اعـتـقـال مـواطـن

[يحيى البحاري]

جلس متقرفصاً داخل حجرة واسعة جداً، أربعة أمتار.. وأنوار الباحة تُلقي بأشعتها من بين فتحات الباب السيخي.. والأرض مكسوة ببقايا (عطن البول) وعيناه ترقبان العسكري، الذي أخرج التلفاز من حجرة المناوبة إلى الباحة الخارجية، لثلاث مرات قام بتعديل وضع التلفاز، وتحريّكه من مكان إلى مكان آخر، والمواطن يرقب.
- سعادتك أريد أن أصلي
العسكري يسمع أو لا يسمع وآخر يقول:
- ستأكل وتشرب وتصلي لا أحد سيمنعك!
والعسكري لايسمع
- سعادتك أريد الصلاة بإمكاني جمع المغرب مع العشاء
التلفاز يعرض فيلم، والفيلم العربي عادة لاينتهي، كلما كان هناك تقارب في وجهات النظر جاءت مشاهد_منبثقة.
المواطن يريد الصلاة ويعاود النداء:
- سعادتك لو سمحت أريد الصلاة
فينهض العسكري متثاقلاً والريموت كنترول بيده و يبحث عن المفتاح. المواطن يتساءل في نفسه هل تجوز لي الصلاة؟ عليّ أن أصلي ولكن! هذا المكان غير طاهر للصلاة
- هل بمقدوري الذهاب إلى المسجد؟
العسكري يبتسم.. وابتسامته تقول:
- المواطن يطلب منّا أن نخدمه بالمجان
المواطن لايزال يسأل، يسأل في نفسه:
- هل عليّ أن أدفع لأصلي؟
الرشوة مقابل الصلاة.. والمواطن لا يفهم بل لا يريد أن يفهم.. العسكري يفتح الباب و يفتشه تفتيشاً شخصياً قبل الذهاب إلى المسجد أو قبل اقتياده إلى المسجد.. العسكري يقفز إلى داخل المسجد ويبحلق بنظره يمنة ويسرة.. المواطن يدخل بالرجل اليمنى.. والصلاة خشوع!
المواطن يسأل هل حقاً أنا أصلي؟ هل صليت أنا ؟
ثم يُقتاد إلى الرائحة النفّاذة وعطن البول.
رجل آخر يقول:
- أتريد أكلاً، أتريد مشروباً؟
والمواطن يدفع!
العسكري يبتسم.. وابتسامته تقول إنه لن يرجع الباقي، باقي المبلغ.. إنه مقابل خدماته.. تلك ليست رشوة
المواطن عادة رجل مهذب لايفهم.
العسكري يقول:
- ألا تريد الصلاة؟.. لابد من تقديم خدمة نظير ما أخذته منك
المواطن يسأل نفسه:
هل تجوز الصلاة؟
فقط يريد أن ينام، ماذا يمنعه من أن ينام؟ الحجرة واسعة جداً أربعة أمتار.. والرائحة لاتمنع النوم.. والبراغيث لا تنام.. المواطن بين الأربعة جدران يريد أن ينام والبرغوث ليس في خدمة الشعب.. المواطن يغفو ويصحو.. يريد الصلاة.
- هل المؤذن نادى بأن الصلاة خير من النوم ؟
العسكري ينظر إلى التلفاز.. أظنه الفيلم العربي بدأ أو انبثق فيلم آخر!
جميل جداً نصف قارورة البلاستك، تصلح للوضوء وللشراب
المواطن يعرف سيرحّلونه بعد قليل ..وبعد قليل، يضع وكيل عريف الكلبشات في معصمي الرجل، والمواطنون في الشارع ينظرون إلى ابن الشعب الخطير الشأن وعسكري الحراسة إلى جانبه..لا ليس خطيراً بل مهماً، عادة الحراسة تكون للرجال المهمين. ومحطة للحافلات ومسافرون يتساءلون
عن المجرم الخطير شأنه.
وكيل العريف يقول:
- اشتباه
الاشتباه في مسجلي الخطر يفرض وضع القيّد لمجرد الاشتباه، ودخول الحمّام ليس زي خروجه.. الرجل دخل "حمّام العسكر".. واستعمال الحمّام ممنوع، لا ليس منعاً كلياً وإنما المنع يتوقف على مايوجب فك القيّد.. المواطن يتدرب بيولوجياً، وأن يستمع إلى نصيحة وكيل عريف:
في الحمّام عليك أن تفعل كذا ولا تفعل كذا لأنه ممنوع.
اركب، اركب.
المواطن يصعد إلى داخل الحافلة.. عيون المسافرين تبحلق وتسأل وعادة المواطن يسأل نفسه سرّاً.. امرأة تتأسف على الشاب وتجهر بالكلمة _ نصيب _ وبناتها الثلاث إلى جوارها وتروي إنها ذاهبة إلى لجنة الحج والعمرة، دعواها أن يعطي بناتها عريساً ليس على يديه قيّد.
على بوابة الإدارة العامة عسكري يسأل:
- ده مواطن وللا أجنبي ؟
العساكر هم الذين يسألون جهراً.. يتباهى وكيل العريف بوصوله سالماً، لم يفترسه الذئب بل جاء به من ذيّله.
المدير يقول:
- نأسف كان مجرّد اشتباه
المواطن يقول:
- أريد الحمّام وأريد الصلاة بالمجان.


الخرطوم 7/10/2012
يحيى البحاري

[سلطان الزيادنة]

الوارف يحيى البحاري

ثمينة قصتكم وشائقة

ننتظر مزيدك

ومزيد حضورك على صفحات الزملاء

محبت

[روضة الفارسي]

مرحبا بالكاتب يحيى

قصة واقعية جميلة، ولو أنك اشتغلت أكثر على الخاتمة لكانت أجمل وأجمل

أجدد الترحاب بك بين عائلتك نحن

روضة

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلطان الزيادنة

الوارف يحيى البحاري

ثمينة قصتكم وشائقة

ننتظر مزيدك

ومزيد حضورك على صفحات الزملاء

محبت

أخي الأستاذ سلطان
في البدء ارحب بحضورك الزاهي
*سأقرأ للزملاء فأنا قارئ اولاً
لك التجلة والاحترام

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روضة الفارسي

مرحبا بالكاتب يحيى

قصة واقعية جميلة، ولو أنك اشتغلت أكثر على الخاتمة لكانت أجمل وأجمل

أجدد الترحاب بك بين عائلتك نحن

روضة

أهلااااااا بالأخت العزيزة الأديبة روضة
سعدتُ بهذا الترحيب
أشكرك على القراءة والملاحظة
متى ما وجدت نهاية أجمل لن أتردد في التعديل
تحياتي

[فاطمة الزهراء العلوي]

من بين أجمل ما قرأت لك يا يحيى اخي

مفردة * المواطن * التي تكررت عبر كل مسار الحدث
لم يكن التكرار هنا اعتباطا بل بذكاء جميل جدا وظف
هذ ال * مواطن* حتى وهو سجين من حقه الكثير من الاشياء تغيبها قضبان الحديد تحت رحمة رشوة واغتيالات لحقوق

جميلة جدا وتستحق الواجهة
تقديري

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء العلوي

من بين أجمل ما قرأت لك يا يحيى اخي

مفردة * المواطن * التي تكررت عبر كل مسار الحدث
لم يكن التكرار هنا اعتباطا بل بذكاء جميل جدا وظف
هذ ال * مواطن* حتى وهو سجين من حقه الكثير من الاشياء تغيبها قضبان الحديد تحت رحمة رشوة واغتيالات لحقوق

جميلة جدا وتستحق الواجهة
تقديري

أهلااااااااااا أختي الزهراء
كأني مزهوا بهذه الكلمات التي جاءت من قراءت الاستاذة القديرة الزهراء
تحياتي

[خالد يوسف أبو طماعه]

اعادة تدوير

لزيادة مساحة المشاركة
بين الكاتب
والمتلقي

لمقام ذائقتكم

المواطن يقول:
- أريد الحمّام وأريد الصلاة بالمجان.

تذكرت هنا مقولة : وحدة حرية حياة أفضل .. في الحمام طبعا

هههههه

المواطن يريد أشياء كثيرة يمكن اختصارها في شيء واحد: كرامة

والبقية تأتي من تلقاء نفسها

أم أن المواطن ليس له حقوق؟

لي قصة شبيهة بنفس الفكرة مع اختلاف الأحداث

يحيا الوطن

من هو الوطن؟

ومحطة وبص ومسافرون يتسألون>> يتساءلون
ماذا تقصد بكلمة بص؟


كنت رائعا

تقديري

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد يوسف أبو طماعه

اعادة تدوير

لزيادة مساحة المشاركة
بين الكاتب
والمتلقي

لمقام ذائقتكم

شكراااااااا جزيلا أخي خالد
لإتاحة القصة للقراءة
تقديري

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصطفى الصالح

المواطن يقول:
- أريد الحمّام وأريد الصلاة بالمجان.

تذكرت هنا مقولة : وحدة حرية حياة أفضل .. في الحمام طبعا

هههههه

المواطن يريد أشياء كثيرة يمكن اختصارها في شيء واحد: كرامة

والبقية تأتي من تلقاء نفسها

أم أن المواطن ليس له حقوق؟

لي قصة شبيهة بنفس الفكرة مع اختلاف الأحداث

يحيا الوطن

من هو الوطن؟

ومحطة وبص ومسافرون يتسألون>> يتساءلون
ماذا تقصد بكلمة بص؟


كنت رائعا

تقديري

أهلا أخي الأديب الصالح
أتمنى أن أقرأ قصتك
بص = أوتوبيس ، حافلة لنقل الركاب
أشكرك على الملاحظة والسؤال سأقف عنده
تقديري

[محمد خالد بديوي]

المواطـــــــــن يريد وطــــناً .. وكــــرامته المهدورة ..

الأديب الوارف يحيى البحاري : رائعة جدا وعميقة
اشكرك على هذا الابداع والامتاع ..

مودتي والتقدير

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بديوي

المواطـــــــــن يريد وطــــناً .. وكــــرامته المهدورة ..

الأديب الوارف يحيى البحاري : رائعة جدا وعميقة
اشكرك على هذا الابداع والامتاع ..

مودتي والتقدير

أهلا بك أخي الأديب محمد
كل عام وأنت بخير
يسعدني مرورك ياعزيزي
تقديري

[انجي يوسف]

المواطن يريد مساحة من الوطن والكرامة والعدل
المواطن يسريد أن يكون ابن الوطن
رائع ما سردت
تقديري والاحترام

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انجي يوسف

المواطن يريد مساحة من الوطن والكرامة والعدل
المواطن يسريد أن يكون ابن الوطن
رائع ما سردت
تقديري والاحترام

أهلا الأديبة انجي
كل سنة وأنت طيبة
العيد مبارك عليك
ويظل المواطن يحلم بوطن الكرامة
تقديري

[خالد يوسف أبو طماعه]

حالة متكررة في مجتماعاتنا بكل أسف
نص جميل حياكة وسرد وتصوير
نص طغت عليه السخرية بأسلوب
جميل وجذاب ولغة رقراقة سلسة
لم يبق إلاّ أن أقول شكرا أيها الجميل
يحيى البحاري على هذه التحفة الرائعة
تحيتي والتقدير

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خالد يوسف أبو طماعه

حالة متكررة في مجتماعاتنا بكل أسف
نص جميل حياكة وسرد وتصوير
نص طغت عليه السخرية بأسلوب
جميل وجذاب ولغة رقراقة سلسة
لم يبق إلاّ أن أقول شكرا أيها الجميل
يحيى البحاري على هذه التحفة الرائعة
تحيتي والتقدير

أهلاااااا أستاذ خالد
دائما تتحفني بطيب حضورك
أشكرك على هذا الدعم
تقديري أيها النبيل

[عبير هلال]

المواطن يطلب ولكن هل من مصغ حقيقي له..

