سلسلة الباني المالكي/ قراءات في نصوص آل فينيق - ۩ أكاديمية الفينيق ۩



لِنَعْكِسَ بّياضَنا


« تَحْــليقٌ حَيٌّ وَمُثـــابِر »
         :: تعـديل (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: إخــفاق (آخر رد :الفرحان بوعزة)       :: حلم قصير وشائِك (آخر رد :عبدالماجد موسى)       :: رفيف (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: الزمن الأخير (آخر رد :حسين محسن الياس)       :: ،، نهرُ الأحلام ،، (آخر رد :أحلام المصري)       :: صَمَتَ الليل؟ (آخر رد :أحلام المصري)       :: لغة الضاد (آخر رد :عدنان عبد النبي البلداوي)       :: إلى السارق مهند جابر / جهاد دويكات/ قلب.. (آخر رد :أحلام المصري)       :: لنصرة الأقصى ،، لنصرة غزة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: السير في ظل الجدار (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إجراءات فريق العمل (آخر رد :محمد داود العونه)       :: بــــــــــــلا عُنْوَان / على مدار النبض 💓 (آخر رد :محمد داود العونه)       :: جبلة (آخر رد :محمد داود العونه)       :: إنه أنـــــــا .. (آخر رد :الفرحان بوعزة)      


العودة   ۩ أكاديمية الفينيق ۩ > ⚑ ⚐ هنـا الأعـلامُ والظّفَـرُ ⚑ ⚐ > 🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘

🌿 فينيقيو بيــــديا ⋘ موسوعات .. بجهود فينيقية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-11-2012, 01:18 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
زياد السعودي
الإدارة العليا
مدير عام دار العنقاء للنشر والتوزيع
رئيس التجمع العربي للأدب والإبداع
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو رابطة الكتاب الاردنيين
عضو الهيئة التاسيسية للمنظمة العربية للاعلام الثقافي الالكتروني
الاردن

الصورة الرمزية زياد السعودي

افتراضي سلسلة الباني المالكي/ قراءات في نصوص آل فينيق



( 1 )
شاء الضجر للأديب زياد السعودي / الأردن
----------------------------------------

النص :
ـــــــــــــــــــ

شاء الضجر
أن تقتلك الردة
لأن الواحد منا
يحمل في الداخل ضده *
أنا يا سيدي
تنهشني الأضداد ..
مذ شهقت
شهقة الميلاد
إلى أن
استقبلتني الأرصفةُ
عراءٌ لا نهائي
على هيئة زياد ..
نهشٌ أنا يا سيدي
أمضي
والكون زُعاف
ومدني تسّاقط في
أجداث اللاجدوى
كجثث الجراد ..
***
هي الغربة
تمتشق سيف الوجع
تنازل صخبي الشقي
وتبدده إلى
تترى كوابيس
تُفَتّقُ
رقية المنامات ..
وحده يا سيدي
وجع الموال
بيده نايٌ
كان بيدي
يقود به جوقةٌ
تختُها الخيبات ..
يكتب غرابها
" نوتة ً" سُلّمُها
لعنات بربرية
ليُعْزَفها الصبا*
على أوتار روحي
ويخلق من حزنها
نغما يبكي النايات ..

--------------
* الصبا مقام موسيقي حزين
*قتلتنا الردة قتلنا أن الواحد منا يحمل بالداخل ضده ..لمظفر النواب




القراءة :
ــــــــــــــــــ

أن اللغة هي صنع اجتماعي تكون في متخيل الشاعر قابلة لولادة لتوافق تخيل هذا الشاعر ،
لهذا فأن قيمة هذه اللغة التي يستخدمها الشاعر هي قدرتها على التعبير عن مكنونه الداخلي وتقارب مشاعره الخارجية بمزيج من مساحة عالية من التعبير المعنوي الذي يمثل الصراعات النفسية اتجاه أفكارنا المكتسبة من خلال مسيرتنا المعرفية ، حيث أن النص الشعري ينبثق كالنور أو يهطل كهطول المطر وينتهي نهاية شبيهة ببدايته وكأنه يتلاشى وليس ينتهي ويبقى الجمر المتوجر داخل روحنا .
حيث تكون الجملة الأولى في النص كأنها مد لقول سابق أو استئناف لحلم قديم ،
والنص هو بنية داخلية تتمازج فيها لحظة الحلم القادم من قاع الذات مع لحظة الفكر المنفلت من رتابة المألوف حولنا فكلما كان الشاعر أكثر معرفة كان عالمه الداخلي أكثر عمقا وأكثر أتساعا ، فهنا يتحرك النص داخليا بحركة مفعمة بالحياة كي يكون مع الوجود الذي حولنا هذه البنية وكما قال أي.س.دالاس ( أن أنتاج الصورة الشعرية يرجع بشكل عام إلى عمل العقل في عتمة اللاوعي )
وهنا نجد الشاعر زياد السعودي يمتد بمحاورة الذات كاشفا عمق الهوة بين ذاته المفكرة وبين ذاته اللاواعية والتي تكونت عبر مسيرته في المجتمع حيث أن الذات الداخلية هي انعكاسات غير شرطية لكل الظروف التي يعيشها الإنسان كما أكد عليها العالم الروسي بافلوف حول الانعكاس الشرطي ولا شرطي..وكما أكد دي . سوسير( أن البنية اللاشعور هي بنية لغوية تحاكي اللغة الواعية أو لغو الشعور الظاهر ) فكلما أزاد الإنسان معرفة أزداد فهمه لشروطه الذاتية ومعرفة وعيه بهذه الشروط ...حيث أننا خلال هذه المسيرة تتكون داخلنا كثير من الأضداد والتي تجعلنا متناقضين مع خطواتنا ، وقد تكونت هذا نتيجة الأعراف والممنوع الاجتماعي الذي يلقي بظلاله على ذاتنا الداخلية ..

أنا يا سيدي
تنهشني الأضداد ..
مذ شهقت
شهقة الميلاد
إلى أن
استقبلتني الأرصفةُ
عراءٌ لا نهائي
على هيئة زياد ..
نهشٌ أنا يا سيدي
أمضي
والكون زُعاف
ومدني تسّاقط في
أجداث اللاجدوى
كجثث الجراد ..

وهنا الشاعر يتقدم على نفسه كي يمتلك حواره معها ونحن نشعر منذ البداية أمام شاعر يعرف أين ينقل حواره مع الذات بحوار مفتوح .. فهو يريد أن يكتشف العالم من خلال اكتشافه إلى علمه الداخلي وبالطبع هذه حالة يحتاج بها إلى الصبر بالمحاورة من أجل اكتشاف هذا العالم الغير ملموس والغير محسوس .

والاقتراب من هذا العالم الداخلي لا يمكن أن يحدث إلا بانزياح في الصورة التي تقارب الدلالات الجوهرية التي تؤثر بالإيحاء لأن الصورة في الشعر تمثل البؤرة والقلب والمركز ومنها تنبثق التشكيل الفني في النص الشعري .

حيث نجد الشاعر زياد يبدأ بمحاورة الذات من خلال شخص أخر أو قد يكون هذا رمزا إلى المجتمع الذي يعيش به فيبدأ ( أنا يا سيدي) من أجل يرتفع بقيمة المدلول الذي توصله إلى الدالة وفق سياق التوغل بالذات من أجل الاقتراب أكثر من هذا الدالة وهو تنهشه الأضداد لأنه هنا يجد المفتاح الذي يوصله إلى الدالة النفسية التي يعيشها هي الأضداد حيث يرحل مع ذاته منذ الولادة لكي يؤكد أن هذه الأضداد ليس هو السبب فيها بقدر ما كان سبب المجتمع الذي يعيشه ، والشاعر هنا يبرز إبداعه بشكل كبير وبشكل واعي ، فالإنسان يأتي إلى الحياة ويجد الأضداد حوله أي أنه لم يولد وهو يحمل الأضداد بقدر ما أن المجتمع هو الذي زرع هذه الأضداد داخله فقد جاء إلى الحياة عاري من كل شيء وكان زياد ، أذا أن السبب الرئيسي في كل هذه الأضداد هو المجتمع أو البيئة الاجتماعية التي يعيش ضمنها فالشاعر هنا أعطى إلى الرؤيا أفق أوسع من سياق التأويل الظاهري إلى امتداد زمني خارج الذات.


أنا يا سيدي
تنهشني الأضداد ..
مذ شهقت شهقة الميلاد
إلى أن استقبلتني الأرصفةُ
عراءٌ لا نهائي
على هيئة زياد ..

أي ما تكون زياد إلا من تأثر ذاته بالبيئة المحيطة والشاعر هنا يريد أن يؤكد أهمية تأثير البيئة الخارجية في تربية الذات وفي تكوين الذات اللاواعية وهذا ما يوصله باللاجدوى في عبثية الحياة الاجتماعية التي حوله لهذا فأن كل هذه القيم هي اللاجدوى

نهشٌ أنا يا سيدي
أمضي والكون زُعاف
ومدني تسّاقط في
أجداث اللاجدوى
كجثث الجراد ..

فهو لم يكن سوى حالة من حالات المجتمع الذي حوله أي أنه مجرد أجداث اللاجدوى يحمل كل ما موجود في المجتمع كجثث الجراد التي تتلون حسب الظروف التي حولها ، والشيء العميق الذي أستطاع الشاعر أن ينقلنا من عالمه الداخلي إلى العالم الظاهري كي يثبت انعكاس القيم أو الفكر حوله وما هو إلا نداء إلى هذه المجتمع ، أي أننا أمام شاعر يعي ما يريد أن يوصل إلى المتلقي من سياقاته الذاتية..فهو هنا لا يناقش ذاته من أجل كشف مكنونها بل هو يتوغل لكي يعرف كم تأثرت هذه الذات بقيم المجتمع ...


هي الغربة
تمتشق سيف الوجع
تنازل صخبي الشقي
وتبدده إلى
تترى كوابيس
تُفَتّقُ
رقية المنامات ..
وحده يا سيدي
وجع الموال
بيده نايٌ
كان بيدي
يقود به جوقةٌ
تختُها الخيبات ..
يكتب غرابها
" نوتة ً" سُلّمُها
لعنات بربرية
ليُعْزَفها الصبا*
على أوتار روحي
ويخلق من حزنها
نغما يبكي النايات

ونتيجة كل هذا يدب فيه الغربة وطبعا هذا يكون حتمي لأنه عندما أدرك الحياة الواعية يعيد اكتشاف نفسه وسط كل هذا التراكم الكبير داخلة وهذا ما يجعله بحالة من التناقض بين ذاته
والقيم التي حوله ، والشاعر أستطاع أن يظهر قدرة شعرية العالية من خلال تثبيت علامته
لتكون ذاته هي الدالة إلى مدلول المجتمع ، فكون صورة شعرية من خلال التصور الذهني لهذه الدالة فيمتد هذا المدلول ليأخذ مدى واسع من ذاته بالرغم من أنه أمتلك الواعي ولكنه لا يستطيع أن يبعدها عنه فتظهر على شكل كوابيس ما تجعله في حالة أرق نتيجة الصراع داخله

هي الغربة
تمتشق سيف الوجع
تنازل صخبي الشقي
وتبدده إلى تترى كوابيس
تُفَتّقُ رقية المنامات


فهو يمتشق سيف الوجع من أجل الابتعاد عن هذه الأضداد في القيم ولكنه ملتصقة في ذاته فهي تراكمت في ذاته منذ الولادة
ومن أجل أحداث انزياح في تراكمات الذات وفق الرؤيا الداخلية :

وحده يا سيدي
وجع الموال
بيده نايٌ كان بيدي
يقود به جوقةٌ تختُها الخيبات
يكتب غرابها
" نوتة ً" سُلّمُها
لعنات بربرية
ليُعْزَفها الصبا*
على أوتار روحي
ويخلق من حزنها
نغما يبكي النايات

أي أنه يعيش الصراع بين الوعي المعرفي وبين القيم المكتسبة والمنعكسة على اللاواعي فيه . والشاعر يريد أن يقول أن الإنسان هو أنتاج إلى القيم التي حوله ، ولكن عندما يصل هذا الإنسان إلى الوعي الكامل بكل هذه القيم التي تبعده عن إنسانيته ،وهنا يبدأ الصراع بين الأضداد بين قيم الموروث الاجتماعي في المجتمع الذي يعيش به وبين القيم التي يريد هو أن يعيشها نتيجة تطور وعيه الفكري الثقافي والتي جعلته يكتشف القيم الحقيقة التي تقارب إنسانيته، الشاعر في هذا النص يطرح مشكلة كبيرة وحقيقة لكل المثقفين الذي يعيشون وسط مجتمع يشعرون به بالغربة والعزلة لاختلاف القيم التي توصلوا إليها من خلال وعيهم الثقافي وبين القيم الموجودة في هذه المجتمع ، فأن أكثر الرغبات حضورا في قيامة الذات أو انتكاسها وسط هذه القيم الموروثة لهذا يبقى هذا الصراع دائر بين الذات الواعية والذات الموروثة ، نلاحظ في المقطع الأخير من النص يسعى الشاعر من أجل مقاربة الروح يستخدم الاستعارة التأويلية مستخدم الموال الذي يمثل الموروث الاجتماعي ، وقد أستخدم هذا الرمز أو المجاز لبين عمق الحزن في كل قيم المتوارثة حيث أن هذا الناي لا يستطيع أن يواكب الجوقة سلمها الخيبات ، فالشاعر أستخدم هذا المجاز كي يعطي لعمق المأساة التي يعيشها وسط مجتمع متشبث بما يبعد الإنسان عن إنسانيته فأن هذا العزف لا يؤدي إلا إلى عزف نغمة الصبا التي هي عميقة الألم توصله إلى حالة البكاء على خيباته الاجتماعية فأوتار روحة فيها من الحزن ما هو أكبر من حزن هذه النايات .. والشاعر قارب برسم صورة شعرية عالية البث السيميائي لأنه عرف كيف الوصول إلى المغزى الذي يكشف وظائف النص وفق دلالة الاستعارة لأنه قد بين ما حصل في تجربة ذاته للاواعية وذاته المتحسسة لتجربته العقلية فهو أوجد نص متحرك منذ بد حركة هذا النص إلى أخره .
كما قيل أن الشاعر هو نبي لا ينتظر إشارة من أحد ، ولا يستأذن أحد لنيل موافقته عندما يطلق ألقابه على ذاته وعلى العالم من حوله ، فالشاعر زياد حقق نص ذو قصدية عالية في الفكر والوجدان وقارب المعنى في نص شعري محتدم بالرموز والإشارات اللغوية في ظل تصورات شعرية عالية في دلالاتها المسكونة بالقلق والروح المتمردة ...مع أمنياتي إلى الشاعر بمزيد من الإبداع والتألق







( 2 )
انبعاث للشاعرة راضية الشهايبي / تونس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــــــ

هاأنت تعود من حيث كنت تغادر متسللا الى الهاوية
فلا تلتفت ان أقسم الطريق على التهام خطوك المنعكس
لا تقف حيث الدائرة التائهة عن نقطة المركز
لا تتراجع كي لا يطمع الزمان في صرف المضارع
لا تركب الريح التي راودتني عني هباء تنثره في وجه الموالين لغجريتي
كن ريحا بكرا وسماء اقرب وعمرا لا ينتمي للزمن
نحن فكرتان من مطر تفتحان الجنة المزهرة بربيع القيامة

ها انت تعود فتذكر شفتاي تقنيات الضحك وأتحسسك بارقا يتخلل ثغرات الفرح الخائن
وتسألني هندسة البيت المقفر عن وقع الغياب في آهتي...
عن لون الصبر وشكل القبلة المقيدة في دفاتر الزمن...

ساخلع وجهك من ذاكرتي...
سيتعرى معناك تماما عن رغبتي
ستتحرر في داخلي طليقا من أوهام الجسد
سأعلن الاعراس في خيمة لي هناك في الشفق
سأرفعها بأوتاد المستحيل المرتد نحو الممكن
سأعلمهم في وصيتي وضمن طقوس إعدادي لمسيرتي أن يغرسوا جنونك في قبضتي
ساحيى به خفية عنهم في محراب سجدتي حين يُتهم الموت أنه زف لي
و.........
سأستحيل أنثى السهو لآتيك مقفرة من ذاكرتي



القراءة :
ــــــــــــــــ

حين ندخل إلى العالم الشعري للشاعرة راضية الشهايبي ندرك أنها تتجلى بشاعريتها من خلال أدراك الكلمة لا ككلمة ولا كمجرد بديل عن الشيء المسمى ولا كتفجير عاطفة بل ندرك أنها تعطي لكون الكلمات في نحوها ومعناها وشكلها الخارجي والداخلي علامات ترتفع بها من قيمتها الذاتية إلى الكون الروحي بكل أبعاده وانصهاراته الروحانية وكما أكد عليه بيرنار حول قصيدة النثر ( تريد قصيدة النثر الذهاب إلى ما وراء اللغة وهي تستخدم اللغة ، وتريد أن تحطم الأشكال وهي تخلق أشكالا ، وتريد أن تهرب من الأدب وها هي تصبح نوعا أدبيا مصنفا ) حيث ندرك أن الشاعرة تذهب بلغتها الى ما وراء اللغة فتخلق علاقة رئوية وترتفع بمستوى الحس المعرفي متحكمة بالاوعي حيث يدرك المتلقي عمق مكنون البناء الداخلي داخل النص
كي تحقق انفتاح واسع على اللغة بتشكيلها الصوفي في منهجية الروح وتشظيها أي تقترب من اكتشاف من واقع ذاتها الكامنة حيث تحرك مشاعرها باتجاه الكامن من روحها فتخرج مشاعرها بتراكيب صورية تصوغها عبر مفردات رائعة وجميلة .. حيث أن الانبعاث ما هو إلا توهج الروح في أقصى طاقاتها الوجودية لتعيد تشكيل هذه الروح وفق قصدية ذاتها المحركة لكل قادم من تمرد ببحثها عن التجدد وصياغة هذا التجدد وفق مبدئية انزياح الروح إلى عالم أكثر اقترابا من الحلم ويتم هذا بأحداث التغير الشامل إلى الذات كي يأتي الانبعاث متوافقا مع ما تريده أن يتحقق فالشاعرة لا تقفز على الواقع بل تعيد خلقه وصياغته من جديد وفق جدلية الانبعاث .

هاأنت تعود من حيث كنت تغادر متسللا إلى الهاوية
فلا تلتفت إن أقسم الطريق على التهام خطوك المنعكس
لا تقف حيث الدائرة التائهة عن نقطة المركز
لا تتراجع كي لا يطمع الزمان في صرف المضارع
لا تركب الريح التي راودتني عني هباء تنثره في وجه الموالين لغجريتي
كن ريحا بكرا وسماء اقرب وعمرا لا ينتمي للزمن
نحن فكرتان من مطر تفتحان الجنة المزهرة بربيع القيامة


أن الوصول إلى عملية الانبعاث تحتاج إلى عملية خلق وتجديد وأن الانبعاث لا يمكن أن يحدث إلا من خلال الثورة ضد كل مألوف في الفكر أو الذات والسمو بها إلى الأعلى وطبعا هذا لا يحدث إلا في حالة وجود البديل وقد يكون هذا البديل إنسانا أو فكرا ومن أجل أحداث التقارب مع هذا الإنسان أو الفكر ، ويحتاج الإنسان إلى خطوة متقدمة من الحياة كي يخرج من قدريته الملتفة حوله و يصنع قدره و لا يحدث هذا إلا من خلال القابلية الكبيرة على أحداث التغير قي داخل النفس قبل حدوثه في الظروف الخارجية وهنا تكون القابلية هي القدرة على المطاولة في أحداث هذا التغير أو الانبعاث من أجل الوصول إلى الانبعاث الحقيقي كي يحقق التقارب بينهما ... حيث نشعر أن الشاعرة بدأت بكلمة التأكيد والمكاشفة من أجل تحديد ماهية الانبعاث حيث استخدمت ( ها)في أول النص وهذا التحديد هي صرخة مكاشفة إلى الطرف الأخر من أجل الوصول إلى بعضهما بحقيقة خطواته المتسللة إلى الهاوية والهاوية هنا هي خطواته البعيدة عنها ..فها هو يعود إليها وهنا نشعر هناك مناشدة إلى الطرف الأخر فبرغم أنه عاش التيه بعيدا عنها إلا أنها هي التي تصر على تحقيق الانبعاث من أجله لإدراكها قيمة الانبعاث الذي يقارب بينهما فهي لا تدعوه أن يلتفت إلى الطريق البعيد عنها كي لا يتلهم خطواته المنعكسة أي لا يلتفت إلى تعب خطواته في الطرق المؤدية إليها فهي تعيد انبعاث ذاتها من أجله فلا يقف في الدائرة التائهة عن المركز أي مركز حبهما لأن هذا يسبب إغراقه بالتيه، كما لا يتراجع كي لا يطمع الزمان بصرف الحاضر من حبهما أي لا يسمح إلى هذا الحاضر أن يسبب الفراق بينهما وهي تؤكد بأن لا يسمح إلى الآخرين بأحداث الفراق بينهما ، بالرغم أنها تمتلك روح التمرد ضد كل ما هو غير أنساني وقد لا يفهمها الآخرون ، والشاعرة حين تؤكد على غجريتها فهي تأكد أنها تمتد بذاتها حيث مكان روحها لذا فهي لا تمتلك سرا لا يعرفه الآخرون بل هي واضحة ولا تخبئ شيء ... وقدرة الشاعرة هنا تبرز فبعد أن انتقلت تثبت المكاشفة إلى الطرف الأخر عادت إلى ذاتها كي تحافظ على التوازن الدلالي في النص وتركيب عمق الشعور الوجداني في صياغة هذه الدلالات بطريقة التنقل بإحداث الانزياح وفق تركيبة الاستعارة ما بين الطرف الأخر والذات ومن ثم الانتقال إلى جمعهما أي أن الشاعرة تبرز قدرتها بشكل كبير من خلال هذا التنقل من أجل الحفاظ على التوتر الشعري وفق جدلية الحوار مع الذات والطرف الأخر ، وتبرز هنا اللغة التي تستخدمها لغة قادرة على استيعاب البناء الدلالي التأويلي والتي تقاربها من رسم رؤاها الفكرية الشعرية بشكل رائع وجميل أي تحقق روح الشعر وقت تأزم الذات فتصيغ من هذا التأزم انفعال لغوي يحرر اللغة من رتابتها من أجل مقاربتها إلى الدلالة النفسية من انفعالها .. وبعد أن كشفت عن ذاتها إليه وسعيها إلى الانبعاث من أجله تريده أن يصل إليها وفق حلمها به (كن ريحا بكرا وسماء أقرب وعمرا لاينتمي للزمن / نحن فكرتان من مطر تفتحان الجنة المزهرة بربيع القيامة
) أي تعال ولكن لا تؤثر فيك المسافات مثل الريح البكر بخطواتك أي تبقى تحمل توهج الروح وشفافيتها بأقصى مديتاها ولا تفقد هذا التوهج ...وهنا نكتشف عمق الاستعارة التي استخدمتها الشاعرة (سماء أقرب) أي تعال بقدر ما تحمل التوهج كن صافيا بصفاء السماء لأن حبهما هو خارج الزمن المألوف ومسمياته أي نبقى لبعضنا حتى لحظة الأبد وبعد هذا يحدث التمازج بينهما كالمطر ليفتحان الجنة وهنا الشاعرة استطاعت تحقق الاستعارة بالإيحاء والمجاز لتبقى المتلقي بذهن التأويل حيث يمثل المطر رمز العطاء في الأرض وكي هي تغادر هذه الأرض أكدت أنهما فكرتان على الأرض بالرغم أن حبهما خارج دائرة المألوف الذي يعيشه الإنسان وهي تريد أن تبين أن حبهما يحقق لهما أقصى حالة السعادة وما الجنة المزهرة بربيع القيامة إلا تماثل إلى مشاعرهما الذي يسعيان من أجل تحقيق أجمل جنة على الأرض حيث لا تمثل الجنة المزهرة بربيع القيامة إلا جنة فوق ما هو موجود على الأرض ... أي أن حبهما خالد حتى حدود الجنة في ربيع القيامة وفي نفس الوقت أنها تترد خوفا من أن لا يكون الطرف الأخر مثل ما تريد لهذا أكدت على أنهما فكرتان لكي لا توهم نفسها بهذا الحلم من الممكن إذا عاشا على الأرض يكونان جنة حقيقة لأنهما فكرتان من مطر أي أن لهما قدرة على العطاء والتضحية ....


ها أنت تعود فتذكر شفتاي تقنيات الضحك وأتحسسك بارقا يتخلل ثغرات الفرح الخائن
وتسألني هندسة البيت المقفر عن وقع الغياب في آهتي...
عن لون الصبر وشكل القبلة المقيدة في دفاتر الزمن...


ندرك أن الشاعرة استخدمت سياق الإيحاء بدل الأخبار المباشر حيث تسعى الى تكثيف الطاقة الداخلية للنص ومده بمشحون لغوي متوتر يجعل هذا النص مفعما بالحيوية والقوة مما تطلقه بعيدا عن لحظة الحاضر المزامن إلى توهج الروح بالشعر لأننا نشعر أن الشاعرة تلبست الشعر إلى حد صارت مسكونة به .. وقدرتها تتضح أكثر حين تجعل من الشعر خاضع إلى عالم سياقاتها الشعرية أي تتشابك روحها مع الشعر لتكون دلالة واضحة بدل الطلاسم والغموض بالرغم من امتداد الذاكرة الشعرية لديها ..تعود الشاعرة مرة أخرى وتستخدم (ها) لتذكر الطرف الأخر الذي حاول الابتعاد عنها لكنه رجع لأنه أدرك انه لا توجد من تهبه حبا أكثر من حبها .. وهي استخدمتها هنا لتبين أنها واثقة من حبها له فهاهو عاد إليها .. وهي هنا تبتسم أبتسام الواثق من حقيقة حبها حيث أن ابتسامتها لا تبين أنها منتصرة بقدر حبها هو الذي جذبه نحوها حيث تراه عاد بارقا يتخلل ثغرات الفرح الخائن أي فرح الخائب من ابتعاده عنها حيث كانت منتظرة عودته لأنها تفتقده حولها حتى هندسة البيت أصبحت مقفرة من دونه ولكنها صبرت على عودته حيث تشعر وقع غيابة عنها وهذا يسبب آهاتها ،و وهي تبرز صبرها على فراقه فهو صار كالقبلة المقيدة في دفاتر الزمن أي أنها تنتظر مجيئه فكل زمن انتظارها معلق على عودته إلى حياتها فهي تعيش اللازمن في غيابه ...

سأخلع وجهك من ذاكرتي...
سيتعرى معناك تماما عن رغبتي
ستتحرر في داخلي طليقا من أوهام الجسد
سأعلن الإعراس في خيمة لي هناك في الشفق
سأرفعها بأوتاد المستحيل المرتد نحو الممكن
سأعلمهم في وصيتي وضمن طقوس إعدادي لمسيرتي أن يغرسوا جنونك في قبضتي
سأحيى به خفية عنهم في محراب سجدتي حين يُتهم الموت أنه زف لي
و...........
سأستحيل أنثى السهو لآتيك مقفرة من ذاكرتي

لطول انتظارها له تحاول أن تبعده عن روحها ولكنها تفتقده فبرغم أنها تحاول أن تخلع وجهه من ذاكرتها لتحتفظ فقط بمعناه في حياتها لأنه متغلغل في روحها ، فهي هنا تعطي الروح مساحة أكبر من مساحة الجسد رغم أن هذا الجسد هو حدود هذه الروح. وهنا الشاعرة استخدمت الاستعارة التأويلية بشكل كبير ورائع حيث أنها تريد أن تؤكد أن حبها له حتى أكبر من حدود الروح في الجسد، وهي استعارة من شاعرة تعرف كيف تتحكم بمسار الروح الداخلية للنص كي لا يفقد عفوان دهشته حين يمر به المتلقي .فهي تخاف أن تعلن حبها الكبير إلى الطرف الأخر خوفا أن لا يكون بمستوى هذا الحب ولكنها مع هذا تعيش حبه ضمن الصراع والتردد ولكنها تحسم هذا لأنها لا تعيش المستحيل بل هي تعيش الممكن في الحياة والشاعرة تريد أن تبين أنها متأكدة من حبه لها جنونه بها ولكن قد توجد حواجز بينهما تبعدهما عن بعضهما ومع هذا هي مصرة على أ نهما سيكونان لبعضهما وهذا من الممكن .. فهي تتنظره حتى لحظة الموت أو بعده لأنها سوف تحتفي بخياله حولها كما سوف تكتب وصيتها ,والشاعرة استخدمت هنا ( سجدتي ) لتبين أنه يملأ روحها وأنها تراه حولها ولكن الآخرين قد لا يروه أي أنها مترابطة معه روحيا ... والسطر الأخير يبين كم الشاعرة متمكنة من أدواتها الشعرية ما جعلها مسيطرة على زخم الروح الداخلية للنص وتوجيهه إلى حيث تريد أن توصل إلى عمق التوتر الشعري فهي تمتلك قدرة كبيرة بالخروج عن السياق الشعري العادي لتحقق الشفرة الشعرية الخاصة بها بحيث تتحول الكلمة لديها إلى أشارة لتثير في ذهن المتلقي إشارات أخرى أكثر عمق وتفرد مكونا صور داخلية ضمن النص لا يمكن حصرها أي أنها تمتلك روح التخيل كما أكد عليه القرطاجني فتخلق في ذهن المتلقي صورا ينفعل لتخيلها بانفعاله اللاشعوري ، فأننا نلاحظ استخدامها الاستعارة بشكل كبير وفق امتداد النص وتوهجه ، لامتلاكها أسلوبها الخاص بالاستعارة كما أكد عليه رولان بارت (الأسلوب ليس أبدا شيئا سوى الاستعارة ) ، فأننا ندرك في هذا السطر (سأستحيل أنثى السهو لآتيك مقفرة من ذاكرتى ) بعمق استعارتها حيث التخلي عن الذاكرة هو التخلي عن المكان لأن الزمن نفسه نعيشه في أي مكان ولا يتغير سوى المكان ، فهي تتصاعد روحيا إلى حد مسك الروح بمسارها الوجداني فتمتد مع خلجاتها الروحية فتأشرها بالعمق لأن الشعر هو الطاقة الجمالية وفق قدرة التخيل لدى الشاعر أي أنها تتجاور مع ما هو خفي وضمني لأن خصائص الشاعرية لا يقتصر انتماؤها على علم اللغة وإنما إلى مجمل الإشارات أي إلى علم السيميولوجيا . وهذا ما يميز شعرها دائما .





( 3 )
يا ابنَ قَلْبي للشاعرة سلام الباسل / فلسطين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ـــــــــــــــــــ

دَانَت لَك قِمم الشِعرِ
تَتَقطّر سَلْسَبيلا
زَوْرَق قَصيدٍ
يَمْخُر عُبابَ الأساطِير
أنْتَ لَه قائد وَرُبّان

خَفْقَ روحٍ
تَلْتَئمُ بِها الرُؤى
تَرْسو مَرْفَأ قَلْبي
تَضمُخهُ بِسُلافِ عِشقٍ
تَعَتّقَ بِسَراديبِ الوُجْدان


تَنْضُج في عُروقِي
كُمثْرَى شَهيّة
يَنسِج الهَوَى خُيوطهِ
بِرَخيمِ صوتٍ
يَنْدَى لَه الوَريد والشِرْيان

شَقشَاق
تُسْفِر في ضحْكَاتك الدُرر
فَاغدو مَحْض نَبضَة
في عُروقٍ
يُهلّل لَها الفُؤاد
ويَضْطَربُ بعنفُوان


أُناغِي فيك العَاشِق
الــ تَعتّقَ صَدْرِه بالهَوى
بِانامِل شَهدٍ
أتَعرّبشُ أنْفَاسك
حَتّى أغزو مَلامِح الغُلوَان

لَعمرِي
أنني رُحتُ أهذي
وَجاوَزتُ في التِيه عَقلي
يَا فاتِني
أهديك مِن رِمشِي قَصيدَة
أنتَ لها القَوافي والألْحَان

يَا نَجمَاً
تَدَثّر الغَمام
وامتَطى الرِيح
وَرَاح يَخْتال
كَفارسٍِ جَنوبيّ
اسْتَقَامَ لِغوايَتي
وَخَلَع عَباءَة الكَوْفان

كَفَى بي
كَيْنونة وُجودك
لأسْكننَّ مَداراتِك
لُؤلُؤةً في بَطنِ المَحار
بِوَهجها تُحِيد
عَن مَسَارها الأكْوَان



القراءة :
ـــــــــــــــــــــــــ

الشاعرية تنبع من اللغة وهذه اللغة لتصف هذه اللغة فهي لغة عن اللغة . تحتوي اللغة وما وراء اللغة ، مما تحدثه الإشارات من موحيات لا تظهر في الكلمات ولكنها تختبئ في مساربها ، وهذا تمييز الشاعرية عن اللغة العادية ..هذا ندركه في النص الشاعرة سلام الباسل حيث ندرك قدرتها على توجيه النص إلى المدلول الذي بدوره يطلق الدال ضمن معنى النص ، فالشاعرة تحاول من خلال امتلاكها أدوات اللغة تجذبها باتجاه عمق التصور الذهني الوجداني الذي ينسق مابين الشعور الداخلي والأثر الخارجي حيث يحقق الصورة الذهنية الخارجة من عواطفها الداخلية وبشكل متناسق وهذا ما يجعل الصورة الشعرية ذي مساحة عالية من التراكيب الروحية لأنها توحي إلى المتلقي بالإشارة والإشارة علامة الصورة الموحية في تركيب اللغة ، فالحلم يبقى حلم دون تعبير أو هو مبهم المعنى ففي كثير من أحلامنا نجدها هكذا ، ولكن الحلم في الشعر تفسره اللغة التي تقاربه بالتعبير عنه من خلال ذات مدركة لكل ماهو محسوس في تصورها الداخلي وهذا ما يجعلنا ندرك أن الشاعرة تمتلك قدرة عالية في جذب منطقة الحلم إلى المنطقة التي تمسكها في لحظة التعبير عن ذاتها وتطلعاتها العاطفية والفكرية وهي بهذا تعطي إلى الصورة الشعرية مساحة واسعة من التعبير المعنوي التأويلي ،أي أنها تستحضر الصورة الحليمة المخزونة في اللاوعي وتصاعد هذه الصورة بتيارات الوعي بحيث تنشأ علاقة بينهما علاقة جمالية توحي إلى المتلقي بعمق هذه الصورة فلو تدرجنا بهذا النص من العنوان نجد أنفسنا إزاء أسئلة حول الحياة فالشاعرة تضع أمامنا العنوان (يا ابنَ قَلْبي ) وهذا العنوان يمكن أن يوحي بكثير من حالات التأويل الدلالي فلأبن هو أقرب إلى روح الإنسان لأنه خارج من صلبه ، واستخدمت القلب الذي هو مركز الحياة فهنا تنشأ علاقة تجاذبيه تثير في ذهن المتلقي كثير من الدلالات الموحية بالمعنى الكامل إلى قرب هذا الشخص إلى الشاعرة ...كما أن العنوان يحقق في نفس المتلقي طاقة من التفاعل يدرك خلالها بروح الشاعرة وحنانها وهدوء نفسها اتجاه الشخص الأخر..


خَفْقَ روحٍ
تَلْتَئمُ بِها الرُؤى
تَرْسو مَرْفَأ قَلْبي
تَضمُخهُ بِسُلافِ عِشقٍ
تَعَتّقَ بِسَراديبِ الوُجْدان

ونجد أن الشاعرة لا تبتعد عن المعنى الذي يثبته عنوان النص وبل ندرك أنها تعرف كيف توغل بالنص من أجل كشف ما تريد أن تصل إلية من خلال هذا العنوان حيث تؤكد على الحالة الوجدانية فهي تتوغل بروحها كشافه عمق هذه الروح من خلال الرؤيا فحين تخفق الروح تلتئم بها الرؤيا هذه الحالة استخدمت الشاعرة أستعارة عمقت المجاز لأنها ثبت عمق رؤاها النابعة من عمق القلب أي أنها أرادت أن تحقق أو تقول من خلال هذه الاستعارة أو هذا التأويل صدق رؤاها لأن الرؤيا التي تبع من القلب هي أصدق الرؤى فتمتد لأتأكد أكثر على أن كل شيء في رؤاها له عمق في قلبها وروحها وأن كل ما يخرج منها هو يخرج من مرفأ القلب ، حيث أن هذا التأويل يخلق الصورة الإيحائية إلى المتلقي بصدق وعمق مشاعرها وأن حبها وعشقها ما هو إلا تعبيرا على عمق روحها وصدقها لأنه يمتد بسراديب وجدانها فنحن نشعر أن الشاعرة لا تذهب أو لا تعبر عن مشاعرها إلا عن طريق الإيحاء لعمق عشقها في مساحات روحها وهذا بالطبع يتطلب ترميز اللغة التي تريد من خلالها ما تريد أن تطرحه ، فهي تسعى إلى المتلقي بأن يكون صورة شعرية من خلال التأمل أو التفكير أي يسعى إلى اكتشاف هذه الصورة من خلال الطاقة الحلم لدية ولا يذهب إليها مباشرة ، فالشاعرة تعرف كيف توجه المتلقي بالوصول إلى عمق مشاعرها الصادقة ..


تَنْضُج في عُروقِي
كُمثْرَى شَهيّة
يَنسِج الهَوَى خُيوطهِ
بِرَخيمِ صوتٍ
يَنْدَى لَه الوَريد والشِرْيان

وتواصل الشاعرة بكشف عمق مشاعرها وصدقها ، فالشاعرة هنا تستمر بما أكدت عليه في مقطعها السابق كيف هذا العمق في روحها فهي هنا تتسلسل بعمق روحي كاشفة مساحة عشقها في خلايا هذه الروح فهذا العشق ينضج في عروقها إلى حد ينسج خيوطه في شريان ووريد القلب ليصبح هاجسها الروح والقلبي لأنها تشعر حتى برخيم صوته داخلها فهو كمكثري الشهية أي أنها تشعر ببهجته بروحها فوريد وشريان القلب يندي له ، والشاعرة هنا أكدت عمقها تحكمها بمسار النص وفق العنوان وعدم الحياد عنه وهذا سر دهشة هذا النص الرائع حيث نلاحظ التدرج بالصعود أو البقاء على شد التوتر العاطفي استنادا إلى عمق العنوان ، فهي تبقى مشدودة إلى عمق العنوان ولا تغير مساره إلى حد أنها تؤكد ما أرادت أن توصله إلى المتلقي وهذا هو سر وإبداع هذه الشاعرة وهذا يتطلب أن تمازج مشاعرها مع عمق المفردة اللغوية التي تكون قادرة على التعبير عن هذه المشاعر.

شَقشَاق
تُسْفِر في ضحْكَاتك الدُرر
فَاغدو مَحْض نَبضَة
في عُروقٍ
يُهلّل لَها الفُؤاد
ويَضْطَربُ بعنفُوان

وهنا الشاعرة لا تبقى ضمن مساحة روحها بل تنتقل إلى الطرف الأخر وكيف هذا الطرف يمتلك التأثير في تحقيق الفرح داخلها ..فبعد أن ثبت ما يجول في روحها اتجاه الطرف الأخر تنتقل لتبين عمق الطرف الأخر في داخلها ..أي أنها لا تعيش الحلم ضمن حدود ذاتها بل حاولت أن تخرج كل هذا إلى الطرف ، كي تبرر أو تبين أن الحب الذي تولد داخلها إلى الطرف الأخر نتيجة امتلاكه الحقيقة اليقينية التي تبحث عنها فها هو يمتلك ضحكات الدرر ، والشاعرة هنا توضح قدرتها بامتلاك مسار النص من خلال عدم البقاء في نفس المنطقة أو منطقة ذاتها الداخلية بل تحاول أن تبين أن ما كان في داخلها ما هو إلا انعكاس إلى قيمة الطرف الأخر في حياتها ، فهي تغدو محض نبضة يهلل له الفؤاد ويضطرب بعفوان ،فالشاعر امتلكت السيطرة الكاملة على مسارات النص لتخرجه من التكرار أو البقاء في نفس الهاجس هاجسها الداخلي ، هذا ما أدى إلى أن يبقى النص محتفظ بتوتره العاطفي الروحي بحيث يبقى المتلقي مشدود إلى ما تريد منه الشاعرة أن يكتشفه من خلال نصها ..

أُناغِي فيك العَاشِق
الــ تَعتّقَ صَدْرِه بالهَوى
بِانامِل شَهدٍ
أتَعرّبشُ أنْفَاسك
حَتّى أغزو مَلامِح الغُلوَان


الشاعرة تبدأ بمناشدة الطرف الأخر وتريد منه بقدر ما تمتلك من مشاعر عشق نابعة من روحها الصادقة أن يكون بقدر هذه العشق فها هي تناغي فيه العشق ليعتق صدره بالهوى
بأنامل شهد ،فهي تريد هذا العشق كي يبقى عشقها له ، فأنه يتعرش في أنفاسها حتى تغزو ملامح الغلوان ، أي أنها تريد أن يبقى عشقها له يمتلك العنفوان لكي تبقى تشعر بالسعادة ، فهي عندما تناغي العشق فيه ، فهي هنا تناغي فرحها بهذا العشق لأنه يبقيها في عنفوان وتوهج بهذا العشق هو علامة السعادة في العشق ، والشاعرة هنا تثبت علامة النص في الظاهر ومن ثم توغل إلى العمق لكي تبقى هندسة النص بشكل عمودي وليس مسطح لكي لا يفقد النص روحه في استمرار خلق الرؤيا في انفعال المتلقي .. ونشعر حتى لغتها التي تستخدمها هادئة وهذا ما يدل على روحها الهادئة لكنها تحتفظ بكون متوهج بالعشق العنيف داخلها إلى الطرف ، والشاعرة تبقى في عمق روحها متوهجة وتشع بعواطف هادئة متأمله برؤيا مجازية عالية الاستعارة والتأويل ..



كَفَى بي
كَيْنونة وُجودك
لأسْكننَّ مَداراتِك
لُؤلُؤةً في بَطنِ المَحار
بِوَهجها تُحِيد
عَن مَسَارها الأكْوَان


تستمر الشاعرة بكشف مشاعرها اتجاه الطرف الأخر متوجه هذا المشاعر بأن توضح إلى الطرف الأخر بعد أن بينت عمق عشقها له والمتغلغل في روحها بحيث يَنْدَى لَه وَريدها وشِرْيانها وأنها لا تستطيع أن تستمر بكينونة وجودها إلا بوجوده في حياتها ، كما قلت سابقا أن الشاعر بقدر ما تثبت الظاهر لمشاعرها تبقى تغزل من مكنونها الروحي العميق لكي تبين مصيرها الحياتي ووجودها بوجود الطرف الأخر أي لا وجود لها بغير وجودة ، فهي تسكن مداراته لأنه عشقها لها كاللؤلؤة في بطن المحار وهذا العشق يتوهج كتوهج اللؤلؤة في بطن المحار أي أنه عميق في روحها وما تعيشه في حياتها من أشعاع وفرح ما هو إلا لعمق هذا العشق في ذاتها ، والشاعرة هنا استخدمت استعارة تأويلية رائعة مقاربه إلى سمو عشقها وشفافيته فاللؤلؤة بقدر ما تشع داخل المحار يكثر شعاع وهو خارجها وهذا استعارة متقدمة من تحقيق الصورة الشعرية الرائعة جدا ، فالشاعرة استخدمت التماثل والتناظر وفق سياق الانسجام والترادف في خلق الصورة الشعرية .. وهذا طبعا يعتمد على المقومات الذاتية للشاعرة التي كونت بنية دلالية متآلفة مع بنية الإيقاع النحوي الأسلوبي الذي أوصل إلى حدود بالغة التقدم من التجانس والتكافؤ ، أي أن الشاعرة ولوجت فضاءاتها الشعرية واستطاعت أن تصل أو تبلغ مراميها في ما أرادت أن توصله إلى المتلقي بنص رائع جدا ...





( 4 )
همسات في آذان البحر للشاعر عبد اللطيف غسري / المغرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــــــــــ

لقلبيَ أن يحضن الموجَ،
أن يسأل الوقت كم عدد السمكات اللواتي تعبنَ
من الغوص في عنق الماءِ
أو من مصافحة البحر إثر أفول المرايا
ولم أستطع أن أضمّ
شفاه التباريح عن كشف خارطة الشوقِ
فقلت له تلك أمنيتي أيها البحرُ؛
أن أركب الرمل فوق كثيب الحنينِ
فأنثر بين يديك حبيبات بوح ستخضل تنورة العشقِ
من زهرها المستباحِ
بليل تراوده ذكريات الصباحِ
وأمنيتي أن أجيئك فوق جناح السنونو،
إناث البلابل يتبعْنني
قد سكرْنَ بخمر الأقاحي
تضج حناجرهن بسيمفونية الشرقِ
كم ضاع في صمتك العذب من حلُم أيها البحرُ
لا تنسَ أنك كنت لفيفا من الضوءِ
يحمل بارقة التوقِ
نرسم تحت صبيبك أحلامنا عن عيون الصبايا
ونرتاح من شبق السوءِ
فوق ظلالك يوم تعج خواطرنا بغثاء الخطايا
ونملأ منك جِرارَ انتشاءٍ
بماء جزيئاته من حروف النوايا
وفوق جبينك نطبع من شفة الدفءِ
ما قد يطيب لنا في مقام القصيدةِ
من قبلات التأسي

بوجدور / صيف 2009






القراءة :
ــــــــــــــــــــــــ

أن الارتقاء بدلالة النص إلى مستوى الذي يحقق انزياح في تكثيف الصورة الشعرية وفق الاستفادة من الاستعارة الوجودية التي تقارب المشاعر الداخلية ومخاضاتها إلى حركة الطبيعة التي تلتصق بالذات وتقاربها بالمعاناة وكأن الطبيعة هي الرؤى لكل ما نشعر به من مشاعر وأحاسيس ... لهذا يعتمد عمق النص قدرة الشاعر على تقريب مشاعره الداخلية إلى الطبيعة وما تحققه من تناغم وتمازج إلى حد تصبح الطبيعة والذات كل منهما يعبر عن الأخر ، حيث تصبح الاستعارة هنا هي النسق المتوالد في توسيع لغة الشاعر وفي نفس الوقت تعطي إلى الشاعر القدرة العالية على تكثيف وترميز النص وفق هذه الاستعارة وكما أكد عليها جاكويسون أن الشعر يتمحور على الاستعارة كتقنية أسلوبية ..فالاستعارة تعطي الشاعر المحاولات التي توصله إلى اقتناص المسافات الشاسعة بالتعبير الكامل عن مشاعره الكامنة في لحظة تصادمه مع المحيط حوله ، فالشعر كما أعتقد هو محاورة الذات في أقصى أزمتها من أجل الكشف عنها بهذا تبقى نقطة التمحور بين الذات والتعبير عن أزمتها هي الصياغة الصورية للتقارب الكبير بين العاطفة وفكرها .. فكل المدركات لا يمكن أن نراها ونجسدها بشكل كبير إذا لم تكن لها صورة لأن الصورة هي أدراك الموجودات في ذاكرة الأحاسيس ..فنجد أن الشاعر عبد اللطيف غسري قد استفاد من هذه الاستعارة ما جعل نصه هذا بمستوى النضج الصوري وتركيباته حيث نلاحظ الانزياح والتجاذب الصوري بينه والبحر ...


لقلبيَ أن يحضن الموجَ،
أن يسأل الوقت كم عدد السمكات اللواتي تعبنَ
من الغوص في عنق الماءِ
أو من مصافحة البحر إثر أفول المرايا
ولم أستطع أن أضمّ
شفاه التباريح عن كشف خارطة الشوقِ
فقلت له تلك أمنيتي أيها البحرُ؛
أن أركب الرمل فوق كثيب الحنينِ
فأنثر بين يديك حبيبات بوح ستخضل تنورت العشقِ



حيث نلاحظ هنا أن الشاعر قد أستخدم اللغة المعبرة بكاملها عن التقارب الوجودي بين دقات القلب وموج البحر وهذا يعتبر قدرة رائعة على تحقيق التجاذب في ألاستعارة بين الموج ودقات القلب وقد أستخدم هنا الاستعارة بوصفها مجازا حيث أن قدرة أي شاعر تظهر من خلال الاستخدام الأمثل إلى الاستعارة لأنها العنصر الأهم في العملية الإبداعية وذلك لارتباطها بالإلهام والإبداع وكما أنها مرتبطة بأحداث الانزياح في تركيب الصورة الشعرية وما أكد عليها الشريف المرتضى ( أن الكلام متى ما خلا من الاستعارة وجرى كله على الحقيقة كان بعيدا عن الفصاحة بريا من البلاغة ) حيث نلاحظ الشاعر عبد اللطيف غسري أستخدمها ليبني في هذا النص اللغة الإبداعية التي استطاعت أن تقارب البحر مع تموجات روحه القلقة لأننا نلاحظ أن الشاعر في هذا المقطع قارب لغة البناء المعماري في اللغة فهو بقدر ما يدعو إلى الغوص يرى المرايا التي تعكس الظواهر حيث نجد مداخلة كبيرة في إحداث الانزياح الانسيابي وليس القصري فهو يدعو إلى قلبه أن يحضن الموج وهذه صورة شعرية عالية الاستعارة لأنها تمزج بين القلب الذي هو مركز حياة الإنسان وبين الموج أي أن الشاعر يريد أن يقول من خلال هذا أنه يعيش القلق الوجودي بكل أبعادة البستمولوجية أي عمق الحياة الحضارية فالغوص هو البحث عن الحقيقة الحياتية ولكن نجد هنا الغوص من خلال عنق الماء أي أن الحياة ضاقت عليه بالرغم من قدرته على امتلاك العمق الرؤيا وسعة أزمته ( لقلبيَ أن يحضن الموجَ، /أن يسأل الوقت كم عدد السمكات اللواتي تعبنَ /من الغوص في عنق الماءِ)
ولكن هذا العمق وسعة الأزمة تبقى ظاهرا في المرايا وهنا أستخدم استعارة التضاد فهو بقدر مايملك من مشاعر وجدانه عميقة يبقى الأخر لا يرى العمق إلا في المرايا وهذه هي أزمة الشاعر هنا في هذا النص هو يريد أن يعيش العمق والأخر تجذبه ظواهر الحياة الأفله(أو من مصافحة البحر إثر أفول المرايا ) وهو بهذا أستعار البحر بدل الحبيب ليرسم أناشيده ، والسبب الذي دعا الشاعر لهذه الحالة هو أن الأخر لا يمكن أن يستوعب عمق روحه في الشوق و الحنين إليه لهذا حدث تجاذب نفسي بين روحه والبحر ليحقق التوازن النفسي الدلالي في استيعاب همومه التي لا يدركها الأخر، أي أن البحر أصبح هو الحبيب الذي ينشده فالشاعر ارتقى بدلالته الشعرية إلى إضفاء الصفات الإنسانية على كل من المحسوسات المادية والأشياء المعنوية أي جعل من المعنوي ماديا أو حسيا على سبيل الاستعارة ، وهذا مركز أبداع الشاعر وقدرته العالية في توسيع أفقه الشعري والبناء العميق للنص وفق أنساق التجاذب الوجودي لأزمته الإنسانية ( ولم أستطع أن أضمّ /شفاه التباريح عن كشف خارطة الشوقِ /فقلت له تلك أمنيتي أيها البحرُ؛ )
حيث يبقى شوقه خارج خارطة الشوق ، لهذا يبقى متشبث بالبحر رمزا للحبيب في كل مخاضاته الوجودية والإنسانية لأنها أكبر من أدراك الأخر لكل هذه العشق في داخله إليه ، وقد يكون هنا الشاعر لايستطيع البوح إلى الأخر بمكنوناته لأسباب أو أن الشاعر يدرك أن الأخر لا يستطيع أن يستوعب عمق أحاسيسه وفي كلا الحالتين تبقى أزمته يعيشها في ذاته فكان البحر هو المستوعب لكل هذا ، فهو هنا خلق التماثل الشخصي ل(الأنا ) ومثلها بالبحر لتقارب أو التجاذب النفسي لحقيقة مشاعره المتقاربة من صورة البحر ...

من زهرها المستباحِ
بليل تراوده ذكريات الصباحِ
وأمنيتي أن أجيئك فوق جناح السنونو،
إناث البلابل يتبعْنني
قد سكرْنَ بخمر الأقاحي
تضج حناجرهن بسيمفونية الشرقِ
كم ضاع في صمتك العذب من حلُم أيها البحرُ
لا تنسَ أنك كنت لفيفا من الضوءِ

ويستمر الشاعر بالصورة الأستعارية ذات الطاقة الجمالية وما يرافقها من تداخل الحواس مع تماثل البحر، فهنا ارتفعت الذات إلى مستوى الرمز ، ولكي يكتسب هذا الرمز أبعاده الوجودية من امتداد خلال مدارك الحواس وتمثل هذه الحواس إلى الصورة تستمد مقوماتها في الفعل الذهني المترابط مع تشظي وجدان الشاعر ومداركه الشعرية ..، عندها تقفز الذات إلى تمثيل الوجود الذي حولها لكي تكسب الحقيقة في خلق تصوراتها الإنسانية ، وهذا ما فعله الشاعر عبد اللطيف بقدرة عالية اللغة والمستمدة نسقها من ضخامة معاناة هذا الشعر وأزمته النفسية ، حيث اكتسبت الصورة المتمثلة بالبحر والموجودات التي حوله ، حيث نلاحظ أن الشاعر هنا يمازج بين ذاته وهذا الموجودات وانفتاح هذا بأفق واسع كما نلاحظ في هذا المقطع ( من زهرها المستباحِ /بليل تراوده ذكريات الصباحِ /وأمنيتي أن أجيئك فوق جناح السنونو، /إناث البلابل يتبعْنني /قد سكرْنَ بخمر الأقاحي ) وهنا الشاعر يحقق رؤاه الحلمية بالانتقال من التجاذب مع أمواج البحر التي تذكره بالحبيبة الغائبة في حاضره الآن ، الشاعر كان أمام البحر وبعد أن هدئت روح من هيجانها وأطمئن أنتقل إلى الحبيبة فهو يريد أن ينتقل إليها على أجنحة السنونو فقد سكر بخمر الأقاحي ، لأن الشاعر بعد أن تمازجت روحه الهائجة مع أمواج البحر وأطمئن من حبها أراد أن ينتقل إليها ، أي الشاعر بعد ما تأكد من حب حبيبته وعمق هذا الحب أراد أن يعبر لها عن هذا الحب لأنه وصل إلى حالة السكر بخمر الأقاحي أي أن روحة أطمئنت إلى هذا الحب ، و لإدراكه ببعد هذه الحبيبة أنتقل إلى مغازلة البحر ، وهذه المرة كان البحر متمثل بحبيبة وليس كما كان في المقطع الأول بين ذاته والبحر من خلال الحوارية ( تضج حناجرهن بسيمفونية الشرقِ /كم ضاع في صمتك العذب من حلُم أيها البحرُ /لا تنسَ أنك كنت لفيفا من الضوءِ ) حيث نلاحظ هدوء ذاته وتأكد انتمائها إلى الشرق ، أي هو يؤكد انتمائه العربي ، وقد تكون هذا الحبيبة من الجهة الثانية من البحر لأن الشاعر هنا يؤكد على أن البحر هو لفيف من الضوء أي أن الشاعر كثيرا ما يحدق في النهارات إلى البحر وبعد حبيبته خلف هذا البحر ، والجمال الذي يكمن في هذا النص تدرج ذات الشاعر من الموج والتشظي إلى الهدوء السيمفوني وكأنه يعزف سيمفونية بتوترها وهبوطها وتوترها .. وهذا السبب الكبير أن الشاعر حافظ على صورته الشعرية رائعة لنهاية النص ....

يحمل بارقة التوقِ
نرسم تحت صبيبك أحلامنا عن عيون الصبايا
ونرتاح من شبق السوءِ
فوق ظلالك يوم تعج خواطرنا بغثاء الخطايا
ونملأ منك جِرارَ انتشاءٍ
بماء جزيئاته من حروف النوايا
وفوق جبينك نطبع من شفة الدفءِ
ما قد يطيب لنا في مقام القصيدةِ
من قبلات التأسي

ينتقل الشاعر بثلاث حالات الأولي وهو مفرد أمام البحر و حواره معه والثانية يتذكر الحبيبة والثالثة ينتقل إلى الجمع ( نرسم،نرتاح ،نملا ) أي يجتمع مع حبيبته أي أن النص يحتوى على ثلاث محاور داخلية محاورة مع البحر محاورة مع الذات و الاجتماع مع الحبيبة ، فالشاعر حقق منولوج داخلي في توتراته الوجدانية والعاطفية حيث أستطاع أن يحتفظ بالتأويل الدلالي في عمق صورة النص ، فهو أستخدم لغة مطابقة ما نظر إليها سوسير* والذي رفض على أعتبار اللغة بوصفها ركاما من الكلمات ، بل نلاحظ أن الشاعر جعل من اللغة هو الفعل العقلي التصوري في الحياة أي كما قال سوسير ( إن اللغة نظاما يعتمد على التقابل بين وحداته الملموسة ) حيث أن الشاعر قارب حواره مع الموجودات من صورة شعرية وأضفى عليها الحياة ، فأرتفع باللغة وجعلها المعبر الحقيقي عن ما أراد أن يوصله فهو حقق البنية العميقة في اللغة كما نلاحظ في هذا المقطع ( يحمل بارقة التوقِ /نرسم تحت صبيبك أحلامنا عن عيون الصبايا /ونرتاح من شبق السوءِ /فوق ظلالك يوم تعج خواطرنا بغثاء الخطايا ) فهو يستمر بمناشدة البحر ولكن هنا هو بقى يرى بالبحر العمق الذي يريد والمعبر عن كل الأشياء التي تمناها في الحياة فهو يحمل بارقة التوق ويرسم تحت صبيبه أحلامه إلى عيون الصبايا أي ما يحمل البحر من رمزية تمثل كل توق وتطلعاته التي ينشدها ، فالبحر بنقائه الشاسع الذي لا يستطيع أحد أن يلوثه تحول في رؤى الشاعر التي تثقلها أزمته إلى رمز الحياة نفسها فكل ما يعيش الشاعر من خواطر ورغبة إلى النساء ( الصبايا) والتي تبقى دفينة ذاته ولكنه يكشفها إلى البحر فالبحر تحول إلى رمز يخزن أسراره كذاته الباطنية التي لا يجد ما يقاربها سوى هذا البحر فهو يرمي إليه كل همومه وحتى شبق السوء ، لأنه أصبح بوسع ذاته ومستوعبا لها فهو عندما يكون أمام البحر يكون متقارب إليه كثيرا فحتى ظلاله تعج بخواطره بغثاء الخطايا ( ونملأ منك جِرارَ انتشاءٍ /بماء جزيئاته من حروف النوايا /وفوق جبينك نطبع من شفة الدفءِ /ما قد يطيب لنا في مقام القصيدةِ /
من قبلات التأسي ) وأننا ندرك أن الشاعر دائما أمامه البحر وقد يكون أمام نافذته أي دائما يقع نظره يقع عليه لهذا أمتلك كل مساحات روحة وهمومها أي الشاعر توحد ومتزج معه إلى حد أصبح يملا منه جرار انتشاء ، و في كل ما يحاول أن يفعله في الحياة ، الشاعر أستطاع يعبر عن عنوان النص بشكل كامل إلى حد ندرك أنا النص كله هو عبارة حقا عن همسات في أذان البحر لروحة الحاضرة والمتماهية به ...فالشاعر سيطر على لغة وجعلها المعبرة القريبة إلى روحة وقد مزج معها الرمز مع الاستعارة الواسعة والذي أضاف إلى نص روعة عالية في الصورة والتأويل الدلالي في نسق فكري عاطفي رائع وجميل .





( 5 )
جدب وعدك للشاعرة بارقة أبو الشون/ العراق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــــ

حينما تخلو الدروب منك
أظل ابحث عن خطاك
علني التمس قبسه حرف من أطراف بقاياك

ابحث عن نشيدا لدولتي
حين تنقشع ضباب أشرعتي
الراسية قرب موانئك البعيدة

أذما تشهر سيف مودتك بخاصرتي
ينتحب جرحي

وطني لا تغلق كل ستائر حلمي خجلا
شاءت أقداري إن تجمعني بك هماً
شاءت أقدارك إن تعرفني ألما
إن تعرف كل المدن الراسية وتنكر ارضي

وطني جدب وعدك
جدب
أهفو إلى دربك
تأخذ كل الطرقات وترحل
كل صراخ هذا الغيب تدق على أكمامي

جدب أنت عراقي
جدب وإنا بادية الصحراء
حلم آذاري تمر ببابي
تغرس فيّ الكلمات
نثار الصفحات
وتندى عيناي صليل قيودك
ليت حروفي زادك
يأخذني الصبح الى قافية الطوفان
اذاما غابت شمسي
كل تراتيلي
قل لي حرف لم يعرفه احد قبلي
كي لا تفزع مني سطوري الملقاة




القراءة :
ــــــــــــــــــــــــ

عندما نبحث عن مدخل إلى النصوص الشعرية قد يكون العنوان أحد مداخل إلى النصوص وكما حددته المدارس النقدية( بثرايا النص) وهذا قد يكون لكثير من النصوص التي تكون ذائقتها الشعرية حول موضوع أو حالة تخترق الشاعر فيجتهد في التعبير عنها بأنساق لغته المعبرة عن هاجسه الثقافي وبهذا يكون العنوان العلامة في تحديد هذه الذائقة ولكن هنا لا يشكل العنوان الهاجس الشعري من أجل الدخول لهذا النص لأن مساحته في عمق الرؤيا تمتد بعمق فاجعة وطن شكل لهذه الشاعرة مساحات واسعة من الحلم والأمل والحياة نفسها بالرغم أن هذا الوطن أصبح لها الأمل المقترن بكل خطواتها الواعية وغير الواعية أي أصبح الوطن بقدر حجم ذاتها وصار لها مرآتها الصوفية وامتد بقدر همومها الذاتية والتاريخية أي أن لا ذات لها غير ذات الوطن وإذا أردنا عن نتحدث عن هذه الشاعرة المبدعة وحرفية وطنيتها المخلصة يجب أن تتحدث قبل هذا عن أزمة هذا الوطن الذي أصبح دلالات نفي ووجود في نفس اللحظة إلى أبنائه المنتمين له بشكل صميمي وهذا بالطبع يشكل أزمتهم الإنسانية، والشعر هنا يشكل حالة منازلة ومخاض داخل الذات من أجل الوطن أي يصبح الوطن هو الرؤيا الدلالية في أحداث الانزياح الكامل لجذب الصورة الشعرية والتي هي علامة انتماء إلى كل مفردات الذات الوطنية العميقة حيث يتمحور أبداع وتألق هذه الشاعرة على تجاذبات حبها العميق الى وطنها العراق لأنها تجعل من مفردات اللغة نسيج همومها التي تتشابك عبر نافذة ذائقتها الروحية الى هموم الوطن وتكبر هنا الذات وتتضخم بقدر مساحات التأويل الدلالي المخترقة لكل تحديد في الزمنكانية والشاعرة بقدر ما تحقق حضورها الذاتي تحقق حضور أكبر الى وطنها العزيز الجميل الرائع بكل الحضارات العظيمة ، ويأتي المعنى في رؤاها الشعرية ليس امتدادا إلى رؤيا أيديولوجية والتي تجسده وتعبر عنه من خلال هذه الأيديولوجية أي أن الذات الشعرية تكون مرهونة إلى ذائقة فكرها السياسي ولكن الشاعرة تنتمي إلى وطنها انتماء ثقافي إنساني مصيري غير خاضع إلى أي فكر أيديولوجي وهذا ما جعل الشاعرة تمتلك امتداد واسع من النسيج اللغوي غير مشفر بالفكر السياسي بل امتداد عاطفي ثقافي في خلق نص ناضج عاطفيا عكس كثير من الشعراء الذين يرون الوطن من خلال أيديولوجيتهم وهذا ما يجعلهم يسقطون في اليوتوبيا والتي تصبح المسيطرة عليهم في البحث الدلالي عن المعنى في أحداث الأنزياحات الصورية التي تصنعها ميكانزمات اللغة والشاعرة استطاعت أن تمتلك انسجام بين أنساقها المتخيلة الرمزية وبين اللغة التي هي أداة في التعبير لإيجاد صورة شعرية قادرة على بث همومها من خلالها دون الوقوع في اليوتوبيا السياسية وهي بهذا حسمت ذائقتها باتجاه تحقيق أنسقها الشعرية ضمن ذهنيه ثقافة وطنية وانتماء مصري إلى الوطن :-


حينما تخلو الدروب منك
أظل ابحث عن خطاك
علني التمس قبسه حرف من أطراف بقاياك

هنا يصبح الوطن هو الهوية أي أن الشاعرة لا تمتلك أي خطوة دون أن تحمل انتماء صميمي إلى الوطن أو أن انتمائها إلى الوطن ليس حالة عرضية بل انتماء مصيري (حينما تخلو الدروب منك /أظل ابحث عن خطاك) وحتى لو تجد خطاها بعيدة عن وطنها فأنها سوف تعيد خطاها إلى خطا الوطن فأنها متعلقة بالوطن إلى حد أن تلتمس حتى حرف من أسم هذا الوطن وهذه حالة متقدمة من الانتماء قبس من حرف أطراف بقاياك (علني التمس قبسه حرف من أطراف بقاياك)أي يصبح الانتماء إلى الوطن انتماء إلى الحياة وحتى أن هذا الوطن لم يعطها الحياة بل سيظل هو قبس حياتها لأن ارتباطها به ارتباط مصيري وبالطبع هذه مناشدة من البعيد وحتى هذا البعد لا يلغي انتمائها المصيري له أي أن الوطن لها هاجس الانتماء إلى الوجود الإنساني وضمن أن أنساق هي تحدده فيه بدون أن تقع في الطوبائية الفكرية لحالة هذا الانتماء

ابحث عن نشيدا لدولتي
حين تنقشع ضباب أشرعتي
الراسية قرب موانئك البعيدة
أذما تشهر سيف مودتك بخاصرتي
ينتحب جرحي


الشاعرة هنا تشعر بالحالة من العزلة وهي بعيدة عن الوطن فلا شيء يملأ عزلتها ويلغيها سوى ارتباطها بوطنها حيث هي عندما تسمع نشيد غير نشيد وطنها فهي لا تسمع غير نشيده من داخلها فهي مازالت مرتبطة به ولم تغادره ولم ترحل عنه فأشرعتها مازالت راسية في موانئه أي قد يكون رحيلها عنه مجرد رحيل جسدي ولكن روحها مازالت موجودة فيه(ابحث عن نشيدا لدولتي/حين تنقشع ضباب أشرعتي/الراسية قرب موانئك البعيدة)والشاعرة تتمحور انفعالها العاطفي في زمن كتابة النص برحلتين رحلة من داخل الوطن إلى خارجة ورحلة من خارج الوطن إلى داخله متقاطعة مع ذاتها بهذه الرحلات كاشفة لحظة اغترابها الذاتي هي لحظة أقرابتها أو ابتعادها عن وطنها أي أن انتماء الذات بكل وعيها الذهني والعاطفي الانفعالي مرتبط ارتباط عاطفي صوفي بوطنها ...وقد حدث هذا نتيجة انكسار الذات وتأزمها نتيجة فقدانها أحد أحبائها أرتبط أو ضحى من أجل الوطن وهذا ما شكل لها أزمة بين الوطن وبين هذا الذي ضحى من أجله وسبب هذا الارتباط أو التضحية سبب لها أزمة واغتراب وهي هنا بهذا تحاول أن تبعد عن هذه الأزمة والاغتراب فترى وطنها بغير ما سبب لها من فقدان ( أذما تشهر سيف مودتك بخاصرتي /ينتحب جرحي ) والشاعرة تحاول أن لا تقع تحت هذه الأزمة وهذا الفقدان لترى وطنها غير هذا والشاعرة بقدرتها العالية حولت الألم إلى ارتباط وثيق بوطنها وهي محاولة إلى الاقتراب من درب أحبائها الذين ضحوا من أجل هذا الوطن أي عملية استعاضة بفقدان الأحبة بحب شيء كبير أكبر من كل التضحيات هو حب وطنها وهي بهذا تجاوزت أزمتها بشكل واعي إلى كل المبررات الحياة حولها أي أنها امتلكت ذاتها ووجهتها باتجاه الطريق الحقيقي الواعي بمصيرها وفي الحياة


وطني لا تغلق كل ستائر حلمي خجلا
شاءت أقداري إن تجمعني بك هماً
شاءت أقدارك إن تعرفني ألما
إن تعرف كل المدن الراسية وتنكر ارضي
وطني جدب وعدك
جدب
أهفو إلى دربك
تأخذ كل الطرقات وترحل
كل صراخ هذا الغيب تدق على أكمامي

ويتصاعد حبها إلى وطنها إلى حد يتآنسن في مشاعرها وانفعالاتها فتبدأ بمناشدته كأنه إنسان ويصبح يشغل كل مساحاتها الذاتية من الحلم ولكنها تشعر أن أحلامها في هذا الوطن هو إغلاق إلى أحلامها وهي حين تناشده بعدم غلق ستائر حلمها هي مناشدة جاءت نتيجة ذلك الصراع التي تعيشه اتجاه وطنها، الصراع بين أن يتحول هذا الوطن إلى وهم وبين أن تبقى متشبثة به لأنه القدر الذي لا تقدر أن تحدث انفكاك بينه وبين ذاتها وهذا ما يسبب لها من ألم
(وطني لا تغلق كل ستائر حلمي خجلا /شاءت أقداري إن تجمعني بك هماً /شاءت أقدارك إن تعرفني ألما ) والشاعرة تجاهد أن يحدث هذا الانفكاك ولكنها لا تستطيع رغم هذا الألم والاغتراب الذي تشعره لأنه لم يحقق ما أرادت أن يتحقق في حياتها فكل الحقائق التي أرادت أن تراها في وطنها جدبت ولكنها مع هذا تبقى تنظر إلى دروبه التي تجد فيها ذاتها (إن تعرف كل المدن الراسية وتنكر ارضي /وطني جدب وعدك /جدب /أهفو إلى دربك) فتشعر أنها تستطيع أن تحقق ذاتها وهي بعيدة عنه لأن هذه المدن توفر لها ما لم يوفره لها وطنها ولكنها
تعيش الغربة حين تحاول أن تنكر حقيقة وطنها في ذاتها حيث تبقى تهفو إلى دروبه البعيدة
(تأخذ كل الطرقات وترحل /كل صراخ هذا الغيب تدق على أكمامي ) وتتوزع الشاعرة الغربة وهي بعيدة عنه لأنها لا تشعر أي حنين إلى الطرقات غير طرقه ولكنه يرحل بعيد عنها
وحتى صراخها أو هتافها في الغيب والغربة يدق على أكمامها أي أنها لا يمكن أن تعيد ذاتها إلا بالانتماء إليه لأنه بالرغم ما به فهو مصرها وقدرها الذي لا تقدر أن تبتعد عنه. والشاعرة استطاعت بحرفية عالية بالتحكم بين الرؤيا الشعرية بحيث تسيطر على المعنى خارج الأطر اليوتوبيا التخيلية التي تجعلها تعيش الأوهام خارج منطقة الحلم هي حين استطاعت إلى آنسنة الوطن جعلها تمسك بالمعنى والدلالي مستثمرة الصورة الشعرية بدون الوقوع بالمباشرة بل استثمرت هذه الدلالات برمز يقارب المعنى التي أرادت أن توصله إلى المتلقي أي أنها عاشت زمن كتابة النص بذاكرة تخيله لا تسقطها خارج الفعل اللغة الحليمة أي أنها حافظت على مضامين المعنى والاقتراب أكثر من الرمز دون الغموض وحافظت على رؤيتها الداخلية بعمق هذه الرؤيا والشعر كما هو معروف يخلق الأشياء خلقا جديدا من خلال الرؤيا الداخلية وليس من خلال العين الحسية .


جدب أنت عراقي
جدب وإنا بادية الصحراء
حلم آذاري تمر ببابي
تغرس فيّ الكلمات
نثار الصفحات
وتندى عيناي صليل قيودك
ليت حروفي زادك
يأخذني الصبح إلى قافية الطوفان
اذاما غابت شمسي
كل تراتيلي
قل لي حرف لم يعرفه احد قبلي
كي لا تفزع مني سطوري الملقاة

تبتدئ الشاعرة بعد هذا الفيض من المخاض والمجارات إلى الوطن وتعلن أسم وطنها العراق لتخاطبه بشكل مباشر ولكن بدون أن تنسى حبها وعشقها الصوفي إلى هذا الوطن وهذا يذكرني بما قاله الشاعر الكبير محمود درويش ل[ حنيني إليك اغتراب /ولقيأك منفى ] مع هذا نبقى متشبثين بالوطن أنه مصيرنا وحياتنا التي لا يمكن أن نفرط بها والشاعرة بدل أن تلقي اللوم على الوطن تلقيه على نفسها (جدب أنت عراقي /جدب وإنا بادية الصحراء /حلم آذاري تمر ببابي )لتأكد أن الوطن هو حلم آذاري أي ربيعي وأنها هي الصحراء لا يفيد فيها الربيع حين يمر بها وقد أتى هذا لارتباطها به بشكل كبير كما أن الشاعرة استفادة من الاستعارة بشكل كبير لتثبيت بالرغم من أنها استخدمت صوت المتكلم بشكل واسع لتثبيت المعاني الأستعارية في لغتها الخطابية حين تستفيد من الصورة الشعرية كما استطاعت الشاعرة إن تجعل المعنى ينمو ويستمر في خلق الدلالات الجمالية في طرح رؤاها الشعرية وضمن سياق عدم البعد الدلالي من مدلوله لهذا نجدها تبقى مرتبطة بحبها إلى وطنها بالرغم ما يسبب لها من انكسارات حياتية وحتى حين تكمم تحاول أن تلقي اللوم على نفسها بدل الوطن وهذا تشبث صوفي كبير بحب الانتماء إلى الأرض (تغرس فيّ الكلمات /نثار الصفحات /وتندى عيناي صليل قيودك
ليت حروفي زادك )وكما قلت تلقي كل ما حدث لها على نفسها وليس بسبب الوطن وهذه الحالة هي عملية لإعادة التوافق النفسي مع وطنها وعدم أبقاء هذه الأزمة تشدها إلى البعد عنه ولهذا نجدها تناشده بأقل حدة من البداية أي أن الشاعر ة تدرجت من الغضب إلى الهدوء لتأكد انتماءها إلى حد أن مشاعرها ما كتبتها هي إلا من أجله حيث هو الذي يهبها الكلمات وهو سبب شاعريتها (تغرس فيّ الكلمات /نثار الصفحات /وتندى عيناي صليل قيودك /ليت حروفي زادك /يأخذني الصبح إلى قافية الطوفان ) حيث هي مرتبطة به بقيود لا انفكاك منها ولكن هذه القيود ارتباط روحي وعاطفي لأنها تدمع حين تسمع أسم الوطن في المنافي وهي تنذر حتى حروفها كزاد له فيكون فيها طوفان من الشعر والأحاسيس والقافية الشعرية لتدل على ارتباطها به القافية مرتبطة بالقصيدة الشعرية فهو لن يغيب عن بالها وإذا غابت شمسها فهو يكون كل تراتيلها وأناشيدها التي يجعلها أن تصبر في الحياة لأنه موجود في حياتها .كما هي تطلب أن يقول لها حرف لم يعرف لم تعرفه أي أنها تعرف كل ما يتعلق بوطنها لأنه مصيرها فلا يمكن أن يكون شيء مصيري ولا يعرف عنه كل شيء وهي بهذا تريد أن تأكد أن حبها له مبني على معرفتها به فهل هناك شيء لم يؤكد حبها له وحتى أشعرها هي انتماء له وهي تدعوه أن لا يفزع سطورها الملقاة لأنها هي سطور حبها له (اذاما غابت شمسي /كل تراتيلي /قل لي حرف لم يعرفه احد قبلي /كي لا تفزع مني سطوري الملقاة)
والشاعرة كما قلت سابقا مرت بوطنها من رحلتها الخارجية إلى داخله ومن داخله إلى خارجه
وكانت ذاتها هي محور معاناتها في هذه الرحلات وبقى الوطن هو محرر معاناتها وسببها ولكنها متشبثة به إلى أن أشعارها ما كتبت إلا من أجله لأنه هو سبب كل معاناتها التي تحفزها إلى الكتابة وتسطر سطورها الملقاة من أجله وهي بهذا استطاعت أن تكون صورة شعرية من أثارة عواطفها وانفعالها من اجل الوطن كما قال أي .س دالاس (أن قوة الصورة تكمن في أثارة عواطفنا واستجابتنا للعاطفة الشعرية ) وهي امتلكت القدرة على الاستجابة إلى عواطفها
الشعرية بشكل أستعاري يضمن المعنى في أحداث الانزياح في الشكل الدلالي بحبكة لم تتغير على طول كتابة النص.

مع أمنياتي إلى الأخت الشاعرة بارقة أبو الشون بالتوفيق والإبداع واستمرار بالتألق بحب وطننا العراق الغالي الكبير.




( 6 )
للريح للشاعر فاروق طوزو / سوريا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــــــ

تعالي لنجدةِ الملهوفِ
النجدةُ من شيمِ الأصلاء
أشبهكِ أحبكِ
هل نسيتِني أم النسيانَ
شرعٌ في الماحقات
يا ريح
هدمي عروش الاسمنت
والطوب
أرجعي لنا عمرنا الماضي
بيادراً
وسنابلاً
أعيدي قليلاً من السنوات
أرجعي صبوة العشق
ونظفي أجسادنا من الهلام
والسخام
طيري من عليها الدرنات
العمر يمضي
الشرور في الدنيا تزداد
نبعُ الشعر الآدمي ينضب
تزدادُ الصلوات
تكثرُ النذور
خيمٌ بلا أساطين
سهولٌ بلا امتداد
أنا غيمٌ شتائيٌ هارب
لا توقفنيْ الكمائن
***
أيتها المرأة الحنونة
أوقفيني على حاجزك
املئي صرري بالحنان ِ
امنعي هروبي
أنا مرعوبٌ
مغتصبُ الأماني
مهزومٌ منَ الشدائدْ



القراءة :
ـــــــــــــــــــــ

عندما نحاول قراءة الشعر قراءة سيميولوجية فان هذه القراءة تهدف إلى تحرير النص من قيود المفروضة عليه بحيث تصبح الكلمة ضمن النص المعبرة عن التجربة الجمالية والتي يحررها المبدع ويعتقها ويرسلها صوب المتلقي وتختلف قدرة وتأثير هذه الكلمات على المتلقي وهذا الاختلاف يعتمد على قدرة أبداع الشاعر على أعطاء الحرية لهذه الكلمات لكي تصبح أكثر تأثيرا على مخيلة المتلقي لها أي عندما تكون ذهنية الشاعر والمتلقي ذهنية واحدة وبهذا تصبح مساحات الجذب للشاعر أكبر . وعندما ندخل إلى العالم الشعري إلى الشاعر فاروق نجده قد أقترب كثيرا من هذا باستخدامه الكلمات البسيطة المعبرة على مساحات واسعة من المعنى حيث يبدأ الشاعر بالدعوة إلى الطرف الأخر ولكن بتردد أ ما نتيجة عدم يقينه بوفاء الطرف الأخر إلى هذا النداء ولكنه في نفس الوقت لا يجعلنا ننتظر طويلا من نتيجة هذه الدعوة لأنه يرجع ويفندها لقناعته الكاملة بأن الطرف الأخر يحمل الأسباب التي تجعله لا يلبي هذه الدعوة حيث يبدأ
بالنداء إلى الأخر (تعالي لنجدةِ الملهوفِ / النجدةُ من شيمِ الأصلاء/ أشبهكِ أحبكِ
هل نسيتِني أم النسيانَ/ شرعٌ في الماحقات )وهو هنا يطرح سؤال ويجيب عنه وهذا نتيجة الألم الكبير الذي سببه الطرف الأخر المغول بذاته إلى حد كبير بحيث يطلب من الريح أن تقوم (يا ريح/هدمي عروش الاسمنت /والطوب/أرجعي لنا عمرنا الماضي/بيادراً/وسنابلاً/أعيدي قليلاً من السنوات/أرجعي صبوة العشق/
ونظفي أجسادنا من الهلام/والسخام /طيري من عليها الدرنات ) وهو بذلك يطلب من الريح بدل منه القيام بالفعل وهذا مايدل عن أن الطرف بالرغم ماسبب له من ألم لا يريد أن يفقد الأمل بحيث يطلب من الريح أن تعيد له عمره الماضي الذي عاشه معه وهنا من الممكن أن تتفرع مسارات النص بسبب هذا الطلب أما أن الشاعر لا يريد أن يصدق أن العلاقة بينهما وصلت إلى هذا الحد أو أن الشاعر يشعر بعدم قدرته بالوصول أليه لبعده عنه وألا لماذا يطلب من الريح والتي تمثل السمة المتنقلة على كل المساحات البعيدة والقريبة فهو يطلب من الريح أن تهدم عروش الأسمنت والطوب وهذا مايدل على الحواجز التي بنيت بينهما ولعدم قدرة الشاعر على تجاوز هذه الحواجز ويمضي بطلبه من الريح أن ترجع عمرهما الذي عاشوا به بيادرا ولكنه يدرك أن هذا قد يكون البعيد فيعيد طلبة ولكن بشكل قليل (سنابلا أو أعيدي قليلا من السنوات ) وهنا الشاعر قد وصل إلى حالة اليأس برجوع هذا العمر الذي مضى ويرجع إلى الريح هذه المرة ولكن برجاء وبحدة أقل
( أرجعي صبوة العشق /ونظفي أجسادنا من الهلام / السخام / طيري من عليها الدرنات) لأنه بالرغم أمنيته برجوع العمر الماضي لأن فيه المحبة والعشق الصافي ولكنه في نفس الوقت يرفض أن يرجع إلى من تلوث جسده بالهلام والسخام ويستمر بهذا الرفض تطير الريح من عليها الدرنات وهو بهذا يصر أن أمنياته حول عودة الزمن الماضي ألا أمنية إصراره على صبوة العشق الحقيقي النظيف من السخام والدرنات


العمر يمضي
الشرور في الدنيا تزداد
نبعُ الشعر الآدمي ينضب
تزدادُ الصلوات
تكثرُ النذور
خيمٌ بلا أساطين
سهولٌ بلا امتداد
أنا غيمٌ شتائيٌ هارب
لا توقفنيْ الكمائن

الشاعر بالرغم من معرفته بأن العمر يمضي ولكنه يصر على العشق الصافي وهذا يستدرجه إلى حالة اليأس لعدم عودة ذلك الزمن الصافي وهو يبرر ذلك بسبب زيادة الشرور وهذا هي حالة من انقلاب الذات لكي لا تصل إلى نهاية اليأس والانهيار حيث يقول شوبنهاور ( اليأس بداية الانهيار ) يزداد تبريره بحيث يعمم هذه الحالة على كافة الجنس الآدمي( نبع الشعر الآدمي ينضب / تزدادُ الصلوات/ تكثرُ النذور/ خيمٌ بلا أساطين/ سهولٌ بلا امتداد ) وهو نفس ما حدث إلى عطيل لأن مأساة وحده عطيل في العالم الغريب وفقدانه هو وديزدمونا الوفاق مع العالم، وإنما تمثل مأساة الإنسان الكبرى.
ويستمر الشاعر مع كل هذه التبريرات بحدوث هذه المأساة تبقى ذاته متعلقة بالأمل وكما قال هاو سمان (أن مهمة الشعر هي تنسيق أحزان العالم من أجل الأمل الأتي ) فهو هنا بالرغم أنه تعب من هذه التبريرات لطول الانتظار ( أنا غيم شتائي هارب) ولكنه يصر على أن لا يتوقف عند حالة اليأس بل لن يفقد الأمل بالغد ( لا توقفني الكمائن)وتكمن قدرة الشاعر الرائعة على استدراج الكلمات لتعبر عن التجربة التي يعيشها بقدرة مبدعة بالتأثير على المتلقي والشد الذهني له وهو بذلك وصل إلى ما أراده من أن يصله إلى المتلقي مستخدما الصورة الشعرية

أيتها المرأة الحنونة
أوقفيني على حاجزك
املئي صرري بالحنان ِ
امنعي هروبي
أنا مرعوبٌ
مغتصبُ الأماني
مهزومٌ منَ الشدائدْ

لوصول الشاعر إلى حالة اليأس باستخدام الرمز المعبر عن الطرف الآخر يجري هنا المكاشفة الصريحة حول هذا الطرف الذي طلب منه الكثير في المقطع الأول ولكنه هنا يستخدم الرجاء بطلبه من المرأة الحنونة الذي فقد الأمل وكأن هذا المقطع هو استراحة المحارب بعد الشد النفسي الذي أستدرج الشاعر إلى حالات اليأس من هذا العالم فبعد ثورته على الدنيا التي تزداد الشرور يرجع إلى الحضن الأول والتي قد تكون رمز (المرأة الحنونة) ألا رمز إلى الرحم الأول إلى الطفولة
حيث أن الإنسان حين يفقد الأمل نتيجة اليأس يرجع إلى الرحم الأول أو الطفولة والتي تمثل الطهر والنقاء في هذا العالم.
وهذا ما يدل يأسه من ثورته على المرأة الأخرى التي تمثلت له بالصور التي رسمها كما في المقطع الأول من النص والذي بسببها أنسحب من العالم ليرجع إلى طفولته والمرأة الحنونة (أيتها المرأة الحنونة/أوقفيني على حاجزك /املئي صرري بالحنان /امنعي هروبي / أنا مرعوبٌ /مغتصبُ الأماني/مهزومٌ منَ الشدائدْ)
يرجع إلى العهد الأول الذي يمثل له الطهر والصفاء بعد أن أصبح مرعوب و مغتصب الأماني و مهزوم من الشدائد بعد أن نسحب من الدنيا التي تزداد الشرور ونضب نبعُ الشعر الآدمي...و قدرة الشاعر أستطاع أن يستخدم المنولوج الداخلي الذي يوصل المتلقي إلى النتيجة التي أراد أن يوصلها مستخدما الصورة الشعرية التي قد بناها على المفردة الجميلة والمعبرة






( 7 )
براءة الفكرة للشاعر ماهر عمر / فلسطين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ـــــــــــــــــــــ

1 _ كينونة :

أن أكون كما أنا
بغير إطفاء جذوة الألم
المحنى بلمسة الآه
القابعة خلف حدود المسام
أعلن في بيان عاجل
أنها كانت هنا ...

2 _ نزف :

قبل الانهمار الأخير
لدم الشمس في البحر
تندلق قطرات بداخلي
معلنة حالة النزف العذب


3_ ضياع :
كلما يقذفنا الرحيل
نشتهي ظلنا
ندوّن في معطف الشرود
أرواحنا ...
و أمنية ...

4 _ حياة :
يبحث البشر ببراءة
عن صور وجوههم
لعنة المرايا
لذا كسرت مرآتي ...

5 _ ليل :
يبتسم ماسحاً كفيه
بحنان قمر يموت
منسلخاً من أنقاضي
يموت ... مستسلماً لأبجدية النهار

6 _ حلم :
يتهيأ ليرسم جسده عليّ
لا تراه عيناي

7 _ قلب :
خانه حاملوه
نبض يزوره خلسة
ألمح في ثقوبه
ألف آهٍ منفية







أن البحث عن خطاب الروح في كينونتها الوجودية من خلال الطرف الأخر هو عملية تكوين العلامة لهذا الذات حيث تبقى الذات ليست في مواجهة ذاتها المتماهية فحسب بل هي أيضا في مواجهة الغير وارتباط هذا الغير بصيرورة الفعل في تحريك الحياة لهذه الذات .. فكيف إذا كانت الذات تقر أن كينونتها لا تراها إلا من خلال الطرف الأخر الذي هو رمز الحب ، هذا ما نشعر به من خلال نص الشاعر ماهر عمر وذاته المتماهية في الوصول إلى الوجود من خلال الطرف الأخر الذي هو موازنة كينونة الذات في الحياة ، كما أكد عليه بول ريكور في كتابة بعد طول تأمل حيث ناقش الذات والأنا فالذات تمثل الهوية بمعنى التماهي أو المطابقة التي بموجبها يمكننا تعين هوية موضوع معين عبر ديمومة صيرورة الزمان مما يجعلها من الممكن أن توظفها للرمز أو للسرد من خلال اكتشاف فعل الحياة ضمن هذه الذات ، وهذا بالطبع يتشكل عبر البحث للذات عن المعنى الذي تبحث عنه وسط أزمتها الوجودية ، فالشاعر يؤكد في المقطع الأول من قصيدته عن كون الأنا من خلال إطفاء جذوة الألم والأنا ما هي إلا جوهر الذات وفعلها المستمر في الحياة ...



أن أكون كما أنا
بغير إطفاء جذوة الألم
المحنى بلمسة الآه
القابعة خلف حدود المسام
أعلن في بيان عاجل
أنها كانت هنا ...


فالشاعر هنا يوحي ولا يطرح مشاعره بشكل مباشر أي أن الشاعر استفاد كثيرا بشكل جميل في استخدام الإيحاء لكي يثبت الرمز الذي يسعى من أجل يكون الصورة إلى المتلقي ، وبالطبع هذا هو سر جمال القصيدة فهو هنا يريد أن يكون هو ولكن ليس من خلال البحث عن ما يبعد عنه الألم بل ليبقي هذا الألم لأنه يذكره بمن يحب مع أن هذا الألم يتخذ مساحة واسعة من روحه فهو خلف حدود المسام أي متجذر في كل كيانه الداخلي ، والشاعر هنا أراد أن يبقي الألم من أجل يعطي إلى روحة الحالة الوجودية بجود الطرف الأخر الذي سبب الألم ، وتأتي هذه الحالة نتيجة بُعد أو عدم أمكانية الوصول إلى الطرف الذي يسبب الألم اللذيذ فهو قابل بوجودها قربه برغم الألم التي تسببه ، فهو يردها حتى في لحظات الألم ولتثبيت إلى ذاته أنه عاش بقربها أو تلامس وجوده مع وجودها فمن خلال تثبيت الألم الذي كان بسبب هذا الوصول أي هو يريد أن يثبت أن ما يحلم به أو ما يمر في خاطره هو الحقيقة لكي يبرر أن حلمه ليس مجرد حلم بل هو واقع ، وهو هنا لا يمتلك شيء محسوس خارج ذاته اتجاه من يحب لأن من يحب مرابط داخل روحه ..وهذا هو تماهي الأنا من أجل من تحب لأن كل شيء يأتي من الحبيب جميل حتى الألم وبالطبع هذا تجذر لهذا الحب في روحه فها هي كانت هنا فهو مستعجل أن يوضح إلى ذاته أنها قربه قبل أن تغيب وكأنها حلم تمر على ذاكرته ...الشاعر أستطاع من خلال هذا المقطع أن يثبت الطاقة الروحية والمتحسسة بجودها المكاني بقربه إلا ما حدث الألم له لولا مرورها بقربه ، وبالطبع هذا استحضار ذهني تصوري لحضور شيء هو بعيد عنا وبالطبع هذا فعل نفسي ارتدادي أو دفاعي نابع من اللاوعي الذي فينا نريد أن نثبت إلى الذات أن مشاعرنا هي حقيقة وليس مجرد وهم ...




نزف :

قبل الانهمار الأخير
لدم الشمس في البحر
تندلق قطرات بداخلي
معلنة حالة النزف العذب



الشاعر بعد أن ثبت عمق من يحب في روحة يحاول هنا أن يغوص إلى داخلي من أجل مناقشة هذه الذات من خلال انعكاس العالم الخارجي على داخله الروحي ، فالشاعر حرك الطبيعة من أجل أن يحرك ما في داخلة من أجل أن يكتشف من خلال هذا التحرك عمق من يحب في روحه ، وهذه الحالة هي عملية البحث في خزائن الروح القابعة في أعماقه ، فهو جعل الطبيعة كمرآة إلى هاجسي الداخلي ، وهنا ندرك أننا أمام شاعر يعرف كيف يحرك هواجسه الشعرية ، لأنه هنا جعل إلى الشمس دم وحين يسقط هذا الدم في البحر ، وهذا يعني التمازج إلى حد الذوبان الدم بالبحر و هذه صورة شعرية رائعة جد لأنه أوحى إلى المتلقي بتمازح حبه مع روحه إلى هذا المستوى من الترابط العميق ، حيث تندلق قطرات بداخلي معلنه حالة النزف العذب ,كما قلت في المقطع الأول أنه يتلذذ بالألم الذي يسببه من يحب حتى يؤكد قربه منها أي أن حالة الألم هي علامة على مروره بقربها فهو لا يمتلك أثر غير هذا الألم فهو يعيش حبها الروحي فقط ..


ضياع :
كلما يقذفنا الرحيل
نشتهي ظلنا
ندوّن في معطف الشرود
أرواحنا ...
أمنية ...


ولكي لا يستمر بالضغط على ذاته إلى النهاية في لحظة الصحو يتدارك أن كل ما عاشه هو وهم وضياع ، فالشاعر هنا يرتد عن ما أكده في المقاطع السابقة من خلال حضور فكره ، لأنه هنا أبتعد عن جوهر ذاته بالرحيل أي أبتعد عن هذه الذات لكي يراها أكثر أي أنه فك لحظة الاشتباك منها وهذا قد يأتي بعد اليأس من الوصول إلى من يحب فأنه غجر أن يستمر بالتبرير إلى ذاته عن حضور من يحب إلى جوده الفعلي ، فهو لم يعد يشتهي أن يدون ظله في معطف شروده روحه سوى أمنية ، أنه وصل إلى حالة العجز الكلي بالوصول إلى من يحب سوى التمني بعد أن كان يثبت أنه مسك أو عاش حضور من يحب خلال الألم ، فقد تحول هذا الحضور إلى مجرد أمنية



_ حياة :

يبحث البشر ببراءة
عن صور وجوههم
لعنة المرايا
لذا كسرت مرآتي ...



الشاعر هنا يحاول أن يخرج من ذاته لكي يبرر ما يعيش من أمنية حول من يحب ويتم هذا من خلال تبريره إلى ذاته أن ما عاشه من وهم أو ظل بحضور الحبيب إلى جانبه ، فليس هو فقط بل جميع البشر يعيش ما يعشه ، وهذه الحالة لكي يمنع ذاته من الانهيار ، لهذا هو يكسر مرآته لكي لا يرى ذاته والحقيقة التي يعيشها ، فهو لا يريد أن يرى أو يتحسس معاناته بل يحاول الهروب منها مبررا ما عاش من صور الحياة من خلال كسر المرايا التي تعكس له الحقيقة
الشاعر كما قلت سابقا أستخدم الإيحاء الذي يعمق هواجسه الفكرية لكي يخلق صورة الترادف الشعري بشكل رائع وجميل جدا ، لأنه عاش رؤية ثنائية ما بين الأنا و ذاته التي تمثل الهوية لدية فهو أستطاع أن يتحسس عمق التناقض مابين مشاعره ومابين حضور الحبيب في حياته ، لكنه أستطاع أن ينتصر للوصل إلى حقيقة من يحب البعيد عنه بعد أن كان يتحسس وجوده حوله أي أنه خرج من وهمه ، والشاعر قد أتى ببنية دلالية متألقة بروح انسيابية وإيقاعية رائعة حيث أستطاع أن يوزع الدلالة النفسية ما بين الأنا وظلها بشكل متألق وجميل



حلم :

يتهيأ ليرسم جسده عليّ
لا تراه عيناي


ونحن نقدر أن نوزع نص الشاعر على مرحلتين المرحلة الأولى هو انغماس ذاته في تبرير حضور من يحب والمرحلة الثانية هو تبرير بعدم حضور من يحب وطبعا جاءت المرحلة الثانية بعد يأسه من الحبيب وحضوره في حياته ، ونجده هنا يستمر بتبرير أن ما عاشه هو مجرد حلم فهو يتهيأ ليرسم جسد من يحب ولكنه لا يرى هذا الجسد فهو لم تعد تراه عيناه أي أنه حول كل ما عاشه بعد اليأس إلى مجرد حلم وكما أكد عليها بول ريكور حول مواضيع الانفعال التي تحدد أفق العلاقة مع الآخر وهو الجسد وهذا هو صوت الذات المتماهية مع ذاتها ومع الآخر داخل الطوية الباطنية أي علاقة الانطولوجيا مع الذات بحضور الطرف الآخر من خلال المحسوس ضمن الوجود الظاهري للشخصية الثانية التي يدور حولها الموضوع .


_ قلب :
خانه حاملوه
نبض يزوره خلسة
ألمح في ثقوبه
ألف آهٍ منفية


وما المقاطع الأخيرة إلا استمرار بعدم جدوى من يحب لأنها بعيدة عنه ولا يوجد اتصال حضوري بينهما ، لهذا يعود ويؤكد إلى ذاته أنها مجرد حلم فم يعد هناك من جدوى لانتظار حضورها في حياته بالرغم أنه يتمنى أن تكون في حياته ، والشاعر هناك يضعنا أمام تثبيت أن كل ما مر به هو مجرد أمنيات في خاطره وليس حقيقة عاشها بل هو أمنيات مرت بفكره البريء كما ثبت عليه عنوان النص ، لكنه يبقى يعيش هذا النبض لأنه يمثل له ما يريد أو ما يتمنى من حبيبة له في الحياة الرغم أن هذا النبض يزوره خلسة لكن فيه ثقوب وألف آه منفية أي أنه قد لا يعثر على من يتمنى في الحياة ، والشاعر أستطاع أن يقنعنا بما أراد أن يوصله إلى المتلقي من خلال الحوار الداخلي مع الذات وانعكاس الحوار الخارجي من الطبيعة على حواره مع ذاته ، فالشاعر بقدر ما كون نص وفق معيار الفكر أستطاع أن يقنعنا بجوهر وجدانه أي أنه حقق المدركات الذهنية من خلال أظاهر الجوهر النفسي لأمل قد لا يصل إليه . لكنه يبقى يعيش نبضه خلسة ،بهذا هو حقق منجز شعري جميل ورائع




( 8 )
الجثة للشاعر حبيب النايف / العراق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــــــــ

مسلة الزمن
انتهت فصولها
لتضيف في آخر التقويم
وقت انطفاء العمر
جثة جامدة
يخيطها صمت مطبق
على طريق إسفلتي كالح
نظرات شاردة من حدقات
اتسعت كأنها المدى
لم يسعها الفضاء
تحتضن الم الجسد
وتلفه بسيل من الدموع المستباحة في حضرة الفجيعة

اللحظة المتوقدة
تقطع نياط القلب
تستحضر أحلامها المتبخرة
بين ظلوع الوجع
المدفون على الوجه النازف حد الألم
تتثاقل الخطى
تنهار رفوف الحيرة في حضرة المكان
أصوات
تتبعها أصوات
هل يسمعها الأموات
ونحيب
يتلوه نحيب
لينهي ما بدأت به الحياة
..
بقع الدم المتخثر على جدار الصمت
تأشيرة الدخول لحضرة المجهول
وظل قاتم لجسد عفره التراب
وتلاشى مع صفحات
لم تفتح بعد .



