج الرعب التي شلت حركاتهن ، ودبت الحياة في جميع من فيه بعد موات اضطراري بيأس مقيت.. بروعة الخبر الذي جاء به عادل انزاحت صخرة ضخمة كانت تجثم فوق صدورهن ، فغردت الروح فوق أفنان التفاني..
أمسك بها مبشرا..
-- الزورق بانتظارك..
كانت تئن بعينين نصف مفتوحتين ، لم تبد اهتماما بما سمعت وكأنها في عالم آخر وهي تردد بأنين :
-- اليوم فرحة.. فرحة.. فرحة.
مسح بيده فوق جبينها.. نظرت إليه بخمول ملؤه الاعتذار.. أمسكت بيده.. قربتها من فمها المرتجف.. قبلتها.. طلبت منه السماح... ضمها إلى صدره وابتسامة مضطربة ترافق كلماته :
-- أجل اليوم فرحة.. ستكونين بخير.. لا تضعفي.. قولي الله..
-- الله.. الله.. الله..
يداها ترتجفان.. تنزفان عرقا رغم برودة الطقس.. أسبلت جفنيها بصمت.. أحس بها تتخبط في الظلام.. دارت به الدنيا.. نادى أمه أن تسرع فالوقت يمر خطفا.. يريد أن يسبقه.. أن يقطعه قبل أن يستفرد بهم.






  رد مع اقتباس
/
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:28 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط