قراءة نقدية في نص (الراحلون رجفة الطريق) للشاعرالسوري دمر حبيب

[عباس باني المالكي]

قراءة نقدية في نص (الراحلون رجفة الطريق) للشاعر السوري دمر حبيب
الرحيل... ضياع في دروب الذات والمكان...!

من أجل الدخول إلى عالم النص تشكل ثريا النص البوابة إلى الدخول إلى هذا العالم حيث من خلال هذا النص من الممكن أن نرتكز على العالم الذي أراد هذا الشاعر التوغل به من أجل الوصول إلي بناء هذا العالم وفق رؤاه التي تصطدم مع الواقع الخارجي الممتلئ بالمتناقضات والشاعر هنا أراد من خلال الرحيل أو الراحلون أن يشكل البعد الوجودي التي أمكننا في قراءة ثريا النص في هذا النص حيث يشكل الرحيل عملية المستمرة في الوجود وهذا الرحيل ما هو ألا استمرار بفقد الأحبة
والشاعر أستطاع بحنكة عالية بالسيطرة على حرفية الكلمات لتكون عامل مساعد بالوصول بالمعاناة إلى حد نثرها على أكبر قدر من المساحات لكي لا تبقى علامة ألم مستمر حيث يشكل الراحل شرارة حرف في بوح مسافة أمام اشتعالها والشاعر بهذا أستطاع أن يؤشر ا لأزمة والتحكم بها إلى أخر فصولها ، فالنص مركب وعميق والشاعر أستطاع أن يضيف إلى التجربة عمق داخلي والوصول به إلى بلوغ رائع وجميل وبذلك أستطاع الشاعر أن يمتلك أصابعه وبالتالي قلمه من أجل أن يمسك بغصن روحه الطري كي يحافظ على المعنى الحقيقي لذاته وسط هذا الرحيل والشاعر أستطاع حقا أن يقدم نص شعري متكامل في المعنى الشعري وفي الوجود وفي اللغة وفق اللحظة التي يؤشر ها من أجل تبرير الذات وسط هذا العالم الراحل و أستطاع من خلال هذا النص أن يوصلنا إلى لحظة مكثفة من خلال الوصف الشعري إلى علامات الرحيل ولكن هذا الوصف الذي أستطاع أن يغير من لغته الإخبارية إلى عمق دلالي يضيف علية جلالة المعنى الحقيقي إلى لحطة الفراق حين يأتي الرحيل .. وهو بهذا أن يغوص في لحظة الألم ويبررها لكي لا تلتصق طويلا بذاته من أجل أن يخلق الأمل أو الوصول إلى الوجود بجمالياته بالرغم من هذا الألم وحتى نلاحظ هذا من خلال القصيدة حيث نلاحظ طول المقطع كلما توغل الشاعر في النهاية وهذا نستطيع أن نلاحظه بين طول المقطع الأول والأخير .. وهذه الحالة التي تعبير عن قدرة الشاعر على ملاحقة الأزمة وانفراجها وهذا لا يأتي بشكل بسيط بقدر ما هو إلا قدرة على التواصل في ملاحقة هذه الأزمة من أجل الوصول بها إلى الخطوة التي تثمر ثمرة تتدلّى في الذاكرة ولهذا نستطيع أن نقول أن الشاعر أستطاع أن يبدع عالمه أو الثمرة الذي أراد أن يوصلنا أليه وبحرفية عالية..

الرحيل بوح مسافة أمام اشتعالها
الرّاحل شرارة حرف

الشاعر أستطاع أيضا أن يتحكم بمسير النص إلى آخرة وبشكل جميل ورائع مع عدم الإخلال بجماليته وكما قلت سابقا وهذا يدل على التفكير العميق في بنية القصيدة بوصفها وحدة ذات أجراء مترابطة وهذا ماحققه الشاعر .. وفي هذا المقطع أراد أن يؤكد قد يحدث الرحيل بشكل مفاجئ أو في حالة غفلة وإلا لماذا أستخدم (ل) في لنعثر عليهم ... والأصابع إلا التأكيد على الحاضر فعندما يحدث الوداع لا نمتلك سوى التلويح بالأصابع.. وحين نرفعها نضغط على الرئتين بالاختناق وأستخدم الشاعر لون الرئتين من أجل التأكيد على التحسر والاختناق على الأحبة حين يرحلون.. أما التلويحتهم فهي مراوح لصد اليأس حيث أراد الشاعر هنا أن يبين أن رحيلهم عنه ألا الرحيل إلى المجهول ، فهو يعرف أنهم قد لا يجدوا المحبة التي يكنها لهم و لن يستطيعوا أن يكتشفوا محبة الآخرين لهم من خلال عيونهم لأن هذه العيون أو الملامح ما هي ألا دهليز لا يستطيعوا أن يعرفوا ما يخبئ لهم هذا الدهليز من عذابات وألم ... لأن قلوبهم ضعيفة مثل بيت العنكبوت أي لا يستطيعوا أن يميزوا بين ما يضمرون لهم من شر وبين محبته لهم بعد أن يوصل الكون إلى صمته أي لحظة التأمل في الأشياء التي حولهم وقد وصل الصمت إلى كونه
- 1 -
لنعثر عليهم
يرحلون بين الأصابع
أنفاسا احتفظت بلون الرئتين
يرحلون ..
أيديهم مراوح لصد اليأس
وقلوبهم بيوت عنكبوت
لصيد المجهول .
كل عين دهليز
يوصل الكون إلى صمته ..
يوصل الصمت إلى كونه

والشاعر هنا لامتلاكه تقنياته في اللغة من أجل تحقيق رؤاه وفق اللحظة التي يندفع منها أو فيها أستطاع أن يطرح ما هو أصلي أو له صلة به دون المساس بدالة النص.. هنا نستطيع أن نقول أن الشاعر بدل من أن يستخدم التداعي الحر والتقنيات السريالية ( كما أستخدمها بروتون)لكونها لا تستجدي طرقا نفسية أو صوفية ولا تتعكز على اللاوعي في التداعي بل تتعكز على الوعي المتجاور والمراقب الحذر .. أي أن الشاعر أستطاع أن يخلق اللحظات التي تتسم بالوضوح العميق بدل اللحظات السريالية الموغلة بالحلم البعيد وبهذا أمتلك الشاعر القدرة على ملاحقة ما يحفز السيل والأنثيال الواعي للكلمات ولا يعير انتباها لكي لا يفقد التركيز من أجل الوصول إلى تحقيق الهدف الذي ينشده في هذا النص الجميل ... فالراحلون خلعوا وجوههم أما صمتنا... أي أن الراحلون بالرغم أنهن لا يستطيعوا أن يعثروا على بديل له ولكنهم نشروا أصابهم على أحلامنا أي أنهم سدوا حتى أحلامه برحيلهم ... وهنا يتدرج الشاعر ليصل إلى عمق الألم في داخل نفسه حيث النظرة إلى عمق البئر التي تسحب العيون دموعها من هذا الألم العميق في الذات مع كل هذا يبقى الأمل لديه بعودتهم بنظرة إلى السماء حيث تكون عتمة الغياب هي كالسرير بين نجمتين وأي أن زمنهم لا يتحقق ألا بعودتهم أليه.. و سيدركون أن ابتعادهم عنه سبب لهم الألم .. فهو مازال ينتظرهم فالوجه بكامله يخلق النظرة .. ومن كثر ما تعبوا في البعد عنه لم يبق من دموعهم ألا الملح.. وما البحر إلا تأكيد على ضياعهم بعده.. وبالرغم من هذا فهو لازال ينتظرهم عند الأفق من أجل أن يغسل ضياعهم بتلويحه الأفق و نقتلع البحر ونغرسه في العينين

- 2 -
الرّاحلون ..
خلعوا وجوههم
أمام صمتنا ...
نشروا أصابعهم
على حبال أحلامنا .
نظرة الى البئر قد
تسحب الماء الى العينين ..
نظرة الى السماء قد
تكون سريرا لنجمة بين عتمين ..
أو لعتمة بين نجمين ..
نظرة الى الرّاحل قد
ترسم له طريق العودة .
العين لا تنظر بمفردها ..
الوجه ..
الوجه بكامله يخلق النظرة .
الرّاحلون وجوههم ماء البحر ..
ودموعهم ملحه ..
التلويحية أفق ..
الاغماضة لنخضّ الصمت
ونقتلع البحر
ونغرسه في العينين
- .
لو نناقش مراحل التي تتكون فيها القصيدة هناك مرحلة تسمى مرحلة الاستبصار وهذه المرحلة يصل فيها المبدع إلى ذروة الإبداع وتحدث كذلك ومضة أو شرارة تنبثق منها الفكرة وينتقل الفكر والخيال من منطقة العتمة إلى النور... وهذا ما لاحظته عند الشاعر من القدرة إلى الخروج إلى لحظة النور بعد تداخل الظروف و غموضها في المكان والزمان وكذلك بالأشخاص والأشياء وهو بهذا أستطاع أن يخلق لحظة الإيحاء من أجل الاستمرار بكتابة القصيدة على نفس التوتر وعلى الوتيرة ولكن من أجل أن يحافظ على هذا، يقسم القصيدة إلى عدة مقاطع لكي لا يفقد القدرة بالاحتفاظ على هذه الوتيرة.
- الراحل هنا لحظة الغياب و الضياع فالراحل لا يرسم خطاه على الدرب بل يسكبها في ذكراه.. أي أن الغياب ما هو ألا لحظات الضياع وتشرد ونفي داخل الذات وفي المكان فهو ينفخها بينك وبينه كضباب في مرآة.. أي أن الغائب ما هو ألا صدى لأيامه التي مضت أي أن حياته في الرحيل ألا ضياع في هذه الحياة.. ونلاحظ أن الشاعر هنا يناقش الراحل بمعزل أو بعيدا عن أحبته الذين رحلوا وهو هنا يريد أن يؤكد عدم سطوة الأنا في مناقشة الراحلون أي يريد أن يؤكد على حقيقة الرحيل بمنطق الحياة وليس من باب الأنانية بل أن الرحيل كل الرحيل هو عذاب ومنفي داخل الروح في أي مكان كان ، والشاعر كي يقارب الإقناع إلى ذاته المجروحة التي جرحت بسبب رحيلهم ... فيقول الراحل أن مسحت خطاي لن ترى وجهك... أي أن الرحيل هو تلاشي الملامح والوجوه وضياع الروح فهي لن تسكن المرايا فهي خطوة وثمرة تتدلى في الذاكرة... أن الرحيل ما هو ألا اجترار إلى المكان الأول... فهو زمن الذاكرة وتاريخها على الأرض.
- مع محبتي وتقديري إلى الشاعر المبدع دمر حبيب ومزيدا من التألق
- 3 -
الرّاحل ..
لا يرسم خطاه على الدّروب ..
انّه يسكبها في الذاكرة ..
ينفخها بينك وبينه
كضباب في مرآة ..
يقول الرّاحل :
ان مسحت خطاي
لن ترى وجهك ..
لا تسكن المرايا ...
الوجوه منازل ..
الحلم زهرة ..
الخطوة ثمرة تتدلّى
في الذاكرة .

[بشرى بدر]

الشاعر و الناقد المكرم عباس باني المالكي

قراءة تحليليّة ممتعة كان منها غذاء الفكر و الروح

بورك الإبداع و طوبى له بأن حظي بعين تقرؤه من جمال

كثير شكر لجهدك .. مع تحيّة المودّة و الاحترام

[سلام الباسل]

الأخ الناقد القدير
عباس المالكي
يواصل العزف على ايقونات القراءات البديعة
الــ تضفي على النصوص هالات من الجمال والتألق
سلمت يمينك شاعرنا
وكل التوفيق
سلام

[زياد السعودي]

اثريت الذهن ايها الوارف
قبائل ود وامتنان

[عباس باني المالكي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بشرى بدر

الشاعر و الناقد المكرم عباس باني المالكي

قراءة تحليليّة ممتعة كان منها غذاء الفكر و الروح

بورك الإبداع و طوبى له بأن حظي بعين تقرؤه من جمال

كثير شكر لجهدك .. مع تحيّة المودّة و الاحترام

الأخت بشرى
شكرا لأبداع مرورك ..تقديري

[عباس باني المالكي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلام الباسل

الأخ الناقد القدير
عباس المالكي
يواصل العزف على ايقونات القراءات البديعة
الــ تضفي على النصوص هالات من الجمال والتألق
سلمت يمينك شاعرنا
وكل التوفيق
سلام

الأخت سلام
دائما مرورك يضفي على القراءة هالة من الجمال والتألق ..شكرا لهذا المرور ..تقديري

[عباس باني المالكي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زيـاد السعـودي

اثريت الذهن ايها الوارف
قبائل ود وامتنان

العميد الأخ زياد
دام مرورك العذب ..فأنه يسعدني دائما تقديري

[راضية الشهايبي]

دمر حبيب شاعر مختلف وانت ايها الجدول الخالد ناقد متفرد وهذا ما جعلك تتالق في هذه الدراسة الرائعة فعلا

[عباس باني المالكي]

دمر حبيب شاعر مختلف وانت ايها الجدول الخالد ناقد متفرد وهذا ما جعلك تتالق في هذه الدراسة الرائعة فعلا

غاليتي

شكرا لعمق مرورك المتفرد .. وهذا ما يزيدني فخرا ..محبتي الخالدة إليك أيتها القديرة