06-10-2011, 02:58 PM
|
رقم المشاركة : 1
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
آخر
مواضيعي |
|
|
ثقافة المقاومة (1)
ثقافة المقاومة ( 1 )
د. نديم حسين - قراءة
المقاومة ليست فعلا فقط وإنما هي ثقافة متكاملة لها أدواتها وأهدافها ، وما الفعل المقاوم إلا أحد أرفع تجلياتها ، ولكن هناك تجليات كبرى لا تقل أهمية عنه ، تتصل بمقاومة الثقافة والهوية لمحاولات التذويب والمحو ، ولعل الصيغة الثقافية للمقاومة سابقة أبدا للفعل ومساندة ومهيئة له ، إذ لا معنى للفعل المقاوم الصريح دون ثقافة تشكل أساس دافعيته وإيمانه بعدالة مطالبه وقضاياه . وبهذا المعنى أيضا لا تتعارض ثقافة المقاومة مع ثقافة السلام ولا تمنعها بل هي تساندها ، لأن الغاية الكبرى لثقافة المقاومة هي الوصول إلى حالة ملائمة من الإحساس بالعدالة والإيمان ، ومنع العدوان وصده مهما تكن التضحيات مكلفة أو جسيمة في هذا السبيل . إذًا المقاومة تعيش في مساحة تمتد بين السيف والقلم . وتجيءُ ثقافتها دافعا أو ناتجا على صورة نص غير محايد ، يتبنى عقيدة التثوير والتغيير وإنكار الذات . ومن المعلوم أن الأدب خطاب يجمع بين الفن والفكر أو بين المتعة والفائدة ، ونظرا لأنه يعتمد الخيال كما يعتمد الوقائع والحقائق ، ويستنفر الإنفعالات والعواطف كما يستفز الأفهام والأوعاء ، فقد اختُلف في تقديره وتقويمه بحسب غلبة هذا العنصر أو ذاك أو بحسب وجهة النظر التي ينطلق منها الكاتب أو التي ينطلق منها القاريء أو الناقد ، ولذلك فهو الخطاب الذي يمكنه أن يتمثَّل سائر الخطابات في داخله أو من خارجه . ومن ثمَّ تتأتَّى صلته بالمفهوم العام للثقافة ويقوم دوره الحيوي كمكوِّن أساسٍ من مكوناتها . يتجلى هذا في العصر الحديث مثلا حينما تجد جميع التيارات الفكرية أو التوجهات الثقافية تركب موجة الأدب من أجل تمرير خطاباتها وتبرير مواقفها وتأكيد نزوعاتها ونزعاتها ، إيمانا منها بأن الأدب هو بؤرة الثقافة ومركز تقاطعاتها والممثل الجامع لروح العصر ، مُدركةً أنه بوسع الأدب الرفيع دائما أن يفعل في حياة الناس ما لم تستطعهُ وقد لا تستطيعه الجحافل والمؤتمرات والمختبرات ، وعليه فالأدب منافح قوي ومقاوم شرس يستطيع التلاؤم مع المتغيرات الثقافية والتاريخية لتقريب المشاعر والأفهام من مراكز الحق والخير والجمال ، في الطبيعة وفي الحياة وفي الإنسان ، ليس فقط لأنه يساعد على فهم العالم وتغييره ، ولكن لأن به سحرا خفيا يجعله رائقا وشائقا حتى وهو يتصدى لتصوير أو تفسير الأشياء التي قد لا تكون مقبولة أو جميلة في طبيعتها أو في أصلها ، ولذلك لا يمكن التقليل من شأنه كما يريد البعض في هذه الأيام ، لأن التقدم الحقيقي يرافقه دائما وعي صحيح بقيم الإنسان الذي هو الفاعل الأساس في سائر المجالات ، وقد أثبت الأدب قدرته على رفع التحديات الحضارية ، وتقديم الأجوبة المناسبة للإشكاليات العويصة ، وما من مظهر من مظاهر الحياة إلا وقد ساهم الأدب في صنعه أو في تمثُّله ، فهو إسفنجة ثقافية كبيرة يتعامل بمرونة مع كل المستجدات ويتناول كل الموضوعات بالبحث والصياغة وإعادة الإنتاج ، ومن الأكيد أنه سينتصر في معركة المقاومة الثقافية كما انتصر يوما ما في ثقافة المقاومة ، وليس بغائب عن الأذهان أن المنعطفات الكبرى في تاريخ البشرية الحديث والمعاصر قد كان من ورائها مفكرون وأدباء وحقوقيون وعلماء اجتماع وغيرهم .
إن الأدب مخلوق مقاوم بامتياز ، يقاوم ثقافة السلبية والتحلل والإنكفاء على الذات ، ويجاهد في مجال الفكر الحديث من أجل فرض حقائقه المرجعية التي لا يمكن إنكارها أو التنكر لها مهما بعُدت أو بهتت ضمن إجراءات الأسلبة والتنصيص ، وهذه الحقائق هي في الأدب الرفيع حقائق الحق والخير والقيم الإنسانية الخالدة مثل العدل والإنصاف والمودة والمساواة والتقارب والتفاهم والحوار ، وبالطبع فإن الأديب بثقافته ونبله وإحساسه وحكمته أوَّلُ الغيورين على هذه المباديء ، وأول المدافعين عنها والمنادين بها ، ولا شك في أن الأمم الحية حين تتعرض إلى خطر خارجي تهبُّ للدفاع عن كيانها ، والذبِّ عن هويتها ، بالسيف أحيانا وبالقلم أحيانا أخرى . وهي حين تفعل ذلك ، بالأمس البعيد واليوم القريب ، لا يكون فعلها هذا إرهابا ، كما يرى الأعداء اليوم ، بل هو حق من حقوقها الأساسية .
( يتبع ... )
|
|
|