القراءة :
ــــــــــــــــــــــــ

أن تركيب اللغة بمفرداتها وجعلها الواسطة الحقيقة لنقل هم الإنسان الوجودية وفق اللغة الشعرية والامتداد بهذه اللغة وكما أكد عليه رولان بارت في كتابه هسهسة اللغة أن نجعل من الجملة لا تمتلك فقط معنى حرفيا أو ذاتيا وإنما هي تمتلك معاني الإضافية في الدلالات الذاتية المعبرة عن هم الشاعر وما يلزم ذاته في لحظة الكتابة الشعرية أو الخلق الشعري حيث تبقى اللغة لها الأهمية القصوى في تعريف المتلقي بالمتن وإضاءة جوانبه والكشف عنه والإفصاح عن مكنون الدلالات التي فيه وما تحمل من شحن عاطفي دلالي من أجل حيازة المعنى واستيعابه وفهمه وفق أحداث الانزياح في الرؤيا في روحية النص ضمن متنه بشكل لا يطفو إلى السطح ليفقد عمقه في هذه الدلالات الجوهرية ... وهنا نجد الشاعر حبيب النايف يؤرخ الحدث الجسدي ومراحله ضمن الحدث الوجودي لدلالة على هم الإنسان بفقدانه التكافؤ أو المواجهة مع سطوة الأبدية وتلقيه النهاية وفق القوى التي تحدد قدرية النهايات الإنسانية.. وهذا ما يؤكده في بداية نصه على مسلة الزمن وفصول الإنسان في الحياة حيث نجد أن الشاعر يمتلك مساحة واسعة بالمحافظة على العمق النص باستمراره بأحداث الاستعارة الداخلية من خلال الانزياح لمدلول الرؤيا ، تحقيقا إلى التكثيف والتركيز ضمن الدالة الواقعية بعيدا عن الضبابية حيث نلاحظ الشاعر يسعى إلى تبرير الذات في الوجود والذي حولها ليطرح أهم أزمة تواجه الإنسان لمقاربة الأبدية بقوتها الضاغطة والمواجهة معها لهذا نجد الشاعر يتفاعل مع نفسه للامساك بقواه وتوظيفها مع ما حوله كرؤية ودليل له

مسلة الزمن
انتهت فصولها
لتضيف في آخر التقويم
وقت انطفاء العمر
جثة جامدة
يخيطها صمت مطبق
على طريق إسفلتي كالح
نظرات شاردة من حدقات
اتسعت كأنها المدى
لم يسعها الفضاء
تحتضن الم الجسد
وتلفه بسيل من الدموع المستباحة في حضرة الفجيعة

كما قلت يحاول الشاعر بإمساك بنهايات عدم تكافؤ الإنسان مع الأبدية بحيث يجعل من الفصول هي مراحل هذا الإنسان في مسلة الزمن وتداعيه وفق فكرة الحركة والضمور في فصوله حيث نجد الشاعر يسعى إلى رؤاه كي يثبت المتغيرات الحياة اليومية والمستقبل وما يحصل إلى الإنسان ضمن هذا المراحل حيث تنتهي كل فصول الإنسان وينطفئ العمر ويتحول إلى جثة ..فهو يؤكد على مسلة الزمن كي يعطي إلى المتلقي أن عمر الإنسان محصور في زمن محدد( مسلة الزمن/انتهت فصولها /لتضيف في آخر التقويم/
وقت انطفاء العمر/جثة جامدة ) حيث يؤكد هنا هزيمة الإنسان وفق التبريرات الميتافيزيقية والوجودية فالإنسان لم يكن له سوى عمر محدد وينتهي وفق كل هذا التبريرات يتحول إلى جثة هامدة والشاعر أستطاع أن يوحد الفكر والميتافيوياء بواقع الإنسان ضمن الوجود وكذلك أستطاع أن يقارب من المدلول الظاهري إلى المدلول الداخلي في بنية ووظيفة الزمن في عمر الإنسان محققا بذلك الرؤيا التي تمتد لتحقق الصورية التخيلية لمصير هذا الإنسان وعجزة في مواجهة قدره المحتوم فعندما تنتهي فصولة في الحياة يتحول إلى جثة هامدة وتتحول حياته إلى صمت مطبق ...والشاعر قد حقق في إزاحة الظلام حول الإنسان بعد موته باستعارة انزياح توصيفي باستخدامه طريق أسفلتي كالح وفي نفس الوقت أظهر هنا أتساع في الرؤيا في موت الإنسان وهو يحدق إلى ما تركه خلفه في الحياة وكأنه الشاعر هنا أراد أن الإنسان بالرغم من موته يبقى مرتبط بالحياة من خلال ما ترك فيها وهو بهذا حافظ على معنى الصورة وعدم اختلالها في الدلالات حيث نشعر أن الشاعر يمتلك قدرة على الاسترسال في حبكة تكوين الانزياح للحدث الشعري بدون أن تنفرط من سياقها الوظيفي ليبقى محافظ الانزياح التوصيفي على طول النص كي يوصلنا إلى فاجعة الإنسان ونهاية المحفوفة بالألم والنهايات كأنها المدى المفتوح بالوجع (يخيطها صمت مطبق /على طريق إسفلتي كالح /نظرات شاردة من حدقات/اتسعت كأنها المدى/لم يسعها الفضاء /تحتضن الم الجسد/
وتلفه بسيل من الدموع المستباحة في حضرة الفجيعة) وهو بهذا كون الصورة الشعرية وأستطاع أن يحرك هذه الصورة في مشاهد دلالية للمشاعر الكامنة في الإنسان حيث أمتلك القدرة على أظهار ما وراء الصورة لقدرية الإنسان ونهايته محافظا على توتره الشعري على طول النص ..

اللحظة المتوقدة
تقطع نياط القلب
تستحضر أحلامها المتبخرة
بين ضلوع الوجع
المدفون على الوجه النازف حد الألم
تتثاقل الخطى
تنهار رفوف الحيرة في حضرة المكان
أصوات
تتبعها أصوات
هل يسمعها الأموات
ونحيب
يتلوه نحيب
لينهي ما بدأت به الحياة


والشاعر كما قلت أستمر بحسه الانفعالي داخل النص في توضيحات بنيوية تكثف صورة النص وتعطيها أبعاد زمنية في لحظة احتضار الإنسان ونهايته ونشعر بقدر ما يستمر بقوة التوتر المؤثر في منظومة متكونة من الصور والأسماء والرموز ضمن مسارات مفترضة بالوصول إلى نهاية الحياة للإنسان وكما نلاحظ أن النص يتمتع بخاصية الوحدة والتكثيف وكما أكد سوزان برنار لقصيدة النثر .. وينتقل الشاعر ولكن ضمن وحدة النص إلى المظاهر المحيطة حول الإنسان الذي يحتضر حتى ندرك أن الشاعر عاش الأزمتين أزمة الاحتضار وأزمة المشهد المؤثر حوله في لحظة الفقد إلى من يحب ..فالشاعر عاش هذه الأزمة بشكل عميق لهذا نرى أن الحدث الصوري المتكون ضمن النص بقدر ما يحمل من العمق يحتفظ بالمعنى الجوهري لأن الشاعر أستطاع للإفادة من هذه التنقلات المؤثرة وبشكل انسيابي ومحتفظ بإدامة الزخم الشعري ( اللحظة المتوقدة/تقطع نياط القلب /تستحضر أحلامها المتبخرة /بين ضلوع الوجع /المدفون على الوجه النازف حد الألم /تتثاقل الخطى/تنهار رفوف الحيرة في حضرة المكان ) حيث نلاحظ الانسيابية في تركيز الأحداث والتنقلات العلنية ليعكسها على الحدث الداخلي إلى الشخص المحتضر فجمال النص يكمن هنا في هذا المقطع حيث ينقل الحدث المكاني الظاهري إلى جوهر لحظة الاحتضار وكأن ما يحدث إلى ما حوله الشخص المحتضر هو انعكاس إلى ما يعانيه من ألم وانهيار في لحظة الموت والشاعر أستطاع هنا أن يتطابق الحدث الخارجي مع تداعيات الداخلية لهذا الاحتضار( تتثاقل الخطى/تنهار رفوف الحيرة في حضرة المكان ) وهو بهذا جعل الدال يتقاطع مع المدلول لتكوين صورة شعرية نابضة مؤثرة على المتلقي وكما قال أي.س.دالاس (أن الصورة الشعرية تعتمد على جديتها وإيجازها، وقوة إيحاءاتها ) والشاعر بقدر ما نقل الحدث الخارجي أستطاع أن يتوغل إلى الداخل مقاطعا العالمين بشكل متدفق وجميل يثير المتلقي حول لحظة الاحتضار وما يرافقها من أحداث من الناس الذين حوله مكون صور نازفة مركز ثقلها هموم الإنسان في لحظة احتضاره

بقع الدم المتخثر على جدار الصمت
تأشيرة الدخول لحضرة المجهول
وظل قاتم لجسد عفره التراب

يوصلنا الشاعر إلى نهاية الفاجعة للإنسان بعد انكساراته وخيباته في مواجهة النهاية المحتومة عليه من قوى الوجود العليا في نهاية لم تبق فيه سوى الدم المتخثر على جدار الصمت والشاعر حول مخاض الألم وانفعالاته في فقدانه من يحب في لحظة الموت إلى رؤيا إيحائية تكون صور شعرية ضمن نسق منهج التكويني لتكوين الحدث الشعري والارتقاء به إلى مستوى سيميائي من الصورة الشعرية وهو بهذا أستطاع أن يحرك الواقع إلى مستوى الحدث الشعري ونقلة إلى حالة الرمز وتداخل المجار والاستعارة الذي مكنته من الاستمرار في المعنى لتشكيل النظام الشعري لأحتوى الصورة الشعرية للحدث الواقعي الذي عاشه ضمن هذه التجربة حيث لم يبقى من الإنسان سوى ظل قاتم لجسد عفره التراب بعد أن أمتلك تأشير دخول إلى حضرة المجهول .. والشاعر أستطاع أن يثبت مجهولية الإنسان وفق الحدث الكوني وتداعياته الحتمية في نهايته المجهولة .






( 9 )
النص : ليل وقضبان للشاعر عاطف القيسي / الاردن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــ

مستوحاة من الفلم الذي
يسجل أسطورة الكفاح
الإنسان في السجون
من أجل الحرية الإنسان ..في كل مكان
ومهداة لكل أسرى الحرية ..
في فلسطين والعالم


**********
الليل ...
كل المساجين ...
وكل الأعين البريئة ...
جمع بلا خطيئه
والشمس لم تعد ترى
من ثقب زنزانتنا الصغير
سجاننا الحقير
يهوى سماع سوطه
يئز فوق الجسد الهزيل
لاشيء في عالمنا غير السياط
ناكل الشتائم الكبرى
ونمضغ السباب والنكات
تنيمنا السياط
توقظنا السياط
ننام ساعة على البلاط
. . . نحلم حينها
. . . نحقق الأماني
. . . نسكب الأغاني
نزف للعشيقة الرقيقة
توقظنا السياط
نساق كالقطيع للمحجر
تموت في عيوننا الدموع
. . . لا تظهر
هل يا ترى !!!
تعود (ماروسيا )لأوكرانيا*
. . . وإكليل الورود
هل يا ترى يعود ؟
ويجلس الرفاق حول زائر
جاء يحدث الأحاديث . . .
ويتلف الزمن
وفي المساء
تنمحي الأشياء . . .
يا حبيبتي
تعود فوق جبهتي
خارطة الوطن



القراءة :
ـــــــــــــــــــــــ

حين يكون الشعر معبرا عن قضية شعب بعيدا عن أدلجة نسق التعبير يأخذ مساحة أوسع في أحداث الانزياح في تراكيب والمفردات ، لأن هذا يجعل الشاعر يلم أو يوسع بكل مكامن الروح البشرية في لحظة توهج ذاته الشعرية دون الارتكاز على مفاهيم سابقة مبنية في وعيه المعرفي ( الأيديولوجية) وكما أكد عليها أمبرتو إيكو في كتابة العلامة ( أن الثقافة تقوم بتجزئة المضمون وتثبيت في وحدات ثقافية تلك الأجزاء الواسعة من المضمون الذي نطلق عليه الإيديولوجية )، لأن المعرفة تشكل سمات المدارك النفسية في لحظة المخاض التي تشكل الصور السيميائية والتي تستدرج اللاوعي في الذات لتكوين المعنى الواسع في اختيارات الشاعر حيث نجد أن الشاعر عاطف القيسي أستطاع أن يثبت عمق تأثير الصورة السينمائية على تجذراته الواعية وانعكاساتها على اللاوعي ، أي أن ذاته أصبحت مرآة انعكاسية لأحداث السينمائية التي كونت الصورة المركبة من الجدل الذاتي لكل المشاهد لشعب يضطهد شعب يبحث عن حريته ، فأستطاع الشاعر عاطف أن يظهر موهبته الشعرية بشكل بديع ورائع حين أضاف أو رمز الصور السينمائية بمدارك حسه الشعري أي أنه أضاف إلى الصورة صور مخزونة في اللاوعي الإدراكي ، فهو أكتسب صور من المشاهد السينمائية ولكنه لم يأخذ هذه المشاهد كعنصر ارتكاز بقدر ما جعلها مرتكز نفسي بخلق صورة جديدة قد تكون بنفس النسق الوعي لهذا المشاهد ولكن مغايرة لها في طريقة العرض الشعري وهذا هو سر أبداع هذا الشاعر وتفوقه المعرفي في مزج المشاهد السينمائية مع المشاهد اللاوعي الكامنة فيه ليكون صور قريبة من ملامسة الروح لكل الشعوب المضطهدة أي أن المشاهد بقدر ما أثارة فيه الوعي الشعري أضاف هو إليها وعي صوري شعري جميل من زاوية النظر الفكري لهذا الشاعر أي أنه استفاد من المشاهد السينمائية وحولها إلى سيميائية النص التي تركب الصورة الشعرية ....



الليل ...
كل المساجين ...
وكل الأعين البريئة ...
جمع بلا خطيئه
والشمس لم تعد ترى
من ثقب زنزانتنا الصغير
سجاننا الحقير
يهوى سماع سوطه
يئز فوق الجسد الهزيل
لاشيء في عالمنا غير السياط
ناكل الشتائم الكبرى
ونمضغ السباب والنكات
تنيمنا السياط
توقظنا السياط
ننام ساعة على البلاط


الشاعر يبتدئ بمشهد الليل الذي هو دلالة الظلم والاضطهاد ليصل بالمدلول إلى معنى أن يكون الشعب أي شعب تحت الاحتلال ، فهو هنا يؤكد على قصديه المعنى في التحولات الظالمة لهذا الاحتلال و كيفية أن يعيش الشعب المضطهد تحت هذا أي أنه ثبت النسق الدلالي في تحديد مستوى الدال ومستوى المدلول ضمن النسق السيميائي لكي يحافظ على تعبيره ضمن المضمون الذي يبعده عن التقريرية إلى السيميائية الإيحائية أي أن الشاعر كان مدرك بعدم الوقوع في شرك المباشرة والتقريرية في نقل مشاهد السينمائية ، لأنه تماثل هذه المشاهد على نفسه وكأنه يعيش وسطهم ، لأن المعرفة الجوهرية تبتدئ بالتماثل النفسي مع أي حالة فكرية لكي نصل إلى الترادف الذهني والوجداني مع هذه الحالة الفكرية ، فالشاعر جعل نفسه ضمن المشهد السينمائي وليس خارجه ، وهذت هو أبداع رائع وجميل لأنه أبعدة كما قلت سابقا عن التقريرية والمباشرة بنقل الأحداث فهو جعل الحدث يقع عليه وليس من خلال المشاهد السينمائية ، حيث ينقل لنا حالة اليأس إلى هولاء المساجين إلى حد أنهم لا يروا حتى الشمس من ثقب الزنزانة ، والشاعر هنا يصور عمق الألم واليأس بحدوث تغير في حياتهم فالشمس بعيدة عنهم بالرغم أنهم أبرياء من كل التهم مجرد أنهم ينتمون إلى هذا الشعب المحتل ، فكم هذا المحتل هو ظالم لا يعرف البريء من مذنب لأن غاية اضطهاد كل الشعب دون تميز ، فهو يوغل بتعذيبهم بالسياط وأجسادهم هزيلة من كثر الاضطهاد فلم يسمعوا غير الشتائم والسباب وأصوات السياط ، وينامون على البلاط وحتى هذا النوم لا يستطيعون أن يستمروا به لإيقاظهم من قبل هذا الجلاد ، وهذه صور الواقع لشعب مضطهد من قبل الاحتلال



. . نحلم حينها
. . . نحقق الأماني
. . . نسكب الأغاني
نزف للعشيقة الرقيقة
توقظنا السياط
نساق كالقطيع للمحجر
تموت في عيوننا الدموع
. . . لا تظهر
هل يا ترى !!!
تعود (ماروسيا )لأوكرانيا*


أتوقع أن الشاعر حين كان يشاهد الفلم لم يكن ينظر إلى الفلم بقدر ما كان يتأمل مع ذاته حول صور مخزونة في داخله عن شعبه المضطهد أي أنه هنا أستخدم الاستقراء في تراكيب اللاوعي الذي فيه وانه يتحدث عن ذاته وعن شعبه وعن أحلام وأماني شعبه ، فالشاعر هنا أبتعد عن الفلم ومشاهده بل هو هنا يطلق صرخته حول معاناة شعبه وكأنه ينشد كل هذا إلى شعبة والى العشيقة الرقيقة ( القدس ) فهو تحرر من اللحظة الموجودة حوله وتوغل إلى ذاته الوطنية وكيف أن شعبه يساق ، حيث تموت في أعينه الدموع ،بعد كل هذا يطلق صرخته أليأسه فهول تعود ماروسيا لأوكرانيا أي أنه أنتقل إلى التماثل ما بين المشاهد السينمائية في الفلم و مأساة شعبه فهل يا ترى تعود القدس وتعود كل المدن العربية المسلوبة في وطننا العربي وأولها وقداسنا قدسنا..هل تعود فالشاعر أمتزج بوعيه مع مشاهد الفلم لأنه يمتلك في ذاته خزين الكبير نحو شعبه المضطهد كما في أوكر ونيا و، هذا التماثل هو شفافية ألم الشاعر ووطنيته العالية التي أدت إلى تراكب الصور المخزونة في وعيه واللاوعي فيه مع ما يشاهد من صور في الفلم ، فكم كان الشاعر يتألم عند مشاهدة هذا الفلم بحيث أوصلته إلى الصراخ الصامت لكبر ألمه نحو أرضه العربية المحتلة


جاء يحدث الأحاديث . . .
ويتلف الزمن
وفي المساء
تنمحي الأشياء . . .
يا حبيبتي
تعود فوق جبهتي
خارطة الوطن

وبعد أن ينتهي الفلم يرجع إلى حالة الأمل بعد ما أوصله الفلم ومشاهده إلى حالة اليأس ، حالة الأمل إلى حيث يتلف الزمن وفي المساء تنمحي الأشياء، أي أن كل شيء في الحياة سوف يتغير فالزمان يتغير ويبقى المكان الذي هو لا يتغير سوف تعود كل الأشياء إلى أهلها حتى لو بعد زمن وهذه هي سنن الحياة وناموسها ، فسترجع خارطة الوطن كاملة وينتصر الحق ، وما حبيبته إلا تعبر الأستعاري عن أرضه وشعبه فهو يبقى على جبينه وقيمته العليا في الحياة ، فالشاعر لم يكن يشاهد الفلم بقدر ما كان يعيشه كأنه أحد الأشخاص داخل الفلم ، وهذا ما ركب الصورة الشعرية داخل ذهنه الشعري ليخرج لنا بنص شعري يحاكي التمازج مابين الصور الخارجية وانعكاسها على الصور المخزونة في اللاوعي فيه فجعل من المشاهد السينمائية إلى مشاهد ( السيميائية) التي كونت هذا النص الرائع





( 10 )
النص: ظنون للشاعر رشيد البوعناني / المغرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ـــــــــــــــــــ

ظننت للحظة أن الشمس
ستنام في حضني للمرة الأخيرة
وأرتل عليها آية وديان من الشعر
ظننت للحظة أن القمر
سيتراءى لي في هيأة ليمون
أو عمود حب
أو في جوف ليل قديم
أرعبته
رعشة الموج المتكئ
في بحبوحة الصمت
ظننت للحظة أن غيمة دخان
حبلى ستسكن شفاه امرأة
تعصر قنديل حلم
وتفاح أشواق معلقة على أيقونة وجع قديم
وداعا أيها الساكن في رونقي
فأوراقي يسكنها الصفير
وأنت .....
أنت المعلق في خيوط من حرير
كنت يوما مسافة للعابرين
في خطوط الكف .... وكفك مبثورة الأصابع
دعني أستلقي في حمرة الغسق
دعني أتمدد في عينيك حد الموت
وأنا أنتشي كذبا
وكأني أحكمت قوس فتات
من دون دواء أو هواء
أرتعش حين يشتهيني الرحيق
في سهاد الليل المنشق من سم الخياط
سكن ينبعث من الطفولة
هائج على صقيع سماء
تستنجد بوردة في فم نورس
تارة في الهواء
تارة في الماء .



القراءة :
ــــــــــــــــ

للدخول إلى عالم الشعر تتبع كثير من القراءات النقدية من العنوان كينونة لها من أجل تحديد الخصائص إلى هذه القراءات...كما معرف أن عنوان النص هو ( ثريا النص) ومن الممكن أن نجعل من ثريا النص العتبة للدخول إلى متن هذا النص بدل أن نبقى على سطح النص يجب علينا وقبل حدوث عملية النقد أن نعيش النص من الداخل لنعرف قدرة الشاعر على الإحاطة بأزمة التجربة وتمثيل هذه التجربة أو الأزمة بدلالات لفظية تحمل المدارك الكاملة إلى روح الشاعر حيث لا تقتصر الدلالة على معنى اللغوي المتعارف عليه بل تتجاوز ذلك إلى ما يضيفه عليها الشاعر من نفسه...وهنا تبرز ثريا النص لهذا النص ( ظنون )كما ما هو معرف أن الظنون تمثل دالة نفسية إلى الشخص الذي يحمل الشك اتجاه الشخص الأخر أو اتجاه الأشياء الأخرى المهم ، الشخص الذي يحمل الظن يحمل معه القلق وعدم الراحة لأن الظن هي حالة عدم استقرار في الإنسان أي عكس حالة اليقين وبهذه الحالة تبقى النفس الإنسانية في حالة البحث عن هذا الاستقرار.. والشاعر رشيد البوعناني يناقش ظنونه من خلال حقيقة الحياة وهذا قد جاء نتيجة اليأس الذي وصل إلية بسبب عدم وجود الحل لهذه الظنون وتراكمها في ذاته يوصله إلى حالة التعب واليأس حيث يبدأ يظن برموز الحياة التي هي الشمس والقمر وهذا ما يؤكد أتساع التشاؤم وتكالبها في نفسه إلى حد يصوره بنهاية الحياة حيث أنه يظن أن الشمس للحظة ستنام في حضنه ويرتل عليها آية وديان الشعر
وهذا ما يدل على ثقل الضيق في نفسه الذي أوصلة إلى حالة من اليأس المرير بحيث يظن أن القمر سيتراءى له في هيئة ليمون وهو هنا يدخل في حالة من حلم اليقظة نتيجة نزوع الوعي النفسي إلى الابتعاد عن حالة اليأس و التشاؤم لذلك تلتصق ذاته بالطبيعة التي تصورها حسب حلمها ..وصولها إلى الخواء الذاتي تتصور رعشة الموج المتكئ في بحبوحة الصمت أي أن النهاية قد تأتي والصمت يغلف كل شيء وقد وصل الشاعر إلى هذه الحالة من خلال التعب الجسدي كأن يكون في أزمة جسدية شديدة يتصور فيها النهاية بسبب هذه الأزمة وهذا قد جاء نتيجة تذكرة إلى شخص قريب علية فقد بنفس هذه أزمة الجسدية لذلك تتداعى في نفسه الظنون لتصوره أنه قد يصل إلى الحالة التي بموجبها فقد ذلك الشخص.
والشاعر هنا لو حذف (أو) كما ( أو عمود حب / في جوف ليل قديم ) حيث يصبح المقطع أكثر انسيابية حيث هنا يوحى جوف الليل القديم بعد حذف (أو) بامتداد الظلام المرعب الطاغي بالصمت فتكتمل الصورة بالنهاية التي وصل أليها ذلك الشخص المفقود


ظننت للحظة أن الشمس
ستنام في حضني للمرة الأخيرة
وأرتل عليها آية وديان من الشعر
ظننت للحظة أن القمر
سيتراءى لي في هيأة ليمون
أو عمود حب
أو في جوف ليل قديم
أرعبته رعشة الموج المتكئ
في بحبوحة الصمت


أن الازدواج الشعوري يشكل ظاهرة متعددة الجوانب حيث تؤدي إلى التداعي الأفقي التي توصل إلى الانتقال إلى صورة أخرى مرتبطة لاشعوريا بمركزية القصيدة وهذا يأتي نتيجة توسع الإحساس بالفقدان لشيء كان قريب إلى النفس وهذا ما يؤدي الدخول في حالة من الظنون نتيجة هذا الفقدان وهذا ما يجعل الشاعر أو يتصور حالة الغيبوبة حيث يتصور أن الروح كغيمة دخان تسكن شفاه امرأة تعصر قنديل الحلم ... وهذا حلم الغيبوبة يجعل الصورة الشعرية خارج مفهوم التجربة الحسية مخترقة الآلية في لغة التفاهم فيعطي إلى الحس الشعري مدى واسع في الامتداد الواسع في جذب الصورة المركبة حيث تمتد الأشواق وتتعلق على أيقونة وجع القديم أي امتداد بقدر ما يمتد إلى الأمام يرجع إلى الألم القديم ليحفر في الذاكرة تلك المواقف المؤلمة القديمة وتكون هذه المواقف بسبب فقدان شخص عزيز وهذا ما يؤدي إلى توديعه فهو الساكن في رونقه وهو وصل إلى الصفير ويدعوه إلى أن يسكن عينيه حتى الموت فهو معلق بخيوط حرير معه مع أن كفه مبتورة الأصابع ويدعوه يمتد بعينه حتى لو كذبا فهو لم يعد يحتاج الدواء أو الهواء فهو لا يرغب سوى اللقاء به هو السكن حمرة الغسق والغروب
أي اللقاء بذلك الشخص الذي فقده بسبب مروره بنفس الأزمة الجسدية

ظننت للحظة أن غيمة دخان
حبلى ستسكن شفاه امرأة
تعصر قنديل حلم
وتفاح أشواق معلقة على أيقونة وجع قديم
وداعا أيها الساكن في رونقي
فأوراقي يسكنها الصفيروأنت .....
أنت المعلق في خيوط من حرير
كنت يوما مسافة للعابرين في خطوط الكف ....
وكفك مبثورة الأصابع
دعني أستلقي في حمرة الغسق
دعني أتمدد في عينيك حد الموت
وأنا أنتشي كذبا
كأني أحكمت قوس فتات
من دون دواء أو هواء


ونلاحظ أن الشاعر أستطاع أن يبني علاقات سياقية توحي بالعلاقات الإيحائية ( التبادلية ) من خلال جذب الحالة الحلمية إلى واقع وصل به التداعي الذهني إلى مرحلة بعيدة في تكوين المقاسات السريالية ففي كثير منا حين نفقد شخص عزيز علينا نحاول أن نعيده إلى واقعنا من خلال الحلم لأنه كان يشغل مساحة واسعة من حياتنا وعدم قدرتنا على نسيانه لذلك يبقى معلق في ذاكرتنا وحياتنا ومن خلال تفاصيل عشناها معا وهذا يؤدي بنا إلى خلق استعارات ذهنية تعتمد على مبدأ الدلالي للأحداث التي مرت علينا ونحن معا ويمتد التداعي إلى زمن الطفولة لكي نثبت حاجتنا إلى هذا الشخص المفقود لأن الطفولة بقدر ما هي حالة براءة بقدر ما حالة ضعف تحتاج إلى إسناد الآخرين وهو بهذا يريد أن يؤكد حاجته المستمر ة إلى الشخص المفقود ولعدم حضور هذا الشخص المفقود يشعر بالضياع فهو يستنجد بوردة في فم نورس لا هي هواء ولا هي في الماء لذلك يبقى هائج على صقيع السماء منتظرا بالرغم أن هذا الانتظار ضيق إلى حد الليل المنشق من سم الخياط
لذلك تبقى ظنونه معلقة بذلك الشخص وقد حدث تداعي ذهني جعله يشعر بعدم استقراره وضياعه بسبب فقدانه ذلك الشخص أي أن الظنون هي عدم ثقته بهذا العالم بعد الفقدان مع أمنياتي إلى الشاعر رشيد بالتوفيق والإبداع
أرتعش حين يشتهيني الرحيق /في سهاد الليل المنشق من سم الخياط /سكن ينبعث من الطفولة /هائج على صقيع سماء /تستنجد بوردة في فم نورس /تارة في الهواء /تارة في الماء



( 11 )
بغير كلام للأديبة بشرى بدر سوريا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــــ

و في ذات حلـم ٍ
رأيت العصـافيـرَ تحـدو الخـرافْ
و قمحـاً تـلألأ منـه النجـومْ
بحقـل الـسماء رأيـت نخيـلاً .. و رمـحاً حـزينـاً على البـرتقال
تبـدّتْ وجـوهٌ تروح .. تجيءُ ..
و هـالـة نـور ٍ.. و قـوس هـلالْ
و أيـدٍ تـشابك مثـلُ ضـلوعي ..
و زنـزانـة ضـاق فيهـا الـسؤالْ
فلمـّا تـدلـّى بـبـسط اليـديـن
أفـاض الحنيـن
و قـال : عليـك سـألقي الـسلامْ
* * *
بـذات احتـلامْ
سـماءً ولجــت .. شـهـدت صـلاة خـشوع ٍ.. و دمعـة ْ
فكـان المطـرْ
تكـوّر جمـرة ْ.. ليحيـا البهـاء.. فـأحيـا
و أبـرقَ قلـبُ الحجـرْ ..
جليـلاً أتـانا بيـاضُ الشـتاء
تـدثـّر فـروتـَه الكـستنـاءْ
و أُعـلِـن ميـلادُ مـوت قـديـمْ
و صـفرُ المخـاض لـكافٍ و نـون
و دون هـوادة ْ... تـشظـّى الفتـون
ببـدء ارتـعـادة ْ
* * *
و حيـن ولادة ْ
نبـدّلُ كلّ طقـوس العبـادة ْ
تحـرّرت مـن شـهوة المـسكرات
توضـّأت خمـراً و لا غـولَ فيهـا
و كان الـسـجودْ
بمحـراب ورد ٍطهـورٌ مـداده ْ
شـهيقه بـدء ترانيم أمّ
ليـزفره سـدرة ًفي السـماك
بقـاع انتمـاءْ
و ذات انتـشاء ْ
تهـدهـدَ روحي و قـال الإلـه :
فصلـّي
بكـلّ المـشاهـد دون انحنـاءْ
و يا ذا الإمـام ..
بخـلـد ٍفـذكـّرْ
ســأجري الـسهاد بأنهـار حـزن ٍ
و ســفح ٍ يضيـقْ ،،،
[ أ يـا ذا الحضـور
جنـونُ النهـار بلـون العقيـقْ ]
* * *
تـولّ صـديـقْ
ضنينٌ هـواك ..
و بيني و بينـك ألـف جـدار
و مـرتع ليلي ثقيـلٌ عليـكْ
وحيـداً سـأرعى شـموسـي هنـاك
فلا أنـت نـايٌ ينـاسـم سـمعي
و صفـرٌ هيـولاكَ .. عنـد الحـريق
سـيقتـات بعضي ببعضي وصالاً
ألـمّ شَـعاعاً لأنثى الـرداء ِتـروّي اشـتهاءك إذ ما ائتلـقْ
تـولّ .. لتـأتيْ اشـتعالاً و زهـراً
ببـستان زئبقنـا إذ يهيـم بـذات الـشبقْ
لنثمـل في صفـوة الاندهـاشْ
* * *
على الارتعاشْ
أقـولـُك : أدنى .. و ظلـّك منـّي ..
بغيـر الكلامْ
عليـك سـألقي مُنـايا الـسلام
ْ =
و في ذات حلـم ٍ
رأيت العصـافيـرَ تحـدو الخـرافْ
و قمحـاً تـلألأ منـه النجـومْ
بحقـل الـسماء رأيـت نخيـلاً .. و رمـحاً حـزينـاً على البـرتقال
تبـدّتْ وجـوهٌ تروح .. تجيءُ ..
و هـالـة نـور ٍ.. و قـوس هـلالْ
و أيـدٍ تـشابك مثـلُ ضـلوعي ..
و زنـزانـة ضـاق فيهـا الـسؤالْ
فلمـّا تـدلـّى بـبـسط اليـديـن
أفـاض الحنيـن
و قـال : عليـك سـألقي الـسلامْ




القراءة :
ـــــــــــــــــــــ
أن الشعر هو بوصلة لأسلوب الحياة فهو كذلك ضرورة روحية كبرى تستدعيها الحاجة الإنسانية التي تبرر الذات والوجود الذي فيها وحولها فالشاعر يعبر عن هذا الوجود والجماليات التي فيه ، وبهذا يصبح الشعر هو منطلق الفكرة والحركة أي هو الحب والتقبل الشرط الإنساني وتحديه وفق رؤى هذا الشاعر الذي يفتش عن كل ما هو أصلي في الجمال أو القبح الذي يصيغ الحياة حولنا وبلغة تنطلق إلى التعبير عن ما هو كامن أو ظاهر في أسلوب الحياة ، وتكمن قدرة الشاعر على قدرته على طرح ما هو أصلي وله صلة بالحياة وارتباطاتها ولكن كثير من الأشياء تبقى علقة في ذاكرتنا ولا نصل إليها إلا من خلال الحلم لكي نعيد ترتيب العالم حولنا وفق نسق هذه الأحلام لأن الحلم هو التعبير عن الكامن فينا ولا نستطيع أن نمسكه إلا بالتعبير عنه بلغة تقارب اللغة الحليمة بشفافيتها الوجودية ،لأن التعبير عن عمق الكامن فينا يتطلب ملامسة الذاكرة والروح معا كي نجد المقاربة اللازمة ،و نجد
لكن في بعض الأحيان يتطلب منا أن نجذب الروح إلى منطقة الذاكرة لكي نصيغ العالم حسب رؤانا مع ملامسة اللاوعي فينا لكي نخلق عالم الخيال في المساحة المسموحة لنا بتشكيل هذا العالم وفق رؤانا الحليمة كي لا نبقى نرتكز على الكامن فينا ( اللاوعي ) ونعيد ترتيب هذا العالم وفق قدراتنا على التخيل .. لأن التخيل هو نفاذ الذاكرة المغروسة بالروح وفق تصاعدها الحلمي كي نخرج الذاكرة من هذيان الأشياء حولنا وبطئها بالحركة المعبرة عن الحياة ، أنا أعتقد أن الشاعر هو رسول الحلم خارج الفنطازيا اللاواقعية أن هنا نجد الشاعرة بشرى بدر خرجت من ذات الأسماء المصنفة إلى الأشياء وإعادة تركيب هذه الأشياء حسب حركتها في الحياة وليس حسب أسمائها الوجودية (رأيت العصـافيـرَ تحـدو الخـرافْ /و قمحـاً تـلألأ منـه النجـومْ / بحقـل الـسماء رأيـت نخيـلاً .. و رمـحاً حـزينـاً على البـرتقال(
وكيف العصافير تحدو الخراف والقمح يصير نجوم والسماء تصير نخيلا ، لهذا نجد أن
الشاعرة بشرى بدر تستخدم التداعي الحر بتقنيات السريالية وكما جاء به أبو السريالية ( بروتون )، فالشاعرة ترتكز على طريقة النفسية باللاوعي ، فنشعر أن النص عند الشاعرة هي رحلة الذات في أقاليم اللاوعي وبتداعي حر متخذه من الطبيعة استعارتها المحبوكة بالرمز والتكثيف بطاقة روحية عالية التداعي والرؤيا ، فأنها هنا تكتب الحلم (و في ذات حلـم ٍ )
كي تبقى استعاراتها متطابقة مع رؤاها الفكرية ...


و أبـرقَ قلـبُ الحجـرْ ..
جليـلاً أتـانا بيـاضُ الشـتاء
تـدثـّر فـروتـَه الكـستنـاءْ

فالشاعرة تنظر إلى الأشياء وتحركها حسب قدرتها على الحركة وليس حسب أسمائها وأصنافها ..أي أنها لا تريد إن تحرك الواقع الظاهر لأن هذا يوقعها بالخيال الطوبائي ، بل أنها تحاول أن تجانس واقع الأشياء وتحرك خيالها من كشف غموض هذا الأشياء الموجودة حولها ،فهي تبقى ضمن منطقة الحلم ، فهنا يخرج البرق من قلب الحجر ويأتي بياض الشتاء بفورته الكستنائية
فالشاعرة ترسم الواقع بحركته المنفلتة من المنظور المألوف إلى اللحظة المجنحة بالخيال كي تعرف أين تقف بحركتها أي تعيد هذا الواقع وفق سياق التجانس الخيال باستعارة تأويلية والتي يتقارب نسقها مع ما ثبته( بروتون) في رسم الصورة السريالية المتصاعدة من الخيال أو التخيل ولكن الشاعرة بقدرتها المبدعة استطاعت أن تمازج الأشياء بخيالها وفق الحلم وبعيدا عن الطوبائية ، و الاختلاف بين ما أكده بروتون برسم الصورة الراكدة في الخيال وبين هذه الشاعرة أنها تعطي إلى الأشياء حرية الحركة ..

و حيـن ولادة ْ
نبـدّلُ كلّ طقـوس العبـادة ْ
تحـرّرت مـن شـهوة المـسكرات
توضـّأت خمـراً و لا غـولَ فيهـا

حيث نجدها هنا تبدل طقوس العبادة لتأتي بطقوس مغايرة لما هو مألوف مستمرة بأن تصل إلى المعنى المغاير الموجود حولها إلى المعنى المثبت في أقصى طاقات الخيال ، أي أنها تخلق مملكة من الخيال تتحكم بها وفق سياق اللاوعي لتعيش خارج الرتابة الحياتية ، أي أنها تصاعد الواقع إلى الخيال دون أن تلغي جذوره ، فهي تبدل طقوس العبادة لتتحرر من شهوة المسكرات ، وشهوة المسكرات هي صرخة اللاوعي فيها أو القيم المألوفة التي تحكم ذاتها من الداخل ، حيث أن التوضؤ ما هو إلا دال إلى مدلول الذي يقود الطهارة ولكنها هنا تقلبه فيكون التوضؤ بالخمر ولا غول فيه ، وهذا ما قلته سابقا أنها تحرك الواقع المألوف وتصعده إلى منطقة الخيال كي تجد العالم الحلم فيها ...

ليـزفره سـدرة ًفي السـماك
بقـاع انتمـاءْ
و ذات انتـشاء

فتبقى الشاعرة ضمن منطقة خيالها مجنحة بحلمها خارج المألوف حيث يكون هنا سدرة السماك وهذه استعارة تأويلية توضح من خلالها الشاعرة عمق ووسع من تنتمي إليه وتعشقه حيث تمثل السدرة هي الروح الخضراء وأبديتها لأنها شجرة من أشجار الجنة وأي أنها تريد أن تؤكد أن انتمائها بقدر ما هو أرضي لكنه مقدس لأنه مرتبط بالسماء لأن العشق هو حب الروح بتوهجها السماوي ، فهذا الانتماء هو انتماء إلى السماء والعلو ، وهذا ما يجعلها في حالة انتشاء بالرغم الألم الأرضي ( ليزفره ) أنها تعيش القدر وهذا القدر الذي يتحرك حولها هو قدر من السماء ، فالسدرة هي رمز إلى روحها بتشعبها ووجودها الأرضي , وأنها قد تعيش الهم الأرضي ولكن روحها هي رمز إلى السماء لأنها ما تمتلك من حب أو عشق إلى من تنتمي إليه هو امتلاك سماوي بروحها الأرضية فهي بالقدر تتحرك أو تعيش في الأرض فأن روحها لابد أن تعود إلى مسكنها في السماء وهذا ما يجعلها في حالة انتشاء وصبر مع من تعشق وتحب ....



تـولّ .. لتـأتيْ اشـتعالاً و زهـراً
ببـستان زئبقنـا إذ يهيـم بـذات الـشبقْ
لنثمـل في صفـوة الاندهـاشْ

تول أو أبتعد فسوف تأتي أو تعود اشتعالا وزهرا فأن روحه قدر لها أن تنتمي إلى روحها في عالمها الأرضي وهذا تصاعد انتماء أو الترابط الصوفي إلى السماء ، كما قلت أن الشاعرة تحرك الأشياء حسب مخيلتها لتقارب الحلم في انتمائها ، وهي هنا تحقق ترابط رائع ما بين الشبق الأرضي وسمو هذا الشبق لأنه سيعود إليها ولا يستطيع أن يقاوم عشقها له وسوف يعود إليها كبستان زئبق ، أي أنها سوف تبقى مركز جذب إلى روحه لأنه لا يجد صفوة اندهاش إلا من خلالها ، لهذا سوف تبقى صابرة على عودته ، لأن انتماء روحهما انتماء سماوي ، بهذا فالشاعرة عاشت توهج هذا النص بسرياليه متحركة بمشاعرها وانتمائها لتبين ارتباط روحها ومن تنتمي إليه بالسماء، أي أنها سوف يلتقيان مهما طال الزمن الأرضي ، والشاعرة حققت صورة سرياليه متراكبة من مشاعرها مع الواقع التي تعيش





( 12 )
رَجُلٌ أعرِفُهُ جيِّدا للشاعر د. محمد طالب الأسدي/ العراق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ـــــــــــــــــــ

رَجُلٌ أعرِفُهُ جيِّدا
أعرفكَ ..
أيها المستضئ بوجه أبيك
أعرفكَ ..
أيُّها المُطارَدُ في ذاتِهِ
أعرفكَ ..
وأحلامَكَ التي لا تنام
أعرفكَ ..
وأمَّكَ التي يتوضأ الماء بكفيها
وتصلّي على عبائتها العدالةُ
أعرف مِحْوَرَكَ المستقيمَ
وذنوبَكَ المضيئةَ
أعرِفُ ولعَكَ
بمصارعِ اللامتكيفينَ
ونفاذكَ
في سَماكة الشبهات
أعرفكَ
وشهِدْتُ بيعَتَكَ القديمةَ للوعيِ
فارساً مِن مطرٍ وتراتيلَ
جوادُكَ الأبديةُ
راسخاً في الخضرة
لم تغيرْكَ سبعٌ سمانٌ
و سبعٌ عجافْ
أعْرِفُ جِهتَكَ في اليقينِ
حين تدلُفُ إلى مُعتَزَلِكَ
مختليا بالمُطْلَقِ
أعرفكَ غزيرَ الدمعةِ
لفراقِ الأحبةِ
مبتسماً
حين يجد الجدُّ
وينالُكَ مِقَصُّ الخرابِ
نازعَكَ الوقْتُ مباهجَ شتّى
فكيف تعودُ لولائِمِهِ
تستزيده من أنبذته المالحة
أنت الطبين بالنكهات
وعمارة الرموز
وسقاية النص
تلفحك شموس كاذبة
وتخاتلك أهلةٌ سودٌ
لكنني أعرفك
تغمُرُ التأريخَ بصُفْحِكَ
وتُعَلِّمُ اللغةَ الكلامَ ..




القراءة :
ـــــــــــــــــــ

كي نبتعد عن الأنا ونأخذ حريتنا في اكتشاف الذات أو تحديد لوحها المثبت في أقاليمها فنعرف أين تكمن ذاتنا وسط العالم المحيط ، من خلال توغل الوعي أو التقرب كثيرا من اللاوعي فينا كي نكمل مسارات الروح ، وهذا بالطبع هو اكتشاف عسير وصعب لأننا لا نقدر أن نبقى محايدين أو موضوعين إلى أخر الرحلة اتجاه ذاتنا واكتشافها ، لهذا كانت رحلة الشاعر محمد طالب الأسدي رحلة تحف فيها كثير من المصاعب كي لا يقع في النرجسية ويخسر موضوعيته ، لكن أستطاع الشاعر بحنكة عالية من المعرفة بعزل ذاته وجعلها طرف أخر لا يمت إليه بصلة سوى أنه يعرفه ، وهنا يكمن سر أبداع هذا الشاعر وتفوقه حتى على ذاته من أجل أن يصل الحقيقة اليقينية بموضوعيتها حيث أصبحت ذاته إلى رجل أخر هو يعرفه وهنا طبعا تكمن الصعوبة أكثر بكيفية المحافظة على هذا وعدم الانتماء إلى هذا الرجل الذي يعرفه انتماءا كليا أو تختلط لحظة الكشف بينه وبين هذا الرجل فظل الشاعر يردد على طول النص (أعرفك) لكي يحافظ على عدم الوقوع أو يختلط عليه لحظات اكتشاف ذاته مع الرجل الأخر التي تمثل ذاته العميقة ، لهذا أصبح هذا النص المعبر عن الذات بأوسع مراحلها الظاهرية والعميقة وبشكل موضوعي ومدرك لكل توقف يبعده عن التوغل أكثر لكل اكتشاف يقربه من ذاته في أحلامها وأمالها وخساراتها وإنسانيتها ..مثبتا جرس الإنذار في حالة الإغراق بذاتية ونرجسيتها بهذا أستطاع الشاعر أن ينجز نص فيه من الموضوعية الرائعة حين التحدث عن الذات وردعها من الانفلات أو الابتعاد عن مسارها الحقيقي وقيمها المعروفة ....

أيها المستضئ بوجه أبيك
أعرفكَ ..
أيُّها المُطارَدُ في ذاتِهِ
أعرفكَ ..
وأحلامَكَ التي لا تنام
أعرفكَ ..
وأمَّكَ التي يتوضأ الماء بكفيها
وتصلّي على عبائتها العدالةُ
أعرف مِحْوَرَكَ المستقيمَ
وذنوبَكَ المضيئةَ
أعرِفُ ولعَكَ
بمصارعِ اللامتكيفينَ
ونفاذكَ
في سَماكة الشبهات
أعرفكَ

لكي ينقل حالة التشابه أو المعرفة بينه وبين هذا الرجل الذي يعرفه يبتدئ بالمعرفة بين بينه وبين أبيه لكي يثبت حالتين الحالة الأولى هي المعرفة الكاملة به من خلال معرفة أبيه والتشابه بينه وبين أبيه وهذا لكي لا تنفلت منه قيمة المعرفة إلى لهذا الرجل (ذاته ) وطبعا بدأ الشاعر من الظاهر لكي يحدد قيمة المعنوية بينه وبين هذا الرجل ،ثانيا لكي لا يبتدئ بطرح ذاته من البداية وتختلط علية الحالات المنساقة وراء الأنا..فالشاعر نشعر هنا أنه مر بأزمة الذات وانتمائها و جرت بينه وبين ذاته مناقشة هذه الأزمة ، لهذا ترك التمحور حول ذاته من أجل الابتعاد عن الإيغال بحالة الألم في مناقشة هذا الانتماء ، وأستطاع بإدراك عالي أن يؤشر بواطن الأزمة والإيجاد الحل الكامل لهذه الأزمة ،لهذا جعل مناقشته موضوعية بعيدة عن كل الأطراف المسببة لهذا الأزمة وحتى ذاته ،لهذا بقى بموضوعيته العالية أي أن الشاعر أعتمد على الشخصية المتعددة الأصوات (الشخصية لبولوفونية ) أي الشخصية المتعددة الأصوات والتي تضئ دواخل شخصيات الأخرى متمتعة بحرية الحركة بعد أن أعطاها ظاهر الشخصية وعمقها السيكولوجي ، فالشاعر أستطاع أن يبتعد عن الامتزاج الكلي مع هذا الشخصية إلى حد إلغائها ولكنه في نفس الوقت أبقى هناك مناطق تجاذب بينه وبين هذه الشخصية في بعض الأحيان يتحدث عنها لمعرفته بها من ظواهرها وفي بعض الأحيان الأخرى تتحدث هذه الشخصية من عمقها ، وسر جمال وبداع هذا النص أن الشاعر أستطاع أن يبتعد عن الهيمنة على هذه الشخصية أو الرجل الذي يعرفه فجعل الحد الفاصل بينهما أنه يعرفه (أعرفك) ليؤكد يقينية هذه الشخصية موجودة بكافة ظواهرها النفسية والاجتماعية ....حيث حدد كل ظواهرها من خلال تحديد ملامح أبيه وأمه وعبادتها ومن ثم يستدرج هذه الشخصية من خلال معرفته بأحلامها وذنوبها ،وكأن الشاعر يريد أن يلزم هذه الشخصية أن تبقى مرتبطة بأصالتها التي تمثل الأب والأم (أيها المستضئ بوجه أبيك /أعرفكَ.. /أيُّها المُطارَدُ في ذاتِهِ / أعرفكَ .. / وأحلامَكَ التي لا تنام /أعرفكَ .. / وأمَّكَ التي يتوضأ الماء بكفيها /وتصلّي على عبائتها العدالةُ /أعرف مِحْوَرَكَ المستقيمَ /وذنوبَكَ المضيئةَ / أعرِفُ ولعَكَ / بمصارعِ اللامتكيفينَ /ونفاذكَ /في سَماكة الشبهات /أعرفكَ ) فحافظ على مركز الجذب الإنساني في روحه من خلال الشخصية الأخرى التي يعرفها ..