أنا أريد وأنت تريد وهم يصغون لما يودون الإصغاء له


متى قرروا وإن قرروا ..!!


القدير يحيى

من أين تأتينا بهذه الروائع المذهلة ...!!


لك قلم ماسي يذهلني على الدوام


هنيئا لنا بك


كل عام وأنت بألف خير

مبدعنا الرائق

[علي بن مجدوع آل علي]

إيقاع هذا السرد انطلق كطلقات رصاص متتالية، أصاب الهدف مئة مرة، وقذفه بالهلع ألف مرة.

إلا أن الإصابة قاتلة، والنجاة كاظمة الغيظ إلى النهاية.

رائع،

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبير هلال

المواطن يطلب ولكن هل من مصغ حقيقي له..

أنا أريد وأنت تريد وهم يصغون لما يودون الإصغاء له


متى قرروا وإن قرروا ..!!


القدير يحيى

من أين تأتينا بهذه الروائع المذهلة ...!!


لك قلم ماسي يذهلني على الدوام


هنيئا لنا بك


كل عام وأنت بألف خير

مبدعنا الرائق

أهلااااا ومرحبا بالأديبة عبير
وأنت بألف ألف خير
تقديري

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي بن مجدوع آل علي

إيقاع هذا السرد انطلق كطلقات رصاص متتالية، أصاب الهدف مئة مرة، وقذفه بالهلع ألف مرة.

إلا أن الإصابة قاتلة، والنجاة كاظمة الغيظ إلى النهاية.

رائع،

مرحبا أستاذ علي
سعدت بمرورك الطيب
تقديري

[مامد شيخو]

الأخ العزيز يحيى البحاري
قصّتكَ جميلة .... ولُغتك حلوة
لكَ مودتي
وسلامي
وتحيتي
...............
مامد

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مامد شيخو

الأخ العزيز يحيى البحاري
قصّتكَ جميلة .... ولُغتك حلوة
لكَ مودتي
وسلامي
وتحيتي
...............
مامد

أهلا بك أ. مامد شيخو
أشكرك على المرور وعلى كلماتك الطيبة
تحياتي

[يحيى البحاري]

للقراءة والنقد مجددا

[يحيى البحاري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال عمران

الاستاذ يحيى
صورة نابضة عن أحوال السجون والمعتقلين ...
الصورة حلوة بها الكثير من فضح مايحدث ...لكنها مختصرة الى حد يشكرك عليه عسكر السجن ..فتلك المساحة من المكان والحديث والرد هى شئ كثير بالنسبة لسجين ومعتقل ..وحتى الرشوة ..زشئ من ملايين الأشياء ...
وددت لو أحكى لك عن ضيق الزنزانة حتى عمل المعتقلون دورا ثانيا بالحبال والملاءات ليناموا ( فوق ) فمساحة الأرض المتاحة لكل معتقل ( شبر وقبضة ) والأزيد ( بفلوس ) ..وددت لو أقول لك عن زنازين لاتكفى لجلوس المعتقل فيظل واقفا وينام واقفا ..وددت لو احدثك عن معتقلين وسجناء رأى لايرون الضوء ..ولا يجدون الهواء ..الا بالكاد ..يسترقون السمع علهم يسمعون صوتا لكائن حى ..و ..و ..الخ ..
اعتذر منك فقصتك جعلتنى اعيد ماض فى الذاكرة ..
مودتى واحترامى

شكرا لك أديبنا المبدع جمال عمران
لايريك الله مكروها.
تحياتي