وشهِدْتُ بيعَتَكَ القديمةَ للوعيِ
فارساً مِن مطرٍ وتراتيلَ
جوادُكَ الأبديةُ
راسخاً في الخضرة
لم تغيرْكَ سبعٌ سمانٌ
و سبعٌ عجافْ
أعْرِفُ جِهتَكَ في اليقينِ
حين تدلُفُ إلى مُعتَزَلِكَ
مختليا بالمُطْلَقِ
أعرفكَ غزيرَ الدمعةِ
لفراقِ الأحبةِ

الشاعر بقى يحافظ على المساحة الموجودة بينه وبين هذا الرجل الذي يعرفه أي أن الشاعر لم يقع في الشخصية (مونوفونية ) الشخصية التي تعيش أحادية الصوت ، ونشعر كأن الشاعر كان ينظر إلى المرآة أمامه ويري شخص يعرفه فيها ،لأن بقدر ما يلاحق ظاهر هذه الشخصية من خلال ظروف عاشتها هذه الشخصية التي أمامه في المرآة ، وهذه هي حالة من التداعي مع ذاته لثبتها على خطاها الحقيقي الذي تعيشه والتي قد تريد أو تبتعد عن هذا الخط المرسوم لشخصيته ولكي يعيد الثقة إلى ذاته نتيجة أزمة مرت عليه بسبب قد يكون بفقد شخص عزيز عليه جدا وما جعله يفقد كثير من الثقة بالحياة وظروفها المحيطة به ، وهذا ما جعله يناقش ذاته من تاريخها لكي يتجاوز هذه الأزمة وتعاد إلية ذاته التي ينتمي إليها حقا ، لأنه يعرف حدودها ويقينها في الحياة فهو بالرغم ما عاش في السابق من ظروف أقسى من هذه الظروف التي حوله ألآن فكانت سبع سنين عجاف ( وشهِدْتُ بيعَتَكَ /القديمةَ للوعيِ /فارساً مِن مطرٍ وتراتيلَ /جوادُكَ الأبديةُ /راسخاً في الخضرة /لم تغيرْكَ سبعٌ سمانٌ /و سبعٌ عجافْ / أعْرِفُ جِهتَكَ في اليقينِ /حين تدلُفُ إلى مُعتَزَلِكَ / مختليا بالمُطْلَقِ /أعرفكَ غزيرَ الدمعةِ /لفراقِ الأحبةِ ) فهو أستخدم أعرفك لكي يثبت قدرته على تجاوز الظروف الصعبة والتي قد مرت عليه أصعب منها ، أن الشاعر هنا يستنهض ذاته من انهيارها أو أزمتها ،أو فقدانها الثقة بالظروف أو الأحبة الذين حوله ، فهو يعدد صفات هذه الشخصية لكي لا تنفلت من سماتها المعروفة بها ، فالشاعر دائما يصرخ (أنا أعرفك ) كي ينتصر على وهن وضعف الذي أصابه وقت هذه الأزمة ...

مبتسماً
حين يجد الجدُّ
وينالُكَ مِقَصُّ الخرابِ
نازعَكَ الوقْتُ مباهجَ شتّى
فكيف تعودُ لولائِمِهِ
تستزيده من أنبذته المالحة
أنت الطبين بالنكهات
وعمارة الرموز
وسقاية النص
تلفحك شموس كاذبة
وتخاتلك أهلةٌ سودٌ
لكنني أعرفك
تغمُرُ التأريخَ بصُفْحِكَ
وتُعَلِّمُ اللغةَ الكلامَ ..

يستمر الشاعر كما قلت إلى نهاية النص محاولا أن يرأب الصدع الذي حدث في ذاته التي جعلها متعددة الأصوات لكي يمد مساحات هذه الذات ونشرها فيدخلها من خلال كلمة ( أعرفك) كي تحدث المكاشفة والمعرفة بينهما ، وكما قلت أن سر أبداع هذا الشاعر أنه أستطاع وبحرفة عالية جدا أن ينشر كوامن شخصيته ويعيد ترتيبها وفق قدرته الفكرية ، التي تؤدي إلى استنهاض دواخله وفق تواتره الفكري المتعدد الأصوات لكي يتصالح مع ذاته أولا ويتصالح مع الآخرين الذين هم السبب الحقيقي في هذه الأزمة ، لهذا بقى يناشدها ليحقق انتصاره على الذات ، فقد ظل مبتسما حتى في لحظة حدوث مقص الخراب فهو يمتلك الطيبة بنكهات الطيبين ، وحتى أن اغتالته أهلة السود لكنه يعرف حدود مشاعره وعمقها الحقيقي في الصفح عن الإساءة التي يسببها الأخر ، أي أن الشاعر بدأ من الصوت الأخر كي لا يحدث المفارقة في تصاعد الأنا وتحجب عنه حقيقة الذات المنتمي إليها ، فلوح إلى الشخصية الأخرى ليستفز عمقه الروحي والوجداني لكي يحقق الانتصار وأعاد الذات إلى انتمائها ، فهو أعاد إلى ذاته بعد هذا المخاض فبعد أن عاش في شخصية متعددة الأصوات للمكاشفة فتوصل إلى توحد مع صوت واحد هو صوت ذاته بإعادة انتمائها في مسيرتها الحياتية ( مبتسماً /حين يجد الجدُّ /وينالُكَ مِقَصُّ الخرابِ / نازعَكَ الوقْتُ مباهجَ شتّى /فكيف تعودُ لولائِمِهِ /تستزيده من أنبذته المالحة /أنت الطبين بالنكهات /وعمارة الرموز /وسقاية النص /تلفحك شموس كاذبة /وتخاتلك أهلةٌ سودٌ /لكنني أعرفك /تغمُرُ التأريخَ بصُفْحِكَ /وتُعَلِّمُ اللغةَ الكلامَ ..)
وفي هذا النص دخل الشاعر إلى ذاته من خلال المساحة الاجتماعية الموجودة حوله ليبقى موضوعيا ، فناقش ذاته من خلال هذه المساحة بتعدد الأصوات التي يسمعها من ذاته ، ولكنه في النهاية لم يبق إلا صوت واحد هو صوت ذاته فتوحد معه ، وأعاد التصالح مع ذاته ويقينها المثبت في جوهرها الحقيقي وحافظ على جميع قيمها المتميزة والتي تمثلها في الحياة فأعاد ثقتها بقيمها وعدم تركها تنفلت من هذه القيم أي أن النص رحلة الذات وتمسكها بهويتها الحقيقة ...





( 13 )
النص :عناقيد يومية للشاعر حسين الهاشمي / العراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــ

الأسى
من دون ضجيج ..
يولد ُ من رحم ِ الأزقة
وتستطيل عيونُه بحثا عن الشمس
الذي يترك غنائمَهُ
عرباتٍ تجرّها الأمهات
عربات ٍ
لا تعترضها سدودُ الظلام
ولا أبوابُ الخريف ..
بيتهُ مترفٌ بالحنين
بالثقوب
ومرآتهُ مغموسة ٌ
بوجهِ حارس ٍ سومري ّ نحيل ..
يعرفُ
أن المكانَ قبضة ٌ ضائعة
وهو حارس الفراديس ,
يعرفُ
أن الزمان َ سؤال ٌ
لا يكفّ عن الصفير
الأسى
من دون ضجيج
من يوقفه ُ في الحروب
في الحقول
في المقاهي
في الحب ِ والأحلام ؟
لمن يسيل
لمن يهدي الحكايات ؟
لاثيمة للأماكن ِ
وأبطاله ُ ينقّبون عن مقاعد َ
في مخازن الريح ..
هل يرددّ للمتبقي من التبغ
ويريق ُ الذاكرة َ
في أواني الدخان
وحين تنجو بعض الأحداث
هل يقطع آصرة َ اللغة ِ
ليسمّي الصراع َ بالثرثرة
والفائض َ من روايته ِ
شظايا باردة ؟ .
الأسى
من دون ضجيج
ينثر الدعوات لغيومِ ٍ قادمة
ومنذ أربعين صرخة ً
يقدّم الشموع َ
لحفل ِ المجاهيل ..
ولذا
تحت مظلّة ِ عينيه
كل مساء أعدّ
طبقين من المطر ..
نحن الأرواح المتدلية
نحن العناقيد
تعصرنا قبضة ُ أمنيات ٍ
ونشرب ُالفاقة ..
لا شيء غيرنا
وحدنا نمضي على الرفوف
كحرّاس منسيين
وحدنا نتدلّى
من دون ضجيج
فوق عربات الأسئلة

* النص الفائز في مسابقة المبدع _ عيسى حسن الياسري العالمية / 2008/|/ " مركز النور الثقافي / السويد




القراءة :
ــــــــــــــــــــــ

حين يصبح الواقع خارج تحقيق أحلامنا وأمانينا يصبح كزمن التية في ذاكرتنا التي تزدحم بواقع مغاير لكل ما ننشده في الحياة بأن يتحقق ، فلو تدرجنا مابين المعنى التأويلي لهذا نص حيث ندرك أن العناقيد هي حالة متدلية أي الحالة الغير المستقرة في الحياة حيث ندرك أن الروح وسر قلقها المستمر اتجاه ظروف لا تتلاءم مع الذات وطموحاتها الحياتية لهذا يحدث الانقطاع مع الواقع الذي حولها فتعيش هذه الذات كل حالات العزلة ، والنص هو تدرج الذات المثقفة التي تحمل الوعي كلعنة الألم ونزيفها المستمر ، حيث يصبح الوعي هو الرمح ذات اتجاهين اتجاه الظروف المحيطة وفي نفس الوقت اتجاه الذات الواعية بقدرها أي أن الألم باتجاهي الرمح ، وما العنقود ما هو إلا الحلم الذي يراه في ذاته ولكنه لا يستطيع أن يصل إليه بسبب الظروف التي حوله لهذا تبقى عالقة في ذاته وأزمتها في المكان والزمن الذي يمضي لهذا جعل الشاعر هذه العناقيد يومية لبين لا تغير يحدث في الأماني والآمال التي يعيشها في جميع أيامه التي تمر ،وتشابه هذه الأيام كتشابه العناقيد المتدلية وهو يراها ولكن لا يستطيع أن يمسكها أو يصل إليها ...
الأسى

من دون ضجيج ..
يولد ُ من رحم ِ الأزقة
وتستطيل عيونُه بحثا عن الشمس
الذي يترك غنائمَهُ
عرباتٍ تجرّها الأمهات
عربات ٍ
لا تعترضها سدودُ الظلام
ولا أبوابُ الخريف ..
بيتهُ مترفٌ بالحنين
بالثقوب
ومرآتهُ مغموسة ٌ
بوجهِ حارس ٍ سومري ّ نحيل ..

نشعر أن الشاعر ينقل رتابة حياته اليومية بعد أن تكررت رتابة اليأس بالوصول إلى ما ينشد في الحياة من أحلام وآمال ظلت معلقة يراها ولكن ليس هناك طريق يوصله إليها حتى تحول هذا الهم إلى أسى يومي يعيشه ويجتر ألامه ، فالشاعر بعد أن يأس من الوصول بدأ يبحث عن حالة الدهشة حوله مراقبا الحياة حوله ليخرج أو يبعد روحة من الانكسار ومن أجل أن يحافظ عليها ضمن الحياة بدل إدمان العزلة ، فالأسى هنا يولد دون ضجيج ، أي أن فعل الحياة وضجيجها تحول إلى صمت , فالضجيج لا يولد إلا في حركة هذه الحياة ، بينما الأزقة حوله تعيش دوامة الحياة اليومية لهذا سعى إلى نقل الحياة حوله ليعيد تصالحه مع هذه الحياة من خلال بيت مترف بالحنين ، فهو هنا ينقل المكان حوله لعيد اكتشاف نفسه وسطه ، أن الشاعر تحول من فاعل إلى الأحلام والآمال إلى مراقب حوله ، فالعربات تجرها الأمهات ، لكن هنا العربات غير العربات الموجودة في واقعه بل عربات لا تعترضها سدود الظلام ولا أبواب الخريف ، أي أن الشاعر بالرغم أنه يشعر بالحنين حوله يبقى يمتلك الحنين إلى تغير المكان حوله فالعربة هي علامة السر التغير ، والأمهات ما هي إلا علامة الحنين ، ولعجزه بالوصل إلى الغد يتراجع إلى الماضي ، فبيته بقدر ما مترف بالحنين مثقوب أي أنه عاجز عن أن يحقق إليه ما يصبو إليه، فبرغم أنه مشدود إلى هذا الواقع لكنه لا يحقق ما يطمح إليه هذا جعله يبني آمال خارجة ، وكأن كل ما موجود حوله لم يتغير منذ عهد سومر ، لهذا فهولا يستطيع أن يغيره ، أي أن الشاعر أستطاع أن يحافظ على ذاته من انكسارها وعجزها ورمى عجزة بالتغير إلى كل شيء حوله والى التاريخ أو أن الحياة حوله لا ترغب بالتغير وهذا سر اغتراب المثقف الذي يعيش في واقع لا يلبي طموحاته في الحياة ، وسر أبداع الشاعر هنا ربطة اللحظة الآنية التي يعيشها مع التاريخ ، فهذا التاريخ هو العاجز عن التغير وليس هو ...

يعرفُ
أن المكانَ قبضة ٌ ضائعة
وهو حارس الفراديس ,
يعرفُ
أن الزمان َ سؤال ٌ
لا يكفّ عن الصفير
الأسى
من دون ضجيج
من يوقفه ُ في الحروب
في الحقول
في المقاهي
في الحب ِ والأحلام ؟
لمن يسيل
لمن يهدي الحكايات ؟
وأبطاله ُ ينقّبون عن مقاعد َ
في مخازن الريح ..

ويستمر الشاعر ما أراد أن يوصله إلى المتلقي لبين أنه يريد التغير من الواقع الذي حوله بسبب ما موجود في هذا الواقع من شروط هي بعيدة عن طموحه وأحلامه ، فهذا المكان هو قبضة ضائعة ، والزمن حوله ما هو إلا صفير يمر بهذا المكان وهو جالس يراقب ويولد في داخلة الأسى نتيجة هذا الصفير للزمن الذي يمر دون أن يصل ، فبرغم الضجيج الذي حوله الذي ينشأ نتيجة الحروب وليس الضجيج الذي يولد نتيجة حركة الحياة وتغيرها ، فالشاعر يمتلك الكثير ليحكيه ولكن كل أبطال حكاياته يتحولون إلى وهم وأبطال ينقبون عن مقاعد في مخازن الريح أي أن كل أحلامه وأفكاره التي ينتمي إليها لا تولد إلا أبطال لا ينقبوا إلا في الريح ،أي أن أبطالة ميتون حتى في لحظة ولادتهم لأنهم لا يستطيعون أن يغيروا الواقع الذي حوله، فالشاعر هنا وصل إلى حافة اليأس والتشاؤم من تغير واقعه ،فحكايات الحروب هي أصبحت السائدة في حديث المقاهي والحقول ،إذا كل محولاته أن يعيد تنظيم الواقع حوله ليجعله قريب إلى روحة وفكره هي مجرد مخازن في الريح..


هل يرددّ للمتبقي من التبغ
ويريق ُ الذاكرة َ
في أواني الدخان
وحين تنجو بعض الأحداث
هل يقطع آصرة َ اللغة ِ
ليسمّي الصراع َ بالثرثرة
والفائض َ من روايته ِ
شظايا باردة ؟

وهذا التدرج بمناقشة الواقع الذي حوله أوصله إلى حالة من الغربة والمنفى داخل هذا الواقع المعاش ، فهو في حالة حيرة لا أحلامه يستطيع أن يحققها ولا الواقع يغير، وسر أبداع هذا الشاعر فبرغم جسامة وكبير أحلامه في واقع لا يقترب من هذه الأحلام ولكننا ندرك صفاء وهدوء نفسه حيث نشعر أن قصائده تتمتع بالانسياب ويستخدم لغة المحاكاة الهادئة الغير مباشرة ،فهي تحمل التأويل الدلالي من خلال استعارة الواقع وفق نسق أحلامه البسيطة بتغير واقعه ، وهذا المخاض يجعله يضج بالضجيج أصوات آماله التي تسعى إلى تغير واقع لا يتألف معه فلا يحدث شيء سوى بريق ذاكرة في أواني الدخان كالبقايا التبغ في هذه الأواني لا تخرج سوى الدخان ، وهذه استعارة رائعة جدا تحمل من التأويل الدلالي الذي يسقط على الدالة رمز مكثف بعمق أماله المتطايرة كالدخان من أواني ذاكرته ، أي كل أحلامه صارت مجرد دخان لا فعل لها لجسامة واقعه وتشابكه مع آماله ، فهل تنجو هذه الآمال من الأحدث ويحافظ عليها أم يقطع آصرة اللغة المعبرة عن معناهها للتحول إلى صراع بالثرثرة ، أو فائضة في حياته وتصير كالشظايا الباردة تؤدي أو توصله إلى موت من أجلها ...

الأسى
من دون ضجيج
ينثر الدعوات لغيومِ ٍ قادمة
ومنذ أربعين صرخة ً
يقدّم الشموع َ
لحفل ِ المجاهيل ..
ولذا
تحت مظلّة ِ عينيه
كل مساء أعدّ
طبقين من المطر ..
نحن الأرواح المتدلية
نحن العناقيد
تعصرنا قبضة ُ أمنيات ٍ
ونشرب ُالفاقة ..
لا شيء غيرنا
وحدنا نمضي على الرفوف
كحرّاس منسيين
وحدنا نتدلّى
من دون ضجيج
فوق عربات الأسئلة


يستمر الشاعر بالتأكيد على استمرار الأسى في حياته دون ضجيج، فهو يؤمن بأن آماله هي من العلو كالغيم وهي مرافقة له منذ بداية عمره االى أن أصبح بالأربعين ، حيث يبقى يوقد الشموع بتحقيق هذه الآمال في كل سنة من ميلاده ولكنها لا تتحقق ، والشاعر هنا أستخدم الشموع لبين أن عمرة يتحرق ويمضي ولكنه بعيد عن أن يحقق ما يطمح إليه أ وتتحول هذه الآمال إلى مجاهيل، فهو في كل مساء يعد طبقين من المطر ، فالشاعر هنا أستخدم طبقين من المطر ليؤكد على مجهولة حياته التي يعيش ، فروحه هي عناقيد متدلية فقط ولا يصل إليها ، حيث نلاحظ من كل ما مضى من النص ما هو إلا من أجل أن يوصلنا إلى التأويل الدلالي ، بأنه ما حياته إلا استعارة إلى عناقيد تعصرها قبضة الأماني في فاقة الواقع الذي يعيش، فعمره يمضي ولا تغير فقط أماني متعلق بها دون تحقيق ، حتى يتحول إلى مجرد حراس منسيي ، والشاعر أنتقل من الذات إلى الجموع ليعطي الرمز الأستعاري ،فهو بدأ يتكلم باسم الجموع ، ليوحي إلى المتلقي ليس هو فقط يسعى إلى التغير بل كذلك الناس الذين حوله ، لكنهم يتحولون إلى حراس منسيين متدلين دون ضجيج فوق عربات الأسئلة ، وهنا الشاعر يريد أن يؤكد أو يوحي بعجز الناس وعدم قدرتهم على التغير فيتحولون إلى مجرد حراس على القيم و العادات لكن حراس منسيين بسبب عدم قدرتهم على النهوض أو التغير من هذه العادات والتقاليد الذين يعيشونها ، وهنا تتحول عربات الأمهات إلى عربات أسئلة ، وقد تكون هذه الأسئلة بداية لنهوض هولاء الناس الذي حوله وسعيهم إلى التغير ، وبهذا الشاعر برغم من يأسه من الوصول إلى أمنياته بقى الباب مفتوح إلى هذه الآمال بمشاركته مع الآخرين بالسعي نحو التغير، أي أنه خرج من ذاته إلى الجموع لعل يحدث التغير بعد أن عجز هو بمفردة على تحقيق التغير، فوجد أبطاله في الآخرين بدل أن يبقوا داخل ذاته يتحولون إلى أوهام ، وهذه نقلة ذكية بتحقيق معنوي بالتأويل الدلالي ليبقى نسق الدالة هي المعنى إلى كل معاناته ، لهذا سوف تبقى الأماني عناقيد متدله إذا لم نسع من أجل تحقيقها ، و قد يكون السؤال هو البداية نحو التغير .....




( 14 )
جربت أن أرتدي لون يديك للشاعرة ضحى بوترعة / تونس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــــ

بحجم الرحيل فتحت المدى تحت يديك
تذيبان قيود الفضة.....
سفر أعيد فيه ظلّي وصفة الأرض
أفتح للماء الناعم مخبأ
بالمجازات والأسئلة ليس لكل رحيل مسافات
ولا لكل واقف ساقان..........
لم أزل كما أنا........
غيمة في اللغة البكر
لم أزل كما أنا حلم يوثق النّوم والعشاق
أستحي من موعد عاطفي وزر يتطاير من قميص
كحلم طائش
جربت أن أرتدي لون يديك
وأتقاسم معك المشي حين تبتعد عنا الأرض
حيث الزمن المباغت
لكأنك أيها الطفل أمام المرآة مغزل
يدور في الفراغ
لكأنك ميلاد قمر في حوض النرجس
يقطر بين أصابعك العشب
كأرض تعيد حلمها القديم
كهذا الصراخ المترامي على العتبات
افتح عذاباتك أكثر
واقتبس الموج الذي يتدفق من النافذة
كضوء ينتظر انتهاء اللّيل



القراءة :
ـــــــــــــــــــــ

أن الدخول إلى أي نص شعري نبدأ بمساحات الرؤيا التي يستطيع أي شاعر أن يجعل من اللغة متطابقة مع مساحة هذا الرؤيا التي تمثل امتداد حلمه الذاتي اتجاه الحياة الذي يؤرخ وهج أكتشافة إلى الذات الموضوعية وتصادمه مع الواقع الخارجي في هذه اللحظة تتجلى الأزمة التي تخلق المعاناة التي تجعله يسعى إلى الكتابة الشعرية أو الكتابة الأخرى من أجل أعادة صياغة الواقع التي حوله بشكل كما يراه ويحلم به وهنا تبرز قدرة الشاعر باكتشاف اللغة التي تعبر عن هذه الأزمة الذاتية لتكون متطابقة مع سعيه لتكوين الجملة الشعرية التي تلبي أو تقترب كثيرا بالتعبير عن أزمته التي تكونت ما يجعل من سيطرته على اللغة يعطي إلى شاعريته المساحة الكبيرة في كتابة النص الشعري ..وهنا ندرك حين نقرأ نص الشاعرة ضحى بوترعة امتلاكها اللغة التي تمكنها من التوغل برؤاها الشعرية إلى حد السيطرة على أحداث الانزياح والتأويل بحجم همها الإنساني التي تريد أن توصله إلى المتلقي من خلال الشعر ومن خلال تركيب المفردات وجعلها بقدر ما هي عميقة في أحداث المعنى وفق تراكيب اللغوية بقدر ما هي أسره في التوغل وصولا إلى كشف المعاناة الحقيقية في تلاقي روحها مع مراهنات الواقع التي لم يعد يلبي طموحاتها الفكرية والروحية ...وهي هنا لا تسعى إلى الابتعاد عن الواقع والعيش بطوبائية خالية من الحنين بل هي هنا تحاول أعادة صياغة مشاعرها وأحلامها بواقع أكثر جمالا وأكثر تقبل إلى شروطها الإنسانية وهي بهذا تثبت قدرة كبيرة على صياغة الحدث الشعري بلغة أكثر جمالية وتمتلك عمق رائع في التوغل بالمعنى وصولا بصياغة الرؤيا الشعرية لديها وفق امتلاكها المساحات لغوية واسعة . وهنا ندرك أن الشاعرة تمر بحالة من اليأس لأن كل ما تريده بعيد عنها لهذا تفتح المدى بحجم يديه كي تصل إليها لأنها تعرف أن كل شيء حولها خارج ما تريد لهذا تسعى إلى يديه أو تقرب يديه منها لأن اليدين هي محور القدرة على أحداث التغير أو حالة الوصول الذي تنشده من حيث الوجود حولها لأن يدين هي محور الجذب حين يكون الجسد في طريق الرحيل ....

بحجم الرحيل فتحت المدى تحت يديك
تذيبان قيود الفضة.....
سفر أعيد فيه ظلّي وصفة الأرض
أفتح للماء الناعم مخبأ
بالمجازات والأسئلة ليس لكل رحيل مسافات
ولا لكل واقف ساقان..

وأن الشاعرة هنا تريد أن تؤكد أن اليدين هما محور التلاقي والفراق لأن الفراق لا يتم إلا عن طريق اليدين في التلويح أو الوداع لهذا تجعل من المدى الواسع بحجم لحظة الفراق والوداع ..والشاعرة هنا تصف بشكل أفقي أي أن الفراق يبدأ من لحظة الابتعاد إلى حد التلاشي أي يبتدئ من لحظة احتضان الأحبة عند الفراق إلى المغادرة والابتعاد وهي هنا تضع كل ما يمتلكه المدى من حنين وتذكر تحت يديه لأن أخر شيء يتلامس هي اليدين.. وهي هنا تأكد على الغياب حتى ظلها لم يعد موجود بغيابه ...حيث تفتح الدموع كالماء الناعم هنا التي تهطل وقت الوداع ,,تفتح أسئلة هل يعود أو يتذكرها عندما يغيب بعيد عنها... هل يتذكرها وهو بعيدة عنه وغير موجودة حوله وتلامسه والشاعرة هنا استطاعت بحنكة شاعرية جميلة حيث تثبت هل أن غياب التلامس بينهما والحضور المكاني يؤدي إلى النسيان لأنها تشعر بالرغم من غيابه لا توجد مسافات بهذا الغياب بل هو حاضر حولها في مكانها وتبقى تشعر بجوده حولها ويسكنها ويسكن المكان الذي حولها ..وقد استخدمت الاستعارة بشكل عميق لتوصيل المعنى الذي تريده ..وفق رؤيا مكانية كي تثبت المعنى التأويلي لكل غياب .. وقد أكدت هنا ليس لكل واقف ساقان ...وهنا حدث الانزياح في الرؤيا لأنها لم تعد تستطيع بفراقه أن تقف بل حدث انهيار كامل لها وحتى ساقاها لم تعد تشعر بهما ...وهنا تبرز قدرتها الشعرية من خلال استخدام الدالة الساقان على انهيارها كي تحد المدلول عليه على أنها بغيابه حتى لم تعد تستطيع الوقف أو المشي أي أن غيابه سبب لها الانهيار والشلل في كل شيء حولها هي هنا تشكل الصورة الحسية لتمثل الرؤية الجسدية من اليد ، والساق. الماء الناعم ( الدموع) لتقود كل هذا ضمن المسافات في لحظة الوداع من نحب .....

لم أزل كما أنا........
غيمة في اللغة البكر
لم أزل كما أنا حلم يوثق النّوم والعشاق
أستحي من موعد عاطفي وزر يتطاير من قميص
كحلم طائش
جربت أن أرتدي لون يديك
وأتقاسم معك المشي حين تبتعد عنا الأرض
حيث الزمن المباغت
لكأنك أيها الطفل أمام المرآة مغزل
يدور في الفراغ

وهنا في هذا المقطع تحاول أن ترجع إلى ذاتها لتبين أنها لم تنهار كانعكاس إلى روحها وكبريائها وبأنها لا تهتم إلى غيابه ..بل هي ستبقى كما هي ( لم أزل كما أنا / غيمة في اللغة البكر/ لم أزل كما أنا حلم يوثق النّوم والعشاق /) وهذه ردت فعل طبيعية اتجاه الذات بسبب رحيله وتجاهلها بفراقه وهي ترجع إلى الدلالة الصورية الأولى في بداية القصيدة مستمرة بقدر ما أظهره الفراق ما سببه لها من ألم ودموع ترجع إلى ذاتها لتنتفض تحقيقا إلى كبريائها ضمن حوار مع الذات حول ما سببه فراق من حب وهي تعيش الوعي الداخلي بمرارة الفراق والذي هو يمثل الواقع الخارجي ونحن ندرك أنها تعيش حالة من التخيل الصوري التي لازمتها منذ فراقه وقد استخدمت الاستعارة لتكون أكثر عمقا لتلتئم فكرتها مع عاطفتها في جودها الحسي حيث تبتدئ أنها كما هي غيمة في لغة البكر أي أنها لن تتأثر بفراقه بل هي كما هي حلم يوثق النوم والعشاق أي أنها تمتلك السيطرة الكاملة على حياتها كما ترغب هي وليس كما يرغب هو وهي بهذا لم تخرج عن التوازن النفسي بسبب فراق ذلك الحبيب فهي بعد فراقه بدأت تشعر بالندم على تأثرها إلى حد أنها تستحي من هذه المشاعر
فهي تمتلك الكبرياء والروح مع هذا أنها تمتلك حزن خفي تحاول أن لا تظهره كي لا تبدو كحلم طائش بعد فراقه وهنا تريد أن تأكد الشاعرة أنها تعيش فراقه داخل روحها كي لا يتصورها الآخرين بحالة ضعف لأنه تجاهلها وسافر بعيد عنها ( أستحي من موعد عاطفي وزر يتطاير من قميص / كحلم طائش /جربت أن أرتدي لون يديك ) حيث هي ترجع إلى كبريائها ومحاولة منها لأبعاد الألم والحزن حيث تصوره بصورة تصغر من أهميته في حياتها وأنه لا يستحق كل أحزانها فهو لم يكن جدير بها ولم تعد تهتم إلى فراقه ( وأتقاسم معك المشي حين/ تبتعد عنا الأرض /حيث الزمن المباغت /لكأنك أيها الطفل أمام المرآة مغزل / يدور في الفراغ )
أي الشاعرة بقدر ما تألمت بفراق من تحب تحاول أن تخرج ذاتها من أزمته وما يتبعه من ألم بالرجوع إلى ذاتها كي ترتقي بمشاعرها إلى حالة من النبل والطيبة( وأتقاسم معك المشي حين ) وفي نفس اللحظة ترتد عليها ذاتها بأن الذي فارقها لم يكن يستحق ألمها فهو لم يكن سوى طفل لا يعرف قيمتها وإنسانيتها لهذا تبتدئ بتصغيره فهو لم يكن سوى مغزل يدور أمام المرآة (لكأنك أيها الطفل أمام المرآة مغزل / يدور في الفراغ ) وهنا تبرز دالة كبيرة في تحديد المعنى في المدلول حيث المغزل لا يدور ولا يترك بدون اليد وبهذا أن الشاعرة استطاعت أن تخلق حدث سيميائي في الربط بين الرؤيا التي يوجه المتلقي إلى الأثر الدالي في نص الذي يحدد أنساقه ومن ثم توحي بدلالاته التي يرتكز عليها هذا النص هو اليد التي هي المكاشفة الحقيقة في المعنى كي تضفي على اليد كدالة تأويليه في مساحة الربط بينها وبين من تحب فبعد أن كانت تريد أن ترتدي لون يديه أصبحت هي المتحكمة فيه من خلال يديها التي تتحكم بالمغزل و هو رمز وصفي تخيلي إلى قدرة ذاتها على السيطرة على الأخر نتيجة عدم مبالاته في فراقها والابتعاد عنها فالشاعرة بقدر ما خلقت نص علني استطاعت أن توجد ضمن هذا النص صورة تخيلية ذهنية كي تبين إلى ذاتها أنه لم يكن جدير بها لأنه محض فراغ ( يدور في الفراغ)

لكأنك ميلاد قمر في حوض النرجس
يقطر بين أصابعك العشب
كأرض تعيد حلمها القديم
كهذا الصراخ المترامي على العتبات
افتح عذاباتك أكثر
واقتبس الموج الذي يتدفق من النافذة
كضوء ينتظر إنتهاء اللّيل

وتستمر الشاعرة توصف الذي فارقها بأوصاف كي تبعد عنها كل آلامها بسبب فراقه وعدم مبالاته في هذا الفراق حيث تصفه بأنه مغرور ومتعالي عليها لهذا فهو غير جدير ربها (لكأنك ميلاد قمر في حوض النرجس/ يقطر بين أصابعك العشب/
كأرض تعيد حلمها القديم) والنرجس هنا إلا دلالة على أنانيته وحبه إلى ذاته وعدم اهتمامه بها فهو تقطر من أصابعه العشب كأرض لا تمتلك سوى حلمها القديم أي أنه أرض خاوية كأرض البور حتى في أحلامها فهو لم يعد يمتلك حلم الحاضر وتطورات الحياة بل هو يعيش في القديم التي كانت الحياة فيها غير متوازنة في العلاقات الإنسانية هي هنا تريد أن تقول له أن حياته وإنسانيه غائبة لأنه لم يكن سوى صراخ مترامي على العتبات لهذا عليه أن يعرف نفسه أكثر ويفتح عذابه لكي يقتبس النور القادم من الفجر كي يطهر روحه من نرجسيتها و يعد توازنه إلى ذاته يتخلص من ليل مشاعره وينتظر الفجر ليطهر روحه من نرجسيتها (كهذا الصراخ المترامي على العتبات /افتح عذاباتك أكثر / واقتبس الموج الذي يتدفق من النافذة /كضوء ينتظر انتهاء اللّيل )

... الشاعرة استطاعت أن تصل إلى مغزى عن طريق دلالات التي يتم عن طريقها تحقيق المنهج السيميائي بعد أن كشفت وظائف رمزية في النص وتعلن عنها من خلال مكونات دلالية مكتنزة الثراء والمعنى حيث أنها بقدر ما خلقت نص علني بقيت محتفظة بأنزياحات تخيليه من خلال دلالة اليد والمدلول عليه بعد من تحب وهي بهذا حققت ازدواج دلالي من خلال تحريك اللغة في تحويل الحدث الشعري من قول إلى قول وفق نسق إدراكي تسقط عليه انفعالاتها وتشكل من هذه الانفعالات نص شعري محتدم بالرمز والإشارات اللغوية ضمن مخيلتها الشعرية وعواطفها والشاعرة خلقت نص يؤثر في المتلقي بشكل كبير.




( 15 )
لمن أفتح باب الجنة ... يا أبي للشاعر عزيز الوالي / المغرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يا أبي...
لمن افتح باب الجنة ؟
ولمن ارسم ظل الماء ؟
لمن اقرع جرس الهبوب ؟
ولأي برزخ أرقن هذا التشظي ؟
بأي صدر أحضن هذا الريح يا أبي؟
وعيناك لا تزال يكسوهما غبار السفر...


حين تقرأ النص تصدمك التساؤلات الوجودية عن مجهولية الحياة بإرثها الباقي حين تغيب القيم الحقيقية وما الأب ألا رمز لهذه القيم وهذه التساؤلات تبتدئ من الذات المتحيرة حول معنى الأشياء حين تغيب هذه القيم وكيفية استمرار الحياة بخداعها بالبحث عن الفردوس المفقود وسط هذا العالم فلمن نفتح أبواب الجنة (الفردوس) ونحن نعيش زمن فقد المعنى الحقيقي في ظل الماء ظل الطهر والبراءة ولمن أقرع جرس الهبوب إذا العالم يسير إلى حافات التشظي والابتعاد وتحول إلى مسافات يكسوها الغبار، والغبار هنا ألا تعبير عن عدم وضوح الرؤيا في يقينية القيم فهل يحضنها بصدر لا يثق بحقيقتها وحقيقة أجراسها وهنا أستطاع الشاعر بحبكة فنية صورية أن يقرب المتلقي إلى مايريد بضربة شعرية موغلة بالألم والمعاناة ماطرة بالعاطفة وقد اعتمد في هذا على الرمز بشكل جميل وكما قال بارت (الرمز بوصفه نوعا من الإيحاء لأن الشعر ليس كشفا وتصريحا) بهذه التساؤلات يصدم القارئ عن معنى الحياة بدون هذه القيم الحقيقية وبشكل رائع تحسب إلى الشاعر

هي ذي النجوم عارية من سنابلي
وبرازخ النهر الغابر عارية من أصابع الزوار
بياض الوقت خاو من ريق الفواصل
هي ذي أسفار العبور تلفها خيوط العنكبوت
ونهر التراجيديا عابق بالسلو...
فمن يدري كم عمر المتراس على محراب الشهوة ؟

هنا يرجع الشاعر إلى مناقشة ذاته بعد أن عجز من إيجاد الجواب على تساؤلاته في هذا الوجود ولكي يؤكد الشاعر بعدم انتماءه إلى القيم البراقة الزائفة مثل النجوم العارية عن سنابله وعن ذاته ولكن هذه القيم تستمر في الحياة الآخرين وهنا يطرح الشاعر همومه عن الوقت الذي تستمر به هذه القيم الخاوية وبذلك أراد الشاعر هنا أن يؤكد بوجود الفواصل عن هذه القيم وقد تكون هذه القيم هي لحظات تهميش الإنسان الباحث عن الحقيقة وسط أسفار العبور إلى خيوط العنكبوت التي تمثل لحظات الخداع المستمر من قبل بعض الناس ولكن هذا الخداع لا يمكن أن يستمر كخيوط العنكبوت وأن أوهن البيوت بيت العنكبوت وبذلك أستطاع الشاعر أن يوصل بكشف زيف وخداع بعض الناس والذين سرعان مايكشفهم على حقيقتهم الخادعة ولكن هذا يسبب له الألم التراجيدي ومن حالة اليأس لهذا الألم يعيد سؤاله عن عمر المتراس واللثام الذي يلوذون خلفه ولكن سينكشف هذا اللثام عندما توجد الشهوة والرغبة بالحصول على الأشياء لأن الحياة مستمرة مثل النهر ولا يمكن أن تتوقف حسب رغباتهم ولكن هنا يحدث انعطاف في إصرار الشاعر بعدم أمكانية استمراره في مواجهة هولاء لوجودهم المستمر في الحياة التي حوله يلقي تعبه على المجتمع كما يحدث في المقطع الأخير

لليلك يا سيزيف
تتغنى الموناليزا بلحن الغواية
ولبرزخك ايها النبض
يتغنى الغياب بنشيد الفطام...
هو ذا انا امعن في عقارب ساعة لا يروقها نسيم الصباح
فلمن افتح حضن الماء .؟
وبلقيس على عتبة الغروب تشيخ .......


بهذا المقطع يلقي الشاعر الأسباب على المجتمع لعدم قدرته على تحدي كل هذه الجموع في المجتمع وكما حدث إلى سيزيف الذي حكمت عليه الآلهة بحمل الصخرة إلى أعالي الجبل كل يوم ومن ثم تقوم هي بدرجتها الى الأسفل وبذلك تستمر معاناة سيزيف اليومية الى الأبد . وهنا ينعطف الشاعر بتأكيده مستفيد من الانطولوجيا ليلقي بالغواية على الموناليزا ابتعادا عن نبضه الذي ينشد الفطام عن هولاء وهو يفتش ويمعن في عقارب الساعة عن ساعة الخلاص في زمن لايروقه نسيم الصباح الطفح بالطهر في حضن الماء الذي هو رمز الصباح الخالي من الذين يلوثون الحياة ولكن الحياة في كل هذا ستنتهي بالغروب والشيخوخة وكما انتهت بلقيس حين جاء بها الجن هي وعرشها الى سليمان وهنا يريد أن يؤكد الشاعر أن قوة المجتمع أكبر منه كما حدث الى بلقيس حين سلب عرشها سليمان بواسطة الجن. الشاعر قد أكمل منولوجه الداخلي للقصيدة بشكل جميل ورائع مستفيدا من الاستعارة والرمز وبذلك أعطى الى النص صفة الاستمرار للمنولوج الذي يربط أجراء النص بشكل موحي الى ما أراد أن يوصله الى المتلقي القارئ وفي الختام أتمنى الى الشاعر العزيز عزيز الوالي كل تألق ومزيدا من الإبداع مع محبتي وتقديري



( 16 )
النص :تراب للشاعر إبراهيم سعيد الجاف / العراق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


النص :
ــــــــــــــــ

أراك
تلبس الماء
أعذارك
بكفين من كلم وحجر
تنحدر
الى آخر طفل فيك
مزينا بلونك الأعزل
ويلوكك
الصخب حشد غمام
وينكر
ميراثك الرذاذ
كم أخذلك الماء
حين ضللت
ميعادا وجسدك
حين تهاديت
أسراب رمال
في مهرجان السطوة
ونثارك ريش

عصافير هشها الريح
على صدر السراب
ترابيات طفولاتك براءاتك ذكرياتك
وانسللت
تسكن الريح
وأمهلت السلاسل حصارك
واسترجلت حروفك جيادا
تسترد العطش
مثخنا بالحناجر
لخطايا التراب
تشيد الرمل خباء
ويداك تلفان أوداجك مشنوقا
هنيهة المرح
وشكلك
حاشدا بالنفير
وينام دمك باكرا
وتفيق ترابي الموت
وأجدك تنزل المذابح معي
وظلك غشائي

وسيسأل الرهان
من منا الطريد؟
أيكم اغتصب أنثى الخريف
أراك ما أبقيت منك
خريفيا تتوحد
واحتضارك بديد
فانحدر الى آخر طفل فيك
وأطرق أبواب رقدتك
فاكتمل الشرود




القراءة :
ــــــــــــــــــــ

قراءة رموز الذات من خلال الأخر
نص شعري تتراكب فيه الإزاحة في التأويل .. وهذا ما جعل النص يمتلك لغة ثرية تمتد بمساحة النص إلى لغة موحية بالرمز...والشاعر هنا حافظ على اللغة المتحركة بالمعنى إلى نهاية النص ، و شكل بؤرة النص وفق أحداث الانزياح في استعارة واسعة بشكل كبير وهذا ما أضاف إلى النص دهشة اللغة وحسب ذائقة قصيدة النثر أي أنه حافظ بين الموضوع والشكل وبين الدال والمدلول وكان النص يمتلك صورة شعرية عالية اختزلت الكثير من زوائدها ...


أراك
تلبس الماء
أعذارك
بكفين من كلم وحجر
تنحدر
الى آخر طفل فيك
مزينا بلونك الأعزل
ويلوكك
الصخب حشد غمام
وينكر
ميراثك الرذاذ
كم أخذلك الماء
حين ضللت
ميعادا وجسدك
حين تهاديت
أسراب رمال
في مهرجان السطوة
ونثارك ريش

هنا يدخل الشاعر من خلال تحقيق الرؤيا لشخص بذاكرته ليعيد تفاصيل عناوين هذا الشخص ، و أستطاع أن يحقق حضور هذا الشخص من الرموز الموحية ، خارج نسق المباشرة والعواطف التقريرية ، وهذا كثيرا ما يقتل النص الشعري النثري ، و أستخدم الرموز التالية ( الماء، الطفل ، رذاذ ) وللأحياء بدلالات الطيبة الروحية إلى هذا الشخص ، ونشعر أنه على معرفة واسعة بهذا الشاعر ، مستمرا وفق ذائقة توالد المعنى وتناسله عبر طبقات المستوى العميق للبنية الشعرية ، فلم يحدث انفصال بين الدال والمدلول بل بقى محافظا علية من خلال تفاصيل الشخصية المهداة إليه هذا النص والشاعر لم يستخدم التمظهر الظاهري بل أوحى إلى هذا الشخصية من خلال المجاز والرمز بشكل رائع وجميل ، معطي إلى اللغة البعد النفسي والفكري لهذه الشخصية ، وقد ثبت هذا من خلال بلاغة الدال ومجاز المدلول ، فنلاحظ التقائه بهذه الشخصية من خلال مواقف كثيرة ضمن نسق البحث عن الذات الموجودة فيه ، وبقدر ما أعطى الكثير لهذه الشخصية البعد الطيب ولكن في نفس الوقت نشعر أن هذا الشخصية كثيرا ما تخذلها طيبتها في اجل التضحية أو التواصل مع الآخرين ونلاحظ هنا من استخدامه هذا الأدوات التعبيريه (تنحدر إلى آخر طفل فيك /مزينا بلونك الأعزل /ويلوكك الصخب حشد غمام / وينكر ميراثك الرذاذ /كم أخذلك الماء /حين ضللت ميعادا وجسدك /حين تهاديت
أسراب رمال /في مهرجان السطوة /ونثارك ريش ) أي طيبته هو السبب في ألمه وجراحة الحاضرة في روحه دائما وهي علامة على روحه الطيبة...


عصافير هشها الريح
على صدر السراب
ترابيات طفولاتك براءاتك ذكرياتك
وانسللت
تسكن الريح
وأمهلت السلاسل حصارك
واسترجلت حروفك جيادا
تسترد العطش
مثخنا بالحناجر
لخطايا التراب
تشيد الرمل خباء
ويداك تلفان أوداجك مشنوقا
هنيهة المرح
وشكلك
حاشدا بالنفير
وينام دمك باكرا
وتفيق ترابي الموت
وأجدك تنزل المذابح معي
وظلك غشائي
وسيسأل الرهان
من منا الطريد؟

نجد أن الشاعر بقدر ما بدأ بال(هو )الى الأخر يتداخل هنا مع رمزية الأخر ويشخص (الأنا) فيه ، أي أنه يريد أن يوصلنا أن كل هذه التي شعر بها من خلال هذه الشخصية ، هي موجودة في ذاته حيث يحمل نفس لألم لأنها تمتلك نفس دالة طيبة روحه ،و المدلول لهذا هو تشابه ألمهما ، فهو بحث عن ذاته من خلال الأخر وليس العكس وهذه هي علامة كبيرة لطيبته وهذا ما نلاحظه من خلال تقديم إل(هو) على (الأنا) أي أن الشاعر يمتلك قدرة عالية وواعية على معرفة حدود ذاته وطيبتها (عصافير هشها الريح / ترابيات طفولاتك براءاتك ذكرياتك / تسترد العطش /مثخنا بالحناجر /لخطايا التراب /تشيد الرمل خباء /ويداك تلفان أوداجك مشنوقا ) وقد أشرها أو بينها من خلال الأخر ،والشاعر حقق اللغة الذاتية من خلال الرمز الأخر وهو بهذا تخلص من نرجسية الموضوع الذي يريد أن يوصله الى المتلقي فحقق نص بخطاب ذاتي فبقدر الأخر خلال كان هو يبحث عن ذاته ا،وهذا ما نشعر به من استخدامه ( حاشدا بالنفير /وينام دمك باكرا ) ومن ثم يرجع الى ذاته ورموزها المتشعبة في الرؤيا ( وتفيق ترابي الموت /وأجدك تنزل المذابح معي /وظلك غشائي ) والشاعر حقق الاستدلال الذاتي وفق ذائقة جذب الحياة النفسية الداخلية للأخر و نقل الرمز النفسي والتداعيات التي تحقق جوهر الذات المتخيلة ونجد في نهاية النص تتمازج ذاتهما معا (وسيسأل الرهان /من منا الطريد؟) ليبقى السؤال مفتوح في النص ولا ينتهي كل ما يشعره الشعراء من مخاضات الحياة بآلامها المستمرة فكلنا طريد .
الشاعر حقق نص جميل ولكن كان المنولوج الداخلي للنص بطيء ومتردد ، في البحث عن اللغة المناسبة لترميز ما يريد أن يوصله الى المتلقي أي لا توجد تلقائية في التواصل مع الحدث النفسي ، بحيث نشعر بحدوث انفصال داخل لغة النص ، النص تكون عند الشاعر من خلال المدركات العقلية لتكوين الصورة الشعرية وكانت الصورة الشعرية برغم تحققيها المستوى العالي من أتزان الرمز لكنها تخفت و تتلاشى في بعضها بسبب هذا تردد عند الشاعر...



( 17 )
أنا...كليوباترا للشاعرة فاتن فايد / مصر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــ

أنا كائن معاند
قلبي طواحين هواء
أنا طائرٌ متمردٌ
يحلق عاشقاً في السماءِ
ينتظركَ فوق بساتين الرغبة
ليعلن كرنفالاً
أنا...كليوباترا
هاربة من صقيع الثلج
المتكدس على سرير الجمود
في خدي مفاتيح الجنون
و على خصري تفنى الظنون
في راحة يدي
يُسحقُ الغرور
أنا...حقيقة تجاورني
بقايا أحلام
وفتات على مائدة الأوهام
آثارٌ كئيبةٌ
وزخارفُ متقنة الحزن
سأحملني الى جدار الصمت
سفراً بلا حقيبة
انتصاراً بلا أكاليل غار
ربما سأكون طائر الفرح المهاجر
من أفرست إلى التبت ِ
روح قديسة طاهرة
تقتحم أسرارك
شمعة بضريح مريم
تنير العتمة
ثغراً يبتسم في مواسم العشق
يتقطر الخمر من أصابعي
فيسكر العيون والقلوب
أنا ... لحظات الحلال المستحيل
هاربة من كسالى
يصعدون هضاب العهر
ليلتقوا بنخاس الهوى
يُمتعون آذانهم برنين الذهب
يغتصبون لحظات ليست لهم
إذا جاؤوك يومًا
وقالوا : رحلت
ابحث عني
ستجدني بجوار قلبك
أعزف سيمفونية لحن الغرام
بين أوردتك
أتسامى فوق سيل الألم الملتهب
أغلق الأبواب في وجه الحزن
ليتسرب الفرح كالنهر
يروي اليابس فينا من الزمن العتيق




القراءة :
ـــــــــــــــــــ

أن استحضار شخصية تاريخية وإعطائها كل أحاسيس ومشاعر الوقت الحاضر هذا يتطلب بعد نفسي وقدرة عالية على معرفة أبعاد هذه الشخصية كي لا تفقد معناها في هذا الاستحضار ..فلا شك يجب أن تكون إمكانيات الشاعر غير محدودة حيث استخدام الميثولوجيا والرموز الكامنة فيها وعصرنتها وحيث أن الدخول إلى الحضارة القديمة وفهم ما تمثل هذه الشخصية من رموز حياتية ضمن تلك الحضارة وهذا يتطلب وعي حضاري وسيكولوجي واسع من أجل أن لا يخفق الشاعر في تكوين هذه الشخصية في الحاضر المدجج بكل اختلاف عن الماضي القديم ..لكنا نلاحظ أن الشاعرة استطاعت وبكل حرفية وقدرة عالية إلى الارتقاء بهذه الشخصية إلى مستوى الحاضر ورموزه وهذا ما يدل على أن الشاعرة تمتلك المعرفة الكاملة بأهمية الميثولوجيا بكل أبعادها الرمزية والفكرية أي أنها استطاعت أن تكون صياغة جديدة لهذه الشخصية وفق صياغة تركيبية ذات طراز غير محدد في التعبير عن مفاهيم الحاضر وعدم نسيان ما تمثل هذه المفاهيم على تجديد على الشخصية حيث نشعر بمستوى الإدراك الحسي لكل الأشياء التي حولها مع الامتثال إلى العوامل المشتركة بينها وبين الشخصية .. بقدرة رائعة وواعية وبقدرة عالية على التخيل لجمالياتها ....

أنا كائن معاند
قلبي طواحين هواء
أنا طائرٌ متمردٌ
يحلق عاشقاً في السماء ِ
ينتظركَ فوق بساتين الرغبة ِ
ليعلن كرنفالاً
أنا...كليوباترا

تبتدئ الشاعرة بأن تظهر نفسها وتحدد ملامح شخصيتها ... وهنا تبرز قدرة الشاعرة الكبيرة حيث عملت على تثبيت شخصيتها كي لا تضيع ملامحها مع ملامح الشخصية التاريخية وهذا ما يدل على أنها تمتلك المعرفة الكاملة بما يعني أن تضيع ذاتها وفق ذات تلك الشخصية وكي لا تقع في أنساق خروج الشخصية عن ملامحها هي، فتبتدئ بأنها شخصية معاندة وقلبها طواحين هواء أي أنها تعيش في مستوى نفسي خارج الأطر الموجودة حولها ، ومن ثم تنتقل من حالة التحدي والوقوف إلى حالة الحركة والتوغل ، فهي بقدر ما هي معاندة هي كذلك طير متمرد أي أن كل شيء حولها لم يعد يحتويها ، لأن مشاعرها خارج هذه الاحتواء المكاني الموجود حولها ، ومن ثم هذا الطير يحلق عاشقا في السماء ، والشاعرة هنا أرادت أن تعبر أنها متمردة عن كل شيء حولها لأنه لا يعبر عن مكنونها الحياتي وما تريد أن تصل إلية أو تعيشه ، وبعد حددت ملامحها الذاتية كي تدخل العالم الذي تريده وفق الرغبة التي تسعى لها من داخلها عملت أكرنفال لأنها وجدت شخصية قريبة منها ومن طموحاتها الحياتية ، فهي تبحث عن التوهج بدل الجمود الذي حولها ...لتعلن أنها كيلوباترا لتحقق التماثل النفسي ما عاشته هذه الشخصية من امتدادات متوهجه بالتمرد عن كل ما هو مألوف في زمانها...

هاربة من صقيع الثلج
المتكدس على سرير الجمود
في خدي مفاتيح الجنون
و على خصري تفنى الظنون
في راحة يدي
يُسحقُ الغرور
أنا...حقيقة تجاورني
بقايا أحلام
وفتات على مائدة الأوهام
آثارٌ كئيبةٌ
وزخارفُ متقنة الحزن
سأحملني الى جدار الصمت
سفراً بلا حقيبة
انتصاراً بلا أكاليل غار
ربما سأكون طائر الفرح المهاجر

بعد أن أعلنت أنها كيلوباترا ترجع تبرر تماثلها مع تلك الشخصية ، وهنا نستطيع أن نقول أن الشاعرة أتمتلك معرفة واسعة و كاملة بحدود ذاتها فبعد أن ثبت حدود ومطامع ذاتها في أول النص تعود هنا لتبرر لماذا هي اختارت هذه الشخصية ، أي أنها في كل الأنساق لم تجعل الشخصية التاريخية تسيطر عليها ولا هي تسيطر عليها أي أنها متوازنة في حدود التماثل معها ، أي امتلكت التأويل الذي يوصلها إلى الاستعارة الدلالية في منهجية التماثل مع هذه الشخصية واستطاعت أن ترتقي بحدود ذاتها في التماثل دون السقوط بمدار الشخصية الأخرى ، فالشاعرة تمكنت من حيازة المعنى الجوهرة لرغباتها الحياتية وفق ذائقة الكشف عن ذاتها والإفصاح عن مدلولاتها وشحنها بكل دلالة التي تقربها من هذا الشخصية المتماثلة معها أي أنها لا تتلاشى معها بل تمثلها بكل هواجسها ، هذا بالطبع نسق عالي من التراكيب النفسية الواعية فحافظة على مسؤولية المعنى في التقرب والابتعاد عن الشخصية ، فهي تعيش نمط بين تجربة الذات وذاتية المحسوسات التجربة النفسية وملاحظة هذا على امتداد النص ...


من أفرست إلى التبت ِ
روح قديسة طاهرة
تقتحم أسرارك
شمعة بضريح مريم
تنير العتمة
ثغراً يبتسم في مواسم العشق
يتقطر الخمر من أصابعي
فيسكر العيون والقلوب
أنا ... لحظات الحلال المستحيل
هاربة من كسالى
يصعدون هضاب العهر
ليلتقوا بنخاس الهوى
يُمتعون آذانهم برنين الذهب
يغتصبون لحظات ليست لهم
إذا جاؤوك يومًا
وقالوا : رحلت
ابحث عني
ستجدني بجوار قلبك
أعزف سيمفونية لحن الغرام
بين أوردتك
أتسامى فوق سيل الألم الملتهب
أغلق الأبواب في وجه الحزن
ليتسرب الفرح كالنهر
يروي اليابس فينا من الزمن العتيق

والشاعرة هنا لا تراوغ المجهول بل تحضر التاريخ الذي يتماثل مع ذاتها وفق صيغة الأنا من أجل معاينة الحاضر الذي فقدت الأمل فيه فهو لم يعد يستوعب ما تريده من الحياة حولها لهذا وجدت الرمز الذي يأخذها من هذا الجود والتصحر داخل الذات ، والشاعرة قد وفقت بأن تجيء بالمفردة المناسبة الغير خاضعة لزمن محدد ومكان محدد أي أنها أرتقت بالتاريخ ليتماثل مع الحاضر كاشفة البعد الجمالي في هذا التماثل ، فها هي تمتد روحها علامة على وسع الأفق الذي تريد ابتعادا عن الجمود الذي حولها فروحها تمتد من أفرست إلى التبت وبقدسية هذا الروح لا ضياعها فهي مازجت بين ظاهر الذات وأعماقها ، فهي تبحث عن العشق الطاهر الذي يحرر ذاتها من هذا الخمول والتنافر مع ما يدور حولها ، فهي لا تبحث عن الحب الرخيص في سوق النخاسة بل عن الحب النقي كي تتسامى فوق عن أحزانها ، وتجد الإنسان الذي يحقق الارتقاء بذاتها إلى هذا السمو والرفعة لتعطيه كل مكنون روحها ن والشاعرة لم تعيش الشخصية التي أرادت أن تمثلها بقدر ما عاشت ذاتها وقد خلقت التصور في روحها أنها هذه الشخصية كي تعرف حدود روحها كاشفة عالمها الداخلي حيث أننا نلاحظ ليس هناك توجه تاريخي في الحضور بقدر ما توجه ذاتي إلى شخصيتها هي لا الى الشخصية التاريخية وهنا الشاعرة أخفقت في هذا التوجه مبتعدة كثيرا عن التاريخ ولم تتمثل هذه التاريخ بشكل واضح بقدر ما كشفت عن مكنونها الذاتي ورغباتها الحياتية، بالرغم هذا فهي أرادت بالتماثل مع هذه الشخصية كي تعطي إلى ذاتها الامتداد الواسع للمكان بدل التاريخ
وكذلك أعطتها الشخصية أبعاد نفسية ميثولوجية ، فبقيت محافظة على معرفتها بتلك الشخصية وأفعالها العاشقة ، فهي تريد أن تكون مثلها لكن بالوجه الطاهر والنقي لا كما كانت تفعل في الزمن العتيق ، أي أن الشاعرة تماثلت معها في الروح والرغبة بالعشق ولكن بالوجه المعكوس لها فهي لا تريد أن تعزف سيمفونية لحن الغرام بين أوردت من تحب وتتسامى فوق الألم الملتهب لتسرب الفرح كالنهر لكن بعيدا عن هضاب العهر وسوق النخاسة ، أي الشاعرة أخذت امتداد تلك الشخصية لكن حسب ذائقتها الذاتية ومفهومها للعشق الطاهر والنقي ، وبقيت يقظة في التقرب كثيرا منها كي لا تفقد ذاتها الطاهرة والنقية بأفعالها .




( 18 )
على مقصلة الصمت للشاعرة فاتي الزوالي / المغرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ـــــــــــــــــ

صمتي مهرجان
كديمومة الوجع
يكتنز الأماني
من غيم الصبر
يغرس الخلايا
لأنسجة تنوس
عند حافة القهر
فيضيع الكلام
كما ضاعت الأحلام
بين شقاق
السموات السبع
صمتي طقوس
نــــــــار
بين طين وحطب
يخرج من صلبه
ليل عبوس كهل
أثقله السفر
جعَّده السهر
لا يتقن لعبة الشمس
وشمسي رماد
عند كل صبح
خبت واتقدت
...لتخبو
على هامش العمر
صمتي...صامد...صارم
أتوسد كتفيه
أرخي شقوتي عليه
وقد أغفو حينا
بين ذراعيه
وأقبل الوطن
الملثم بأبجدية عينيه
وأغتسل عند انحناءات
النور الشارد
تحت قوس شفتيه
لأمارس كل غواياتي
وأنتدب ركنا قصيا
مني... فيه...إليه
صمتي... ذبحٌ
عند رعشة الشوق
....غرقٌ
عند صحوة العقل
....بين مد وجزر
أمشط الماء
على شط النهر
بدون حد...ولا غد
لحين اندلاع الفجر
وصمتي ..حينها ...




حين تكون الذات هي المساحة الأكبر في تكوين الرؤيا عبر هواجس هذه الذات تصير اشتراطات حضور التأثير الخارجي موضع استفزاز المتدارك من أبعاد النفس وتاريخها الكامن في أبعاد دواخلها .. والتي تكونت نتيجة إرهاصات الزمن الذي مضى .. بهذا تكون لحظة الحاضر هو تفجير كل الأزمات التي مرت على هذه الذات من فقد وانكسارات ...ونحن هنا أمام شاعرة تعرف أين تضع يدها على النزيف الداخلي لإيقافه والتعبير عنه بشكل واسع ...لأنها تعرف رموز ذاتها وزمن الفقد الذي مر عليها وأين تركز موضع هذا الوجع ..أي نحن أمام شاعرة تعرف أين هي من هذا العالم والذي قد يكون جزء منه مطمور في مشاعرها بسب فقدها وخساراتها ...ونشعر بالرغم من مرارة الوجع ومساحة التعبير عنه الكبيرة لكنها لا تمتد كثيرا فيه ليس خوفا من كشفة وإظهاره ولكن احتراما إلى ذاتها أي أنها تعرف كيف تظهر خياراتها في مساراتها الذاتية وتحد منها ...فتحاول أن تجعل النص الشعري لديها أفقي كي لا توغل أكثر في الألم وفي نفس اللحظة تحاول المحافظة على ملامسة هذا الألم بعمقه في توترها النفسي الذي يفرز توهج روحها في لحظة كتابة هذا النص ..أي أنها تحافظ على عمق توهجها لكن بأقل التذكير بخساراتها ومرارتها .. وهذا لكي لا يكون النص غريب عنها بل هي تسعى أن تكون الرموز لكل نصوصها هي ضمن مساحتها النفسية الحقيقة ....

هنا الصمت ليس الصمت القناعة أو لحظة الرضاء عن الذات بقدر ما هو التوغل في الروح وتشظيها ومكاشفتها أمام عنوان حضور الأشياء في ذاتها وحولها ..أي أن الصمت هنا هو التأمل العميق بكل لحظات الزمن الدائر حولها وداخلها أي هو التمازح بين الداخل والخارج بحضور الذات ..حيث يكون هنا الصمت هو ضجيج الذات بأحلامها المعلقة وأمانيها الموجودة في حضورها حين تبحث عن موقعها في الحياة كإنسانة لها اشتراطها في حضور الحياة ..فيتحول الصمت إلى مهرجان التحسس الوجودي في كل علامات الذات ورحيلها وسط عالمها الملتف في تاريخها أو كديمومة اغتراب الذات عن عالمها التي تعيشه ، وكما نلاحظ في ثريا النص أن الصمت هو المقصلة التي تحاول الابتعاد عنها لأنه يذكرها بكل خياراتها وانكساراتها الموجعه ، فيتحول هذا الصمت إلى الوجع الذي يوصلها إلى حافة القهر عندها لم يعد إلى كلام من فائدة وسط كل إرهاصاتها وتوترها النفسي في لحظة الصمت ،وما فائدة الكلام والأحلام ضاعت إلى حد لا تأتي أبدا في شقاق السموات السبع ( صمتي مهرجان /كديمومة الوجع /يكتنز الأماني /من غيم الصبر/يغرس الخلايا /لأنسجة تنوس /عند حافة القهر /فيضيع الكلام /كما ضاعت الأحلام /بين شقاق /السموات السبع ) نلاحظ أن الشاعرة جعلت من العنوان هو بؤرة النص فجاء النص هو المعبر الكلي عن العنوان وهذا ما يؤكد أن للشاعرة قدرة على التحكم بمسار النص ولغته الموحية قبل أن تفقد التوتر النفسي في انعكاسات الخارج المستفزة لتكوين مسار النص لديها كما نلاحظ انسيابية النص بمنولوج بسيط مفعم بالحياة بالرغم من الوجع الموجود فيه ...

يستمر الصمت كعلامة الذات الموجعة في رحلتها فيكون الصمت هنا ليس الركود والتوقف بل يتحول إلى الحركة الداخلية إلى الذات بشروط الزمن الذاتي للفقد ، أي أن الصمت هو علامات مسارات الروح في تقلب الأيام فيتحول إلى طقوس نار يحرق الأشياء في الذات ، فيظهر الوجع في أسفار الروح في عالم يختبئ داخلها في كل أبعاد الحاضر والماضي ، ويغلف حتى نظرتها إلى الأشياء الخارجية فترى حتى الشمس رماد لهذا الاحتراق ، وكما قلت سابقا أن الصمت لدى الشاعرة هو رحلة الشاعرة بين الداخلي وانعكاساته على الخارج ،أي هي هنا تكون الذات الداخلية لديها هي محور العالم وليس العالم الخارج ، فالتأثير عليها لا يأتي من الخارج بل من عالمها الداخلي هو الذي يحدد عالمها الخارجي لأنه هذا العالم زاخر بالمساحات الكامنة من ذاتها وهي هنا قد تضاد ما طرحة العالم النفسي بافلوف عن الانعكاس الشرطي للخارج على الذات ، فيتحول حتى الصبح لديها هو رماد شمس تتقد وتخبو في داخلها ،لهذا لا تشعر إلا أنها على هامش العمر الذي يمضي دون أن تصل إلى ما تريد ( صمتي طقوس /نــــــــار /بين طين وحطب/يخرج من صلبه /ليل عبوس كهل /أثقله السفر/جعَّده السهر /لا يتقن لعبة الشمس /وشمسي رماد /عند كل صبح /خبت واتقدت /...لتخبو / على هامش العمر ).

فأي صمت هذا بل أي عالم هذا الذي تعيشه مدجج بكل رموز الذات ونضجها في كل أقاليم الحياة ، حيث يتحول إلى رمز لكل شيء في حياتها من الوطن إلى الذات وكأنه سيمفونية الحياة بتصاعدها وهبوطها إلى حد حدود الحياة ويصل إلى عمق روحها وتشظيها بكل العناوين التي تفسر لها ما معنى الحياة ومسرتها فيها ، فبقدر ما يكون هذا الصمت هو الحياة نفسها يتحول إلى وجود كامل بكل بحضوره فتغفو بين ذارعيه وتلثم أبجدية عينيه وتغتسل تحت قوس شفتيه لتمارس كل طقوس الحياة في حضوره ، وهنا يدل على أنها تعيش العزلة والوحدة التي تجعلها تصل بحقيقة أحلامها إلى هذه المرحلة من الخلق والوجع ( صمتي...صامد...صارم /أتوسد كتفيه /أرخي شقوتي عليه / وقد أغفو حينا /بين ذراعيه /وأقبل الوطن /الملثم بأبجدية عينيه /وأغتسل عند انحناءات /النور الشارد /تحت قوس شفتيه /لأمارس كل غواياتي /وأنتدب ركنا قصيا /مني... فيه...إليه ) ونشعر مع كل هذا الوجع والعزلة أنها متماسكة وتعرف كيفية الخروج من هذا العالم مع أنه أصبح هوية ذاتها حيث يكون منها وأليه محافظة على ذاتها في مسيرة الحياة والتمسك بالأمل القادم ....

ويستمر الصمت بطقوسه كاملا ممثلا لها في كل أرتعا شاتها وتوترها النفسي وتتابع حياتها الوجودية والمتحركة حولها بانعكاس مفاهيمها إلى مسيرتها في الحياة الخارجية ، فهي حتى أن غادرته تشعر بالشوق إليه ، ولكنها تصحو منه كي تستمر بالرغم أنه يتجاذبها بين المد والجزر ، ولكنها مستمر بجريان الحياة حيث تمشط النهر من هذا الصمت الموجع ..أي أنها تمتلك لحظات الاستيقاظ منه مع أنه يوحي لها أنه ليس له حد في غدها ، مع هذا هي تنتظر الغد والفجر الذي فيه كي تتصالح مع الحياة لهذا نجدها جعلت النهاية مفتوحة إلى غدها كي تؤكد أيمانها بقدرتها على تغير حياتها حين تجد الفجر الجديد ، (صمتي... ذبحٌ /عند رعشة الشوق/ ....غرقٌ /عند صحوة العقل /....بين مد وجزر /أمشط الماء /على شط النهر /بدون حد...ولا غد /لحين اندلاع الفجر /وصمتي ..حينها ... ) النص بقدر الوجع الذي فيه استطاعت الشاعرة أن تجد الاستعارة الكبيرة والتي تقارب مشاعرها الروحية النفسية بقدر شاعرة لها معرفة بحدود الشعر والصورة الشعرية ، حيث حققت الانزياح لتقارب مفردة اللغة إلى الجوهر المعنى الذي تريد بزخم معرفي لحدود الذات المتوحدة وتشعبها في العزلة التي تؤشر لها عالم اليأس والمرارة من انكسار هذه الذات وعدم عثورها على ما تريد من الحياة ، عمق في بنيانه الأفقي الممتد إلى أغوار الروح ، أي أن الشاعرة لم تفقد مشاعرها الجوهرية ومنعاها وذلك لبقائها متوحدة مع ذاتها في كل مسيرتها الإنسانية ، أي نص استطاعت الشاعرة أن تأتي بكل ما هو جوهري وحقيقي دون الابتعاد عن عمق النص ،فبقيت محافظة على هذا التوغل فيه إلى أعماق الذات التي تعاني العزلة والمتوحدة معها في الحياة ، دون أن تتجه إلى تسطح النص والمباشرة فيه ، وبهذا كان النص عميق يبين قدرة الشاعرة على معرفة مسيرتها في النص النثري وعناوينه .



( 19 )
النص : أسطورة عائشة للشاعرة عائشة المغربي / ليبيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ـــــــــــــــ

أزمة عزلة الإنسان في مجتمع لا يفهمه
المدينة تتسع
تتسع جداً
إنه التعب يحمل زاده
ويأتي
تفاحة طيبة
وأصدقاء متعفنون
مثل شجرة عارية
توسدت عائشة وحدتها
تلفحت طريق الأحزان المشجر
ولجت غابة القلق
قلباً خاوياً
حلماً متعباً
ووقتاً يذبل
تسيل روحي نبيذاً حارا
تشربني فتهوى عطشا
تهوى صحرا
تضيق حيناً
فتمنحك امتدادا للعطش
وحيناً آخر
امتدادا للارتواء
تتبدى سرابا للسراب
يتبعك مأخوذا
ينبجس لي عاما جديدا
أعيد كتابتي كل لحظة
أمحو السطور القديمة
أمرق دائما نحو الأمام
لكنك تمرق مني خلالي
للحظات التي لم أكتبها بعد
أضع الكحل مرتين
أحدق في مرايا النساء
المشروخة
أمشط ثلاثين ظفيرة
لموعد الوصول
أتكور ورقة معطرة
خلسة أتدثر في معطفك الشتوي
يهل ربيع قصير
تسرق زهوره شذي المعطف
هكذا
يعدني الكهنة:
في الشتائية القادمة
أعبرك ممتطئة
نشوة الغابة البكر
أمشط ثلاثين نجمة وقمرا
أشعل النار وانطفئ
لموعد عصي
غيم عقيم
يجتاح وجهك الجميل
يتكدس ظلاً لعينيك
أسكن رحيلك
نجمة لجليد السنوات الحزينة
هذه الليلة
يقبضنا الغيم
ضباب بارد جسدينا
والقلب دافئ يتوهج
نسير ضد الريح
تشابك يدك يدي
نتبادل جسدينا
مرة أرتديه
مرة يرتديني
وتارة يرتدينا شتاء المدينة
ابتسم لا تبتسم
المتسول يبعثر الوقت
النهار يهجر الكون
يلتقي القمر والشمس في الغياب
تلبس النجمة البرية حدادها
تعلن النجوم انطفاءها
في واحة الكهنة المرتشين
الوقت يتحالف على الأفق
والأفق يتسع لمزيد من الضيق
عائشة
أفق يتسع لمزيد من الضيق
والوقت أفق يضيق بعائشة
عائشة
أسطورة محاصرة بالرمل
تمد خطوة خارج أسوارها
تقبضها الشيخوخة
وفتاها
الوجه الملون بالطفولة
المطعون بالقلق
المنفلت من قبضة الكهنة
يتهاوى على سياج الأسوار
يتوسد خطوها على الرمل
ينام في العراء
يصير عراء
الآلهة تبارك كهنتها المخلصين
الكهنة يضحكون
يتبادلون الأنخاب السرية
يشربون نبيذا حارا
الواحة ترقد في صمتها




القراءة :
ـــــــــــــــــــــ

حين نقرأ نصوص الشاعرة عائشة المغربي نجد أنفسنا أمام شاعرة تعرف كيف تمازج في بؤرة الدالة بصورة متراكبة فيصبح النص لديها أمواج المتلاحقة متراكبة وكل موجه تعمق المعنى وبشكل انسيابي مترابط المنولوج داخلي كثيف الرمز ،أي كل موجه تخضع إلى معنى مختلف كليا عن بقية الأمواج وحتى في بعضها يتصاعد هذا المعنى لديها إلى حد يعلو بحجم المعاناة التي تعيشها وكأننا أمام سيمفونية بين الصعود والنزل حسب المشهد المعبر عنه وفق ذائقة روحها ورؤاها ،مع هذا هي لا تفقد مركز بؤرة دلالة النص بحيث ينفلت خارج مسار التي تريده ويصبح مجرد هذيان بل تعمقه إلى حد حنين اللحظة المتواجد حاولها بحضور المعنى المتدفق ضمن فكرها الوجداني ، فتتحول لحظة حضور الذات في الأشياء عندها إلى لحظة رؤيا روحيه تخاطب الأشياء حولها بأتساع هذه الرؤيا فيتسع النص بالصورة التي تحقق استعارة عالية تقارب بين الصور جميعا إلى حد تكثيف هذه الصور بشروط المعنى ، أي نحن إزاء شاعرة تعرف موقع ذاتها من لعبة الزمن كي تتجنب اليأس تشبثه بالأمل برغم كل ما حولها من أشياء لا تتطابق مع عمقها الحقيقي في الحياة لهذا نراها دائما تتصاعد عندها القيم والمفاهيم التي تنتمي إليها إلى العلو نتيجة الثقة الكاملة بذاتها ليس من باب الغرور بل من ثقتها بالأيمان ما تنتمي إلية من هذه المفاهيم والقيم وهذا النص ما هو إلا تعبير عن هذه الانتماءات الجوهرية لها ...


المدينة تتسع
تتسع جداً
إنه التعب يحمل زاده
ويأتي
تفاحة طيبة
وأصدقاء متعفنون
مثل شجرة عارية
توسدت عائشة وحدتها
تلفحت طريق الأحزان المشجر
ولجت غابة القلق
قلباً خاوياً
حلماً متعباً
ووقتاً يذبل
تسيل روحي نبيذاً حارا
تشربني فتهوى عطشا
تهوى صحرا
تضيق حيناً


وفي هذا النص أرتقت بالأسطورة عائشة إلى مستواها كشاعرة أي هي التي جذبت الأسطورة إلى عالمها وليس غابت في عالم الأسطورة وهذا ما جعل نصها يتكاثف برمزيته .فقد أعطت إلى لأسطورة الحياة بنزعاتها الآنية بدل أن ترمز الذات ضمن الأسطورة
لهذا نجد أن النص أمتد بمساحة وجدانية عالية ، أعطى إلى اللغة جمالية عالية من الترميز والانزياح باتجاه ذاتها بالرغم أنها لم تفقد الاندماج مع رموز الأسٍطورة كي تبقى دلالة النص واسعة ، وترتقي إلى مستوى النبوءة والرؤيا ...وهذا هو سر جمال النص وتفرده من ناحية اللغة التي بقيت صياغتها متحركة على مساحة النص بدل أن تتحول إلى لغة جامدة لا تلبي عمق مشاعرها عكس الكثير من النصوص ، حيث نلاحظ في كثير من هذه النصوص بقدر ما نجد عمق التوتر النفسي في بداية النص نشعر أن النص يتدحرج إلى التسطح وضمور هذا التوتر إلى حد تصبح اللغة هامشية في التعبير والعمق .
فنجد في نصها هذا عمق المعاناة التي تعيشها بالرغم أتساع المدينة وأتساع العلاقات المتكونة نتيجتها ولكنها تشعر بالضيق ، لأنها لا تجد لروحها مع من يتماثل مع جوهرها من ناحية طيبتها وفكرها برغم من أتساع هذه المدينة حيث هنا تداخل بين أتساع طيبتها بالرمز من خلال إلى أتساع المدينة وذلك بإشارتها إلى قدرتها أن تعيش بهذا الأتساع لأتساع أفق فكرها وطيبتها ، لكن في نفس اللحظة لا تجد من يستوعب هذه الطيبة ،لهذا وبالرغم أتساع طيبتها لكنها تصاب بخيبة الأمل من هذه المدينة الواسعة حيث أن هذا لا يؤدي إلى أتساع الروح الإنسانية بل يؤدي إلى تسطح هذه العلاقات إلى حد العفونة أي لا تنتج هذه العلاقات الترابط الصميمي في حياة الإنسان والشاعرة هنا تطرح أزمة الإنساني الطيب الصادق والباحث عن العلاقات الحقيقة وليس الزائفة وهذا ما يجعله يشعر بالعزلة والوحدة بسبب عدم عثوره على صدى لطيبته ، والتفاحة الطيبة ما هي إلا رمز إلى روحها الطيبة ( المدينة تتسع /تتسع جداً /إنه التعب يحمل زاده /ويأتي / تفاحة طيبة /وأصدقاء متعفنون /مثل شجرة عارية /توسدت عائشة وحدتها )وسبب طيبتها لا تجد غير أصدقاء متعفنين وهذا ما يسبب شرخ كبير من الوجع والألم في روحها ، أنها لم تجد غير قلبا خاويا وحلما متعبا وعمرها يمضي إلى الذبول ( تلفحت طريق الأحزان المشجر /ولجت غابة القلق /قلباً خاوياً /حلماً متعباً /ووقتاً يذبل ) مع أنها لا تمتلك إلا روحا كالنبيذ الحار أي أنها لا تعيش في روحها إلا العلاقات االحميمية الصادقة ، وبالطبع هذه أزمة الإنسان الصادق اتجاه ذاته واتجاه الآخرين الذي لا يجد الصدق عندهم ...


فتمنحك امتدادا للعطش
وحيناً آخر
امتدادا للارتواء
تتبدى سرابا للسراب
يتبعك مأخوذا
ينبجس لي عاما جديدا
أعيد كتابتي كل لحظة
أمحو السطور القديمة
أمرق دائما نحو الأمام
لكنك تمرق مني خلالي
للحظات التي لم أكتبها بعد
أضع الكحل مرتين
أحدق في مرايا النساء
المشروخة
أمشط ثلاثين ظفيرة
لموعد الوصول
أتكور ورقة معطرة
خلسة أتدثر في معطفك الشتوي
يهل ربيع قصير
تسرق زهوره شذي المعطف
هكذا

فهذه العلاقات قد تمنحك امتداد العطش كما يمدك السراب بالارتواء من هذا العطش لكن لا يحقق إليك هذا السراب الارتواء الحقيقي بل تبقى أنت في حالة عطش ، فالعلاقات حولها ما هي إلا سراب لا يروي عطشها إلى جوهر روحها الطيب وعمقه الحقيقي ، وعمرها يمضي دون العثور على من يتماثل مع روحها (فتمنحك امتدادا للعطش /وحيناً آخر /امتدادا للارتواء /تتبدى سرابا للسراب /يتبعك مأخوذا /ينبجس لي عاما جديدا ) لتؤكد أن العمر يمضي فهي ما تكتبه في العام الماضي تمحوه اللحظة أي أن ما تعتقد أنها عثرت على من يمثل ذاتها و روحها ، لهذا تبقى لا تفقد الأمل وتستمر بالبحث عن هذه الإنسان ( أعيد كتابتي كل لحظة /أمحو السطور القديمة /أمرق دائما نحو الأمام /لكنك تمرق مني خلالي /للحظات التي لم أكتبها بعد) وهي هنا لانتظر إلى الخلف بل تنظر إلى الأمام واللحظات التي عاشتها بالانتظار قد تقوم بمسحها أي أنها لا تتأسف على عمرها الذي مضى بل لديها الأمل بأنها سوف يكون هذا الانتظار هو الجدوى لمن تنتظره لأنه سوف يمثل كل روحها وآمالها لهذا سوف يعوضها عن الذي مضى ، والشاعرة هنا تبين قدرتها على التمسك بالأمل دون يأس فهو دائما يمرق من خلالها إلى الأمام أي أنها تشعر أنه سوف يحضر .
فبعد هذا الأمل ترجع إلى ذاتها كأنثى وتناشد ذاتها كأنثى لتشعر أن عمرها يمضى لأن أنوثتها تمضي برعم أنها كإنسانة متمسكة بالأمل وتمسح العمر الذي مضى ولكن هنا كأنثى يختلف الوقف ، فهي تحدق إلى مرايا النساء المشروخة لشعورها بالتناقض بين موقفها كإنسانة وكأنثى وهذه ما يجعل مراياها مشروخة بين الانتظار والأمل وبين لا انتظار كأنثى ( أضع الكحل مرتين /أحدق في مرايا النساء /المشروخة /أمشط ثلاثين ظفيرة /لموعد الوصول
أتكور ورقة معطرة /خلسة أتدثر في معطفك الشتوي /يهل ربيع قصير /تسرق زهوره شذي المعطف /هكذا )وهي استخدمت هنا الاستعارة بشكل كثيف حيث تمشط ثلاثين ضفيرة وهي عمر انتظارها وما الضفيرة إلا استعارة إلى السنين التي مضت أي هي رمز انتظارها في السنين إلى موعد الوصول إلى من تريد أن تجده ، فتشعر بالشتاء وما المعطف إلا الأمل بأن الدف قادم برغم من الربيع القصير ولكن تبقى زهوره في شذى المعطف أي أن الأمل لم يمت لديها بالرغم انتظارها الطويل . لكنها متمسكة بالأمل بأن سوف يأتي ......

يعدني الكهنة:
في الشتائية القادمة
أعبرك ممتطئة
نشوة الغابة البكر
أمشط ثلاثين نجمة وقمرا
أشعل النار وانطفئ
لموعد عصي
غيم عقيم
يجتاح وجهك الجميل
يتكدس ظلاً لعينيك
أسكن رحيلك
نجمة لجليد السنوات الحزينة
هذه الليلة
يقبضنا الغيم
ضباب بارد جسدينا

وتستخدم الشاعرة الكهنة هنا كرمز إلى القوى التي لا نستطيع أن نواجهها وهي الأقدار والعادات التي حولها أو لكهنة الكلام الذين يقولون ما لا يفعلون ، وهذا نتيجة عدم امتلاكهم الصدق مع الذات ، حيث أن هولاء يوعدون دون أن يصدقوا بوعودهم مع أن العمر يمضي ولكنها مازالت تمتلك الأمل البكر للاتي ، بالرغم أنها مرت على زمن انتظارها ثلاثين عام مضى وقد تصورت أنها سوف تجد في النجمة أو القمر الذي تراه الأمل لانتظارها لكن دون فائدة وتستمر برحلتها في البحث حيث هنا تشعر أنها اقتربت من هذا الأمل لكن ما هو إلا اقتراب من الوهم والخيبة وما الموعد العصي إلا رمز لهذه الخيبة حيث تشعل النار وتنطفئ أي أنها تتصور أنها وصلت إلى ما تريده في الحياة لكنه موعد عصي في غيم عقيم لا يمطر أبدا
(يعدني الكهنة: /في الشتائية القادمة /أعبرك ممتطئة /نشوة الغابة البكر /أمشط ثلاثين نجمة وقمرا /أشعل النار وانطفئ /لموعد عصي /غيم عقيم ) وهنا تكرر الثلاثين بعد أن كانت الثلاثون ضفيرة تتحول هنا إلى نجمة وقمر ونشعر هنا أنها عاشت فترة ثلاثين عام كانت تضفر في كل عام ضفيرة الانتظار من أجل تغير الأخر ولكن دون جدوى من المطر من الغيم العقيم ولا أمل بالتغير باتجاه مفاهيم الحياة من الطرف الأخر وبعد كل هذه الضفائر من الانتظار أصبح لديها نجمة وقمر ينيرا لها ليلها من الانتظار ومن أجلهما هي صابرة لعل يأتي التغير .. لكنها وصلت إلى اليأس بالرغم من هذا الصبر حيث أن النار التي أشعلتها أنطفئت الموعد العصي من انتظار المطر من الغيم العقيم ....

والقلب دافئ يتوهج
نسير ضد الريح
تشابك يدك يدي
نتبادل جسدينا
مرة أرتديه
مرة يرتديني
وتارة يرتدينا شتاء المدينة
ابتسم لا تبتسم
المتسول يبعثر الوقت
النهار يهجر الكون
يلتقي القمر والشمس في الغياب
تلبس النجمة البرية حدادها
تعلن النجوم انطفاءها
في واحة الكهنة المرتشين
الوقت يتحالف على الأفق
والأفق يتسع لمزيد من الضيق

وتستمر الشاعرة بمكاشفة ذاتها في عواطفها التي تنتمي إليها فهي دائما في قلب دافئ متوهج في الانتماء إلى الطرف الأخر ، بالرغم لأنهما سارا ضد الريح في اختيارهما وتشابكت الأيدي وتبادلا الأجساد ولكن كل هذا لم يوصلها إلى الأمل الذي تبحث عنه بل يوصلها إلى شتاء التوهج في روحها ، وحتى أبسآمتها لم تعد كالابتسامة ، فالوقت يمضي ويتبعثر الوقت ولا أمل بالتغير من الطرف الأخر ، وهذا ما يوصلها إلى نهاية نهار الحياة بالرغم من لقاء الشمس والقمر ، حيث أنها تتحول إلى التمرد ضد هذا الوضع الذي تعيشه وتتحول إلى نجمة برية وحتى نجوم ليلها تنطفئ فيه النجوم ، والليل الذي تنطفئ فيه النجوم إلا الليل الأخير من الحياة (والقلب دافئ يتوهج /نسير ضد الريح /تشابك يدك يدي /نتبادل جسدينا /مرة أرتديه /مرة يرتديني /وتارة يرتدينا شتاء المدينة /ابتسم لا تبتسم /المتسول يبعثر الوقت /النهار يهجر الكون /يلتقي القمر والشمس في الغياب /تلبس النجمة البرية حدادها )



يتحول صبرها وتشبثها بالأمل إلى يأس وخوف من الليل بلا نجوم فقط أنطفئت هذه النجوم في واحة كهنة الكلام المرتشين أي الذين يتغيرون من أجل مكاسب يحصلون عليها وينتهي كلامهم ويعودون إلى سابق عهدهم (تعلن النجوم انطفاءها /في واحة الكهنة المرتشين /الوقت يتحالف على الأفق /والأفق يتسع لمزيد من الضيق ) وهذا ما يجعل أفقها يضيق عليها وكلما أتسع الأفق أتسع ضيقها ، أي لا أمل من التغير وكلما تحاول أن تصبر لا يؤدي هذا الصبر بها إلا إلى الضيق أكثر من الظروف حولها وهنا تبرز أزمتها الحقيقة بأن صبرها لا يؤدي بها إلا مزيدا من الضيق والليل بلا نجوم حيث لا أمل بالتغير ...

عائشة
أفق يتسع لمزيد من الضيق
والوقت أفق يضيق بعائشة
عائشة
أسطورة محاصرة بالرمل
تمد خطوة خارج أسوارها
تقبضها الشيخوخة
وفتاها
الوجه الملون بالطفولة
المطعون بالقلق
المنفلت من قبضة الكهنة
يتهاوى على سياج الأسوار
يتوسد خطوها على الرمل

هنا ترجع الشاعرة إلى ذاتها لتناقشها حول هذا الضيق هل هو بسببها أم بسبب الظروف حولها ، حيث تبرز هنا ( الأنا ) الناضجة بالفكر والروح وما عائشة لكن هنا هي بعيدة عنها كي لا تنحاز إليها كليا بل تراها كأنها غيرها أو كأنها عائشة في المرآة كي تصل إلى تحقق الحقيقة في هذه المناقشة من دون انحياز إلى هذه الذات ، وهنا فهي بالرغم من الضيق مازلت تتسع إلى مزيدا من الضيق أي أن روحها كما ثبتنا في أول نصها أن ذاتها واسعة بوسع المدينة التي حولها ولكن الوقت يضيق عليها فالعمر يمضي دون أمل ، فتحاول أن تمد خطوة خارج أسوارها التي حولها ، لكنها لا تستطيع فهي تقبض عليها الشيخوخة، وحتى وجها الذي كان يتلون بالبراءة والطفولة أصبح مطعون بالقلق من العمر الذي يمضي ، وحتى اختياراتها المنفلتة من قبضة الكهنة تتهاوى على سياج الأسوار ولا تصل إلا إلى خطوها على الرمل ، أي أن صبرها مكابرتها اتجاه الظروف حولها لم يبق منها شيء إلا الآثار على رمل، فالشاعرة حقا أرتقت في تركيب صورها الشعرية وفق ذائقة الانزياح واللغة المركبة من معاناة رحلة حياة الإنسان الذي يعيش ضمن ظروف لا تحقق المستوى البسيط من طموحاته في الحياة نحو التقدم والارتقاء بالعلاقات الإنسانية إلى مستوى الطموح القريبة إلى الذات الإنسانية ، فنشعر أننا نعيش الحياة بكاملها هنا وسط ظروف عصية على التغير، حيث ما الفائدة من أن يأتي التغير بعد مضي العمر إلى الشيخوخة ومع هذا يبقى هذا الإنسان نتشبث بالأمل والأيمان إلى مستوى الأسطورة بالتشبث بالأمل بدل اليأس ..فكانت هذه هي عائشة الإنسانة عائشة الأسطورة بتمسكها بقيمها وأيمانها بهذا القيم النبيلة فتحققت هذه الأسطورة .

مع العلم هذه القراءة نشرت في مجلة العرب اللندنية




قراءة نقدية لنص (في لجة الوهم ) للشاعرة فاتن فايد / مصر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــ

يثقبُ الكذبُ قلبَ الحقيقةِ
ويُصلبُ الصدقُ على جذعِ الخداعِ
السماءُ معطفٌ أسودُ لشتاءٍ لا يتناسلُ
العقمُ عششَ في حنايا الغيماتِ
الأفقُ جبينٌ ضيقٌ لأملٍ مريضٍ
الكونُ متسعٌ وهميٌ لعيونٍ لا ترى إلا سراباً
ظلَّ الصمتُ يحاصرُ أفكاري
ليطيح ببقايا عقل
أغفلها الجنون في الثورة على المعقول
الرموشُ الصلبةُ ترمقُ طيورَ النورسِ
وهي تحطُّ برحالها على ضفافِ الحلمِ
المتدفقِ إلى صدرِ اليقينِ
فالوهمُ باتَ يؤرقُ الأملَ ويغتالُ النورَ
ويدهسُ ظلي
تمططَ الليلُ و فارقَ النومُ عينيَ المنتظرةَ
أسهبَ الحزنُ في وخزي..
فأحدثَ نقاطاً بلونِ الرمادِ المحترقِ
ضاق بي قلبي ولفظني لأسرابِ الغربةِ
تحلقُ حولي في رقصةٍ جنونيةٍ
على إيقاعِ الهمِّ المنفرد بالروح
فإن ماتَ الهمُّ شهيداً ..
.لمنْ يسلمُ الحزنُ رايةَ الألمِّ؟؟
هكذا
سيبقى عشقي يتخبطُ في لججِ الترددِ
حتى يتحررَ البدنُ من نفسه
وتنامُ في عينيَّ رياحُ الاضطرابِ
فيبحرُ شراعي في بحرٍ عتيّ.
يفتشُ عن إخلاصٍ منسيّ
من عهدِ العشقِ الذي
عصفتْ بهِ أمواجُ القدرِ
فتوارى عن قلوبِ البشرْ




القراءة :
ـــــــــــــــــــــــــــ

أن محاولة مطابقة الذات مع العالم الذي حولك تبدو محالة لأن الذات دائما تمتلك ما هو متغير من المفاهيم التي تحدد المشاعر والأحاسيس التي تتبع الزمن الذي يسكننا عندما يحدث الفقد أو التصادم مع هذا العالم والواقع المتمثل حولنا ، فالذات التي تمتلك قناعة ورؤيا خاصة لكل أقاليم الحياة لأنسانية أو الجتماعية دون الأنسياق ضمن هوامشها بل هي تحاول البحث عن المعنى الحقيقي لكل ما هو جذري وأصيل لكي نحدد عمق أو أنساق أنتمائنا الى هذا الواقع ، وطبعا هذا يحتاج الى ذات تعرف كيف تفكر ومتى تطرح السؤال على كل أسرار الحياة ومتغيراتها في الواقع أو في الذات ، وهنا نحن أمام شاعرة فاتن فايد التي تمتلك المساحات الشاسعة من القدرة التي تأشير كل ما هو هامشي وطارئ على الحياة لكي تتمسك بما هو حقيقي ينبع من إنسانيتها و مفاهيم أنتمائها الأصيل فنجدها دائما في نصوصها تمازج ما بين التاريخ والحاضر بشكل يرتقي بالحاضر الى لحظة مكاشفة الذات عن مصيرها ضمن هذا البعد الكبير في تاريخ الإنسانية وفي نفس الوقت لاتنسى أنها تعيش الحاضر بكل رموزه أي أنها تحاول من خلال نصوصها المزج بين رموز التاريخ بأطار الحاضر المعاش حولها ، فهي تعيش الحاضر من خلال دفق الزمن الذي عاشته سابقا الى يصبح هذا الزمن هو المقياس لكل معاناتها الإنسانية الكبيرة ، لهذا حتى حين يحاصرها الحاضر بكل معاناته جراحاته تمتد به خارجا الى زمن خارج الحاضر المألوف لديها بكل قيمة وفق لحظة الأنعتاق منه أي أنها تسمو على جراحاتها من خلال متداد الزمن الأصيل في روحها المتوهجة برؤيا حاضرة دائما في روحها لكي تكون خارج الوهم في كل علاقاتها الإنسانية ...وهنا في هذا النص ندرك عمق هذه الشاعرة وقدرتها على أستحضار كل الأزمان من خلال رموزها ...


يثقبُ الكذبُ قلبَ الحقيقةِ
ويُصلبُ الصدقُ على جذعِ الخداعِ
السماءُ معطفٌ أسودُ لشتاءٍ لا يتناسلُ
العقمُ عششَ في حنايا الغيماتِ
الأفقُ جبينٌ ضيقٌ لأملٍ مريضٍ
الكونُ متسعٌ وهميٌ لعيونٍ لا ترى إلا سراباً
ظلَّ الصمتُ يحاصرُ أفكاري
ليطيح ببقايا عقل
هنا الشاعرة تحدد مسيرة النص من البداية حيث يصبح الكذب الثاقب لقلب الحقيقة(يثقبُ الكذبُ قلبَ الحقيقةِ/ ويُصلبُ الصدقُ على جذعِ الخداعِ ) أي أن الكذب هو المتوغل في كل تفاصيل الحياة وحقيقتها ،مستمرة بتبرير هذا من خلال الأمتداد الأوسع في هذه التفاصيل حيث تصعد هذه الأزمة مثبته هذه الرؤيا المتصاعدة من عمق معاناة الإنسان الصادق وسط من هذا الكم المتراكم بأن كل شيء يتحول عكس حقيقته بقدر ما أن الكذب يثقب الحقيقة يضيع الصدق ويصلب على جذع الخداع ، والشاعرة أستطاعت أن تعطي رؤيتين لنفس المعنى لكن بزواية شعرية مترادفة كي توسع عمق الدلالة في المعنى لهذه الحقيقة وهي بهذه الحالة أمتدت بالتصور الدلالي الموحي بشمول كل ما أرادت أن توصله الى المتلقي بان ليس هناك أنتصار في الحياة إلا الكذب والحقائق المترتبة على هذه النتيجة أي أنها صعدت الحقيقة التي أن توصلها لتكون شاملة (السماءُ معطفٌ أسودُ لشتاءٍ لا يتناسلُ /العقمُ عششَ في حنايا الغيماتِ /الأفقُ جبينٌ ضيقٌ لأملٍ مريضٍ /الكونُ متسعٌ وهميٌ لعيونٍ لا ترى إلا سراباً/ظلَّ الصمتُ يحاصرُ أفكاري /ليطيح ببقايا عقل )ومن أجل أن تجعلها شمولية تتخذ من الرموز الكونية الدلالة لتبين هذه عمق هذه الحقيقة وتأثيرها على الكون , والشاعرة هنا تمتلك طاقة القدرة على الأحياء من خلال الأستعارة في الرموز الكونية وكأنها المعبرة ما في داخلها من مشاعر أي كل هذه الرموز هي أنعكاس الى مشاعرها والحقيقة التي كتبت الرؤيا من خلالها أي أنها تريد أن تقنع المتلقي بأن ما تعيشه ليس من خلال مشاعرها فقط بل كل هذا موجود في الكون وما طرحت من رؤيا إلا أنعكاس لهذه الرموز الكونية ،فقد تصاعدت من الحقيقة البسيطة التي حولها الى الحقيقة الكبيرة في الكون ، وهنا يبرز تميز هذه الشاعرة عندها النص هو نص بنيوي وبشكل عمودي وليس الإفقي لأن استعاراتها أما مبنية على رموز التاريخ أو الرموز الكونية، لأنها تدرك أن الكون هي الحقيقة الخالدة أي لا تتغير بتغير الظروف الشيئية ، فهذا الشتاء معطف أسود لا يتناسل وقد دب العقم حتى في الأفق وحتى الكون أصبح أمل مريض فهو سراب ، وكل هذا يحاصر ذاتها مسببا تصاعد الأزمة داخل ذاتها الى حد النبوءة التي تريد أن توصلها ، فهي تريد أن تأكد ما طرحته ليس ما تعيشه حولها بل هذه الحقائق موجودة قبل شيء في الكون ...



أغفلها الجنون في الثورة على المعقول
الرموشُ الصلبةُ ترمقُ طيورَ النورسِ
وهي تحطُّ برحالها على ضفافِ الحلمِ
المتدفقِ إلى صدرِ اليقينِ
فالوهمُ باتَ يؤرقُ الأملَ ويغتالُ النورَ
ويدهسُ ظلي
تمططَ الليلُ و فارقَ النومُ عينيَ المنتظرةَ
أسهبَ الحزنُ في وخزي..

وهنا تتحول الشاعرة من الرموز الكونية إلى مخاضات الداخلية في ذاتها كي تعرف كم لهذه الرموز الخارجية لها امتداد داخل روحها ، وهي هنا لا تتوغل كليا داخل ذاتها بل تعكس ذاتها إلى الخارج من الرموز الممتدة حولها ، هذه الإرهاصات تجعلها تفقد حتى الحلم لأن اللحظة عندها لحظة سيطرة الظرف حولها وما تحمل من الحقائق التي بشرت فيها في أول النص (أغفلها الجنون في الثورة على المعقول/الرموشُ الصلبةُ ترمقُ طيورَ النورسِ /وهي تحطُّ برحالها على ضفافِ الحلمِ /المتدفقِ إلى صدرِ اليقينِ) فهي تمر بأزمة كبيرة لعدم وضوح الحقائق عندها بسبب ارتداد ذاتها عن المحيط حولها فها الجنون يغلف المعقول بالثورة . ولكنها بعد هذا يحاول أن تأتي برموز تهدأ من هذه الثورة وتعطي إلى الأشياء حولها اللحظات الجميلة حيث تصبح طيور النوارس محطة الحلم ، وهي هنا تدعو أن لا نتخلى عن الحلم مهما كانت الظروف قاسية حولنا والحلم هنا هو الأمل (فالوهمُ باتَ يؤرقُ الأملَ ويغتالُ النورَ /ويدهسُ ظلي /تمططَ الليلُ و فارقَ النومُ عينيَ المنتظرةَ /أسهبَ الحزنُ في وخزي.. )فتحاول هنا أن تجعل الأمل هو الحقيقة الباقية التي يجب أن نسعى إليها بعيدا عن الوهم الذي صار يورقنا ويغتال النور داخلنا , وحيث يبدأ هنا الصراع بين الأمل والوهم ، فهي تخاف أن هذه الآمال قد تكون هي الوهم فتعيش الأرق كي تعرف حقيقة النور والأمل في روحها وسط هذه الأوهام فيشعرها بالصراع داخلها إلى حد الوخز والحزن ، خوفا أن تتحول الآمال إلى وهم لا يتحقق في امتلاك من تحب ..
فأحدثَ نقاطاً بلونِ الرمادِ المحترقِ
ضاق بي قلبي ولفظني لأسرابِ الغربةِ
تحلقُ حولي في رقصةٍ جنونيةٍ
على إيقاعِ الهمِّ المنفرد بالروح
فإن ماتَ الهمُّ شهيداً ..
.لمنْ يسلمُ الحزنُ رايةَ الألمِّ؟؟
ويستمر الصراع داخل روحها ما بين الأمل الذي يقربها من تريد وبين الوهم الذي لا يعطيها إلا حقيقة غائبة عن روحها ، فيتصاعد هذا الصراح إلى أن يضيق بها قلبها ويجعلها تعيش أسراب الغربة داخل روحها ، وقد يأتي هذا الصراع من عدم التأكد من تعشق ( فأحدثَ نقاطاً بلونِ الرمادِ المحترقِ /ضاق بي قلبي ولفظني لأسرابِ الغربةِ /تحلقُ حولي في رقصةٍ جنونيةٍ /على إيقاعِ الهمِّ المنفرد بالروح )
، فالسراب يحلق حولها كالرقصة المجنونة على إيقاع همها الذي أخذ يستحل كل روحها ، لأنها تعشق الطرف الأخر ولكنها غير متأكدة من مشاعره نحوها فتخاف أن يؤدي بها كل هذا الألم من أجله إلى حزن أكثر ، وهي مع هذا برغم الحزن الذي تشعره داخل روحها لا تريد أن تتخلى عنه خوفا أن تفقد إحساسها به داخل روحها أي أصبح الحزن علامة حضوره في روحها ( فإن ماتَ الهمُّ شهيداً .. /.لمنْ يسلمُ الحزنُ رايةَ الألمِّ؟؟ ) فتخاف أن مات الهم وزال الحزن منها فلمن تعيش تترقب حضوره في روحها ، والشاعرة هنا حققت نص أدرامي عالي النبرة يتصاعد مع تصاعد الصراع داخل روحها إلى حد نشعر أنها لا تريد أن تفارق حتى الحزن كي لا تفقد من تحب ، وهنا كانت بؤرة عنوان النص تجسدت بشكل كامل فلجة الوهم أخذت مساحات كبيرة من المعنى الموحي بكل دلالاته إلى رؤيا حادة بانتزاع تصاعد الصراع داخل روحها وهذا يشكل صور شعرية متحركة في زويا التشكل الصوري الرائع ، لهذا نجد أن حزن الوهم هو الطاغي على مسارات النص أي أن الشاعرة لم تقفل النص عند حد معين بل أصبح الصراع بين الوهم والأمل هو العنوان الممتد بشكل أدرامي على الصوت والمعاناة الواضحة ، وهذا الشاعرة حققت نص درامي كثيف الرمز عالي الصور
في مسارات الحبكة الداخلية للإيقاع داخل النص ، أي أن الامتداد داخل النص امتداد جوهري كثيف المعنى ...

هكذا
سيبقى عشقي يتخبطُ في لججِ الترددِ
حتى يتحررَ البدنُ من نفسه
وتنامُ في عينيَّ رياحُ الاضطرابِ
فيبحرُ شراعي في بحرٍ عتيّ.
وهنا برزت المعاناة الحقيقة في صراعها مع عشقها الحزين وهي التخبط في لجة التردد ، فالوهم ما كان يحضر في روحها إلا بسبب ترددها بالوصول إلى من تعشق وقد يكون هذا التردد له أسباب خارجة عن ذاتها ، لهذا كمن الصراع داخل حدود ذاتها ، أي أنها تعاني بصمت وهذا ما جعل الصراع يكبر ويأخذ كل مساحات ذاتها الصامتة ، فالصراع بين الوهم والأمل كبير لحالتين ترددها خوفا أن لا تجد من تعشقه يعشقها كما هي تعشقه وصمتها هذا ما جعل معاناتها وألمها يكبر بسبب هذا العشق (هكذا /سيبقى عشقي يتخبطُ في لججِ الترددِ /حتى يتحررَ البدنُ من نفسه /وتنامُ في عينيَّ رياحُ الاضطرابِ /فيبحرُ شراعي في بحرٍ عتيّ.)
بالرغم هذا الحزن الكبير وألمها بسبب هذا العشق فأنها لا تريد أن تصارحه خوفا أن تفقده ويبتعد عنها لهذا تفضل أن تستمر بحالتها المؤلمة هذه إلى النهاية دون أن تصارحه وقد فضلت الحزن والصراع مع نفسها وبصمت كي لا يتحول الأمل لديها إلى وهم حين لا تجد صدى لحبها الكبير في نفس من تعشق ن وبهذا فحتى هذا الحزن العميق قد يتحول رياح اضطراب إذا لم تجد صدى لحبها في نفس من تعشق أي أنها تفضل أن تبقى بحزنها وهي مترددة بعدم مصارحته على أن تصارحه ولا تجد عشق يوازي عشقها في ذاته حيث يتحول حزن التردد إلى عواصف وفي بحر عتي من الأحزان والوجع الكبير..


يفتشُ عن إخلاصٍ منسيّ
من عهدِ العشقِ الذي
عصفتْ بهِ أمواجُ القدرِ
فتوارى عن قلوبِ البشرْ

والشاعرة تمتلك القدرة على معرفة امتداد روحها في حالة عدم تجد التجاوب مع عواطفها فالأحزان والأوجاع سوف تتحول إلى حالة تعيش فيها أمواج القدر أي أن مصيرها لا تعرفه بل يتحول إلى مصير مجهول لا قرار فيه في الحياة فهو الضياع الكامل لذاتها دون هذا العشق ، والشاعرة هنا تريد أن تقول أن هذا العشق هو الحياة بالنسبة لها وكل شيء خارج هذا العشق ضياع ونسيان حتى لحياتها ، تبقى هذه الحياة تعصف كالأمواج التي لا تعرف الاستقرار والى الأبد فهي تعتبر العشق هي القيمة العليا في الحياة فكل شيء في هذه الحياة يتحول أمواج قدر توارى عن القلوب البشر أي الإنسان يتحول إلى حالة سلبية الحياة لا أردة له أي لا ثبات له في حياته بل مجرد أمواج تتقاذفها الأقدار ، فالعشق هو القيمة الثابتة التي لا تتغير والشاعرة قد حققت نص ثابت البناء متصاعد الإيقاع ومتدرج المعنى الدلالي ، أنها حققت نص كامل العنوان غني المعنى في اللغة المتقاربة في تحقيق وحدة النص وكثيف وواسع المعنى .





( 21 )
وحدها السماء تبارك صمتي للشاعرة نعيمة زايد / المغرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــ

والنجم إذ هوى
تقفي النور ما عتق أبي من نذر بين ميلاديين
خلف كوكب يتلظى على مرمى ارق
حين تمدد الغيم بشبه إغفاءة
لم أكن وحدي
كنت "واحدان"
خارج دائرة الاستثناء
عيون الموناليزا بالضفة الجانبية
ولوتريك يغازل دخان الألوان
يؤثث خسارة زهر عباد الشمس بالجدران الباردة
توا فكت الأرض ارتباطها بالمحور
كل الزوايا انفرجت
لتتماسك نقط الفراغ بداخلي
توزع رمل الأرض على الفقراء و"الأنبياء "وفاء للنذر
لا شيء يدركه القمر غير صدأ يعلو ناصية الحزن
يبدد تجاعيده الأولى
كل استعاراته لا تشبه إلا نفسها
تلافتها الأوراد المثخنة بشفاه الرجاء
لتغمد الفرح بألوان الانتظار
وعيناك المنبثتان بصهوة خيلي
تدير القوس باسورة الماء
لتزين جيد الشجر القادم من عل
يسري بأجنحة الكون ينذر بالرحيل
يا ل فرجينيا تغزلين النهر
وتلقين الأذكار بالماء
اسلمي الفرح للريح دفعتين
كي يصمت الأنبياء
فالسماء وحدها تبارك صمتي



القراءة :
ـــــــــــــــــــــــ

نجد أن النص لدى الشاعرة هو الحلم الذي تحدد ذائقته الرؤيا المنبعثة كليا من المعنى للفكرة المراد التعبير عنها وفق نسق هواجس الروح , لهذا نجد النص لديها هو تعبير عميق لكل ما هو يرتبط بالروح وتشعباها بالكلية في حضور الذات الوجودية في الأنا المرتبطة بالأخر الذي يرمز إليه من خلال الرمز في عمق الدلالة الموحية داخل الذات , حيث نجد هذا الرمز الموحي هو بؤرة النص التي تحمل ذائقة الدالة بالمفردات اللغوية الكثير من المعاني العميقة دون الغوص إلى المجهول أو التعبير المنفلت عن معنى النص , لهذا نجد النص لدى الشاعر نعيمة زايد ما هو إلا مخاض الروح في طرق التعبير الصوفي , لكي تقارب الروح مع الرموز الوجودية والحاضرة في ذهنية الذات الداخلية لها بحيث تجعلنا نشعر أن المساحة الحقيقة لتحرك المعنى هو ذاتية الأحياء المنبعث من مفاهيم القيم الروحية والتي تتجاذب عميقا مع كل يوصلها إلى حقيقة الإنسانية التي تنتمي إليها ضمن المحيط حولها .. أي أن الشاعرة تشرع الذات ضمن رموز عاشت حولها واكتسبت القيمة العليا في حياتها .
نجد في هذا النص كل هذا في المقطع الأول فيه حيث تبدأ نصها بالنجم أي بالقيمة العليا لكل ما هو أرضي يحيطها في الحياة حيث يرتبط هذا النجم الرمز بأبيها أي يصبح أبيها هو الرمز الذي هوى لغيابه من حياتها , مع أن غيابه يشكل لها صدمة بغيابه لكنه يبقى النور الذي يشدها إلى الحياة ويعمق هذه الحياة , فهذا النجم بغيابه شكل لها كوكب (والنجم إذ هوى /تقفي النور ما عتق أبي من نذر بين ميلاديين /خلف كوكب يتلظى أعلى مرمى ارق ) أي أن أبيها هنا لم يغيبه الليل فقد استخدمت الشاعرة الأرق لتقارب رمز الليل وغياب أبيها فلم لم يبعد عنها كثيرا بل هو على بعد مرمى أرق أي أنه حاضر فيها بالرغم من غيابه القصري فقد سكن خلف كوكب يتلظى أي ينير , وما غيابه إلا يشبه تمدد الغيم , أي أن غيابه لم يكن غياب كلي بل هو حضور كامل في حياتها (حين تمدد الغيم بشبه إغفاءة / لم أكن وحدي /
كنت / خارج دائرة الاستثناء ) فشكل لها غياب أبيها هي حالة استثناء أي هو لم يغب بالرغم من عدم وجوده حولها فهو باقي في حياتها تتخذ منه رمز كبير في حياتها فهي لم تكن وحيدة في الحياة (واحدان ) فهو حاضر في تفاصيلها الكلية بالرغم أن غيابه يصبح لديها غياب دهشة في حياتها لأنها لغاية الآن لم تصدق أنه غائب فهو حاضر حولها بكل تفاصيله الحياتية , وغيابه دهشة كعيون الموناليزا وما ما تشكل هذه العيون من سر , أن الفنان لوتريك برغم من غيابة عن الحياة لكنه موجود فيها من خلال لواحته التي شكلت قيمة أبداعية في حضوره الحياتي. وهنا استطاعت الشاعر أن تحدث استعارة عالية الانزياح من خلال تقارب الفنان لوتريك في لوحاته وحضوره الدائم في من خلال فنه الخالد مع غياب أبيها أي أن أبيها خالد في حضوره حولها , وهنا الشاعر استطاعت أن تمازج بين الغياب والحضور في المعنى وبهذا هي حققت دلالات موحية عالية الاستعارة (عيون الموناليزا بالضفة الجانبية / ولوتريك / يغازل دخان الألوان
يؤثث خسارة زهر عباد الشمس بالجدران الباردة /توا فكت / الأرض ارتباطها بالمحور
كل الزوايا انفرجت) حيث يبقى المعنى ثابت في الأرض برغم من غياب من أحدث هذا المعنى , والشاعرة حققت بؤرة نص يجذب الأحداث خارج فعلها المألوف من خلال توظيف الثبات في الحضور مع الغياب وهذه حقيقة يقينية في فعل الروح وثباتها بالانتماء أي أن الانتماء لديها ليس غياب وحضور بل هو ثابت في المعنى الأبدي , حيث نجد أن عباد الشمس لا تغير يحدث لها بالرغم من أنها تدور مع الشمس ولكنها ثابتة في اللون والأرض , والشاعرة استحضرت هنا زهرة عباد الشمس لتأكد ثبات المحور التي ترتكز عليه في الحياة فلا تغير يحدث برغم غياب من ننتمي إليهم مع أن هذه الزهرة لا تستطيع أن تغيبها الجدران الباردة , فهي ثابتة .
.
.

ونأتي إلى المقطع الثاني لتطرح أسباب ثبات قيم أبيها في روحها والأسباب التي جعلتها تثبت في المعنى الذي أعطاها هذا الأب (توزع رمل الأرض على الفقراء و"الأنبياء "وفاء للنذر / القمر غير صدأ يعلو ناصية الحزن لا شيء يدركه /) فهو كان رمز إلى كل ما هو رائع بالقيم والانتماء لهذه القيم بشكل صميمي كانتماء الأنبياء أي لا يتغير بتغير الظروف , وهذا بهذا تريد أن تؤكد أن ثباتها نابع من ثبات القيم التي تعلمتها من أبيها فهو برغم من تقدم العمر به لكنه لم يتغير بل باقي بانتمائه للقيم التي أمن بها من أول حياته أي هو منتمي وثابت بانتمائه في الحياة بكل الظروف والأحوال , والشاعرة هنا أستخدم المساحة الواسعة بالإيحاء المعنوي للرؤيا المحددة بالفكرة التي توضحها وبشكل عميق خارج التسطيح في تشكيل النصي , والمحافظة على هذا يحتاج إلى ذات قادرة أن تمتلك الرؤيا التي تجعل من اللغة المعبرة بوضح عن الفكرة مع احتفاظها بالعمق المعنوي المراد توصيله إلى المتلقي فجاء النص عميق المعنى واضح الفكرة, فالقمر هنا برغم ما يوحي الليل بالحزن والفقد لكن القمر الذي فيه يبدد الكثير من هذا الحزن ويجعله حالة إشراق وأمل, وتمتد الشاعرة مع تشكيل المعنى العميق من خلال الأحياء بأن ما تعلمته من أبيها هو السبب الكبير في المحافظة على ذاتها في كل مراحل حياتها , فالبرغم تحرك الرغبات فيها أحيانا والتي ترمز إليها هنا بالخيل , لكنها محاطة بأسورة الماء أي محاطة بالطهر والنقاء الذي لا تغيره الظروف بل هو ثابت في ذاتها التي انتميت إليها من قيم أبيها فهي ثابتة بنفسها لا تتغير مع الظروف ( يبدد تجاعيده الأولى / إلا نفسها كل استعاراته لا تشبه / تلافتها الأوراد المثخنة بشفاه الرجاء / الانتظار لتغمد الفرح بألوان / وعيناك المنبثتان بصهوة خيلي / تدير القوس باسورة الماء )

.
.

وتستمر الشاعرة بتأكد كل ما أرادت أن توحي إلى المتلقي بثباتها مع تغير الظروف حولها أي أنها لا تهزها المظاهر الخارجية من التزين أي لا ترى الحياة إلا من خلال جوهرها , فكل شيء مظهري يزول ويرحل لكن الشيء الحقيقي باقي فهي ما زالت تلتف بأذكار الماء والطهر , كما أن الفرح الحقيقي ليس بالمظاهر بل هو بما هو ثابت بالمعنى الذي يحقق الجوهر الذي تنصفه السماء وغير هذا سوف يرحل ولا يبقى إلا النهر والطهر الموحي إليه أن أنا الحياة لا تستمر بنهارها إلا من خلال الطهر , لأنها تتمسك بكل هذا وصامدة في وجه أي تغير . فهي تشعر بالفرح الحقيقي لهذا سوف تنصفها وتباركها السماء :
لتزين جيد الشجر القادم من عل
يسري بأجنحة الكون ينذر بالرحيل
يا ل فرجينيا تغزلين النهر
وتلقين الأذكار بالماء
اسلمي الفرح للريح دفعتين
كي يصمت الأنبياء
فالسماء وحدها تبارك صمتي

وبهذا استطاعت الشاعرة أن تحقق الرؤيا التي تريد تثبيتها وفق ذائقتها الروحية وكيفية التعبير عن هذه الذائقة من خلال أعطاء الوضوح بالفكرة مع البقاء على الرؤيا العميقة , لأن الدلالة التي أرادت أن توحي بها يتطلب التقارب والابتعاد عن الوضوح لكي لا تسقط ضمن التداعي الغير مشروط بالوصول إلى نهاية حتمية لرؤيتها الحقيقة والتي تسعى أن تطرحها من هذا النص , والشاعر بهذا النص جعلت من بؤرة هو المعنى المتوغل عميقا, الواضح في الدلالة والعميق بالرؤيا كما استطاعت أن تحقق الثبات بالمعنى مع توسيع الدلالة الموحية ضمن الوحدة العضوية لكل مساحات الذات الباحثة عن اللغة التي تعطي التعبير الشعري عمق في الدلالة . وبهذا كانت ثابتة بالمعنى مع تغير الظروف حولها لأنها متمسكة بالقيم الحقيقة برغم من غاب عنها وهو الذي ثبت كل هذا الثبات والمعنى الجوهري في حياتها .



( 22 )
نوع من الصلاة للشاعر أحمد حسين أحمد / العراق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــ

الحب يا حبيبتي نوعٌ من الصلاة
كان طوال الليل يستنطقُ جذرَ الذات
صحوتُ عند بازغ النهار
أبحثُ عـن نسيمكِ الـمجنونُ كالإعصار
في فُرشِ السرير أو في قلب صحن الدار
كان هـسيسِ شعركِ الطويل ينحني
كالـريحِ وهي تضربُ البحور
وفي دمي زوابعٌ تدور
تطرقُ ذكرى سافرت
تُعيدُ عرساً فات
نافذتي كانت بلا نافذةٌ
وناظري من عاج
يكسرني الزجاج
أبحرُ عبر لجّة الظلام والغيوم
وزورقي مهتاج
كيف أشـدُّ قبضتيَّ في عيون الريح؟

أعرفٌ أنَّ دفّـتي مكسورةٌ
وزورقي مخروم
وأنني أُبحرُ في ليلٍ بلا نجوم
لكنني عدتُ مراراً أقتفي البجعات
فالحب يا حبيبتي نوعٌ من الصلاة
كان طوال الليل يستنطقُ جذر الذات
ويسلخ الهموم
أتعلمين أنني متيمٌ محموم
كما النخيلِ حينَ يشربُ الفرات
تلفحهُ نيرانُ شمس آب
من ناظم (الورّار) حتى قرية( المشخاب)

الحبّ في تخوم أوربا سراب
وهو لديكِ يستحمُّ بالفرات
كنخلةٍ منزوعة القامات
الـحب يا حبيبتي نوعٌ من الجنون
يا ليته يدركُ ما أعاني
يا ليتهُ يعرفُ من أكون
سأنثر الحب على خريطة الشجون
حتى إذا ما أنبتت صحرائنا زيتون
نلتفُّ عائدون
أتعلمين آه .. يا حبيبتي أن النوى طاعون
يا ليته يسلخ أبجديتي
يا ليتني أعرف من أكون



القراءة :
ـــــــــــــــــــــ
أن الاستناد على عنوان النص كركيزة في بؤرة الرؤيا والتي تكون ثيمة النص , هذا يجعل النص يتراوح بين قدرة الشاعر على الأتيان بالمعنى المقارب الى الدلالات الموحية لهذا العنوان أو الأبتعاد عنه , وقد أستطاع الشاعر أحمد حسين أن يبني ثيمته الشعرية بالتوغل في مسالك اللغة القريبةمن أجل تثبيت هذه الثيمة حيث جعل من الروح هي المرجع الذي يعكس مدى اقتراب المعنى من ما يريد أن يوصله الى المتلقي , وطبعا هذا يتطلب توفر اللغة القادرة على نقل مشاعره بشكل كبير لكي لا يحدث النكوص في مرجعية ذاتية النص , علما أن الشعر ليس تسلسل الأفكار بقدر ما هو رؤيا وصور شعرية موحية بكل الأحاسيس التي تنهض بتوهج الذات في كل أعماقها النفسية وتواترها الانفعالي من خلال ترددات التوهج في لحظة كتابة النص , والشاعر هنا أستطاع أن يعطي العمق النفسي بصدق الدلالة التي لا تبتعد عن المعنى لكي لا يقع في خوض المشاعر المتنافرة على ما يريد أن يوصله وهذا طبعا يدل على قدرته اللغوية بالتعبير بما يشعر به وبعمق كبير ..
الحب يا حبيبتي نوعٌ من الصلاة
كان طوال الليل يستنطقُ جذرَ الذات
صحوتُ عند بازغ النهار
أبحثُ عـن نسيمكِ الـمجنونُ كالإعصار
في فُرشِ السرير أو في قلب صحن الدار
كان هـسيسِ شعركِ الطويل ينحني
كالـريحِ وهي تضربُ البحور
وفي دمي زوابعٌ تدور
تطرقُ ذكرى سافرت
تُعيدُ عرساً فات
نافذتي كانت بلا نافذةٌ
وناظري من عاج
يكسرني الزجاج
أبحرُ عبر لجّة الظلام والغيوم
وزورقي مهتاج
كيف أشـدُّ قبضتيَّ في عيون الريح؟
نجد هنا الدلالة التي توحي بالمعنى حيث ربط بين الصلاة والجذور مع طول الليل حيث جعل هذا الحب هو أشراقة روحية في فهمه للحب ,فجعل من هذا الليل الرمز الموحي لمن يحب فربط بين طول الليل مع شعر حبيبته الطويل أي أن الشاعر بقدر ما أستند في تفسير مشاعره على ذاته لكنه في نفس الوقت أستمد الرموز الموحية من المكان الذي حوله , فالمكان الذي حوله هي الموحي بكل ما يمثل الحبيبة من الرموز المستعارة بالدالة الموحية لها أي أن الشاعر جعل من المكان هو حالة الفقد لكل ما كان يعيشه من رمز الى من يحب , فهو هنا يتأمل متلقفا الصلاة بالرموز حوله , ولكي لا يبقى المكان محاصر الى رؤيته المنبعثة من المكان الموحي أخذ يربط بين المكان وما هو موجود في الحياة من رموز تستطيع أن تدعم الرمز الخاص بمن يحب مثل (الريح ,الزوابع الظلام,الغيوم , الزورق المهتاج ) وهذا ما يدل أن كل شيء أصبح غير مستقر بعد أن سافرت من يحبها , فتحول المكان الى ثيمات متنافرة في تكوين الإدراك الحسي حوله وما يعطي هذا المكان من التذكر بالفقد , فيناشد يأسه في رحيل من يحب فكل شيء حوله تحول الى الذكرى , لم يعد يمتلك نافذة يرى من خلالها الحياة حبيبته بعيدة عنه و لم يعد يبحر إلا في لجة الظلام والغيوم (تُعيدُ عرساً فات /نافذتي كانت بلا نافذةٌ /وناظري من عاج /يكسرني الزجاج /أبحرُ عبر لجّة الظلام والغيوم ) فكل شيء حوله يوحي بالغياب والفراق , ففي هذا المقطع يحاور المكان من خلال الرمزه بفقد حبيبته ..
أعرفٌ أنَّ دفّـتي مكسورةٌ
وزورقي مخروم
وأنني أُبحرُ في ليلٍ بلا نجوم
لكنني عدتُ مراراً أقتفي البجعات
فالحب يا حبيبتي نوعٌ من الصلاة
كان طوال الليل يستنطقُ جذر الذات
ويسلخ الهموم
أتعلمين أنني متيمٌ محموم
كما النخيلِ حينَ يشربُ الفرات
تلفحهُ نيرانُ شمس آب
من ناظم (الورّار) حتى قرية( المشخاب)
نجد في هذا المقطع يحاول الشاعر أن يبتعد عن المكان وما يسببه من تصدع وألم داخل الروح لكنه يقع في عدم قدرته على تجاوز هذا المكان لأنه لا يمتلك الإمكانات التي توصله الى من يحب ومع كل هذا فهو متمسك بمن يحب لأنه يمثل له الحياة التي ينشد برغم البعد بينهما , وهنا يتحول من يحب الى مساحة شاسعة من حلمه وحياته حيث يتحول الرمز لدية ويمتد به خارج المكان الذي حوله الى رمز الوطن , فيستنطق الجذور وهذا ما يدل على عمق الانتماء لمن يحب برغم العجز و الإحباط الموحي إليه فهو يبحر في ليل بلا نجوم , مع كل هذا الإخفاق هو متمسك كتمسك الجذور بالأرض ولا يريد أن يفك عمق انتمائه للحبيب , فتمتد مساحة الوطن وبالرموز الكبيرة التي تتسع بأتساع وطنه , لأنه متيم محموم بحب هذا الحبيب بقدر حبه لوطنه وكما أنه في يسكن روحه كاتساع الوطن ., وأستطاع الشاعر هنا أن يعمق الاستعارة بأحداث الأنزياح في تكوين الرمز وما يوحي هذا الرمز من معنى بالدلالات الكبيره من التعبير عنه برموز الوطن , حيث كون الصور الشعرية من خلال ترادف اللغة بمفرداتها المختارة ما جعل الصور تتراكب ببؤرة نصية تتوحد فيها الوحدة العضوية المترابطة مع عنوان النص وهذا ما جعل الإيقاع الداخلي منفرج يحمل صوت إيقاعي عميق وجميل ..

الحبّ في تخوم أوربا سراب
وهو لديكِ يستحمُّ بالفرات
كنخلةٍ منزوعة القامات
الـحب يا حبيبتي نوعٌ من الجنون
يا ليته يدركُ ما أعاني
يا ليتهُ يعرفُ من أكون
سأنثر الحب على خريطة الشجون
حتى إذا ما أنبتت صحرائنا زيتون
نلتفُّ عائدون
أتعلمين آه .. يا حبيبتي أن النوى طاعون
يا ليته يسلخ أبجديتي
يا ليتني أعرف من أكون

نستطيع أن نقول أن النص تكون من خلال ثلاث مراحل المرحلة الأولى هو المكان حول الشاعر وما يوحي هذه المكان في الليل من رموز تأمليه وكأنها خشوع الصلاة والمرحلة الثانية امتداد الرمز الى الوطن وما يمثله من مساحة شاسعة في روح الشاعر والمرحلة الثالثة هو المكان الخارجي الذي يعيش فيه الشاعر هو أوروبا لكي يتم المقارنة بين مسبب الألم والرمز الموحي بفقد الحبيب البعيد عنه , نشعر أن الشاعر يشعر بالقلق وعدم الاستقرار فهو يعيش كنخلة منزوعة القامات , و يشعر بالضياع الى حد لا يعرف من و أين هو ( يا ليته يدركُ ما أعاني /يا ليتهُ يعرفُ من أكون) , يريد أن يتجاوز يأسه الى حد حتى لو نثر حبه ونبت الصحراء زيتون , لكن طبعا هذا المحال لأن الصحراء لا تنبت الزيتون , يبقى محاصر بحب من لا يستطيع أن يوصل إليه , لأنه لم يعد الوطن الذي كان أو الوطن وكما كان يحلم بأن يكون وكما يريد , لهذا هو لا يستطيع أن يكون فيه بسبب ما يسبب له من المرارة في أن يعيش البعد عنه مرغما فالبعد عنه كالطاعون (سأنثر الحب على خريطة الشجون /حتى إذا ما أنبتت صحرائنا زيتون /نلتفُّ عائدون /أتعلمين آه .. يا حبيبتي أن النوى طاعون /يا ليته يسلخ أبجديتي /يا ليتني أعرف من أكون ) والشاعر هنا يعلن أن كل هذا الحب والعذابات هي للوطن بسبب البعد عنه وما يمثله له هذا الحب من حب يتجذر داخل الروح الى حد الصلاة أي حب الوطن أصبح كل مكامن الروح التي يعيش بها حيث يأخذ هذا الوطن في كل مساحاته فمن ناظم الورار الى قرية المشخاب أي كأنه جسد واحد موحد , وقد حقق الشاعر الجدلية الحوارية الأسلوبية بين الوطنه وبين ما يريد أن يكون هذا الوطن في أحلامه والتي يريد أن يراها فيه فكل المغريات حوله لا تغنيه عن حب الوطن .. فكان النص متكامل في النضج والأسلوب واللغة ...




( 23 )
ينابيع نورانية للشاعرة روضة الفارسي / تونس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــ

حفروا الجرح عميقا،
وكلّما هدأ النزيف حرّكوه
سحقوا قلبي وذروه فوق اللهب
وكلما خبا الحريق أشعلوه...
مولاي!
أأحيى بوجع الموت ؟
أم أفنى ذوبا في الحياة؟
معلقة بين أنياب الأرض وأضراس الفضاء
تؤرجحني الأيام، يا مولاي،
وفيّ ينطوي العالم.
سجن نسكنه ويسكننا
أرض تنهشها شلالات حمراء
عصافير بين أقفاص و مشانق
أقفال بفم الحقيقة،
تماثيل للوهم وللرياء
ليل بطعم المجامر
صبح بلا ضياء...
أفرجُ بابي لأراني فيك
هنا يلمع الليل صبحا يا حبيبي
يغرّد العندليب
يذوب الظل بالضوء
يتصاعد طيب الآس
يسري نهر المسك بالروح
أتقلّد النجوم وأقتفي خرير السّاقية
أقطف باقة الماء الطهور...
الهلال يربّت شعر نخلةٍ
تضمّ قرص شهدٍ و حمامة
فوق شدو الياسمين أسجد
ذاك الهلال يلعق باقة الماء،
ذاك الهلال يهديني أقداح النور
تنقر الحمامة قرص العسل
ترقص الحمامة بثغر النخلة
يهطل التمر، يسيل العسل،
تفيض أقداحي...
مولاي،
أقفزُ مني قليلا لأنام في راحتيك
ألتقي الروح والرياحين
وأصغي لناي جليل
يسكب طِيبَ أسمائك الحسنى،
ينفث فراشات السِّحْر، ياقوت القمر،
غناء النجم، ضياء المطر، زمرّد الفجر
لوحات الغيم، حرير الحلم، رحيق السبات
ألوان الصوت، رضاب النهر
غدا ولّى وماض آت...
مولاي،
وراء ستائر الطيب
يختفي نورك الأكبر
أتُراني إذا لمست قبسا منه
أحيا لأول مرة؟
أم أموت رهبة وعشقا؟
ها هنا الحلم مازال يراودني
عمّا ضاع في قطار الحياة،
أحفر البحر جنانا
تتفجّر أسماك الضوء برتقالا
عصير الضوء يسقي جرار السماء
السماء في يديّ لآلئ و مطر
السماء بنبضي تكتب:
"تفقّدي جراب المجهول
عند الزمن ونجمة
هناك كنز أجمل و أبقى"...
مولاي... يا مولاي،
كلما أنزلت بي بلاء، حبّا، واختبارا
إلاّ وزخّ الصّبر وهلَّ الغيث مدرارا
كلّما قُطّعتُ شظايا
إلا وأعدتَ ترتيبي، وأضأتني سراجا وهاجا
كلما قُذفتُ بقاع الجحيم
إلا وأنزلتَ ماءك سكينة و ريّا
وإذا الملائكة تطوف بأطباق الشمع منشدة
بردا وسلاما
بردا وسلاما



القراءة :
ــــــــــــــــ

عميقا، /اللهب /الموت ؟ /الحياة؟ /الفضاء /العالم. /مراء
مشانق /الحقيقة، /المجامر /ضياء... /بالضوء /بالروح /
الطهور... /نخلةٍ /حمامة/أسجد /الماء،/النور/العسل/
النخلة /العسل،/الرياحين الحسنى،/القمر،/الفجر/النهر /الطيب/وعشقا؟ /الحياة،/جنانا /برتقالا/ السماء/مطر/المجهول / نجمة/و أبقى"... /واختبارا/شظايا/ وهاجا /الجحيم /وسلاما /بردا وسلاما.

لو تدرجنا هنا في أتساع المعنى وفق تقارب أو تباعد المفردات اللغوية , نجد هنا أن الشاعرة أعطت الى اللغة كل المساحات التي من خلالها أن تعبر عن مكنون ما بداخلها من عالم ضاج ومزدحم بعمق الحياة أي أن الشاعرة استطاعت أن تجذب الحياة من عمقها وظاهرها دون أن تفرق المعنى أو تبعده عن تتبع في اللغة ولكن هنا نتساءل أي لغة هذه التي استطاعت من خلال خلالها أن ترتيب المعنى الداخلي للغة مع مكنونها الذاتي المكون لمنطقة الوعي واللاوعي . حيث نجد بين أول مفردة (عمقا) وهنا أشارة الى العمق بأتساع استنهاض اللغة من الداخل لتكون الحافز الجوهري المعبر عن الحياة لأن مهما عبرنا عن ظواهر الحياة لا تزيدنا إلا تسطح المعنى لدينا ونبقى على طرف اللغة الموحية والمنساقة الى الدالة الموحية بكل ما هو بؤري والمقارب الى ما تريد أن ترسله الشاعرة الى المتلقي , فلو جمعنا هنا هذه الكلمات ( الحياة , الفضاء الضوء , الروح ., , الطهر , القمر , نجمة , الفجر , السماء , المطر , الجحيم) نجد أن كل هذه المفردات توحي بالعلو مع هذا أن الشاعرة أرادت أن تنظر الى هذه الأشياء برغم علوها هي عميقة في وجدودنا الإنساني حيث بدأت بالمفردة ( عميقا ) أي أن كل هذه الأشياء لها تثقلها الأرض مع أن هذه المفردات تمتلك الإشارة إليها وفي نفس الوقت تمتلك الحس الروحي بهذه الإشارة وهذا يدل عن أن الشاعرة قاربت الأرض والسماء بلغة صوفية منتجة للبؤرة الحقيقية للنص أي أن التدرج بالرؤيا الصوفية الملتصقة بالروح قبل الإشارة إليها , هذا يدل على أتساع ما تشعر الشاعرة عن المعنى الذي يجمع كل الحياة من خلال المعنى المعبر عنها , وهنا تجعلنا الشاعرة بأن اللغة المعبرة لديها هي مفردات لا تخرج عن نطاق التشظي الروحي الصوفي في لحظات الانتماء الى الذات أي أن الإنسان يمتلك كل هذا الكون الملامس لروحه ومن الداخل وما هذا إلا أحياء بعلو قيمة الإنسان وأتساع قيمته في الكون, وعندما يعمق المعنى وما يزيد الدلالة أشعاع اللغة ضمن مفرداتها الحية , حيث نشعر أن التجسير بين معاني اللغة يمتد بامتداد التوتر الذي يحافظ على صياغة الصورة الشعرية المتحركة والمشحونة بطاقة الصوت اللساني داخل المفردة وتكون هذه الطاقة التي تحرك الفعل الشعري من أجل البقاء ضمن نهج الصورة الشعرية المشعة والتي تعبر عن أقصى حالات القوة الصوتية الإيقاعية في لغة الشعر , فلو تتبعنا حالة الإيقاع المركز بالحافز الخفي للتصور الصوفي ومدى اقتراب هذا الإيقاع من الصورة الذهنية نجد أن النص يمتلك مقوماته الذاتية التي تحفزه بالاستمرار بتكوين الصورة المشعة ضمن بؤرة متحركة أي لا تصل الصورة داخل النص الى نهاية مغلقة بل تفتح عالم من الرؤيا لكي تقارب المعنى الأستعاري التي يشار له من خلال تقارب المفردات التي تحدد العلو في منهجية التركيب اللغوي وتوتره المستمر داخل النص . فنشعر بثقل أزمة الذات التي حاورت اللغة ومن مناطق التي تعطي المعنى بشكل المتوتر والاستمرار بهذه الإثارة او التوتر داخل النص فنجد ما بين أول كلمة(الحياة ) وأخر كلمة (الجحيم) تمتد حياة كاملة من الفضاء والروح والقمر أي هي لحظات تنوير للروح كي لا تغرق بعيدا عن ما تراه الشاعره ما يمثل الحياة الحقيقية التي تسعى إليها في احتضان الروح والفوز بها من أجل أن تكون منهجية التنوير الحقيقي أو تنوير الحياة , لو عدنا الى المفردات الأخرى نجد أنها تمثل الخط الأخر في ترتيب الحياة ( اللهب , المشانق , الماء , النور , أسجد , العسل , النهر , حنانا , واختبارا,شظايا, وهاجا ,الجحيم ,وسلاما , بردا وسلاما.) هنا البحث عن صنع الحياة بالطريقة التي تنتمي إليها ,وهذا يحدد قيمة التضحية من أجلها أو من أجل المحافظة عليها وهذا طبعا يتطلب التمسك الروحي بقدر ما يتطلب التضحية من أجل تحقيق الاختيار الذي يمثل الضفة التي تسعى الشاعرة إليها , فلا يتم هذا الاختيار المقارب الى الذات إلا إذا كانت هناك التضحية حتى لو أدى هذا الى المشانق , وهنا نجد هناك توازي في الوصول الى الاختيار بين اختيارات الحياة الخارجية وبين الاختيارات الجوهرية الداخلية من الروح والتي تمثل القناعة المتمسكة التي بنت عليها أزمة اختيارها فهي بقدر ما تسعى الى وجودية الحياة الخارجية في الحياة نجدها متمسكة بالقيم الروحية الى حد التضحية من أجلها وصولا الى المشانق , حيث هذا التمسك يهبها الماء.. القدرة على العطاء والنور الذي يعطها القدرة على الرؤيا لكل شيء حولها , فالشاعرة استطاعت أن تخلق نص في أسلوبية الإيحاء بين العالم الروحي والعالم الخارجي أي أن النص يستمر حتى النهاية لدى الشاعرة في خلق التأثير الإيحاء الداخلي للصورة الشعرية وفق أعطاء اللغة المحفزة على المقاربة في المعنى . وهذا الإيحاء الداخلي يعطي الى الأشياء الخارجية تنسيق الكامل بالإخضاع الى أو الانقياد الى العالم الداخلي الروحي , والذي يميز النص هو الصور المتعددة المعبرة عن الرؤيا الشعورية الروحية والمادية في الوجود بحيث تتجمع هذه الرؤيا في تلاقي الروحي مع الإشعاع في الظواهر الخارجية بأسلوبية المعنى الدالي , ولكبر الأزمة التي تعتمر داخل الروح وأتساع نطاقها داخل الوعي وعدم القدرة على التصالح مع الظاهر الخارجية بما يمثل من ابتعاد عن قناعة وفكر الشاعرة هنا تطلب الشاعرة (بردا وسلاما) لكي تهدأ وتعيد صياغتها من جديد لكي لا تفقد حالة التلامس الجوهري في رؤية الحياة بالشكل المتطابق مع جوهرها في القيم الحقيقية ,وهنا لو استندنا الى عنوان النص لوجدنا ما هو إلا صراع وأزمة ما بين الذات الروحية و المظاهر المادية الخارجية والشاعرة استطاعت أن تقنعنا بمنهجية فكريا الريؤي ضمن طاقة شعرية حققت من خلالها تقرب الرؤيا مع اللغة بشكل كبير أبعد النص عن الترهل والضيق في الوصول الى نهايته المراد وأن توصلنا لها الشاعرة بأن الحياة أن خلت من ينابيع النور لا يمكن أن تعاش .. أي أن الشاعرة وظفت اللغة في اختيارات الروح وصراعها مع المد للظواهر الخارجية بشكل رائع وعميق .. استطاعت الشاعرة أن تجعل من النص نسق حواري داخلي مع اللغة بشكل كبير ومنهجي ...



( 24 )
عزف دون أيقاع للشاعر ماهر عمر / فلسطين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ـــــــــــــــــ

على مرمى نبض ...
من قلبك ...
فاقدحي زناده ...
عسى أن يجيرني ...
طلقة الرحمة ...
من عذاب المسافة ...

جنون :

يلزمني حرف ...
كي أبريء القصيدة ...
من قتلي ...

جفاف :

المطر ... بلاغ فصيح ...
يحمل رسائل و وصايا ...
و على القصيدة البور ...
رد التحايا ...

غروب :
الشمس تبكي ...
البحر يواسيها ...
بأمواج تنساب من فمه ...
كمناديل مطرّزة بالأماني و المراثي ...

حياة :
الموتى الراقدون فيّ ...
يغادرونني و معهم ...
الفائض من وجعي ...
و أشلاء أحلامي التي لن تكتمل ...

فشل :

كم من شاعر ...
بلغ هذه الدرجة من السوء ...
أشواقه قيود لا تكف عن الصرير ...
فمزّق القصيدة ...

ندم :

تنمو أعشاب ندمك ...
على تابوت فارغ ...
خلّفته آثار أصابعك ...
على القلب ...

طفولة :

هل رأيتم طفولة العالم الجديد ...
في غزة هذا الصاروخ ...
يصنع طفلاً بنفسجيا ...



القراءة :
ـــــــــــــــــ

حين نجمع مواسم الروح وفق أنساق الرؤيا الممتدة الى حوار ذاتي ضمن المعنى المتحقق من هذه الموسم يتسع بأتساع هذه الرؤيا ضمن إرهاصات الذات التي تمتلك المعنى في منهجية الفكر المنتج لهذا النص لهذا يأتي النص عامرا بكل أدوات اللغة التي تعيد صياغة الجملة الشعرية المتقاربة مع المشاعر الجوهرية أي كلما كان النص قريب الى منهجية الروح وآفاقها العاطفية الممزوجة أو المتداخلة بشكل واسع مع الذات الواعية بأهمية الارتقاء باللغة الى مستوى النضج الذات لذاتية النص وفي نفس الوقت يكون العمق المتواصل مع الاستعارة التي تعطي الى الأنزياح مساحات واسعة من التأويل الذي يمسك بدلالة كمفهوم يستجمع البؤرة النصية نحو مركزية المعنى الموحي بما يريد الشاعر أن يوصله الى مفهومية الفكرة ضمن النسق الشعري وهنا يكمن عمق المعرفة الأدبية لمعنى الشعر في داخل هذا الشاعر وهنا نجد شاعر ماهر عمر مسك كل أبواب اللغة الموصلة الى المفردات المتحركة والمشبعة بتناظر الذات مع المعاني الكثيرة (غزل ,جنون ,جفاف ,غروب ,حياة , فشل , ندم , طفولة ) والشاعر هنا يبدأ بالغزل كحقيقة الحياة بأن المرأة بإمكانها أن ترتقي الى كافة المستويات التي تعطي الى الذات المعنى الحقيقي للحياة ولكنه يتراجع عن هذا لأن هناك مسافة بينه وبينها (طلقة الرحمة /من عذاب المسافة ) ...
أي لا يمكن الوصول إليها بسبب هذه المسافة , فيعتبر التمسك بهذا هو الجنون(كي أبريء القصيدة /من قتلي ) ...
وبعد يقر بالجنون كحالة وهمية التي تمنعه المسافة من تحقيق حلمه , يسقط بالجفاف و الجفاف هنا هو اليأس من المسافة بسبب أتساع الصمت بسبب هذا فلم تعد ترد حتى التحايا (و على القصيدة البور /رد التحايا ) ...
وطبعا بعد الجفاف يأتي الغروب المحتم على نهاية أي حلم لا يتحقق فتتحول حالته الى حالة من المراثي ( كمناديل مطرّزة بالأماني و المراثي ) مع أنه يصر على الحياة ولكن كيف صار شكل هذا الإصرار بعد تتحول أحلامه الى أشلاء أي الشاعر يصر على الحياة ولكن بيأس وهذا يؤدي الى الفشل لأن ليس هناك ما يجعله يتمسك بالأمل (أشواقه قيود لا تكف عن الصرير /فمزّق القصيدة ) فهو لم يعد يؤمن بالأمل وليس أمامه إلا تمزيق القصيدة , وكل هذه الحالات في الذات والتي عاشها يشعر في نهاية بالندم فكل ما عاشه أخذ يشعر بالندم عليه لم يجد به ما يريد من الحياة سوى الندم (خلّفته آثار أصابعك /على القلب ) فلم يبق شيئا إلا أثار الندم على القلب , لكن الشاعر بدل أن يسقط بالندم واليأس كاملا يسعى الى الطفولة لكي تعاد له براءته نتيجة المعاناة لتي يعيشها ,وخوفا أن تلوث روحه بسبب هذه المعاناة ويحاول أن يعود الى طفولته لكي يحافظ على ما في داخله من قيم ونقاء , والشاعر في المقطع الأخير يخرج من ذاته لكي يلقى كل ما عاشه من المعاناة هو سبب المكان الذي ينتمي إليه أي أن كل الإخفاقات التي مرت به سببها المكان (في غزة هذا الصاروخ /يصنع طفلاً بنفسجيا) والشاعر هنا أستطاع أن يرتقي بالحوار الذاتي مع ما يعيش حوله من أجل كشف هذه والإخفاقات والتي كانت سببها المكان حوله وبهذا أستطاع أن ينأى عن نفسه هذه الفشل أو الإخفاق في الحياة حوله ... نص رائع وعميق وفعلا يستحق التثبيت


( 25 )
نفس خارج رئة الليل للشاعرة نعيمة زيد / المغرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــ

نفس خارج رئة الليل
لعيون المدى هذا الهبوب

كيف تعاقرين صفائح الليل بالأغنيات
فالظلمة أشد وطئًا من أقداح الغياب



حلم الليل صغير يرحل بقوافل الصمت عند جسر الأرق
يعيد ترتيب جرح ينبض داخل أليافه
يسابق أشجار الدفلى بشراهة
يوشك أن ينمو بلا تربة بلا عشب ...بجسد موغل في الرذاذ
.....سأغلق رموش الليل ببحر يلوح خلف التلاشي
وأملأ بأسيجة الاشتهاء حقولا لكفيك
.......
بين النقيضين أغرس شجرة الندى
جسدا يستدرج الصرخة الأولى ....
قبل تخشب الماء بجدران المرايا
أتحامل بالغمام على ما تبقى من جذوة الليل
أغرق عنفوان المرارة براحة الحقول الحجرية
شظايا تناثرت بدمي
وأفتض نبض الصدى بأهازيج الضياء
نشيدا يخاتل الأقنعة بحدقات الينابيع


كيف ترابط بنقطة البدء
بصحراء يقتنصها زهر مستحيل ,,,,,,,,,,,؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
انا حبلى بك حتى النخاع ....فاحمل قلبي بيديك
لألملم الشظايا غابات نداء

قد تسألني ..من ذا الذي أبكى الصهيل
وأضاع اشتعال الفجيعة باسمال الوجوه البالية ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أهو الموت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

...........

...........
........ تمهل أيها الموت لن أسري بحدائقك المفخخة
سأنثر من رياض ثغري وجوها أخرى للشمس
وأغلق باب الغواية برحى الحنين اليه

.......
وقد تسأل يوما ..

من ذا الذي حول دمي لشظايا أصابع الدهر
وأسقط خيمة الصدى برحيل الصبوات
وأعار سقوط الليل رغبة العودة بالطعنات
يؤبن رقص الشجر بحلكة المراثي لتكبر عواصف الاحتضار
لينبت الحلم فجاة في اتجاه السماء ....؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وتسأل ...
من منحني لون الوهم بأرض اليوط
من يبس جذع الكلمات
ورجع بالصدى هبوب الأغنيات
من احال زرقة المدى بقايا حدقات
من غامر بوعد السحاب وأحال الموج شطآن السراب
من ومن ومن ووووووووووو

.........

لن يكسل نبعي وهذي المرايا وجوه لهبوب يعمر طويلا
لن تخبو جذوتي وهذي الربا الهامسات بدمي تنبجس وعدا وتنذر ماء
........ قد هرم سفين الليل وهذا الموج يلوح بشظاياه وذي قرابيننا باحت بها الأنهر الحبلى بأحلامنا
تنسج المرافئ لعبورنا خارج رئة العتمة ..


القراءة :
ـــــــــــــــــــــ

أن البحث عن الدلالات المهيمنة على النص والتي تحتضن اللغة الموحية من أجل معرفة هذه الدلالات نجدها هنا قد تعدت نسق الاستعارة الى أسلوبية تكوين العبارة الملحمية التي تتطابق مع حجم الفكرة الموحية بعنصر التكوين النسقي في أسلوبية الصورة الشعرية لأن الشاعرة نعيمة زيد تعتمد الخيال الخصب وفق بعد المعنى , حيث نشعر هنا أن الشعر ليس تواتر الهواجس التي تكون خارج المعنى البصري للصورة وإنما هذا ألأسلوب هو أسلوب كتابة الذائقة الملحمية لتراكب الصورة الشعرية في مسلك عميق يؤدي الى انفراج الفكرة بعد مخاض كبير من العمق الممتد بشكل أفقي لكي تبقى عمارة اللغة تمتد بعمق أي أن النص لا يبتعد عن الفكرة المتكونة داخل رؤيا الشاعرة بل يحصل المعنى الموحي والمؤثر دون فك جميع شفرات النص بشكل بسيط لأنها تمتد من المتخفي من المظاهر الى ظاهرها أي يبقى العمق متوتر في نفس المتلقي دون فقد الرؤيا التي بنت عليها الجملة الشعرية المحفزة على الأحياء الجاذب لكل أبعاد عمق الفكرة وهذا الأسلوب نجدة في شعرية الشاعر الفرنسي بودلير وقد يكون الشاعرة قرأت نصوصه بلغته وهذا ما أعطاها القدرة على التأثير بهذه الأسلوبية الحوارية مع الذات والتي توصل الى المعنى المرسل على امتداد الرؤيا ...
حلم الليل صغير يرحل بقوافل الصمت عند جسر الأرق
يعيد ترتيب جرح ينبض داخل أليافه
يسابق أشجار الدفلى بشراهة
يوشك أن ينمو بلا تربة بلا عشب ...بجسد موغل في الرذاذ
.....سأغلق رموش الليل ببحر يلوح خلف التلاشي
وأملأ بأسيجة الاشتهاء حقولا لكفيك

هنا تنمو العبارة الشعرية لديها وفق توجس الذاكرة على الرؤيا المحفزة المكنونة للصورة الشعرية وبأسلوب اللغة البصرية لحدث انعكاس امتداد الهاجس التكويني لاختيارات المفردة الأكثر قربا من امتزاج مناطق التصور الذهني الذي يوحي بمنطقية التراسل الى ماهية الاختيار لتكوين الصورة الشعرية وفق اللغة الموحية وهنا تبتدئ بالحلم الصغير في لحظة التأمل لكي تعطي الى هذا الحلم برغم صغره على الامتداد الى فكرة الرؤيا التي تكون أساس عناصر التكوين في التركيب الدلالية الممتدة على قدر المعنى المرسل من هذا الحلم الليل الصغير لأن الأزمة الروحية المنعكسة على الوحي الفكري ممتدة ما بين دلالتين الحلم والكف كل ما بينهما من أشياء تعطي الى هذا الامتداد فكرة الإنضاج المعنوي الموحي بعمق هذا الحلم في الأزمة الروحية للشاعرة فهو يسبب لها الأرق (حلم الليل صغير يرحل بقوافل الصمت عند جسر الأرق/ يعيد ترتيب جرح ينبض داخل أليافه /يسابق أشجار الدفلى بشراهة / يوشك أن ينمو بلا تربة بلا عشب ...بجسد موغل في الرذاذ / .....سأغلق رموش الليل ببحر يلوح خلف التلاشي /وأملأ بأسيجة الاشتهاء حقولا لكفيك) وكما يعيد ترتيب كل الموجودات حولها أي يملأ كل هواجسها الروحية المرمزة بالمعنى الكبير في عالمها الداخلي , فهذا الحلم يعيد ترتيب الجرح ويسابق أشجار الدفلى مع كل هذا يبقى هاجس الشاعرة اتجاه هذا الحلم ينازعها القلق من المسك بهذا الحلم وهذا هو سر الشعر أن يبقى ينازعنا القلق حتى لحظة المسك بكامل المعنى المتأتي من أتساع التوتر الوجداني الذاتي اتجاه ما تكونه الرؤيا من التصاق المحفز في الدلالات الموحية في مخاض الزمن عند لحظة التجلي البصري الفكري ...
بين النقيضين أغرس شجرة الندى
جسدا يستدرج الصرخة الأولى ....
قبل تخشب الماء بجدران المرايا
أتحامل بالغمام على ما تبقى من جذوة الليل
أغرق عنفوان المرارة براحة الحقول الحجرية
شظايا تناثرت بدمي
وأفتض نبض الصدى بأهازيج الضياء
نشيدا يخاتل الأقنعة بحدقات الينابيع
حين نستدرج المعاني في هذا المقطع نجد أنها بنيت على المفردات المتوترة في أسطرت الذاكرة الشعرية لدى الشاعرة وهذه المفردات هي ( شجر الندى , الصرخة الأولى , جدران المرايا ,جذوة الليل , الحقول الحجرية , أهازيج الضياء , حدقات الينابيع ) وهذه المفردات لها القدرة الكبيرة على أن تحمل حالة التأويل الدلالي في بناء النص حيث هنا يطاوع المعنوى المادي المعنى الروحي وفق أفقية الخطاب لترتيب هذه المفردات التأويلية , وبهذا أن الشاعرة تبنى القصيدة لديها وفق البنيوية النسقية للمعنى السيميائية في بصرية اللغة وضمن هرمون إيقاعي اللغة المعبرة عن جوهر فكرتها التي أنتجت من أزمة القلق الروحي اتجاه هذا العالم حيث نجد ما بين ( شجر الندى ) والجملة الأخيرة من هذا المقطع وهي ( حدقات الينابيع ) والشاعرة هنا تؤكد ارتباطها الكلي مع الطبيعة برغم قد تكون بعض الأماكن تبعدها عن هذه الطبيعة مثل الجدران والحقول الحجرية ولكن يبقى ارتباطها مع الطبيعة لأنها تحقق لها الانفراج عن حدوث الأزمة المسيطرة عليها, عندما تبعدها الأماكن عن محتواها الروحي الذي يتجاذب كثيرا مع الطبيعة النقية , فقد تكون هذه الطبيعة لها ارتباط متجذر مع طفولتها ألأولى وهذا ما يؤكد أن النص الشعري لديها يظهر عندما يحدث التصادم بين ما تحمل من عمق عاطفي نقي اتجاه طفولتها ,أي النص يتحول عندها من رؤيا ذهنية الى عاطفة تصورية وبهذا تتحول اللغة الى أحد مسالك التعبير وفق نسق العاطفي الجمالي لتركيب الصورة الآتية من صقاع الحلم في الطفولة وبهذا تتركب الصورة الذهنية الحاضرة الآن مع الأحاسيس القديمة فيحدث الكشف ما خلف ستار الذات من خلال إزاحة قناع الزمن المتمحور ضمن تشكيلة الذات و الصور الطفولة ..
وقد تسأل يوما ..

من ذا الذي حول دمي لشظايا أصابع الدهر
وأسقط خيمة الصدى برحيل الصبوات
وأعار سقوط الليل رغبة العودة بالطعنات
يؤبن رقص الشجر بحلكة المراثي لتكبر عواصف الاحتضار
لينبت الحلم فجاة في اتجاه السماء ....؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وهنا يبدأ الكشف حيث تضع أسألتها على الأيام وما تمثله من امتداد أفقي لفكرة التجاذب الصوري مع الذات وصورها المتركبة منذ البدايات الأولى , والشاعرة يتحول النص لديها هو الغور في المشاعر بدل الهروب منها لأن زمن الطفولة لديها لا يشكل أزمة لها بل قد يكون هو النضج المحيطي المتكامل مع الفكرة التي تريدها , وقد أكد اليوت وهذا وهو يتحدث عن التجربة الشعرية وكيفية بنيان التركيب لدلالة المخفية داخل ذات الشاعر عندما يريد أن يكون نص حقيقي البعيد عن وهم اللغة المعبرة عنه وبهذا يكون النص لدى الشاعرة هو انعكاس الى عالمها الداخلي وبشكله الرمزي . والشاعرة في هذا المقطع إزاحت ستار اللغة وحسب التأويل الدلالي في الجمل التالية ( أصابع الدهر , الصبوات , الطعنات , عواصف الاحتضار , السماء) وهنا يبدأ البنيان العمودي أي البنيان العلوي اتجاه المشاعر والمتحقق في خلاصة الوصول الى السماء بعد أن نفدت أصابع الدهر والصبوات ) تأتي عواصف الاحتضار فتكمل الدورة العمودية في هندسة النص باتجاه السماء , والشاعرة تبني النص ليس على تداعي اللاوعي بل تعيد اكتشاف هذا اللاوعي من خلال ملاحقة رموزه الواعية التي تحدد السمات الفكرية لمعرفتها البستمولوجية التي تنهض من خلال مداركها النفسية المستقرة والقلقة في نفس الوقت وكما أكد عليها بول ريكور في كتابه ( صراع التأويلات )و أي أن النص يولد لديها من قلقها الوجودي اتجاه المسميات الحياتيه التي حولها ...
وتسأل ...
من منحني لون الوهم بأرض اليوط
من يبس جذع الكلمات
ورجع بالصدى هبوب الأغنيات
من احال زرقة المدى بقايا حدقات
من غامر بوعد السحاب وأحال الموج شطآن السراب
من ومن ومن ووووووووووو

يستمر سؤال التشظي في أحداث المفرقة بين رؤيتها والوجود وهنا البنيان العمودي يأخذ امتداد السطح الأعلى في الدلالة , فتكون منطقة الشعر لديها هي المخيلة وإيقاع ورؤيا وتدخل اللغة هنا كأداة تعبير جوهرية عن انعكاس الحدث الرمزي وفق صيغ التباعد بين ما هو موجود بين رؤيتها ,لأنها تبنى اللغة لديها خارج القناع بل هي تتحكم بالرؤيا البنيوية كي تجعل المعنى ظاهريا بالفكرة وعميقا بالدالة ضمن نسق الوعي الشعري في تكوين الفكرة الهرمية لكي تحافظ على البؤرة النصية من الابتعاد عن ما تريد أن توصله وفق التراسل والتأويل لهذا التراسل الى المتلقي فنجد هذا في معاني ( أرض اليوط , جذع الكلمات ,هبوب الأغنيات , بقايا حدقات ,شطآن السراب .. وووو) حيث تؤكد هذه النهايات لمعنى الجملة الشعرية قاموسها في ترتيب الإيقاع وفق رؤيتها حيث تترادف هنا ( الكلمات , الأغنيات , حدقات ) من أجل تنسق الحدث في الوعي الشعري وفق ذائقة الترتيب الإيقاعي داخل التعبير عن مكنون فكرة النص , لكي يصبح النص لديها محور الممتد ضمن النسيج اللغوي الريؤوية من أجل أحكام الدلالة في سيميائية الكلمات , في بداية المقطع هو الوهم ونهايته السراب وعدم قفل الحدث داخل النص أي النص يبقى ممتد ب(وووووو) فبين الوهم والسراب ثمة امتداد نفسي وتقارب صوري في المعنى واللغة فكلاهما يؤديان الى الفراغ وهذا يدل على أن الحياة عندها مهما كانت لا يمكن أن تعطيها المعنى التي تريد إلا وفق مشاركها الفعلية في خلق الحدث سواء الحدث في الشعر أو الحياة الوجودية حولها , وطبعا هذا انعكاس لحضورها الفعال في الزمن الأولى من حياتها أي أن حياتها الأولية تمثل لها قمة المعنى الحياتي وقمة الحضور الذاتي لديها . وبهذا يصبح التأويل لديها وفق القيم التي أعاشتها سابقا , وهنا تكمن بلاغة المحور لديها في التغير والتنافر مع في داخلها من خزن وانتماء لكل ما حاضر الآن حولها أي أن القديم هو زمن التماسك مع الذات وقيمها فلا يمكن أن يحدث اختزال لذلك الزمن وهذا ما تؤكده ( من منحني , من يبس ,من أحال , من غامر , من ومن وووووو) فكل هذه الأفعال هي أسئلة ( منح , يبس ,أحال ,غامر) مع سؤال من هو الذي فعل كل هذا كي يبعدها ولكنها متمسكة بذلك الزمن الأول لأنه يشكل لها كل الحضور الحياتي والوجودي المتناغم مع كل ما بدخلها من قيم ...
لن يكسل نبعي وهذي المرايا وجوه لهبوب يعمر طويلا
لن تخبو جذوتي وهذي الربا الهامسات بدمي تنبجس وعدا وتنذر ماء
........ قد هرم سفين الليل وهذا الموج يلوح بشظاياه وذي قرابيننا باحت بها الأنهر الحبلى بأحلامنا
تنسج المرافئ لعبورنا خارج رئة العتمة ..

يأتي المقطع الأخير ليؤكد كل ما طرحته من أسئلة في التمسك بالقيم والرؤيا المترتبة على هذا التمسك وهذا يأتي من خلال التحاور مع المرئيات البصرية التي تدور حولها وتراها , لأنها تبقى متأملة لكل شيء حولها دون الاقتراب منه أو الابتعاد عنه كليا لكي لا يسبب لها النكوص والقلق الكبير من خلال تصادمها الحي مع هذه الأشياء والمرئيات فيصبح النص لديها عمق تصادمي مع كل هذا وهذا ما أكدت عليه جولي سكوت ( توفر عنصر التوهج وحصيلة التأثير الأجمالي الناشئ عن وحدة عضوية متماسكة ) فالشاعرة متماسكة من الداخل في وسط أشياء متغيرة وهذا ما يزيد من لحظات التوهج الكلي في تكوين عنصر القلق الوجداني والتوجه الى التعبير عنه من خلال لمستها المتوحدة مع ذاتها ومن خلال الثيمات الشعرية الجوهرية لأنها متشبثة بالعمق وهذا يعطيها زخم دلالي واعي في لحظة الوصول الى أقصى لحظات الشعر المتشظية داخلها لتحقيق التأويل الدالي في نظرتها الى ما حولها من خلال الحاضر والماضي والمستقبل حيث نجد في المقطع السابق تسأل (من .. ومن) وفي هذا المقطع نجد وعيا اشكاليا وجوديا قلقا في الوقت ذاته , فيتحول النص هنا الى تجربة شخصية ببؤرة مركزية لتحريك الحدث الخارجي المحيط بها ومن خلال التحاور والإصرار على عدم قدرة هذا التغير من تغير ما في داخلها من التمسك بالقيم الأولى مع التحكم بالاستعارات والمجازات المتحققة من خلال قيمة الأنزياح والمسك البصري في رصد كل تغير يحدث حولها لا يملك القناعة الوجدانية لها , وهذا سر قلقها الوجودي نجد عكس المقطع السابق وهو السؤال لكن في هذا المقطع تطرح ذاتها كحقيقة يقينية لا تكسلها الأشياء والأحداث حولها ففيها تحدي كبير لكل هذا من خلال فعل المستقبل وبفعل المضارع والنافية له بلن ( لن يكسل , لن تخبو ) وهنا نشعر أن قابلية التأويل تتصاعد بكل مجازاتها الدلالية الموحية نجد هذه الأسماء الملتصقة بذاتها ( نبعي , جذوتي ) التي تؤكد فعل الرفض في المستقبل أي أنها لن تتغير قيمها الثابتة في داخلها المتماسكة والثابتة من الداخل مهما أمتد الزمن أو تغير وهذا يؤكد ثبات الفعل الجوهري داخلها وكما يحدد قدرتها على الثبات أمام ثوابتها النفسية أمام الفعل الخارجي الطارئ , بعدها تؤكد ........( قد هرم سفين الليل وهذا الموج يلوح بشظاياه وذي قرابيننا باحت بها الأنهر الحبلى بأحلامنا/ تنسج المرافئ لعبورنا خارج رئة العتمة ..)أن كل هذا التغير في الخارج الملازم للحياة ( الأنهر) قد هرم ولكنها ثابتة برغم ما تمتلك من أحلام تريد أن تصل إليها ولكنها تريدها خارج فعل العتمة في الحياة لأن اشتراط حياتها في البحث عن الحياة مختلف لما موجود في الحاضر والمستقبل , لهذا تبقى الأشياء الدائرة حولها تهرم وتذبل , لأن سعيها خارج رئة العتمة حيث أن المرافئ تنسج للعبور خارج هذه الرئة أو خارج فعل الحياة لأن الرئة هنا ما هو إلا أنزياح أستعاري الى رمزية الحياة لأن لا يمكن أن تستمر الحياة دون فعل الرئة داخل الإنسان فالنقيض لهذا هو الاختناق والموت , والشاعرة تريد أن تؤشر فعل الرؤيا في الاستمرار بالحياة من الفعل الخارجي لكي تعطي مقدار ثبات ما بداخلها أي أن الخارج لا يستطيع أن يمس داخلها لأنه فعل العتمة , بهذا يكون النص لدى الشاعرة هو نسيج من الرؤيا المتحكمة بانعكاس الفعل الخارجي على جوهرها ما جعل الأنزياح عندها خارج التصور الحسي فتكون تجربتها الشعرية تمتلك الكثير من الانسجام والتماسك الداخلي الموحي برموز الذات وفق هذه التجربة الحية التي تعيشها الشاعرة والتي تنبع من رؤيا شخصية متجذرة فيها حرارة وصدق وتوق وسعي لاكتشاف ما هو جوهري وحقيقي في سعي الإنسان الى الحياة الحقيقة الثابتة بالقيم بعيدا عن لعبة الحياة التي لا تنتمي الى الحقيقة .




( 26 )
والنهار اذا تجلى....عيناك للشاعرة نعيمة زايد / المغرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــ

بزاوية الشوق أعلى الصمت تشجرنا
نعمد السماء
فكيف يأتينا الرماد ؟؟!!!؟؟
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

هنا ك _بلا وطن _تقيم أعراس المساء
والليل لا ينير مساحات الترقب
فتولد الشمس بكفيها عند المغيب
تحنطها الأوتاد المتجهة الى السماء
لتزرع القارات فتنتها أنخابا
وحدها شرفة الهمس تعبر عطش الطير
لتنذر النجوم بفيء النور
كيف يكون التياعك مظلة أغفت الومض على عجل
أسواد بلا قرار يومئ لطريق مبتورة؟؟؟
,,,,,,,,,,,,,,,,,هيه
ما تزال مقيما بأضلاعي,,,,,,,,,,,,,,كي لا يضرب إزميل الشك بذور اليقين
لبست الروح عباءتك
فكيف يأتي المساء بدونك
والنجوم ترخي أكفها بتيجان القمر
فهل صار الغياب جديرا بحتفه!!!?,,,,و
والبحر يصيخ لنبض العشب
سأستعير سطوة الشمس قبل أن تقطع شريانها بالظنون
وأحذر شيخوخة الشطآن
درءا لبقايا عصف تذروه الرياح الهاربة من اسر الأجساد المعتمة
بحيز أضيق من حرارة لا تطاق
شامخ هو الليل يحمي ظلاله
والمرايا ترقص دون النجوى
فهل تشبهه؟؟؟
أعبر سمك الصمت تطوق زعمي
واكسر طنين الزمن بارتفاع المسافات
يستعجلك فرحي الثر لتطفو بسطح الحلم
تشد خناقك بأوردة الاحتراق
دعني أستوعب حجم العجز بملمس ذاكرتي اللاهب
وأغرق جحافل الحزن بعينيك
فثمة منفذ يستعرض العطش
فكيف,,,,,,,,,,,,,,,,, وحدك
كيف سقت المرافئ لعرض الليل
وقذفت الرياح بعيدا
كي ترحل الشواطئ
ويأتيني البحر عاريا أجتاحه



القراءة :
النص هنا يبدأ بسؤال (فكيف يأتينا الرماد ؟؟!!!؟؟) وهو المخاض لتكوين الرؤيا المعبرة عن فكرة النص وهذه الرؤيا التي تمتد كسؤال بلا جواب , حيث أن الشاعرة تعرف كيفية صياغة الجملة الشعرية ضمن ذائقة التعمق بالسؤال ولكن الجواب يوجد خلال إنضاج وتعميق هذا السؤال وبأتساع المعنى وتعميقه ولكن ليس انحدار إلى الغموض بجعل النص يتفكك دون ارتكاز جوهري للمعنى لهذا نجد الجواب في الصورة التكوينية في أسلوبية النص (فكيف يأتينا الرماد ؟؟!!!؟؟/ كيف يكون التياعك مظلة أغفت الومض على عجل / فكيف يأتي المساء بدونك / فكيف,,,,,,,,,,,,,,,,, وحدك / كيف سقت المرافئ لعرض الليل ) هذه أسئلة وجودية تضمن الحضور أو وجود الشخص المشار إليه هنا داخل النص وهذا بقدر ما هو سؤال هو الجواب وفي المعنى حيث يتحول مرة أخرى الجواب إلى سؤال وهذه لعبة الدراما لضمان تصاعد المعنى المراد الوصول إليه في أحداث الأنزياح التكويني فكرة بناء النص وهذا يدل على تمحور التأكيد على وجود الشخص هنا وغيابه أي الامتداد بمكانزمية التمحور حول أحداث الرؤيا وهذا يشير إلى نقطة ضوء في الارتكاز بعدم القدرة على أحداث الفقد برغم غيابه بل هو التأكيد على وجوده أي أن كل شيء يتكون وحتى السؤال وجوابه ضمن عدم حدوث الفقد برغم الغياب وهذه الذائقة التي تتمتع بها الشاعرة نعيمة زايد من حيث وضع المعالجات لرؤيا الواسعة إلى حد يتطابق الشكل مع المضمون أي يصبح المعنى هو الشكل دون حصر هذا المعنى ,بهذا استطاعت أن تتجاوز الأسلوبية في الرؤيا من خلال تحقيق التشخيص نهاية الفكرة بحيث لا تفقد الصورة الشعرية داخل النص بريقها وطبعا هذا يحدث من خلال عدم تمركز النص على بؤرته أو الإطالة النص دون مبرر
فهي بدأت بالتأكيد قبل السؤال لكي تحدد شكل الجواب (بزاوية الشوق أعلى الصمت تشجرنا ) والشاعرة استطاعت أن ستدرج المعنى لكي لا تفقد الرؤيا محورها البؤري (هنا ك _بلا وطن _تقيم أعراس المساء /والليل لا ينير مساحات الترقب / فتولد الشمس بكفيها عند المغيب/ تحنطها الأوتاد المتجهة إلى السماء /
لتزرع القارات فتنتها أنخابا / وحدها شرفة الهمس تعبر عطش الطير /لتنذر النجوم بفيء النور/كيف يكون التياعك مظلة أغفت الومض على عجل /أسواد بلا قرار يومئ لطريق مبتورة؟؟؟ ,,,,,,,,,,,,,,,,,هيه ) وهنا نجد الحوار الذي يؤدي إلى عدم أمكانية حدوث الفقد لهذا الشخص فالشاعرة بقدر ما تؤكد أن من ينتمي إليها هذا الشخص تحمل كل حالات الجذب الموضوعية (بلا وطن . تولد الشمس بكفيها .المتجهة إلى السماء. متجه إلى عطش الطير .تنذر النجوم ) بكل هذا المعنى التي تتمتع من ينتمي إليها هذا الشخص وتحمل كل هذا الجمال من الانتماء إلى السماء و النجوم بكفيها , هنا سبق الجواب السؤال فكيف يكون التياعك مظلة . وكما قلت تعطي الإجابة الأنزياحية لكي تصل إلى السؤال وليس العكس وهنا هو سر جمال هذا النص ( ما تزال مقيما بأضلاعي . لبست الروح عباءتك وكيف يأتي المساء دونك , النجوم ترخي أكفها بتيجان القمر ) وهي هنا تريد أن تناظر أو تحدث المناظرة بين صفات الاثنين دون الإخلال بعمق الانتماء إلى بعضهما لكي تؤكد عمق انتماء بين الاثنين , والشاعرة تأتي بالأحداث دون التدخل بتحديد صفات كل واحد منهم بل تترك الحياة هي من تتحدث عنهما وحدث هذا من خلال الامتداد بعمق الأستعارة الموضوعية داخل النص . ( دعني أستوعب حجم العجز بملمس ذاكرتي اللاهب / وأغرق جحافل الحزن بعينيك/فثمة منفذ يستعرض العطش / فكيف,,,,,,,,,,,,,,,,, وحدك/ كيف سقت المرافئ لعرض الليل/ وقذفت الرياح بعيدا/ كي ترحل الشواطئ/ ويأتيني البحر عاريا أجتاحه(
والشاعرة تعطي حركة الفعل ضمن الرؤيا إلى من يحبها الشخص مع أنها تدرك أنها جسدت شخصية الحبيب بالفعل الموضوعي بمن يحب وهذه الحالة يجعل الدلالة تكبر وتمتد بالعمق استنادا تطابق الصفات مع الأفعال للاثنين أي حققت الاستعارة من خلال موضوعية الطرح بالرؤيا فلم تجعل أيهما يتغلب على الأخر بالحضور الإنساني العميق وبهذا أستطاع الشاعرة أن تخلق نص موضوعي يتشكل من فعل الدراما المتحرك داخل المعنى للنص , وهذا ما ألاحظه في جميع نصوص هذه الشاعرة بان تثبت المعنى في فكرة الرؤيا وتعطي الفعل الدراماتيكي يجذب محور الدلالات بعيدا عن أحداث فجوة التوقف ومن ثم الانتقال أو الاستمرار بالنص مع أن المعنى قد أعطى له المساحة الكافية من الدلالة , وهذا ما ألاحظه في الكثير من النصوص ينتهي المعنى ويبقى الشاعر يكرر نفس المعنى خارج أنزياح الرؤيا لفكرة النص ..أي يصبح النص طويل دون مبرر لطوله بل يصبح فاقد المعنى لأنه يتحرك دون ارتكاز على بؤرة النص التي تحدد مقدار الاستعارة التي تتحقق الدالة وفق منهجية المدلول أي يصبح النص فاقد الدالة لتبعثر مدلولها . لكنا نجد في نصوص الشاعرة نعيمة زايد عكس هذا فهي تمتد حسب التوهج النفسي المقارب لبؤرة النص و الفكرة المراد إيصالها إلى المتلقي لكي تبقى ضمن المعنى الذي يشير إلى المدلول وفق دالته .



( 27 )
ظلالٌ شبه عارية للشاعرة غادة قويدر / سوريا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــ

اهدئي أيتها الروح قليلا
فما يزال في فمي بعضٌ من الرمقِ
وسجلي على كراستي حروفا
تكاد تغريني
وألوانا مزركشات
من الحزن تأوي إلى أفنانٍ
صاخبات فيني !!
أمطري كلّ ما بي من أوجاع
وزيديني
فلا كنت أنتظر طلوع النهار
إذا لم تبحْ أيها الليل
قلقي
كزوبعة ماجت بأحداق ماردة
ثم تنادت بكل الشرور
هيا انتظريني
أعطني اقتدار العواصف
لأقتلع ظلالا شبه عاريةٍ
وشيئا من عنفواني
وشيئا من ظنوني
أشعلي عبير الورود شموعا بليلتي
فهذه أسماءٌ من ذاكرتي ما تزل تتوالى
على كؤوس أثملها الصبر
لا هي احتوت جموحي
ولا هي طرزت بالعو سج
عيون أنيني
أونرحلُ ؟؟
ونترك آهات تناثرت تجتر أفقا فينا
لا صمتُ الأوجاع يصمتُ
ولا تُفْرَغُ
من زوايا شفاهنا تمتمات
ذوبتها انصهارات
الشوق بنارٍ
باتت تكويني
اقتربي ياليالي الأمس وتجزئي
على فوهاتٍ خمدت فيها نيران
شوقي ، لا بللٌ أصاب فؤادي
ولا حدودُ الأمنياتِ
أقفلت مواني الرجوع
بل
جوعا يتلفَّتُ من حولي
إلى رسمٍ ، إلى سطور
إلى نزف يتدفق من شراييني
***
أنكتب ؟؟
وما ذا يكتب عابث مثلي بمفردات الوجع؟؟
وماذا يفيدنا فرحٌ مسننٌ
تكيدُ له الأشباح سلاسلا من الفراقِ
أنا لستُ أنا
ولا نزوات الشعر تستهويني
فحبك أنتَ
ونتوءاتٍ حُفِرت كأخاديدٍ
على لوحٍ من الطينِ
ودموعي باتت فواتير أسددها
بين الحين والحين..
وتعرُّق الوهم يكبلني ويجعل مني
منديلا يلوَّح بيدٍ حملت كل مواجعِ
الغربة
ِوزرعتها في تضاريسٍ شبه عارية
من الخطوطِ
لم يتضح منها إلا حرفان أدمنتهما في كل أوقاتي
وكان الرحيل إليهما نصل يُدميني



القراءة :
ـــــــــــــــــــــ

أن القدرة على محاورة الذات تحتاج إلى معرفة كاملة من معرفة كوامنها وهذا يتطلب قراءة انعكاس هذه الذات على ما نشعر من مشاعر وأحاسيس من خلال تراكم هذه الأحاسيس ضمن مساحة ذاتنا ، لأن كل شيء في تكوين مفاهيمنا المعرفية أو الشعورية يتطلب أدراك عمق المكاشفة لهوية الذات وسط كل ما نشعر به من ألم أو وجع أو حتى فرح ... وحين نستطيع أن نصل إلى أي مرحلة من مراحل أدراك أو القدرة على الإدراك في تحديد عنصر انتمائنا إلى كل الظروف سوى كانت شيئية أو كونية نصل إلى مرحلة نعرف بها كيف نفكر وكيف نجنب ذاتنا الظواهر الفوقية أي الظواهر التي هي لا تعبر عن حقيقة انتمائنا الإنساني ، أي أننا نصل إلى أدراك جوهرنا الإنساني بشكل واسع وعميق ، والشاعرة غادة قويدر ندرك من خلال نصوصها قد استطاعت أن تعرف أين تضع ذاتها وسط تناقضات الظروف التي حولها أي أنها تمتلك الوعي المعرفي بحدود ذاتها وسط المتناقضات التي تحفز الذات إلى التعبير عنها حسب طريقة وعيها وهنا يبرز الاختلاف بين شاعر وأخر أو بين فنان وأخر فبقدر ما تدخل الموهبة هنا بتشكيل نوعية الحافز المعبر عنه أو الطريقة التعبيرية عليه تدخل المعرفة التي تعطي إلى الشاعر أدوات أو قدرة على ملامسة الذات عند لحظة معاناتها أو عند أي حالة تتصاعد عندها كي تعبر عن هذه الحالة وفق ذائقتها التعبيرية في شعر أو فن ، والشاعرة وفق هذه المسلمات ندرك أنها تمتلك الكثير من الأدوات التعبيرية بطريقة عميقة وفق قدرة التعبير عن ما في ذاتها الطريقة العميقة متخذة من الرمز والصورة الشعرية بطريقة الانزياح أي أن الشاعرة تلامس ذاتها وتعرف أي يكمن سر المعاناة ولكنها لا تريد عن تعبر عنه بصورة مباشرة لكي لا تفقد عمق وقدسية هذا المعاناة في روحها أي أن لديها اللغة هي أداة تعبير وليس أداة فضح ، وهذا هو الشعر الحقيقي وخصوصا في قصيدة النثر، فهي في هذا النص حققت كل ما تستطيع أن تدركه من ذاتها من خلال مناشدتها العميقة حيث تبدأ نصها بهذا المقطع ( اهدئي أيتها الروح قليلا ) وهذا المقطع دلالة كبيرة في رسم معامل الذات التي تحتويها وفق أدواتها ..


اهدئي أيتها الروح قليلا
فما يزال في فمي بعضٌ من الرمقِ
وسجلي على كراستي حروفا
تكاد تغريني
وألوانا مزركشات
من الحزن تأوي إلى أفنانٍ
صاخبات فيني !!
أمطري كلّ ما بي من أوجاع
وزيديني
فلا كنت أنتظر طلوع النهار
إذا لم تبحْ أيها الليل
قلقي
كزوبعة ماجت بأحداق ماردة
ثم تنادت بكل الشرور
هيا انتظريني
فأنها تناشد ذاتها بالهدوء كي تبدأ بمحورتها بطريقة المعرفة التراكمية التي تجعلها تدرك أين يكمن سر المعاناة في هذه الذات حيث تبدأ رحلتها مع الكامن وانعكاساته الروحية ، ومن أجل هذا نجد أن الشاعرة تمازج بين هذا الكامن و الوجود الخارجي الذي حولها ، و هنا يكمن سر تميزها أنها تبدأ بحوار الروح من الداخل إلى الخارج فهي تضفي على الأشياء الخارجية معاناتها الداخلية وتعطي هذا الأشياء الأبعاد وفق عمق ذاتها (اهدئي أيتها الروح قليلا / فما يزال في فمي بعضٌ من الرمقِ / وسجلي على كراستي حروفا /تكاد تغريني /وألوانا مزركشات /من الحزن تأوي إلى أفنانٍ /صاخبات فيني !!) فهي تبدأ من الرمق إلى كراستي إلى أفنان أي تمتد الرحلة من الذات إلى الأشياء التي حولها برموزها المتأثرة بها حيث تتخذ من هذه الأشياء حالة التعبير عن الكامن فيها فهي مازال في فمها بعض رمق وكل هذا تحاول أن تسجله على الكراس حروفا فكل هذه يغيرها بالألوان المزركشات ، أي أنها ثابته الذات بالرغم من الألوان المزكشة ،فتطلب من هذه الذات الهدوء لتعرف أسرار الأشياء كي لا تتسرع في الحكم على حجم تأثير هذه الأشياء عليها وكي تعرف مدى تأثير هذه الأشياء على معاناتها التي تعيشها حيث تبدا بتأشير ما بداخلها من معاناة ،بالرغم هذه الألوان المزركشة تشعر بالوجع أي أن عالمها الداخلي هو يحدد نظرتها الى الأشياء حولها وهذه دلالة على كل الأشياء الا تؤثر على ما في داخلها لهذا تناشد ذاتها بأن تمطر هذه الأوجاع ،فهي تنتظر أن تزال هذه الأوجاع وتنتهي منها بطلوع نهار جديد ،, (أمطري كلّ ما بي من أوجاع /وزيديني
فلا كنت أنتظر طلوع النهار/إذا لم تبحْ أيها الليل /قلقي /كزوبعة ماجت بأحداق ماردة /ثم تنادت بكل الشرور /هيا انتظريني ) لكننا نشعر هذه الأوجاع ماردة أي أكبر من المحيط حولها وهي كذلك تشعر بأن هذه الأوجاع برغم أنها تريد أن تزيلها وفي نفس الحظة متمسكة بها وكأنها هويتها في الحياة أي انها تريد أن تنتهي من هذه الأوجاع ولا تريد أن تنتهي حيث تناشد ذاتها بأن تنتظرها .


أعطني اقتدار العواصف
لأقتلع ظلالا شبه عاريةٍ
وشيئا من عنفواني
وشيئا من ظنوني
أشعلي عبير الورود شموعا بليلتي
فهذه أسماءٌ من ذاكرتي ما تزل تتوالى
على كؤوس أثملها الصبر
لا هي احتوت جموحي
ولا هي طرزت بالعو سج
عيون أنيني
أونرحلُ ؟؟

وتستمر هنا الشاعرة بتفصيل هذه الأوجاع وعمقها في داخلها حيث هنا المناشدة بأن تعطي أقتدار العواصف لتقتلع هذه الظلال والتي هي تعرفها أين تكمن فهي عارية أمامها ونشعر أن تريد أن تنهض وتزيل كل هذه الظلال ولكن لا تمتلك القدرة على أزالتها فهي أقوى و تحتاج الى عواصف ،و هذه تتحقق من خلال عنفوان وظنون كي تقتنع بأن تقلع هذه الظلال ، (أعطني اقتدار العواصف /لأقتلع ظلالا شبه عاريةٍ /وشيئا من عنفواني /
وشيئا من ظنوني /أشعلي عبير الورود شموعا بليلتي /فهذه أسماءٌ من ذاكرتي ما تزل تتوالى )
حيث أن صبرها على هذه الظلال قد طال ولم يعد لها أمكانية أن تصبر أكثرفكل محاولاتها لم تحقق لها شيئا حتىوأن أشعلت في ليل صبرها عبير الورد فقد بقى كل شيء على حالة دون تغير , كل هذه الأشياء التي تسبب أوجاعها باقية في ذاكرتها ، وهنا ندرك أنها عاشرت ذكريات مؤلمة وبقيت هذه عالقة في ذكرياتها لا تستطيع أن تزيلها لهذا لا تمتلك سوى الصبر (على كؤوس أثملها الصبر /لا هي احتوت جموحي /ولا هي طرزت بالعو سج /عيون أنيني / أونرحلُ ؟؟ ) هذه الكؤوس أثملها الصبر أي حتى صبرها فاق كل حد فقد أثمل حتى الكؤوس ، وهذا ما يجعلها تيأس من قدرتها على الأنتهاء من هذه الذكريات الى حد أن تدعو برحيلها من الحياة لأنها لم تعد تستطيع أن تصبر أكثر.


ونترك آهات تناثرت تجتر أفقا فينا
لا صمتُ الأوجاع يصمتُ
ولا تُفْرَغُ
من زوايا شفاهنا تمتمات
ذوبتها انصهارات
الشوق بنارٍ
باتت تكويني
اقتربي ياليالي الأمس وتجزئي
على فوهاتٍ خمدت فيها نيران
شوقي ، لا بللٌ أصاب فؤادي
ولا حدودُ الأمنياتِ
أقفلت مواني الرجوع
بل
جوعا يتلفَّتُ من حولي
إلى رسمٍ ، إلى سطور
إلى نزف يتدفق من شراييني

والشاعرة هنا بقدر ما تحاول أن تنتهي من هذه ذكريات الأمس من خلال الأشياء حولها ولكن هذه الأشياءحولها تزيدها وجعا ، نشعر بحجم هذه الذكريات وعمقها في روحها ، أنها تريد أن تنهتي منها وفي نفس الوقت أنها متشسبثة بها وكأنها بقدر ما كانت ذكريات مؤلمة بقدر ما كانت بالنسبة لها هي الحياة التي تريدها فلا تريد أن تزلها وكأن في حالة أزالتها تزول الحياة داخلها ( ونترك آهات تناثرت تجتر أفقا فينا /لا صمتُ الأوجاع يصمتُ/ولا تُفْرَغُ /من زوايا شفاهنا تمتمات /ذوبتها انصهارات
الشوق بنارٍ /باتت تكويني ) ،كلنا نعيش هذه الحالة مع ذكريات وجدنا ذاتنا فيها ولكننا فقدناها وهذا يسبب الوجع الدائم داخلنا لأنها تبقى ملتصقة في داخلنا وكأننا حين نحاول أن ننساها أوأزالتها يسبب لنا وجع أكثر أي أن هذه الذكريات هي نقطة الضعف فينا.وهنا ندرك أن الشاعرة أستطاعت أن تعبر عن هذا بطريقة واسعة الرؤيا ضمن تحكمات الصورة الشعرية التي تحقق أيقاع بطيء أو سريع حسب الموقف من هذه الذكريات و تأثيرها في حاضرها ،فنشعر أن أيقاع النص عالي جدا وبعدها ينخفض وهذا ما يعطي الى المنولوج الداخلي للنص ايقاع واسع وكانه قطعة موسيقية و ما يجعل الصورة ذات تأثير كبير في المتلقي
(اقتربي ياليالي الأمس وتجزئي / على فوهاتٍ خمدت فيها نيران /شوقي ، لا بللٌ أصاب فؤادي /ولا حدودُ الأمنياتِ /أقفلت مواني الرجوع /بل /
جوعا يتلفَّتُ من حولي /إلى رسمٍ ، إلى سطور /إلى نزف يتدفق من شراييني ) و التناقض هنا بقدر ما تدعو ليالي الأمس أن تقترب لأنها تشعر بالشوق لها ولكنها في نفس الوقت هي أقفلت موانئ الرجوع لها ، أي أنها مترددة بين الرغبة بحضور الأمس الذي لم يترك في ذاكرتها غير الوجع وعدم حضور هذا الأمس لأنها تخاف أن ترجع الى الأمس خوفا من أوجاعه ومع هذا أن الأمس باقي في روحها وشراينها أي أنها لا تستطيع أن تنساه ولا تستطيع أن تحضره في حاضرها فهو مرسوم في سطور روحها وكأنه نزف يتدفق من شراينها ، فالأمس بقدر ماتعيشه في ذاتها ولكنها تهرب منه فقد قفلت موانئ الوجوع إليه ..

أنكتب ؟؟
وما ذا يكتب عابث مثلي بمفردات الوجع؟؟
وماذا يفيدنا فرحٌ مسننٌ
تكيدُ له الأشباح سلاسلا من الفراقِ
أنا لستُ أنا
ولا نزوات الشعر تستهويني
فحبك أنتَ
ونتوءاتٍ حُفِرت كأخاديدٍ
على لوحٍ من الطينِ
ودموعي باتت فواتير أسددها
بين الحين والحين..
وتعرُّق الوهم يكبلني ويجعل مني
منديلا يلوَّح بيدٍ حملت كل مواجعِ
الغربة
ِوزرعتها في تضاريسٍ شبه عارية
من الخطوطِ
لم يتضح منها إلا حرفان أدمنتهما في كل أوقاتي
وكان الرحيل إليهما نصل يُدميني
وتستمر بطرح هذا التردد من أن تعيش الأمس أو تنساه ( أنكتب ؟؟ / وما ذا يكتب عابث مثلي بمفردات الوجع؟؟ /وماذا يفيدنا فرحٌ مسننٌ /تكيدُ له الأشباح /سلاسلا من الفراقِ /أنا لستُ أنا /ولا نزوات الشعر تستهويني /فحبك أنتَ/
ونتوءاتٍ حُفِرت كأخاديدٍ /على لوحٍ من الطينِ ) حيث أن الأمس بالرغم أنه يمثل لها الفرح ولكن هذا الفرح يدميها فهو مسنن ، لأنه لم يبق منه غير أشباح تشعرها بالفراق لمن كان يمثل لها كل الأمس وحبها فيه ، فالأمس مازال محفور في روحها كأخاديد على لوح الطين ، وهنا تكمن المعضلة الإنسانية بين شيء سبب لنا الألم في أمسنا ونريد أن ننساه وعدم أمتلاكنا القدراةعلى أن ننساه لأنه يمثل لنا الحياة التي عشناهامن حب حيث صار لصيق ذاتنا من الداخل ، وعدم قدرتنا على نسيانه بالرغم من التبرير الكامل بأنه سبب وجعنا وهذا ما يجعلنا نعيش التنافض والتردد الكبير في داخلنا بين النسيان وعدم النسيان لذلك الأمس (وتعرُّق الوهم يكبلني ويجعل مني /منديلا يلوَّح بيدٍ حملت كل مواجعِ /
الغربة /ِوزرعتها في تضاريسٍ شبه عارية /من الخطوطِ / لم يتضح منها /إلا حرفان أدمنتهما في كل أوقاتي /وكان الرحيل إليهما نصل يُدميني ) وتحاول أن تنفلت من هذا الأمس فهو لم يعد لها إلا رحلة الوهم الذي يكبلها وما هذا الوهم إلا تضاريس عارية أي لا يمتلك حقيقته ، فهي تعيش هذا الحرفان ( حب) في كل أوقاتها وقد أدمنتها ولكن رحلة الى حب الأمس ما هي إلا رحلة النصل الذي يدمها .
وبعد كل هذا الصراع داخل الذاكرة والروح تنفرج هذه الأزمة الذاتية ن حيث ترتقي الشاعرة بالمعنى الدلالي إلى مستوى المعنى الكامل في السطر الأخير من النص حيث نشعر بقدر ما أن الماضي هو الذي عشناه هو المعنى الحقيقي في حياتنا ولكن انتهى وأحدث الفراق معه والرجوع إليه هو الوهم والجرح لأننا أعطينا كل الحب لمن نحب ولكن لم يعطنا إلا الجرح والأم ومن خلال جدلية الصراع بين الماضي والحاضر يبقى الحاضر هو الأمل ، ونحن هنا أمام شاعرة تعرف كيف تنفلت من القافية ولكن يبقى وزن الإيقاع الداخلي للنص هو المستمر على طول النص ، و تصبح اللغة متقاربة بالإيقاع وتتناسب مع الصوت الداخلي للكلمات والدلالة الموحية و كما أننا نلاحظ الوحدة العضوية في تكوين الصورة الشعرية والتي تعمق الرمز وتكثف المعنى فيتصف مثل هذا النص بالوحدة الداخلية لانتظام صوت الإيقاع الذي أعطى إلى النص مستويات عالية من الاستعارة المتقاربة مع التنظيم الداخلي للنص فخلق نص ثابت البناء متغير الإيقاع وهذا يجعل تأثيرة على المتلقي كبير.



( 28 )
شغب وضجيج للشاعرة مريانا سواس / سوريا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــ

شغب حضورك في وجداني ...
يؤرقني...
يقلقني
وضجيج خطواتك
على طرقات ذاكرتي
يقلب كياني ...!

أناديك يا رجلا
ركب يوما مركب عمري
ورحل ..
متأبطا حقيبة أحلامي..
أتراك تعرف أن أشواقي
باتت أشجارا...عميقة الجذور
أسطورية الامتداد...
خريفية العري
وحشية العدوان...؟!

يحتلني وجودك يأسرني...
وأصداء كلماتك..
عاصفة هوجاء
تحاصرني
تدفعني ..إلى أبحر الأحزان...
أصغ إلي يا رجلا
أعلم أنك لا تسمع نداءاتي...
فأنا امرأة أحبتك..
وكنت حبر كلماتي
وأقدس انتماءاتي
وكنت ...استحالة النسيان

وفي صحراء أيامي
كنت قطرة ماء ..تغرقني
فأعوم وأعوم ..
وأنا لا أرغب
بتذكر شكل الشطآن..!
يا رجلا ..
لم يعِ يوما..
صمت رسالاتي
أحببتك
وكبرياء الأنثى...مازالت
ترفع أسواط الكرامة
وتجلدني...
فينزف دمي
ويزهر...
على عشب ذكراك
حدائق مرجان...!!!


القراءة :
ـــــــــــــــــــ

أن البحث في الذات كي نحدد السمات الحقيقة لكل هواجسنا بشكل موضوعي خارج أطر التحيز لهذه الهواجس من أجل كشف ما يعتمر في حياتنا الداخلية من مشاعر تحد صيغ انتمائنا إلى الحياة وهذا بالطبع يجنبنا الكثير من التصادم مع الروح الذي هو السبب الحقيقي في أزمة الذات وألمها .باعتبار أن الشعر هو محور مفاهيمنا المنتمية إلى ذاتنا مرورا بالتجلي الفكري في خواطرنا المنظمة اتجاه الأشياء وصيرورتها الحقيقة دون الحجب الغير واضحة في طرح هذه المشاعر من العالم الساكن داخلنا إلى العالم الملامس إلى الآخرين أي أن الشعر هو المقاربة الحسية لعلامات الذات في تحسسها لكل ما يمر بها من الزمن عبر تغير الأماكن ، والشاعر الحقيقي هو الذي يستفاد من تغير صور الحياة حوله دون إغراقها بالصور الحسية بل يحاول أن يمسك بالصور الحياة بكل أبعادها لكي يصبح نصه نابض بالحياة وليس غارق بالجوانب المغلفة بالغموض الغير متناغمة مع هدف الشعر الحقيقي ومفهومه الإنساني الكبير وهذا ما أنا أشعر به حين أقرأ نصوص الشاعرة مريانا سواس فهي تتجلي بالهواجس الروحية المعبرة عن تصوراتها الفكرية الشفافة فيصبح النص لديها مخاض التجلي في عمق إنسانيتها النقية بعيدا عن مثالب الصور الحسية والتي أجدها في الكثير من نصوص الشاعرات والتي غالبا ما يصنف على أساسه الأدب النسوي حيث نجد هذا الأدب مفرط في الصور الحسية المجانية وليس الصور الوجدانية عكس ما نجده عند الشاعرة مريانا سواس حيث يصبح النص لديها هو امتداد وجداني يقارب الحياة بكل صورها وكأنه لوحة الحياة في مشاعر الإنسان ودون الوقوع في التقريرية أو المباشرة حيث أجدها أنها تعتبر الشعر المعنى العرفاني والمقدس وبهذا يصبح الشعر لديها هو الضرورة التي تبرر الذات وفق حاجتها الإنسانية وهنا في نصها هذا نجد كل هذا ....


شغب حضورك في وجداني ...
يؤرقني...
يقلقني
وضجيج خطواتك
على طرقات ذاكرتي
يقلب كياني ...!
هنا تؤكد الشاعرة على هواجس الذكرى وأهمية حضورها في الذات حين تمتلئ الذاكرة بحضور الشخص الغائب عنها حيث يصبح هذا الغائب برغم غيابه على أنه الحاضر فيها دائما ، فهي تتذكره في كل شيء وكأنه يعيش في زمنها الموجود حولها ، وقد يكون هذا جزء من الوفاء لهذا الشخص الغائب الحاضر في وجدنها فهو حاضر في ضجيج خطواته وشغبها في مساحات وجدانها وكأنه يمتلك الحضور في ذاتها أكثر من الغياب ...



أناديك يا رجلا
ركب يوما مركب عمري
ورحل ..
متأبطا حقيبة أحلامي..
أتراك تعرف أن أشواقي
باتت أشجارا...عميقة الجذور
أسطورية الامتداد...
خريفية العري
وحشية العدوان...؟!
وتترك الشاعرة روحها تدعى ولتستمر بوصف كيفية غيابه وما ترك هذا الغياب من فراغ ، وهذا الغياب نجدها تعيد عمق انتمائها إليه وكيف هذا الانتماء متجذر في وجدانها كعمق الأشجار ، وهنا الشاعرة استطاعت أن تستفاد من الاستعارة كي تقارب الأشجار كرمز مكثف إلى الحياة حيث تشعر به وكأنه موجود في كل الحياة المستمرة حولها مع هذا أنها تشتاق إليه كثيرا ، وهي بهذا تملأ حياتها به بدل من فراغ غيابه حيث هو أخذ كل أحلامها والأحلام هنا هو الآمال الكبيرة في الذاكرة كي نرى الحياة كما نريدها نحن أي أنها تشعر أن الحياة التي تبحث عنها وتريدها موجودة كلها فيه فهو قد تأبط حقيبة أحلامها وغادر ولكنه أخذ حتى مراكب عمرها وهذه دلالة كبيرة على أن جرف حياتها التي هي تعيشها انتهت فلا أمل بالعبور إلى أحلامها حيث نحن حين نكون على شواطئ نهر الحياة لا يمكن أن نعبر إلى الضفة الأخرى دون هذا المركب وهذا إزاحة كبيرة في تحقيق الصورة الشعرية في رمزية بأن حياتها انتهت برحيله ، وهذا ما أجده في الكثير من نصوص الشاعرة من الاستعاضة بالرمز كي تؤشر عمق عالمها الداخلي بحجم فقدانها إلى جميع الأشياء التي مرت عليها وسببت لها الخسارة ، لهذا فهي سوف تكون بالرغم انتمائها الأبدي إليه ( أسطورية الامتداد ) لكن بعد غيابه سقطت في عرى الخريف من حياتها وكان غيابه كوحشية العدوان ، وهي بهذا تريد أن تؤكد أن غيابه ليس هو المسؤول عنه ولكن الأقدار هي التي سببت غيابه وكما يحدث من ألم ووجع في وحشية العدوان والحروب ، وهي تريد أن تقول أن الحياة ليس دائما متزنة في اختيارات الإنسان بل هناك أقدار لا رد لها أو لا قدرت لنا عليها فتأخذ منها الأشياء دون سابق إنذار بل قدرية حمقاء لا اختيار لنا بها ، والشاعرة هنا حققت الدلالة الموحية بالاستعارة الكثيفة الرائعة ...

يحتلني وجودك يأسرني...
وأصداء كلماتك..
عاصفة هوجاء
تحاصرني
تدفعني ..إلى أبحر الأحزان...
أصغ إلي يا رجلا
أعلم أنك لا تسمع نداءاتي...
فأنا امرأة أحبتك..
وكنت حبر كلماتي
وأقدس انتماءاتي
وكنت ...استحالة النسيان
وتستمر الشاعرة لتؤكد كل ما مضى أن غيابه لم يؤثر على حضوره في روحها بل هو مستمر في وجدانها كأنه أمامها فمازال وجوده يأسرها وحتى كلماته حاضرة في مسمعها ولم تغيب فهو الحاضر في وجدانها الغائب في حضوره المكاني فقط ، فكل شيء من ذكرياته تحاصرها وتدفعها الى الأحزان ، لهذا تناشده وكأنه أمامها بالرغم من غيابه وكأنها حاوره وهو أمامها وهي بهذا تحاور ذاتها التي أحبته حيث هو مازال ساكن وجدانها كأنه المقدس لروجها الذي لا يغيب عنها ، حيث هنا تؤكد على غيابه مع هذا تناشده وهو بعيدا عنها ، والشاعرة هنا استطاعت أن تبعد روحها عن الوهم والهذيان الغير مجدي ، فهي تمتلك ذاتها الواعية بكل شيء حولها والتي تبعدها عن السقوط بدائرة الوهم والابتعاد عن مشاعرها التي تنتمي إليها ...


وفي صحراء أيامي
كنت قطرة ماء ..تغرقني
فأعوم وأعوم ..
وأنا لا أرغب
بتذكر شكل الشطآن..!
يا رجلا ..
لم يعِ يوما..
صمت رسالاتي
أحببتك
وكبرياء الأنثى...مازالت
ترفع أسواط الكرامة
وتجلدني...
فينزف دمي
ويزهر...
على عشب ذكراك
حدائق مرجان...!!!
نشعر أن الشاعرة تعرف مقدار ما تعيش من مشاعر بغياب من كان هنا ، حيث نجدها تتحكم بالاستعارة كي تستطيع أن تصف حجم غيابه في حياتها الحاضرة حولها ، وهنا توحي بدلالة عالية المعنى وعميقة في الصورة الشعرية حيث تصبح قطرته ،الأبعاد كاملة أو الرمزية لحياتها وتحميها من التصحر في حياتها عند عدم وجوده والتي تمثله هنا بقطرة الماء ، بنفس الوقت بقدر ما ترتقي هذه القطرة إلى حمايتها من صحراء روحها تعوضها حتى عن شطان البحر ، والشاعرة هنا استطاعت أن تخلق صورة مكثفة عالية التركيز وعالية الأحياء إلى حد أصبحت قطرة وجوده هي محور حياتها الطبيعية التي تعيشها إلى حد الإغراق فيها دون تردد عن الابتعاد عن هذا الغرق ، وهذا ما يدل أن هذا الغائب كان يحتل مساحة واسعة من روحها وحياتها إلى حد أنها لا تستطيع أن تعيش بعده لأنها بعدة تنتهي حياتها في الصحراء أي تصبح هذه الحياة خارج المعنى الذي تعيشه، والشاعرة هنا استخدمت صورتين متناقضتين الصحراء والشطان فهي من ناحية تسقط في الصحراء من بعده ومن ناحية ثانية هذه القطرة تعوضها عن البحار وشطأنها ، أي أن برغم أن حضوره كان قطرة ماء فهي تغرق فيها، فهي تكفيها حتى عن التفكير في كل ماء حتى لو كان بحجم البحر وهذه دلالة على ضرورة حضوره جنبها وهذه صورة عالية المعنى جدا وقد خلقت إيقاع كثيف من الرؤيا التي تمتد بشكل أفقي وعمودي كثيف ، فالشاعرة بينت حجم حبها إلى هذا الغائب وكم هي متمسكة به إلى أن قطرة ماء وجودة تكفيها التفكير بكل العالم ،ومع كل هذا تبين بعد هذا التمسك بأن كل هذا وهو لم يشعر بهذا فهو لم يع يوما هذا التمسك ولكنها لا تريد أن تتنازل عن كبريائها التي تعيش بالرغم أن غياب جوده حولها يجلدها بالسياط إلى حد يدمي وينزف دمها ويزهر هذا الدم إلى حدائق المرجان أي أنها مع نزيفها وعدم إدراكه لحبها له هي تحبه إلى حد أن دمها سيصبح حدائق مرجان أي أنها فرحانة بهذا الحب الذي هو ملاصق لذاتها أي أنها لم تتأسف على حبها إليه ، وحتى عذابه بغيابه وعدم إدراكه لحبها ولكنها تستطيب بكل هذا لأنها مقتنعة بهذا الحب وقدره في حياتها ، ونجد في هذا المقطع كل مساحة المعنى في النص كأنه البؤرة المضاءة لأبعاد الدلالات و الانزياح الذي حققت من خلال خلق الشاعرة صورة مكثفة عميقة موحية بشاسعة حضور من تحب في روحها ، في هذه الصور تتجلى الشاعرة على قدرتها بالمسك بظواهرها الحياتية وعمق مشاعرها الداخلية وكما قلت في المقدمة أنها تعرف تحد هواجسها الداخلية وصيغ انتمائها الحقيقي إلى ذاتها أي أنها تعرف كيف تتصالح الروح في عمق أزمتها في الحياة ..




( 29 )
رقصة ما بعد الليل للشاعرة راضية الشهايبي / تونس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص :
ــــــــــــــــ

هى التي شكلت من وهمها
رقصة الوثب على النواة
ليراقص ذاك المسكون بالأماني طيفها
بلا حراك حد التفوق
ولا وجهة للايقاع المقبل
هي التي اجتذبت الفَراش المخيم حول النار
يتعبدها ثم لا لا يحترق
والنار الجائعة تتوعدها باللعنة القصوى
يضطرم الرقص ويرتل الجسد تعويذته
النار تحترق!!! النار تحترق!!!
هي اذن مجرى أطرافها وباء يحوم
ترسلها من منبتها ملفوفة بالرغبة
الى حيث لا ترحم
فتهوي إلى أهدافها
خطوا يربك
الرقص يحتد...البعد ينهزم
ولا شيء يعلن التلويح بالخبر
تلك هي رقصة الفرح الأخير
قد التحمت بالدق على الوجع
هي التي رقصت والوقع بالاقدام يحتدم
يتفجر دمع المؤولين من غدها
ويتوه الجسد عن مرقصه
ويأوي إلى من يستبيح الاحتراق بالجسد



القراءة :
ـــــــــــــــــــ

نلاحظ من بداية قراءتنا إلى نص الشاعرة راضية نشعر أننا بصدد شاعرة استوعبت كل هبات حواسها وأصبحت اللغة كمائن وأفخاخا محكمة البناء فالقصيدة لم تعد حديقة تشع طمأنينة...بقدر ما هي مشجب أزهار قابلة للوخز ..والشاعرة هنا استطاعت أن تنظر إلى ذاتها من الخارج أي تحولت( الأنا) إلى (هي) حيث بدأت القصيدة بكلمة (هي) من أجل تحقيق الابتعاد عن الذات والنظر أليها من الخارج لكي تتجنب الفخاخ والكمائن في طرح مشاعرها وبشكل واضح ودون مخاوف من التصادم مع الذات الاجتماعية والتي تجعلنا نحجم عن طرح مشاعرنا خوفا مرة من الأعراف ومرة خوفا من فهمنا بشكل عير صحيح مع أن الشاعرة اعتمدت على طريقة الإيحاء بالأفكار والمشاعر ,أثارتها بدلا من تقريرها وتسميتها أو وصفها... وهي بهذه الطريقة استطاعت أن تربط النص وبشكل رائع وجميل ومتقن بحركة النفس وأضاءتها بنور الحقيقة الذات وتشعباتها الإنسانية حتى الوصول صدى اللاوعي وتداعياته ولكنها هنا امتلكت القدرة على التحكم بهذه التداعيات كي لا تصطدم مع ما أرادت أن تبتعد عنه منذ البداية وهي بذلك قد تحكمت بلغة النص وتوجيهها حسب مسار انفعالاتها التي تحسها وفق تحديد النص والوصول به إلى الغاية التي تريد أن تشعرنا بها ووفق أسلوب مفعم بالعاطفة الجياشة ولكن بدون الإغراق بهذه العاطفة أي أنها عرفت كيف التحكم بعاطفتها ضمن أنساق اللغة ولهذا نستطيع أن نقول عن هذا النص ... أنه نص عاطفي وفق لغة انسيابية جميلة والشاعرة حققت ثوابت شعر الإحساس الذي يتولد من لحظة اكتشاف عبر مدياته التذوقية التي يختصر بها أبعاد الزمن وإثارة أكثر من حاسة لدى المتلقي وتصعيد وتيرة العاطفة إلى العملية الشعرية وجعلها عملية وخز وإثارة وصولا إلى العاطفة الجياشة وهذا ما كانت الرومانتيكية تسعى أليه في قصائدها حيث أن الرومانتيكية هي تمرد على العقل والاستلام لما يوحيه القلب بوصفه منبع الإلهام والهادي الذي لا يخطئ في العاطفة ومعناها الإنساني.
وكما قلت في البداية أن الشاعرة أرادت أن تطرح إحساسها الشعري من خلال ال(هي) ومن خلال التوهم أو التخيل أي أن الشاعرة خلقت امرأة أو شخصية ثانية والتحكم بهذه الشخصية وجعلها تسير وفق ما هي أن تريد بعيدا أو قريبا عنها لكي تتجنب لحظة الاصطدام مع ذاتها المعجونة بالأسرار أو أنها أرادت من خلال هذه الشخصية الوهمية مكاشفة ما تشعره بهذه اللحظات من حرج اتجاه ما أرادت أن تطرحه (هي التي شكلت من وهمها\ رقصة الوثب على النواة \ ليراقص ذاك المسكون بالأماني طيفها\بلا حراك حد التفوق \ولا وجهة للإيقاع المقبل ) وهنا نلاحظ أن الشاعرة تغوص إلى أعماق هذه الشخصية وبشكل معرفي كبير كذلك التحكم بهذا العمق وفق لحظات الظهور في العمق أو في الظاهر والشيء الجميل بهذا النص قدرة الشاعرة على خلق هذه الشخصية التي أرادت منها أن تلبي كل ما تريده منها وهي تنظر أليها من بعيد (هي التي اجتذبت الفَراش المخيم حول النار \يتعبدها ثم لا لا يحترق \والنار الجائعة تتوعدها باللعنة القصوى\ يضطرم الرقص ويرتل الجسد تعويذته \النار تحترق!!! النار تحترق ( !!!
فهي توجهها كما تريد وبعض اللحظات تتراجع خوفا من اللعنة القصوى حيث هي اجتذبت الفراش المخيم حول النار وبدأ الرقص حول هذه النار وهي بهذا دخلت إلى الكامن من النفس في الجسد لكي تحقق رغبتها إلى هذا الجسد وبدون أن تفضح أسراره الكامنة بالرغبة والشبق
وما النار ألا اشتعال إلى هذه الرغبة الجسدية والرقص ما هو ألا أشارة لهذه الرغبة وتحقيق طقوسها الجسدية لكي تحترق بتعويذة هذه النار الشبقية.
هى التي شكلت من وهمها
رقصة الوثب على النواة
ليراقص ذاك المسكون بالأماني طيفها
بلا حراك حد التفوق
ولا وجهة للايقاع المقبل
هي التي اجتذبت الفَراش المخيم حول النار
يتعبدها ثم لا لا يحترق
والنار الجائعة تتوعدها باللعنة القصوى
يضطرم الرقص ويرتل الجسد تعويذته
النار تحترق!!! النار تحترق!!!

ونلاحظ الشاعرة دائما تبتدئ بكلمة (هي) لكي تبقى تراقب ذاتها من خلال الشخصية الأخرى
وكما قلت سابقا مرة خوفا من العادات والتقاليد ومرة من أجل البقاء على تحكمها بالكامن من نفسها وإخراجه حسب قدرة هذه الشخصية وحركتها وفق الأهداف التي تريد منها الشاعرة بهذا النص (هي إذن مجرى أطرافها وباء يحوم \ ترسلها من منبتها ملفوفة بالرغبة\إلى حيث لا ترحم \فتهوي إلى أهدافها ) حيث هي تتحكم بأطرافها وعلى معرفة كاملة بحركة هذه الأطراف حيث أن هذه الأطراف تتحرك تلبية إلى الوباء (الرغبة) الذي يحوم حول هذه الأطراف ومن كثرة وجموح هذه الرغبة إلى السعي من أجل تحقيق أهدافها في الرغبة والإسراع في تحقيق هذه الرغبة لأنها وصلت إلى حد لا تستطيع أن تصبر من أجل تحقيقها لذلك تهوي لكي تحقق التواصل.
و نرى لجيشان وشدة هذه الرغبة يحدث الإرباك بالخطو من اجل الوصول إلى اللقاء على مشارف الرقص وحدوث اللقاء الحميم الذي يهزم البعد بين الأجساد ويبدأ الالتحام بينها على فراش النار ... ولا شيء يعلن التلويح بالخبر وقد أنهزم البعد بين هذه الأجساد لكي تتلو رقصة تحتدم فيها الأقدام
من أجل الوصول إلى رقصة الفرح، الرقصة التي تلبي بها الأجساد رغبتها بامتلاك الأخر إلى حد الالتحام وممارسة الحب....والشاعرة استطاعت حقا أن تستخدم الرمز وبشكل موحي ورائع من أجل تكوين مشهد سينمائي أو مسرحي وبدون الوقوع بمطب المباشرة بل أنها استطاعت أن تحقق هذا المشهد من خلال الاستعارة باستخدام الرموز الموحية والمحافظة على هذه الرموز إلى آخر النص وبشكل جميل ورائع حقا بهذا الاستخدام وهي بهذا حققت نص شعري ظهرت قدرته على استخدام لغة مشعرنة تمسك بها رشاقة الدوالة باشتراطات الشعر الجوهرية المتمثلة بمزيج متناسق بين مفرداته الخيالية والأستعارية والموسيقية الصورية كأننا أمام مشهد سينمائي يحقق لحظه الممارس الجسدية ولكن بدون أسفاه أو ابتذال بل بشكل رائع وجميل ومبدع كما قلت سابقا ( خطوا يربك \الرقص يحتد...البعد ينهزم \ولا شيء يعلن التلويح بالخبر\ تلك هي رقصة الفرح الأخير \قد التحمت بالدق على الوجع \هي التي رقصت والوقع بالإقدام يحتدم )
وبعد هذا الجهد في تحقيق رغبة الجسد وفق هذا المشهد يتفجر دمع المؤولين من غدها ويتوه الجسد عن مرقصه... ويأوي إلى من يستبيح الاحتراق بالجسد ...وينتهي هذا المشهد من تلاحم الأجساد بالاحتراق
(يتفجر دمع المؤولين من غدها \ويتوه الجسد عن مرقصه\ ويأوي إلى من يستبيح الاحتراق بالجسد)
وكما قلت في البداية أن الشاعرة استفادة من الرمز بشكل رائع وجميل وكما قال تودوروف ( أن الشعر هو أنشاء يحتفي بالدوال أكثر من احتفائه بالمداليل وتكتسب الكلمات فيه قوتها الشعرية من ممولاتها الموسيقية والإيحائية المعنوية من علاقاتها داخل النسيج اللغوي الواحد)
هي اذن مجرى أطرافها وباء يحوم
ترسلها من منبتها ملفوفة بالرغبة
الى حيث لا ترحم
فتهوي إلى أهدافها
خطوا يربك
الرقص يحتد...البعد ينهزم
ولا شيء يعلن التلويح بالخبر
تلك هي رقصة الفرح الأخير
قد التحمت بالدق على الوجع
هي التي رقصت والوقع بالاقدام يحتدم
يتفجر دمع المؤولين من غدها
ويتوه الجسد عن مرقصه
ويأوي إلى من يستبيح الاحتراق بالجسد



( 30 )
ثورة الروح للشاعر زياد سالم هرمس / الاردن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــ

(ثورةٌ في حُجرة الروح (

اَحِسُّ بشيء ما .....!
شيءٌ ٍ ما غريب...!
يعبثُ بالروح !
يحاورُها.........خِلسة
يجادُلها ......... همسة
أسمع ! أسمع !
كأنه يغازلُها !!؟
كأنها ...
كأنّه..
كأنهما: يتفاوضانِ على صفقة !؟

(هَسْ ....هَسْ........! )
أسرِع الخطى
واُرصدْ لهم خلف الضلوع !
كائنٌ بلونٍ وطعم ٍ وطلعة ،
يهبَطُ من شاهق ٍ اعزلْ
يحطُّ بدمي ....
يتسرّبُ من مساماتِ وجع ِ ألجروح .........
يرتكبُ شيئاً ما بِحجرةِ الروح !

يروادُها عن عزلتها
يقدُّ القميص من كل الجهات !
يغويها، يناورُها .....!
يحاولُ خلعَ براقِعها ...!

أسرِج صهوةَ قلمِك –الأمرُ خطير !
شيءٌ ما يعبثُ بالروح، يتسلقُ جدرانَ الجروح
وتلهو !!؟
يدغدغُها ......!
يراقصُها .....!
يغازلُها...
وتغفو ....!؟
يرتكبُ حماقة ً وخمسين الفَ حب ٍ ....... يُطارحها !
وتهفو !

يا قافَ القلم !
يانون .....
يا حاملةَ الأكوان ومُرضعةَ السطور ؟
يا أَلِف ...
يا ربَ الحرفِ....وواصلَ الرحم
يا مُقرئَ الضيف
ومُطعمَ المسكين
شيءٌ ما يحتطبُ نارَ المُهَج !
يوقدُ للجمر ضلوع !
يقتاتُ على مرجانِ أضلعي !
يسطو على القناديل ِ في المحراب ،
لا يطفئ شيء ...!
يُسقيها زيتَ الزيتون وينخرطُ بسلك الفراش !!
يُنسّقُ الحدائقَ هنا وهناك !!
يندَسُّ ويتخفّى بمعيّتِها... !



القراءة :
ـــــــــــــــــــ

تكمن الصعوبة في ملاحقة نص يمتلك مساحة واسعة من التأويل خصوصا حين يكتب هذا النص من قبل من يمتلك روح شاعر وتصور صحفي حيث تصبح مساحات نضج القصيدة بقدر ما هي شاملة إلى كل نضج فكري يعيش الوقائع الروحية بشكل يومي بقدر ما تحمل عمق وجودي لانفعال الشاعر وأزمته النفسية التي تفجر لدية صيغ الاستعارات والدلالات الشعرية والتي توصله إلى تكوين الجملة الشعرية والفرق بين الجملة الصحفية والجملة الشعرية حيث تكون الجملة الصحفية تقريرية وبشكل مفتوح على الواقع لظواهر الأشياء والأحداث التي تكونها مكونة من خلال حواس النظر والسمع وانعكاساتها على الفكر وثقافاته المعرفية بكيفية صياغة الحدث بينما الجملة الشعرية تمثل انعكاس الواقع وظواهره على جميع الحواس فتوقظ فينا الوعي واللاوعي محتله كامل الوجدان وانفعالاته مع الغوص في عمق هذه الظواهر وإضافة الحلم عليها الغير مفتعل من أجل نقلة إلى الاستعارة التي تؤدي إلى خلق روح الجمال أي الوصل إلى المعنى الجوهري إلى هذه ظواهر وإلا ما فائدة الشعر إذا لم يجعلنا ندرك الأشياء وجمالها النسقي في الطبيعة والروح حيث تبقى الجملة التقريرية جملة مفتوحة على الواقع وظواهره بدون الإضافة ويضمن شكل الصياغة الصادقة قد يشمل التقرير الحالة التأويلية التي تؤخذ من الواقع الواضح و ترتيبه على صيغة أو ذائقة الصحفي أي بدون تسيره إلى واقع أخر من خلال الاستعارة والتأويل وقد تختلف هذه الصياغة من واحد إلى أخر حسب ثقافته المعرفية وندرك أن الشاعر زياد قد أبتعد عن روحه الصحفية لامتلاكه هاجس الحلم وتشعبات الروح التي تسعى أن ترى الحياة أجمل وأعدل أي أن الشاعر أمتلك أدوات الحوار الداخلي وكسر الجمل الواقعية المباشرة وكسر نتائجها المتوقفة لتغدو جملا بعيدة عن الرؤية التقريرية جملا متمردة خلاقة تحدث انحرافا دلاليا يستدل به الشاعر على فنارات إنسانية وتعبيرية موفقة بفتح الثغرات في جدران الثوابت والعلاقات الجاهزة المستلة من نسيج الحياة اليومية أي أن الشاعر أبتعد عن معجم اللغة التقريرية المباشرة إلى لغة تجذب العمق التأويلي إلى مفردات لغته ، والشاعر أستطاع بقدرته الثقافية الإنسانية المعرفية اكتشاف ما هو جميل متناسق ومتناغم مع الموسيقى الداخلية للنص الشعري وأستطاع أن يتطابق في الفعل والبوح الشعري في الأزمة أو المعاناة التي يعيشها في العالم الذي حوله وداخله أي أستطاع أن يخلق عالمه الخاص كشاعر... هذه الحالة تشكل أزمة الشعر بصورة العامة أي كيف أن نبتعد عن التقريرية في الخطاب الشعري من أجل أن نكتشف عمق هواجسنا التي نعيشها وسط أزمتنا الإنسانية اليومية ( الزمنكانية ) .
ونص الشاعر هنا ثورة الروح والروح حين تثور ، تثور من أجل حبيب حقق القين في وجوده حوله وغاب لهذا تناشد روحه هذا الحبيب والتي لا تجد بديل له . يبدأ الشاعر السكون ليغيب إلى داخل روحه ليؤكد عمق أنشداد روحه إلى هذا الحبيب من خلال حوار يجري بين روحه ورؤيا هذا الحبيب والشاعر هنا يريد أن يؤكد أن روحه هي المتعلقة بهذا الحبيب بحيث أصبح طاغي على روحة وهذا ما نشعر به من خلال هذه المحاورة ونشعر أنه ملتصق بروحه بعيد عن حالة وعيه أو أنه غاب عن وعيه بسبب بعد هذا الحبيب وهو يستحضر الحلم من الذاكرة ويجسده في الواقع حوله أي يصبح الحلم لديه حالة من الرؤيا متداخلة مع كل مساحات ذاته أي يصبح الحلم من انعكاس عمق اللاوعي إلى رؤيا متحركة حوله تقترب وتبتعد عنه حسب عمقها في ذاته.


اَحِسُّ بشيء ما .....!
شيءٌ ٍ ما غريب...!
يعبثُ بالروح !
يحاورُها.........خِلسة
يجادُلها ......... همسة
أسمع ! أسمع !
كأنه يغازلُها !!؟
كأنها ...
كأنّه..
كأنهما: يتفاوضانِ على صفقة !؟
يراودها عن عزلتها
يقدُّ القميص من كل الجهات !
يغويها، يناورُها .....!
يحاولُ خلعَ براقِعها


حيث يبدأ الشاعر بمحاورة ذاته ويسألها عن هذا الإحساس الذي يريد أن يبعده عن روحه أي يريد أن يناقش الذات من الداخل ليعرف التوجه الساكن في الأعماق وليعرف المدى الحقيقي المخزون داخلة لكي يحدد انتمائه الحقيقي إلى حبيبه بدون زيف وهذا أكبر حالات التجلي لأن عندما يصل الحبيب إلى حد الملتصق بروحه أي هو الفعل الحقيقي لكل قيمه الروحية التي يعيشها (اَحِسُّ بشيء ما .....! /يءٌ ٍ ما غريب /يعبثُ بالروح ! /يحاورُها.........خِلسة /يجادُلها ......... همسة ) حيث يتصور الشاعر هنا ذاته على سجيتها من أجل أحداث محاورة روحية بينها وحبيبه الذي يحاور يغريها لكي تخضع له كليا حتى تصل الحالة إلى عقد صفقة معه ،بعيدا عن الثورة ضده من أجل تغيره والشاعر هنا يحاول فك الاشتباك بين ذاته حبيبه لكي يرى طريق الثورة داخل روحه
أسمع ! أسمع ! / كأنه يغازلُها !!؟ /كأنها/كأنّه.. /كأنهما: يتفاوضانِ على صفقة !؟ ( أي أغراها بكل الطريق لكي يبقى ملتصق بها لكي لا يرى أختيارته في ثورته إلى حد يقد قميصها من جميع الجهات أي يحاصرها لكي تفقد جميع اختياراتها التوجه بهذه الاختيارات إلى الطريق المؤدي إلى إسكات روحه

أسرِج صهوةَ قلمِك –الأمرُ خطير !
شيءٌ ما يعبثُ بالروح، يتسلقُ جدرانَ الجروح
وتلهو !!؟
يدغدغُها ......!
يراقصُها .....!
يغازلُها...
وتغفو ....!؟
يرتكبُ حماقة ً وخمسين الفَ حب ٍ ....... يُطارحها !
وتهفو !
ويستمر الشاعر بهذه المحاورة حتى يكشف مدى العمق الذي يعيشه وحتى يصل إلى الجروح نشعر بهذه المحاورة كأنها اعتراف إلى طيف غائب من حوله وحتى روحه تعتمد على هذا الطيف باستقرارها ( شيءٌ ما يعبثُ بالروح، يتسلقُ جدرانَ الجروح
وتلهو !!؟ /يدغدغُها....! /يراقصُها .....! /يغازلُها... /وتغفو ....!؟ )
ونشعر أن هذا الطيف هو الذي يلهو أي أن الشاعر يريد أن يؤكد أن هذه الطيف خارج سيطرته الذهنية فهو الذي يتحكم بروحه إلى حد أنه يعبث بهذه الروح (يدغدغها ...يراقصها ...يغازلها ... وتغفو ) وهذه هي رحلة عاشق الروح لأنه لم يعد يعرف كيف أن يبعد هذا الطيف عنه بل هو يشعر أن استقرار روحه تكون خارج تحكماته الفكرية بل يصبح هو هاجسه الحياتي ويستطيب لهذا الطيف الذي أصبح البعد المسيطر عليه بدون مقاومة لأنه يجد فيه كل حياته الذي يتمناها حتى أنه لا يصده بل يتركه حتى يتحكم به إلى حد ارتكابه حماقاته (يرتكبُ حماقة ً وخمسين الفَ حب ٍ ....... يُطارحها ! /وتهفو !) وهذه الحالة حالة العاشق الذي يعشق بجنون حيث أن هذه الحالة هي عملية التشظي وتوزيع الروح على رؤيا لطيف حبيب بعيد عنه ولكنه لا يستطيع أن يصل إليه لهذا يخلق رؤيا إلى طيفه لكي يعيش تحكماته العاشقة إليه.


يا قافَ القلم !
يانون .....
يا حاملةَ الأكوان ومُرضعةَ السطور ؟
يا أَلِف ...
يا ربَ الحرفِ....وواصلَ الرحم
يا مُقرئَ الضيف
ومُطعمَ المسكين
شيءٌ ما يحتطبُ نارَ المُهَج !
يوقدُ للجمر ضلوع !
يقتاتُ على مرجانِ أضلعي !
يسطو على القناديل ِ في المحراب ،
لا يطفئ شيء ...!
يُسقيها زيتَ الزيتون وينخرطُ بسلك الفراش !!
يُنسّقُ الحدائقَ هنا وهناك !!
يندَسُّ ويتخفّى بمعيّتِها... !

والشاعر هنا لعدم قدرته على التخلص من هذا الحبيب بسبب عشقه الكبير حيث أصبح هذا الحب نقطة الضعف لديه إليه يلجئ إلى الله يترجاه لكي يبعد عنه هذه الرؤيا بوجود الحبيب حوله لأنه ليس لديه القدرة على أبعاده عنه أو أنه وصل حالة الضعف التام أمام حبيبه الغائب الذي يتمناه بشده لحضوره في حياته ولكنه لعدم قدرته على الوصول أليه يأتيه كرؤيا يعيش بها
( يا قافَ القلم ! /يانون /يا حاملةَ الأكوان ومُرضعةَ السطور ؟
يا أَلِف ... /يا ربَ الحرفِ....وواصلَ الرحم /يا مُقرئَ الضيف
ومُطعمَ المسكين )

ولكي يبرر هذه الدعوة إلى الله من أجل أن يخلصه من هذا الضعف لدية والملتصق به إلى حد أصبح هو المسيطر على خلجات حياته اليومية وهذا ما جعله يعيش حالة التصوف التام مع هذه الرؤيا لأنها أصبحت كل مساحاته الروحية والصوفية هي انجذاب الروح بكل هواجسها الإنسانية إلى شيء غائب في حضوره بحيث تصبح الروح هي حالة تمحور بكل حواسها وعواطفها إلي هذا الغائب الحاضر في هذه الروح إلى حد فقد السيطرة باختياراتها الجسدية إلا وفق حضور قرب هذا الحبيب وهذه حالة متقدمة من الانتماء الصوفي وذلك لعدم قدرته على الوصول إلى الحبيب تصاعدت لديه الرؤى كبديل عن تحقيق حضور هذا الحبيب فهو يشعر به إلى حد يوقد الجمر بين أضلعه
(شيءٌ ما يحتطبُ نارَ المُهَج ! /يوقدُ للجمر ضلوع ! / يقتاتُ على مرجانِ أضلعي ! /يسطو على القناديل ِ في المحراب ،
لا يطفئ شيء ...! /يُسقيها زيتَ الزيتون وينخرطُ بسلك الفراش !! /يُنسّقُ الحدائقَ هنا وهناك !! /يندَسُّ ويتخفّى بمعيّتِها... ! )

وكما قلت في مقدمة هذه الدراسة أن الشاعر أستطاع أن يحقق شخصية شعرية تنتمي إلى المتن الشعري انتماءا كاملا أي حقق التوازن الشعري بالرغم من هاجسه الصحفي فأنه حقق انفتاح وتفاعل من خلال الحوار الداخلي مع رؤاه التي تمحورت حول روحه أي أنه لامس وأمتلك أدواته الشعرية من خلال تكوين صورة الحنين إلى طيف الحبيب الغائب محققا بهذا هندسة جمالية جميلة فهو أمتلك أدوات التعبيرية للتعبير عن وثورة الروح وفق كياني متوحد ومتفاعل مع نفسه للامساك بقوة رؤاه إلى الغائب وتوظيف كل هذا كرؤية ودليل على ثورته الروحية فهو ترك الكلمات حرية المبادرة من خلال الإصغاء إلى أعماقه وهو بهذا حقق انزياح اللغة من أجل تحقيق المعنى الكامل إلى رؤاه حيث أستطاع أن يقبض على أحلامه ويتشابك الحلم مع الحقيقة والضبابية مع الضوء فهو بهذا جعل المدلول الظاهري انعكاس إلى المدلول الداخلي أي حقق تصوراته الذهنية إلى دلالة في أزمة الذات بطريقة صوفية التي تلغي الذهنية والبقاء بعمق الروح لارتباط العاطفة بعمق المعنى بدل البقاء على ظاهر الأشياء .



( 31 )
الرماد الحي للشاعر عبد الكريم سمعون / لبنان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النص :
ــــــــــــــــــــــ

قيمة الحياة في دفء بساطتها خارج منطقة الكذب والخداع
الرمــــــاد الــــــحي ..!!

سأواجه الماضي ..
بصدرٍ، تعرّى،من حُلُم،
وحاضر يغيب .
أيّها المستعد للموت دوما ،
إنّك الحيّ الوحيد ..
ذات ماضٍ..،وشوق لـ غدٍ
ثمّة أغلال مشبعة بدماء سواعد،
كانت تريد .
عَزَمتْ أنْ تُسقطَ، نقاط أحرف التأريخ المقولبة.
لم يستطع شحوب المحنطات،
امتصاص لونها ..
رغم ابتلاع مُهَج الأجنّة
وتكبيل سمامٍ، غادرها النبض
نَصَبَتْ لأحداقها، أراجيحَ وأثلام نصل ..
حبّ البقاء المؤقت
خلّبٌ وعرضٌ زائل..
بوّا بإنتظار الحشود التالية .
وعرّاب يليق.
قاتلةٌ وسائد الذعر.
و وثيرةٌ تلك،
ذاتُ الأحلام الصغيرة...
باردةٌ صدور الأوسمة،
لاشيء يقيها صقيع المعادن.
الحزن؛ دافئ،
تراب أنامل الرحمة المنثور على جسدي؛ دافئٌ
حواف الخنادق؛ دافئة
ودموعٌ تروي مفازات فراقي .
قلوب تؤرشف تاريخي
وشفاه تنبسه همسا،
مابين الزفرة والزفرة، تعيدُ رسم ملامح أحرف اسمي،
أنامل.. تتحسس صوري المخبأة
تمسحُ دمعا يسيل على وجناتٍ تَوقى
يَصبغ ألواني
ورمادي تسكنه الروح .



القراءة :
ـــــــــــــــــــــ

أن تحديد الدلالات التي يعطيها النص أي نص يعتمد على حجم الرؤيا التي تستطيع أن توصل المعنى وفق أنساق الفكرة المكونة لهذا النص , والفكرة المكونة لروح النص ومقدار امتداد هذه النص ضمن اللغة التي تعطي المساحة الكبيرة على التأويل الدلالي وفق المدلول حيث أن الكثير من النصوص تخفق في إيصال الدالة الى عمق المدلول وذلك لضياع الإشارة الواضحة لهذا المدلول من خلال الغموض والتعويم الذي لا يرتبط بحدود الفكرة أي يصبح النص مغلق خارج نطاق الإيحاء الذي يعطي المعنى كامتداد لهذه الدالة , لكن هنا نجد الشاعر عبد الكريم سمعون أستطاع أن يكون الفكرة التي تبث الرؤيا وفق التأويل المفتوح على الدالة ولكن بتكثيف مرمز على عنصر الصور الشعرية كتصور صوري رؤيوي ذهني يشير الى لغة مستعارة في كل حالات أنزياح الدالة كبعد ذهني يخلق من اللغة حوار مع الموجودات حوله كرموز تثبت المعنى كأساس الإيحاء الذي يعطي للإيقاع الداخلي للنص امتداد الكبير في خلق رؤيا متناسقة في مقاربة التأويل الدلالي الواضح للنص مع احتفاظه بالرمز كتكثيف للفكرة المنجزة من خلال هذا النص , فالشاعر يبتعد عن الخطابة عند تقارب مسالك اللغة الموحية للمعنى لكي يبقى محتفظا بالمعنى المؤشر في العنوان كعمق لامتداد البؤرة داخل النص لتشكل ثريا النص ..

سأواجه الماضي ..
بصدرٍ، تعرّى،من حُلُم،
وحاضر يغيب .
أيّها المستعد للموت دوما ،
إنّك الحيّ الوحيد ..
ذات ماضٍ..،وشوق لـ غدٍ
ثمّة أغلال مشبعة بدماء سواعد،
كانت تريد .
عَزَمتْ أنْ تُسقطَ، نقاط أحرف التأريخ المقولبة.
لم يستطع شحوب المحنطات،
امتصاص لونها ..
في هذا المقطع هو تقاسم ما بين الحاضر والماضي كحضور وجودي للحاضر . كإدراك جوهري في تصوير خلق روح الأمل من خلال أعطاء الى الماضي كمرحلة بناء للحاضر لكن دون أن يهمن هذا الماضي على الحاضر في كل أشكاله الحياتية وهذا إيحاء باستمرار الحياة في حاضرها وامتدادها الى المستقبل هو المنشود في استمرار الحياة لأن قد يكون الماضي أحرف مقلوبة لهذا يرسم الرؤيا التي تعطي الدلالة ليس كل الماضي هو فعال في خلق الحياة في الحاضر و هنا أشارة على حقيقة الجوهرية على أن الماضي بقدر ما له من قيمة كبيرة في تكوين الحاضر يبقى المستقبل هو المنشود في تحدينا من أجل أن نخلق حياة جميلة , حيث أن جميع المحنطات لا تمتص ألوان الحاضر والإشارة الى عنوان إلا صياغة الدالة وفق انساقه لأن الرماد هو حالة الموت ولكن الشاعر أستطاع أن يعطي الرمز أبعاد كبيره بان يحول هذا الرماد الميت الى حي فالاحتراق هنا من أجل خلق مرحلة أخرى من الحياة وليس إنهاء المرحلة السابقة , وهذا يعطي النسق التفكيري لإيجاد البعد الجدلي للحوار في كل الأزمان ومراحلها , وقد بدأ الشاعر (سأواجه الماضي ../ بصدرٍ، تعرّى،من حُلُم، /وحاضر يغيب ) لكي يخلق من ماضي حاضر ويبقى الأتي هو الغاية التي نفكر ببنائها لكي لا تسقط الحياة عن المعنى في الحاضر والمستقبل ...

رغم ابتلاع مُهَج الأجنّة
وتكبيل سمامٍ، غادرها النبض
نَصَبَتْ لأحداقها، أراجيحَ وأثلام نصل ..
حبّ البقاء المؤقت
خلّبٌ* وعرضٌ زائل..
بوّا بإنتظار الحشود التالية .
لو تتبعنا البؤرة النصية التي حكمت حدود النص وعمقت تناصه مع الفكرة المكونه لوجدناها متماسكة داخل الشفرة الخفية في روح النص وهذا ما يجعل النص ممتد داخل مسالك اللغة التي تجمع المعنى في العمق بدل التسطح ..فالشاعر عبد الكريم سمعون حين حدد ثريا النص ( العنوان ) بالرماد الحي فلا رماد بعد الاحتراق إلا الزمن الذي يمضي فكل الماضي حين يمر علينا يحترق في لحظة الوجودية ضمن ذاكرة التقويم البستمولوجي لحدود الذاكرة أي المعرفة الحياتية داخل تفسير الذهن الحي للذاكرة , لهذا أعطي الشاعر رمز عالي الاستعارة وأستطاع أن يوظف هذه الاستعارة الأنزياحية كفكرة الرؤيا لكي يحدد جريان اللغة وفق هذه الرؤيا وطبعا هذه طاقة فكرية معرفية في اللغة كأداة تعبيرية تقبل الرمز إذا كان يحمل التكثيف من أجل خلق المنطقة المفتوحة المتسعة في هاجس التكوين لأبعاد النص , حيث ندرك كل هذا من خلال هذا المقطع , فيتحول الزمن هنا كإشارة برغم ابتلاعها مهج الأجنة والإشارة هنا هو تحديد ما أخذ هذا الزمن منا الكثير من حياة ولكن يبقى كل شيء يمضي الى الزوال مهما حولنا أن نجعل من الزمن هو اختيارنا الأكيد حيث مها كانت أماكننا التي نحاول أن ندافع عنها ونجعلها الشيء الباقي في حياتنا كحالة الوصول النهائي مع كل هذا فهي تبقى مجرد حب البقاء المؤقت وهذه دالة على أن أي حالة أو عرض .. الزمن بجعلها زائلة (حبّ البقاء المؤقت /خلّبٌ وعرضٌ زائل)ولكن بعض هذه العلاقات وحتى في أزالتها تبقى علامة على استمرار الحياة حتى لو تحولت الى وهم نلوح به الى الحياة(..بوّا* بإنتظار الحشود التالية .)
وعرّاب يليق.
قاتلةٌ وسائد الذعر.
و وثيرةٌ تلك،
ذاتُ الأحلام الصغيرة...
باردةٌ صدور الأوسمة،
لاشيء يقيها صقيع المعادن.
الحزن؛ دافئ،
تراب أنامل الرحمة المنثور على جسدي؛ دافئٌ
حواف الخنادق؛ دافئة
ودموعٌ تروي مفازات فراقي .
نجد في كل هذا المقاطع صدى صوتي لعنوان النص أي أن النص أعتمد على البنيوية الصوتيه ضمن الحس الداخلي للغة التي حدد الشاعر المسار فيها ضمن رؤيته ليكون التدرج بالذائقة في تكوين الجملة الشعرية , والشاعر أعطى الرمز الموحي بأن كل مرحلة من الممكن أن تنتهي بمرور الزمن مها كانت شدتها أو قيمتها المعنوية والغير معنوية , كما أن الزمن كفيل بكشف أي شيء مخفي في الحياة لأن لا يمكن التغطية عليه على طول الزمن فلابد أن تنكشف الأشياء المخفية مها كان حنكة العراب الذي يخفي هذه الأشياء(وعرّاب يليق /قاتلةٌ وسائد الذعر. /و وثيرةٌ تلك، /ذاتُ الأحلام الصغيرة.../باردةٌ صدور الأوسمة، /لاشيء يقيها صقيع المعادن.) فها صدور الأوسمة لا يقيها صقيع المعادن أي حتى الأوسمة لا يمكن أن يديم بريقها فهي في الحقيقة معدن لا يقي البرد حتى وهي وثيرة عند هذا العراب , ويؤكد الشاعر أنه مقتنع بحياته البسيطة خارج أوسمة الكذب والنفاق فكل هذه الأوسمة لا تقي حتى البرد مع أنه دون هذه الأوسمة يعيش حياة دافئة ويتناثر على جسده تراب دافئ وهذا استعارة بعمق الترميز للصور البنيوية المكونة لتصور الذهني بحدية الحياة التي يعيشها بكل بساطتها خارج النفاق وحتى دموعه تروي مفازات فراقه أي أنه لا يريد إلا أن يعيش حياة بسيطة بالمعنى الحقيقي وخارج البهرجة والزيف فمن البساطة يدفئ ومن البساطة يبكي على الأشياء التي تفارقه فليس لدية عقد تحتم علية أن يلبس وجوه الأوسمة المؤدية للزيف والخداع (الحزن؛ دافئ، /تراب أنامل الرحمة المنثور على جسدي؛ دافئٌ /
حواف الخنادق؛ دافئة /ودموعٌ تروي مفازات فراقي) .ندرك من خلال هذا أن الجملة الشعرية لدى الشاعر يبنيها وفق الرمز البسيط الغير ملغوم بالغموض والأدراكات المنفلتة من بؤرتها النصية يكون صداها الصوتي داخل مسالك اللغة العميقة التي تعطي الأيحاء المشع الذي يجد صداه عند القارئ الذي يعطي الى الرمز زمن كامل ببناء التصوري الصوري للجملة الشعرية ...

قلوب تؤرشف تاريخي
وشفاه تنبسه همسا،
مابين الزفرة والزفرة، تعيدُ رسم ملامح أحرف اسمي،
أنامل.. تتحسس صوري المخبأة
تمسحُ دمعا يسيل على وجناتٍ تَوقى
يَصبغ ألواني
ورمادي تسكنه الروح .
ونجد هنا صدى ما قبل هذه الجمل الشعرية فهو يستمر بما يعيش من حياة المعنى المتكونة لدية نتيجة الوعي المعرفي بان الحياة ببساطتها الإنسانية أفضل بكثير من حالات الأوسمة التي لا يكسبها إلا من لدية القدرة على الزيف والخداع فهذه مجرد معادن لا تقي البرد , مع أنه خارج هذه كلها يعيش حياة دافئة وقيمة المعنى داخله كبيرة فهو يمتلك قلوب تؤرشف تاريخه أي أنه هو الباقي في الحياة وكل الأوسمة زائلة مع الزمن لأن الحياة تحتم علينا أن نعيش البساطة النقية الصادقة البعيدة عن كل المراهنات التي توقعنا في شباك الخداع والكذب ببريق أشيائها , الشاعر يجعل من جملته الشعرية بنيوية مفتوحة قابلة لتأويل الكتابي وفق بلاغة اللغة المكثفة لعنصر الصورة الشعرية ضمن نطاق التركيب البؤري المتماسك بتحريض المتلقي على إثارة خياله , أي أنه يكون الجملة الشعرية التي يريد من المتلقي أن يوسع أفق التخيل لكي يصدمه تكثيف الفكرة المكونة لمكنون الرمز الكثيف الذي يخلق المجاز في النص الشعري الحديث لأن أهم شيء في النص الحديث هو كيفية خلق الدلالات التي تعطي الى الرموز كعنصر أساس في تكوين الجملة الشعرية في تركيب الصورة الذهنية ذات الأبعاد الصوتيه في النص الحديث كما أن النص لدية تتدرج في سياقات النص أي يؤكد المعنى من خلال استمرار جملة المعنى .

*الخلّب هو الكاذب .. كإن نقول برق خلب وهو الغير ماطر .. أو رصاص خلبي أي بلا مقذوف صوت فقط .
*وبوّا .. البو .. حين يموت ابن البقرة يسلخون جلده وييصنعون منه هيكلا كاذبا ليقنعوا البقرة أن ابنها مازال حيا
لتدر الحليب .. ومن الأمثال العربية المعروفة يقولون فلان أخدعَ من بو ..ولا أشد من خداع الأم بمعرفة ابنها ..








 
/
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة نصوص جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:25 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لأكاديمية الفينيق للأدب العربي
يرجى الإشارة إلى الأكاديمية في حالة النقل
الآراء المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة بل تمثل وجهة نظر كاتبها فقط